وقفت الزنقة بآخر حفاترة العرب

****،

مساء أمس حل لغز تصريح ماكرون حول تونس المهددة وأزداد وضوحا بأن عرف التهديد بكونه داخليا مستندا إلى خارجي.
فعين ضمنا المتهمين الداخلي (النهضة وقاعدتها) والخارجي (تركيا وثورة ليبيا).
لكن ما اتضح أكثر من ذلك هو تصريحات الدمية في باريس وعلاقتها بالمشروع الذي نصب من أجله.
فكل ما يقوله عن استهداف مؤسسات الدولة صحيح
وهو ما يقوم به هو وفريقه لكنه يسقطه على من يعارضون مشروعه ليحولوا دونه واسقاط الدولة ومؤسساتها.
وهو إذن يخلط بين الخطر على مشروعه والخطر على تونس لتوهمه أن تونس متجسدة فيه وفي مشروعه.
لذلك فلا فرق بينه وبين حفتر في ليبيا وبلحة في مصر وبشار في سوريا والحوثي وجماعة الجنوب في اليمن وهلم جرا.
نحن الآن بصدد مشاهدة تنصيب قوى الشر “حفتر” تونس أو “بلحتها”.
فهو يريد توريط قوتي أمنها ودفاعها بعد أن فشل في توريط شعبها الذي توهم أنه قد حصل منه على تفويض. لكن سرعان ما تبينت غالبية الشعب التونسي أنه قد خدعهم.
فلم تدم الخديعة طويلا إذ هي افتضحت في أقل من فصل واحد ففقد ثقة الشعب وخاصة بعد فضيحة زيارته لفرنسا.
ما حصل البارحة في قصر قرطاج هو غاية ما شرع فيه من محاولة توريط الجيش بعد فشله في “بدونة (جعله بدو)” الشعب و”قبلنته (جعله قبائل)” بالطريقة المليشاوية التي كانت خطته في الأول.
والتي بدأت للتجريب في شكل حملة نظافة ثم تطورت إلى تكوين تنسيقيات وهي تسمية مهذبة للمليشيات وما تلاها من زيارات وتعنيقات وتبويس وخاصة زيارات ليلية لقياداتها بتنكر فاروقي للتقية.
لكن شعب تونس ليس مثل شعوب بعض البلاد التي قارنت في أحد حواراتي غيره به وبينت لما هو عصي على الاستعباد والتوظيف القطيعي:
فهو خال من روح العبودية للباشوات والجنرالات.
وهو شعب حر ومتعلم وله تاريخ نضالي بعيد الغور ككل شعوب المغرب الكبير بخلاف شعوب المشرق الكبير الذي بدأ يعرف ما عرفه المغرب من مقاومات طويلة النفس.
ولعل سوريا الأولى في المشرق.
إذا ما استثنينا فلسطين التي لم تكن مقاومتها قطرية ولا مشرقية بل شارك فيها كل المسلمين وخاصة من المشرق والمغرب. وهي حالة خاصة منذ أن بدأت ولا تزال كذلك لجمعها بين كل شعوب الأمة.
سرعان ما تبين للشعب أن من ظنوه من خارج السيستام وجاء ليحررهم منه هو في الحقيقة ابنه حتى النخاع وليس ابن السيستام المحلي فحسب بل تبناه السيستام الإقليمي والدولي اللذين تمكنا من استعمله ليكون حفتر تونس.
فما حدث في الجنوب لا يمكن أن يكون أمرا يقره الأمن التونسي ولا الجيش التونسي طواعية لو لم يكن ضمن خطة دبرت بليل ضدهما هدفها توريطهما في ما لا تسمح به تربيتهما وتقاليدهما لأنهما كانا ولا يزالان في خدمة تونس ولا يمكن أن يجندهما أحد.
واعتقد أن ما حصل كان محاولة لفرز من يعترض حتى تقع تصفيته كما فعل ابن علي مع خيرة قيادة الأمن والجيش.
وهو أمر لا يخيفني شخصيا لأني أعلم أن جيشنا محصن بفضل الله أولا لأنه جيش محترف وقياداته مكونة فنيا وخلقيا حقا وليس جيشا من الأميين كبقية الجيوش العربية.
فلا أحد يجهل أن ابن علي في بداية نظامه شرع في اللقاء بقيادات الجيش في شبه مجلس “قيادة” الثورة القذافية وبعد أن سبر آراءهم عمل ما يعلمه الجميع في قياداتهم المخلصة.
وما حصل أمس في قصر قرطاج لا يمكن أن يعتبر دليلا على عدم كفاءة سياسية فحسب فيعتبر صاحبه بريئا بل هو جزء من خطة واضحة للفتنة في الجيش نفسه ثم تحريض بعضه لنشرها في تونس لأنها هي الحل الوحيد المتبقي في جعبة موظفيه.
ذلك أن الحدثين اللذين تدخل فيهما الأمن ثم الجيش من الاحداث العادية التي لا تقتضي كل هذا الصخب لو لم تكن مفتعلة بقصد اشعال الفتنة فيهما أولا ثم بينهما وبين الشعب ثانيا.
فلا احتجاجات الكامور تتطلب التدخل العنيف للأمن.
ولا خاصة التهريب الهامشي في الجنوب يستحق تدخل الجيش والقتل العمد لأن ذلك عمره أكثر من ثلاثة عقود وهو ثانوي وخاصة في لحظة صار فيها من اختاره الرئيس رئيسا لحكومته أقل ما يقال فيه – إنه مقدوح الذمة.
بل هو مثل من عينه الذي طلب منه أن يواصل عمله ولا ينشغل بالابتزاز – لكأن محاسبة اللصوص تسمى ابتزازا – قليل الحياء لأن أي مسؤول في بلد ديموقراطي يستقيل لمجرد الشبهة ناهيك عما يتهم به هو ولا يتحدى ممثلي الشعب فينبس بكلام زوفري “يبطى شوية”.
خطاب الرئيس أمس اسقاط لكل خطته على عدو وهمي يضمر أنه النهضة وتركيا: فهو يصف مشروعه وينسبه إلى عدو وهمي من جنس “ضربني وبكى وسبقني وشكا” بمعنى بين لكل من تابع أحداث لقاءاته السابقة في الثكنات.
وفي الحقيقة فإن دمية قرطاج يرى أن من تعتبرهم فرنسا أعداء لها لأنهم يريدون استكمال الاستقلال الفعلي وتحرير تونس من التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية يراهم أعداء له ولأنه هو تونس – يحسب نفسه لويس الرابع عشر – فهم أعداء تونس.
لذلك فهو يقدم نفس السردية التي تهدف إلى توريط الجيش بإقحام قياداته في مشروعه السياسي وترذيل مؤسسات الدولة المنتخبة سبرا لآرائهم وشروعا في الفرز لانتخاب من قد يكون مستعدا لتأييد مشروعه الذي سينسف مؤسسات الدولة نسفا.
وكل هذا السلوك بدأ بعد أن افتضح المشروع الذي كان خفيا ثم تطور بعد زيارة فرنسا التي كان رئيسها أول من صرح بأن تونس مهددة. وهو ما يعني أنه ينطلق من معلومة قدمها له معانقه والمعجب بمؤلفاته التي قرأها دون ان تكون قد ألفها ماكغونه بل وقرأ كل ما يقرأ ماكغون.
فشل “بدونة” تونس “وقبلنتها” قذافيا فشل وفشلت فيه الإمارات قبله وهي تواصل عن طريق فتات النداء وفتات التجمع. وطبيعي أن يفشل لأن القذافي تمكن من البقاء 40 سنة وهو لم يبق أكثر من 4 أشهر بسبب ما كان للقذافي من مال.
فليبيا لم تكن تعيش على السؤال والإمارات يمكن أن تمول النخب لكنها لا يمكن أن تمول الشعوب وخاصة الشعوب الواعية مثل شعب تونس.
ولهذه العلة فإن ما يجري في تونس دون ما حاوله القذافي. لا يمكن الا يكون نسخة منحطة منه وتلك هي نسخة حفتر: الحاجة لسند خارجي مباشر بشرط توريط بقايا جيش بعد تفتيته.
تلك هي الخطة: أولا جعل الجيش في صدام مع الشعب. ولما كان الجيش التونسي شعبيا وليس طائفيا ولا طبقيا فإن ذلك يعني تفتيته.
وكان طبيعيا أن تكون البداية من الجنوب الذي يسهل اتهامه لقربه من الأحزاب الوطنية الأصيلة ومن ليبيا ومن وجود تركيا فيها وخاصة في قاعدة قريبة من حدود تونس: الوطية.
فإذا فتت الجيش لا قدر الله فإنه يصبح مثل فتات جيش القذافي الذي “بدون” و”قبلن” في أربعين سنة من حكمه
أي عين ما يستعمل حفتر بقاياه مع الاستعانة بمليشيات من كل حدب وصوب. تلك هي خطة فرنسا واسرائيل ومصر وإيران بتمويل إماراتي سعودي.
وما أظن قائمة التجنيس الأخيرة بعيدة عن هذا القصد. فقد يكون الكثير منهم مرتزقة الهدف استعمالهم في المشروع ويمكن أن نعتبر أحدهم الذي هو من توابع دحلان ممن ينطبق عليهم هذا الوصف ولا يمكن أن يكون تجنيسه بريئا خاصة مع عدم تجنس زوجة الشهيد.
وسأحكي لكم قصة عشتها قبل ازمة كورونا. ففي خلال عودتي من ندوة شاركت فيها في الخارج كان معي في الطائرة أكثر من خمسة اشخاص يتكلمون بلهجة عراقية
وهم مختارون من العضاريت الذين لا يمكن الا أن يكونوا قيادات مليشاوية قادمين إلى تونس بما يشبه روح الغزاة وكان بينا أنهم مكلفون بمهمة ما في تونس.
عجبت لأنهم ليسوا علماء وليسوا رجال أعمال بل عضاريت أقرب ما يكونوا من مدربين للمليشيات بشكلها الإيراني في حزب الله اللبناني.
وما كنت لأنتبه للأمر لو لم يكوني معي في الدرجة الأولى وكانوا مجتمعين وليسوا موزعين على كامل الطائرة وفي نفس الجناح من الطائرة وبكراسي متوالية.
وقد فكرت في الأمر لغرابته ثم اهملته لأني لست فنيا في الاستعلامات ولأني مطمئن أن الاستعلامات التونسية لن تغفل عن مثل هذه الظاهرات. ولكن قد يكونوا من بين من جنس أخيرا لأن تغيير الهويات ليس بالأمر العسير.
واليوم تذكرت الحادثة وتيقنت بأن المسعى الأول في تجنيد الشباب فشل. ولولا فشله بعد افتضاح المشروع وفهم الشباب التونسي أن من ظنوه آتيا لحل مشاكلهم صار هو مشكلهم إلى الحد الذي أسكت من كانوا يدافعون عن المشروع وهم كما عرفتهم ثلاثة أصناف:

  1. من كانوا يعتقدون بحسن نية أن الرجل نظيف وصادق وتقي ومن خارج السيستام وتأكدوا أنهم أخطأوا في حق وطنهم.
  2. من كانوا لا يهتمون بذلك بل يبحثون عن تعويض ما فقدوه بعد سقوط المرزوقي وعدم الاقبال عليهم في عهد السبسي: سكتوا بعد يأس طال. مثل رئيس ديوان المرزوقي ورئيس المركز الاستراتيجي في عهده.
  3. العقائديين الذين يعملون في المشروع. فحتى هؤلاء قلت ضوضاؤهم لأن فشل “أملشة” الشباب بين وهاء دورهم. ولم يبق إلا الذباب من ينتسب إلى الرصافة ليكون عارا عليها إذ هو يتصور قلب حروف كلمة فلسفة بجعلها فلسفة سيجعله فيلسوفا.
    وفي الختام فإن جلسة أمس ونفس التصريح الأحمق بالخطر الذي يتهدد الدولة من الداخل والخارج هو اعتراف بإسقاط صفات الذات على متهم وهمي
    لكن ذلك لن يخفي الفاعل الحقيقي الذي يهدد مؤسسات الدولة ويريد الذهاب بالوطن إلى الفوضى لأن الجراثيم تحتاج إلى التعفين وتحويل الأوطان إلى مزابل كما فعلوا بسوريا واليمن والعراق ويحاولون في ليبيا وتونس وحتى الجزائر.
    لكنه كذلك دليل على أن الزنقة وقفت بالهارب لأن اللعب مع الجيش التونسي لن يمر وهو اعتراف صريح بالتنسيق مع “الحماية الفرنسية” ليس لتونس التي لها رب يحميها وشعب يفديها وهو “فايق” بيكم بل له ولحثالته ولمشروعه.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي