هل يحق لنا رهن الثورة بأجندة زعامات دونكيشوتية؟

لن أطيل الكلام في المسألة بل سأكتفي بطرح بعض الأسئلة على من يحولون الثورة إلى معارك دونكيشوت أو جدافية مفلسفة: نحن لا ننتخب خطيبا ولا متعنترا بل رجل دولة يستطيع أن يمكن تونس من حماية شعبها ورعايته في لحظة تاريخية حاسمة في المنطقة وفي العالم:

  1. هل في حالة نجاح مرشح عديم الأغلبية في مجلس النواب يمكن الاعتماد عليه لحماية الثورة حمايتها التي جعلتموها ملزومة الحملة؟ أم هو سيكون أقل قدرة مما كان خلال المدة السابقة أم إن الحماية الحقيقة هي القوة السياسية الفعلية التي تمثل نصف الشعب أو ما يقرب منه والتي فضلت أن تلعب إلى النهاية لعبة الديموقراطية رغم محاولات استغلال حماسة شبابها وقواعدها التي يغالطونها لتكون وقود معركة ليست معركتها الآن ؟
    هل أنتم واثقون من أن الشعب يريد الصدام بين الثورة والثورة المضادة كما يحصل في ليبيا وفي سوريا وفي مصر وفي اليمن أم إن الشعب التونسي يريد المصالحة وفتح صفحة جديدة في تاريخ تونس.
  2. هل عودة النظام القديم مطلوبة حتى من قاعدته التي تخلت عنه عندما كان يوسعها أن تعمل ما عملت قاعدة الأنظمة التي غرقت في حمامات الدم (سوريا وليبيا ومصر واليمن)؟
  3. هل إذا حاول النظام الجديد تجريب ما فشل فيه بورقيبة وابن علي يمكن أن يكون أكثر قدرة منهما فينجح أم إن الثورة عندئذ ستصبح أقوى لأنها لم تبدأ بإسالة الدم بل صدقت باللعبة الديموقراطية؟
  4. هل يحق لمترشح لا يمثل الإسلاميين أن يستغلهم لأجندة قد تكون أجندة العائدين دونها خطرا على تونس لأن العائدين جربوا ففشلوا والقادم بمجرد رؤية كيفية اختياره لمستشاريه لا يؤتمن على تغيير اتجاهه للبقاء حيث هو ولو على حساب قيم الثورة؟ فأين كان هؤلاء الذين يتخوفون من عودة النظام القديم يوم كانت الترويكا تحكم؟ لماذا يم يحزموا أمرهم ليكونوا صفا قادرا على ربح المعركة النيابية حتى لا يصحل ما يخيفهم الآن فضلا عن كون كل الأحزاب بما فيها حزبا الترويكا وحزب الشابي وكل الأحزاب الميكروسكوبية كانت متحالفة موضوعيا مع عودة النظام القديم ضد النهضة التي يزعمون أنها تغولت؟
  5. والسؤال الأخير: هل ضمن أصحاب المعارك الدونكيشوتية القوى الحقيقية في البلد أعني الاتحادين ومؤسسات الحماية (العدل والأمن والدبلوماسية والجيش والاستعلام والإعلام السياسيين) ومؤسسات الرعاية (التعليم والمجتمع المدني والثقافة والاقتصاد والاستعلام والإعلام المعرفي) أي كل مقومات الدولة الحديثة بصورة تجعل شخصا على كرسي عاطل يمكن أن يغير مجرى الأحداث؟

وفي الحصيلة فإني لا أعتقد أن فردا يمكن أن يحمي الديموقراطية في حين أنه ينطلق من نفيها لأنه عديم القاعدة الشعبية منذ البداية وحتى حزبه فإنه قد انحل إلى أربعة يعود بعضهم الآن بعد أن كانوا ألد الخصوم لبناء صف قوي يحول دون عودة من يتخوفون منهم الآن.

أريد أن نلعب اللعبة الديموقراطية سواء بسياسة الوحدة الوطنية إن غلبت الحكمة في من أعطاهم الشعب الأغلبية أو بسياسة الحكم والمعارضة إن فضلوا هذا الحل. وإذا لم يتحقق ذلك فالبادئ أظلم والشعب هو الحكم. وعندها تكون الثورة بحق ذات صف محدد وذات استراتيجية محددة وفي ظرف سيكون حتما أفضل بعد أن تنجلي المعارك المحيطة التي قد تخرب كل شيء في الظرف الحالي. أما المتنمرون الذين يتصورون أن الثورة يحميها من لم يعطه الشعب الأغلبية في نظام برلماني أو يكاد فهم يعادون الديموقراطية أو يريدون تعطيل عملها من خلال ما يشبه التساكن في النظام الفرنسي وقد رأينا فشله المحتوم في بلد معتاد على الديموقراطية فكيف به عندنا.

هذا رأيي ولن أحيد عنه: وهو كما كان من البداية. تونس بلد لا تحتاج لجدافية من دون إمكانات الجدافي. تونس بلد صغير نادر الثروات وهو محتاج إلى السلم. المشكل الوحيد هو تجاوز الاستثناء المتبادل بين الثقافتين وجعله بعيدا عن المعركة السياسية لأنها معركة حضارية اجتماعية ذات نسق بطيء ومديد ولا يمكن تغيير عادات الشعوب بالعنف بل إن العنف يزيدها صلابة ومتانة. جرب بورقيبة وجرب ابن علي وجرب أتاتورك وجرب غيرهم وما نجح على حد علمي أحد. والعكس صحيح لا يمكن لا العلمنة بالعنف ولا الأسلمة بالعنف. كل ذلك من جنس التغير الاجتماعي والخلقي الذي ينتسب إلى ما يسمى بالتاريخ المديد كما عرفه ابن خلدون ثم تبعته في ذلك مدرسة روما: تغيير العقليات بطيء جدا ولا يمكن تحقيقه بالعنف سواء كان عنف الدولة أو عنف الجماعات الخارجة عليها.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي