وضع الإخوان المحير في مصر كيف نفهمه؟



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تنبيه:

هذه تغريدات يمكن اعتبارها نقدا ذاتيا من ذي ميل للإسلاميين.
لذلك فهو يخلو من الكلام على الأسباب الأخرى للوضع الذي أحاول وصفه.
أبحث في عيوبنا كإسلاميين -رغم أني لست أخوانيا ولا حزبيا- وكيف يمكن أن نتداركها.

1-ظاهرة عجيبة في الوضعية المصرية حيرتني شديد الحيرة:

  • لماذا كل هذا الحقد على الاخوان في مصر رغم ما يقدمونه للشعب؟
  • ولماذا كل المليشيات العربية الخمس التي تكلمت عليها تعاديهم وكذلك الأنظمة سواء التي تدعي الحداثة أو التي تدعي الأصالة؟

2-سأكتفي اليوم بالكلام على المسألة من منظور الشعب المصري خاصة تاركا قضية المليشيات العربية الخمس إلى مناسبة أخرى.

  • لماذا هذا الموقف العدواني من الاخوان في مصر؟
  • ولماذا يبقى جل الشعب متفرجا على تصفيتهم ؟

3-لا تقولوا لي :
لكن الانتخابات بينت أن الشعب معهم لما عبر بحرية عن مواقفه وحتى لما كان تحت الضغط قبل الثورة وتحت حكم المجلس العسكري.
فهذا مما يؤيد حيرتي ويجعلني أتساءل أكثر.
4-فـما يعنيني هو الموقف منهم الذي جعل 30 يونيو يكون ممكنا وما تلاه من بشاعات لا يمكن أن يرضاها شعب في جزء مهم منه خاصة وهو ذو فضل كبير على الطبقات الشعبية التي تعاني الأمرين.
5-فالمعلوم أن دور الاخوان في المجتمع الأهلي يكاد يفوق دور الدولة أي دور الجماعات التي بيدها سلطة الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية.
فما سبب أحجام الشعب على التضامن معهم إلى حد اللامبالاة المحيرة؟
6-قد يكون للإخوان دراسات في المجال وخاصة ما تعلق منها بأخلاق الشعب المصري الموضوعية.
وعلى كل فعليهم أن يبادروا بها إذا لم يكن لديهم منها ما يفسر الوضع.
فلا يمكن الرماية في عماية للنجاح.
7-وإذن فأنا سأتكلم في موضوع من باب تحليل الأمور عن بعد انطلاقا من مبدئين:

  • الاول هو طبائع الأشياء للتشخيص الذي يبرز التناقض
  • والثاني هو الافتراض للتفسير الذي يفهمنا إياه.

8-لو انطلقت مما أعرفه عن طبائع الأشياء في مصر فإن أي إنسان له ولو جزء ضئيل من الدهاء السياسي يمكن أن يسيطر على القلوب في أجهزة الدولة التي سأصف حاليا أعني أدوات فعلها في مثل هذه الحالات.
9-ذلك أني كلما زرت القاهرة لاحظت الحال المزرية لرجال الأمن فجلهم لا يتورع عن التسول.
وما كانوا ليفعلوا لو لم تكن الحاجة قاهرة.
فلم كان المجتمع الأهلي الاخواني عاجزا عن تحييد أداة البطش الأمنية؟
10-وحتى الأداة الثانية المرادفة لها أعني البلطجية فنفس التشخيص يصح عليهم بل لعله يصح أكثر:
هم بلاطجة لعلتين هما الفقر والابتزاز بالتجريم من الأداة الأولى في خدمة سادتها.
والمجتمع الأهلي وظيفته علاج هذين المرضين.
11-وإذن فالسؤال الأول هو:
ما علة فشل المجتمع الأهلي الاخواني -الذي يزعم أنه قائم بدور كبير في المجتمع الأهلي- في ربح قلوب هذين الجهازين اللذين لم نر منهما أدنى تعاطف ولا حتى مراعاة للأعراض؟
12-لم أذهب إلى حد انتظار ثورة القاعدة الغالبة من الأمن والبلطجية معهم بل على الأقل التراخي في محاصرتهم وعدم القسوة في معاملتهم :
فليس كبار القادة في الأمن ولا حتى في البلطجية هم المباشرون للتعذيب.
حجة القيادات إذن لا تكفي.
13-صحيح أن القيادات مفروزة بصورة طبقية.
لكن ذلك كان ينبغي أن يشجع على ما كنت أنتظر.
فقد حدثت ثورة.
ومن المفروض أن القاعدة العريضة من الأمن ومن البلطجية الـمسحوقة تجدها الفرصة للثأر منهم لا من الإخوان.
أليست الثورة فرصتها؟
14-طبائع الأشياء توحي بما كنت أنتظر.
حصول العكس يعني أن في سياسة الإخوان مع هذين الأداتين للنظام خطأ ما:
لعلها ساوت بين القاعدة والقمة.
فلم تستغل هذه الحقيقة التي وصفت.
15-أمر الآن إلى طبائع الأشياء في المستوى الثاني من أدوات فعل الدولة المستبدة والفاسدة.
تكلمنا على أدوات الفعل العنيف -الأمن والبلطجية- فما أدوات الفعل اللطيف؟
16-الفعل اللطيف هو أيضا له أداتان تناظران الأمن والبلطجية هما المثقفون الرسميون والمخبرون منهم أي أدنى طبقاتهم المندسة في الشعب.
والأمن هنا هو مثقفو السلطة والبلطجية هو مخبرو السلطة.
وهذان هما جهاز الثقافة.
17-أعني جهاز الثقافة في البلاد المتخلفة طبعا وليس في كل ثقافة.
الثقافة في البلاد المتقدمة شيء آخر هي في الغالب مع الـمعارضة بالفعل لا بالقول.
أما عندنا فهي في الغالب طبالة للنظام بالقول والفعل في آن.
18-وفي هذين الجهازين اللطيفين ما في الجهازين العنيفين:
القاعدة الواسعة تعاني من الفقر والقهر.
وهي بسياسة ذكية كان يمكن أن تكون مع الثورة.
لعل المساواة بين الجميع هنا أيضا أفسدت هذه الظرفية.
19-ماذا حصل حتى يخسر الاخوان الأدوات الأربع الأمن والبلطجية -الذين يعانون من الفقر والقهر- في مستوى أدوات السلطة العنيفة وما يناظرهما في مستوى اللطيفة؟
لا يمكن أن يكون الشعب المصري كله منحطا إلى درجة ما رأينا ليشرب من دم الاخوان.
20-أبدأ الآن التفسير من منطلق الفرض بعد أن بينت من منطلق طبائع الاشياء ما يحتاج إلى التفسير لأنه شذ عما تقتضيه هذه الطبائع لمن يعلمها.
فالشعب المصري لا يختلف عن اي شعب.
إذن العلل واحدة: فما هي؟
21-فرضيتي مضاعفة وعن تجربة لأني تعاملت مع من يشبه الاخوان:

  • قسمها الأول الجهل بشروط التربية الدينية وإيقاعها.
  • وقسمها الثاني الجهل بشروط العلاج السياسي للوضعيات التي من هذا الجنس وبراجماتيته.

22-لماذا أقول عن تجربة:
لأني شرفت بالمشاركة في أول حكومة للثورة في تونس بعد سنة من حصولها من خلال النجاح في الانتخابات الحرة والنزيهة.
23-شاركت بصفتي وزيرا مستشارا لرئيس الحكومة الأولى للثورة بعد الانتخابات.
كنت أؤسس رأيي كلما استشرت على إيقاع التجربة المحمدية وعلى ضرورة البراجماتية السياسية في الحكم بخلاف المعارضة.
24-حجتي الأم كانت:
المشكل ليس مع من كان يحكم قبل الثورة بل مع الأخلاق الموضوعية التي صارت تحكم الجماعة أي العادات المستقرة في المجتمع.
فبمقتضاها يمكن القول إن الاستبداد والفساد صفة الصفة الغالبة:
استبداد الفوق على التحت وفساد الكل.
25-وهذه العادات لا يفيد فيها ما يلام عليه اليوم الأخوان من أنهم لم يصفوا خصومهم.
فلا معنى لتصفية الأخلاق الموضوعية حتى لو اعتبرت الزجر النموذحي مؤثرا.
وما حاولوه من تظاهر بالطهرية السياسية عديم الفاعلية :
هو إلى السذاجة أقرب من جنس اللحية واللباس.
الكل يتصورها لعبة.
26-فكل طهرية سياسية في مجتمع عاداته كلها فاسدة لن تغير شيئا لأنه لا أحد يصدق أنها لوجه الله.
تغيير العادات لا يقع إلى بمنطق التاريخ البطيء: لامعنى لمحاكاة الخليفة الخامس في جماعة أخلدت إلى الأرض.
27-ثم إن ذلك يحط من قدر الدولة وهيبتها في نظر العامة خاصة في بلاد جل حكامها ونخبها يتصرفون تصرف المستعمر مع الأنديجان.
لذلك فهو يقززالخاصة ويجعل الخيار السياسي في هذه الحالة يؤول بكونه دالا على النفاق الديني أكثر من دلالته على شيء آخر.
28-وحتى يفهم القارئ ما أقصد فليذكر موقف الفاروق من معاوية لما عيب عليه أنه يضفي على الدولة أبهة المهابة إزاء سكان الشام وأجوارهم الروم ولما أقنعه معاوية قبل العلاج المناسب.
29-في بلد فسدت أخلاقه وعاداته وحاولت قياداته السابقة إيهامه بأن مصر دولة عظمى وبأنهم مثل الفراعنة لا حظوة لدى الشعب بما يراه نفاقا حتى لو كنت صادقا.
وحفلات الصلاة للرئيس والحكومة الجماعية وتصويرها لم يكن لها محل من الاعراب.
30-خليني أضرب مثالا كان لي فيه رأي:
التعامل مع الصحفيين الذين هم أفسد خلق الله في الأغلب.
تساءلت:
كيف نحيد الساحة الإعلامية قدر المستطاع إذا ظننا بغباء أن الثورة جبت الفساد لديهم؟
31-فكبارهم أو قادة جوقة الطبالة للنظام السابق كانوا يتمتعون بوضعيات مترفهة من العسير أن يتنازلوا عليها بين عشية وضحاها.
ماذا تنتظر إذا طبقت عليهم القانون ولم تبق لهم إلا حقوقهم ؟
32-سيحصل ما حصل فعلا أي ما توقعت حصوله.
لذلك كان اقتراحي أن نعد البديل دون المساس بالموجود إلى أن يصبح البديل مغنيا عنهم.
يعني كما فعل الفاروق. لأنه كان يفهم سنن التغيير السياسي كيف تكون.
33-ماذا فعل الفاروق؟
أوقف ما كان يسمى بتأليف القلوب بعد أن ثبتت اركان الدولة.
وإذن فقد كان اقتراحي اعتبار ما يأخذه كبار الطبالين تأليفا للقلوب إلى حين خاصة والثورة المضادة كانت تمول حملاتهم.
34-هذا من ناحية البراجماتية السياسية التي تعالج الموجود لتحقيق المنشود باحترام سنن التغيير السلمي.
فماذا يمكن أن يكون التعليل الديني لهذا السلوك؟
إنه معنى التربية الدينية كما طبقها الرسول الأحكم.
35-فهو من هو ومعه التأييد الإلهي ومع ذلك فقد رأى من الحكمة وربه دله إلى احترام سنن التغيير لأن تغيير العادات والأخلاق الموضوعية بطيء وبطيء جدا:
أكثر من عقد لتكوين قيادات وتفريغ صف الخصم من أبرز قياداته.
36-وحتى لما أمر بالاصداع فإنه لم يكن معه إلا قلة قليلة لكنها كيفية ومع ذلك فقد اضطر إلى عقد آخر لتكوين نواة الدولة التي يمكن أن تصلح.
ومع ذلك عادت حليمة إلى عادتها القديمة بعد أقل من نصف قرن.
37-والآن ما الأهم:
كيف يمكن أن تمنع أمرين يمكن أن يحولا دون هذين العلاجين والنجاح -علاج البراجماتية السياسية للتغيير والتربية الخلقية للجماعة- من أجل تحقيق البدائل وخاصة تكوين الرجال وإفراغ صف الخصم من أفضل ما عنده من الرجال؟
38-هذا هو قدم أخيل لكل الحركات الإسلامية:
الجهل المخيف حقا بوظائف الدولة التي ينبغي أن تتأسس عليها لتكون بحق ذات مرجعية إسلامية قرآنية وسنية.
وهي سياسية ومعرفية واقتصادية وفنية ووجودية.
39-فوظيفة المجتمع المدني ليست علاجية للامراض فحسب بل هي وقائية منها حتى تكون السياسة التربية
بناء ضمائر لا شراءها الانتخابي. والعمل السياسي له خمس وظائف متلازمة تعبر عنها نخب قائدة كما أسلفنا: الإرادة والعقل والقدرة والحياة والوجود.
40-فإذا لم تعد الحركات الإسلامية نفسها لهذه الوظائف الخمس بإعداد نخب قيمة على هذه الوظائف فهي حتما لن تربح أي معركة مع الطبقة المستبدة والفاسدة المسنودة من كل الأعداء.
41-الوظيفة الأولى:
نخبة سياسية تمثل إرادة الأمة وليس إرادة فريق منها أي إنها تعترف بأنها إذا حكمت ستحكم باسم كل الأمة وليس باسم حزبها.
شتان بين أن تعارض وبين أن تحكم.
تعارض باسم حزب لكنك تحكم باسم أمة.
42-فالمعارض يمكن أن يقتصر على مصالح حزبه ولو كان كلامه باسم الامة. لكن الحاكم بخلافه عليه أن يكون بحق ممثلا لكل الأمة ليس لحزبه: حقيقة الحكم هي رعاية كل تلك الوظائف الخمس وحمايتها.
43-فالحكم قبل أن يكون سعيا لتحقيق برنامج حزب معين لا بد من تحقيق شرط تنافس البرامج :
تحقيق شروط السلم المدنية التي تمثل مسرح عمل تلك النخب الخمس
لأن كل المجتمعات تعيش حربا اهلية بالقوة بسبب التنافس بينها ومن اليسر أن تصبح الحرب بالفعل.
44-الحكمة السياسية في الحكم هي جعل الدولة حكما بين المتنافسين لا ممثلة لأحد المتنافسين.
فلا يكمن للقاضي أن يكون حكما وطرفا في النزاع. وإلا فإن التنافس ينقلب إلى تنابز أولا ثم ككرة الثلج يتحول إلى ما رأينا خاصة إذا وجد المحمس والممول؟
45-الوظيفة الثانية:
أن يكون للحركات الإسلامية نخبا تمثل العقل والعلم أعني نخبا ذات سلطان علمي في المؤسسات العلمية وقادرة على تحليل الواقع.
فمن دون نخب تعمل على معرفة قوانين التعامل مع الطبيعة والتاريخ تصبح الأمة تابعة لأنها متسولة.
46-الحكم يقتضي معرفة بالسلطان على الطبيعة (لمنع الجوع) وعلى التاريخ (لمنع الخوف) -سورة قريش- ومن ثم قدرة على التوقع للوقاية قبل العلاج.
47-ولا بد للحركات الإسلامية من نخب القدرة أي السلطان على الاقتصاد بدرجاته الخمس(مبادرة واستثمار وتمويل وعمل واستهلاك) نظام الحياة المادية.
وهذه القدرة من دون الشرطين السابقين توطد التبعية لأن القائمين عليها يصبحون عملاء لنظرائهم في الخارج.
48-ولا بد للحركات الإسلامية من نخب الحياة أعني كل المبدعين لما يسميه ابن خلدون أسباب “الأنس” بالعشير.
وهذا هو المعدوم تماما لأن هذه الحركات تتصور الحياة الدينية قتلا لكل ما له صلة بمتع الدنيا.
49-فكل الفنون تكاد تكون حراما -حرم الله جلد من علمهم هذا الغباء- القرآن يتكلم عن المتع والزينة مع التحذير من الاقتصار عليها فكان حلهم محوها بمنطق سد الذرائع.
وهو أكبر حماقات فقه الانحطاط.
50-فأكثر من نصف اهتمام الإنسان العادي هو بملء حياتهم بلحظات من المتعة التي لا يحرمها إلا العجائز فاقدي القدرة على الاستمتاع.
إذن صحراء.
والعلة هي بالذات هذا التحريم الذي جعل الفن إما بيد الأجانب أو بيد السفلة.
51-فمن يخرج الفن من الدين يخرج الدين من الحياة.
الفن في بلادنا لم يصبح ممثلا للفسوق إلا بسبب هذا التحريم.
لو احترم الفن لكان روحيا وراقيا.
52-نصل إلى النخبة الأخيرة المنعدمة لدى الحركات الإسلامية:
النخبة الوجودية.
فاقصى ما تجده من فكر لديهم لا يتجاوز الغفلة عن كل ما ذكرت.
53-ولأختم معتذرا عما قد يشتم من كلامي من غيظ على التجارب الفاشلة التي لا ينبغي أن نحمل مسؤوليتها لغير أنفسنا.
والنقد الذاتي علاج مفيد.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي