هل من نظام لقوى تونس السياسية بعد الثورة؟

ه

انطلق من غرابة اعتبار النهضة وائتلاف الكرامة ما يسمى بحزب التيار وبالحركة الشعبية من صف ثورة الحرية والكرامة.
هذا أمر استعصى علي فهمه:

  1. فحركة الشعب يكفي دليل واحد لبيان وهاء هذا التصنيف إذ يعسر ان تكون مع الثورة في الداخل ومؤيدة لكل أعدائها في الخارج وخاصة في سوريا وليبيا ومصر وحتى للشق التابع للملالي في اليمن.
    وهي ما زالت تخوض معارك القرن الماضي بين القوميين الذين انقرضت انظمتهم وتبين انها طائفية وليست قومية والإسلاميين الذين تطوروا وتحرروا من استراتيجية الوصول إلى الحكم بنفس الطريقة التي تعلموها من الأنظمة القومية أي بالانقلابات بدل الديموقراطية في المغرب وتونس ومصر على الـأقل.
    وإذن فحركة الشعب لا علاقة لها بالثورة ولا خاصة باللحظة التاريخية الحالية التي هي من عصر جديد هم غرباء فيه ومآلهم الانقراض حتما.

  2. أما التيار الذي يصف نفسه بالديموقراطي فمشكل قادته الأساسي هو دعوى تمثيل الحداثة والعلمانية والطهرية الخلقية والنظافة السياسية.
    وكلها دعاوى لا دليل عليها عدا ما يزعمونه في أنفسهم خلال عنترياتهم الاعلامية.
    واكتفي بقياداته لأني لا أعرف طبيعة قاعدته ولعلها بعض الناجين من غرق حزب المرزوقي وحزب ابن جعفر وحزب الشابي وبعض الغاضبين في الأحزاب الأخرى وإذن فهم خليط لا يوحده إلا عنتريات زعمائهم.
    لكن لا أحد يجهل أن مواقفهم التي تدعي الحداثة والنظافة والديموقراطية والعلمانية ليس إلا غطاء لا يخفي شيئا من حقيقتهم التي أريد أن أشرحها الآن .
    فمواقفهم متفرعة عما ترتب على ما يمكن أن يستمدوه من الإسلاموفوبيا التي قد تؤهلهم للترشح إلى دور في خطة فرنسا في تونس.
    وموقفهم الإسلاموفوبي أشبه بما تقول به لوبان في فرنسا.
    وهم إذن يواصلون مواقف الجبهة التي انقرضت ولم يبق لها إلا صوت نشاز وحيد لا يريد أن يحيي العلم الذي صار اخوانجيا.
    لعل أفضل من يعبر عنها بصراحة زعمية الحزب التي هي نسخة منها تحت مسمى الاخوانجية: هي الزعيمة لوبان في تونس.
    وهذا أمر شهدته بنفسي لما كنت معهم في المجلس وخاصة لما هددت بالقول إن الدستور اخوانجي ولن يمر ولو على جثتها.
    فلا أحد من قيادات التيار – أبرزهم على الأقل أي من لي بهم بعض معرفة – يمكن أن يدعي حداثة تخلو من مثلها بل وأعمق منها نخب الإسلاميين ونخب ائتلاف الكرامة.
    ولعل علاقتهم بهذه الظاهرة السياسية الجديدة في تونس هي المحك لفهم مواقفهم رغم أن زعماء التيار ما زالوا يهادنونهم لظنهم أن الأمر “أحوال نفس” في القيادة وليس مسألة عقدية عميقة وسياسية انتهازية.

ولا ينبغي الاكتفاء برد الفعل على شيء إذا لم تحدد طبيعته بدقة.
فتصنيفهم في صف الثورة والسعي لإشراكهم في المرحلة المقبلة يفيدان عدم التحديد الدقيق هذا.
لذلك فمواقف الائتلاف منهم لم تتجاوز رد الفعل على ما يظن مواقف نفسية للقيادات وليس موقفا عقديا هو الاسلاموفوبيا العميقة حتى وإن اخفوها والتي مآلها الموقف الاستئصالي.
وكلاهما من علامات الترشح لأخذ موقع في استراتيجية فرنسا أو مقاسمة حزب فرنسا في تونس في تمثيل سياستها الاستتباعية ثقافيا وسياسيا واقتصاديا.

ونأتي الآن إلى حزب فرنسا الذي تفتت والذي يقوده شخصان: الشاهد وموسي.

  1. فأما استراتيجية الشاهد فهي عين التي استعملها مع الغنوشي لخيانة السبسي والانقلاب عليه أولا ثم لخيانة الغنوشي والانقلاب عليه حاليا بمحاولة بالانضواء في ظل الرئيس.
    وأظن أن خطته التي تبدو ذكية يحكمها حكمة “ما كل مرة تسلم الجرة”.
    فلا اعتقد الرئيس وخاصة من هم من خلفه من السهل مخادعتهم.
    ومعنى ذلك أن ما يقوم به حاليا لعله نصيحة من فرنسا لإنقاذ دورها في انتظار التدبير لما يعيد سلطانها على الساحة السياسية ومحاولة توحيد حزبها تحت لواء الشاهد في ظل الرئيس مرحليا.

  2. وأما استراتيجية عبير موسى فلا تختلف عن استراتيجية مارين لوبان التونسية في حزب التيار.
    كلتاهما تعاني من الإسلاموفوبيا تحت اسم الاخوانجية.
    وإذا كانت السيدة عبو ترشح حزبها ليكون البديل من حزب فرنسا فإن موسي ترشح حزبها ليبقى البديل الممكن للشاهد لكن وراءها مراهنان:
    فرنسا
    والثورة العربية المضادة التابعة لإسرائيل.
    أما السيدة عبو فيمكن أن يكون لها مراهنان عليها أعني
    فرنسا
    والثورة العربية المضادة التابعة لإيران.
    والقرينة التي تبدو ضعيفة لكنها ذات دلالة كافية على هذا التوجه هو التحالف شبه المطلق مع الحركة الشعبية التي لا تخفي ذلك والتي تستهدف النهضة والائتلاف.

بقيت أربع قوى سياسية أخرى يصعب تصنيفها:
النهضة
والائتلاف
والقروي
وفتات القوى السياسية الأخرى
ومنها خاصة الأشخاص الذين دخلوا بأفكار إسلامية إلى البرلمان أو لم يدخلوا بها.

فهؤلاء يمكن اعتبارهم يمثلون البراجماتية المطلقة واللابراجماتية المطلقة.

  1. فالنهضة وقلب تونس يمثلون البراجماتية المطلقة وهمهم سلطة الحكم ولا شيء غير ذلك بمعنى أنهم تجاوزوا تقديم العامل الإيديولوجي على الإكراهات السياسية التي تقتضي ذلك.
  2. لكن الائتلاف وبقية الإسلاميين من دخل منهم ومن لم يدخل للبرلمان وإن كانوا أقل وضوح من الائتلاف فإنهم يشبهونهم في التعريف السلبي لذواتهم برد الفعل الإيديولوجي وليس باستراتيجية فاعلة يمكن أن تنتهز الفرص لتحقيق شروط الوجود السياسي الفعلي بالمشاركة في صنع القرار إيجابا وليس سلبا وخاصة في لحظة حرجة مثل الجارية حاليا لأن الفشل فيها لا قدر الله سيعيد تونس إلى ما كانت عليه في نهاية سنة 2013.

وطبعا فأنا ليست غافلا عن أن كل تقديم للنصائح يعتبر من الغباء الذي لا اريد أن أقع فيه لذلك فإنا اكتفي بالتحليل مع علمي أن السياسيين لا يقبلون بأن يسمعوا لمن يخاطبهم من خارج ضوضاء المعركة فتكون رؤيته ربما أكثر مطابقة لما يجري فعلا ومن ثم تساعد على اخذ القرارات الصائبة.

وسأكتفي بما يعنيني في هذه المحاولة.

وأبدأ بحكم عام:
يبدو لي أن النهضة وإئتلاف الكرامة يتكاملان.
فالائتلاف قد يحد من براجماتية قيادات النهضة التي تحولت إلى لعب على كل الحبال.
والنهضة قد تحد من ايديولوجية الائتلاف التي قد تتحول إلى موقف سلبي يكتفي بالرفض بدل التعامل مع الظرفيات بما تقتضيه بمنطق السياسة التي هي كما يعرفها أرسطو فن استسناح الفرص للتقدم في تحقيق الاستراتيجية بعيدة المدى وهو معنى التكتيك الذي يجري في إطار رؤية شاملة هي الاستراتيجية الاستقبالية.

وما يعنيني هو هذا التكامل بين النهضة والائتلاف وضرورة استعماله في التفاوض استعمالا واعيا وبخطة مدروسة.

فيمكن اعتبار العلاقة بينهما من جنس العلاقة بين الحد الأقصى والحد الادني في ما يعرض من الحلول التي ينبغي أن يكون الهدف من التفاوض الوصول إليها في إطار الاستراتيجية التي تعلم طبيعة الرهانات والتحديات.

ولأشر إلى أمر اعتبره مهما في موقف بعض من سمعت تصريحاتهم من قيادات الائتلاف.
فلست أفهم علة كونهم يولون أهمية لما يسمونه احتقار قيادات التيار وحركة الشعب لهم أو اتهامهم بالإرهاب.
فلو حللوا هذين الموقفين لفهموا أنها ردود فعل منهما وليست أفعالا.
فهم خائفون من هذه الظاهرة الجديدة التي ستفسد عليهم كل تخطيطهم لأنها تهددهم وجوديا وتثبت أنهم من ماضي السياسة في تونس ولا مستقبل لهم مثلهم مثل الجبهة الشعبية.

وعلة خوفهم من الائتلاف هي أنهم توهموا أن النهضة تمثل ماضي الحركة الإسلامية الوطنية لمجرد نسبتها إلى ما قبل 2019 أي مع السبسي فيتصورونها قد سقطت مع ما يسمونه السيستام.
لكن ظاهرة الائتلاف أفسدت عليهم هذا الحلم لأنهم يعتبرونه بعثا للإسلام السياسي بمنطق أكثر حداثة وببرنامج شديد الوضوح:
لا يمكن تحقيق التحرر من دون استكمال التحرير السياسي والثقافي والاقتصادي والتخلص من التبعية.

ولذلك فحربهم عليه غير حربهم على النهضة التي صارت في تخيلهم من الماضي.
وهجومهم على الائتلاف ليس فعلا بل هو رد فعل يخفي خوفا وجوديا لأن تونس بدأت تصل إلى ما يمكن اعتباره استئناف الحركة الوطنية التي تجمع بين المعركتين التاريخيتين:

  1. معركة الحرية والكرامة التي هي شعار جوهر الثورة
    وهي داخلية أوضحت العلاقة بمعركة أخرى لم تحسم في اتفاقيات الاستقلال.
  2. استكمال معركة التحرير السياسي والثقافي والاقتصادي
    أي التحرر من التبعية التي يحاولون التغطية عليها بخرافة الحداثة ونموذج المجتمع وخاصة الممانعة والبورقيبية.

وطبعا كما بينت فلا أحد ممن يدعون الحداثة بحديث لأنهم يخلطون بين قشور الحداثة وقيمها الخلقية وأسسها العلمية والتقنية.
فهم في ذلك أقل النخب التونسية قدرة على ذلك لأن جل من ينتسبون إلى احزابهما من بقايا الجبهة أي من بلطجية نظام ابن علي.

  1. فلا أحد منهم بممثل لنموذج المجتمع الحديث لأنهم يحصرونه في العلمانية اليعقوبية التي هي أدنى رؤاه في الغرب لأن فرنسا ليست أكثر حداثة من ألمانيا أو من إنجلترا أو من أمريكا.
  2. ولا أحد منهم بممانع لأن بقاء الأسد في الحكم علته ضمانة إسرائيل إذ إيران وحدها لا تكفي وحتى بوتين أيضا لم يكف ومحاولات تنصيب حفتر علتها من تضمنهم إسرائيل أي مصر والإمارات.

لذلك فالموقف الذي يناسب هذه الظاهرة الجديدة هي الوعي بدوره هذا الذي يخيفهم
وهو ما يعني أنه لا يمكن أن يعتبر مواقفهم من الائتلاف أفعالا بل هي ردود فعل علتها الخوف من العودة إلى زعامات تجاوزت الخلاف الذي قسم الحركة الوطنية في بدايتها:

  1. فالانقسام بين بورقيبة والثعالبي كان في الأصل معركة بين موقفين أحدهما يقدم الأصالة على الحداثة والثاني يقدم الحداثة على الأصالة في القيادة وفي الاستراتيجيا لكن الأصيل كان حديثا والحديث كان أصيلا.
    فالثعالبي كان أصيلا ولا يقل حداثة عن بورقيبة الذي كان حديثا ولا يقل أصالة عن الثعالبي.
  2. وبهذا المعنى فإن استئناف الحرب على بورقيبة بسبب بعض النقائص في حصيلة استراتيجيته حتى لو سلمنا بصحته فإنه غير مفيد بل هو ضار.
    ذلك أن الهدف من أي استراتيجية يمكن أن تكون برنامجا فعالا للجمع بين التحرر واستكمال التحرير هو توحيد الماضي رغم ما فيه من خلافات والتوجه إلى المستقبل.
    ولكم في تركيا مثال لا جدال فيه.
    لو أن أردوغان خاض معركة مع أتاترك لما استطاع أن ينجز شيئا مما تفخر به تركيا من انجازات خلال العقدين الأخيرين.
    ولا بد أن يكون موقف الائتلاف من هذا النوع:
    المصالحة مع الماضي وتجاوزه إلى ما يستكمل التحرير خلال معركة التحرر.
    والله ولي التوفيق.
    ولست ناصحا بل محلل لما أراه
    ولا أدعي فهما يتجاوز من هم في “تنبك” المعركة لأني يمكن أن اتهم بعبارة “المتفرج فارس”.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي