نهاية نداء تونس ماذا تعني؟



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



استمعت اليوم خلال عودتي من العاصمة -بين منتصف النهار والواحدة- في أحد منابر الإعلام كلاما عن نهاية نداء تونس بسبب خروج محتمل للبعض منه صدر عن صاحب السيجار المايل وبعض وأبواقه.
جميعهم يتصور هذا الخروج حدثا مهما وأن الاستئصاليين إذا خرجوا من نداء تونس سيصبحون قوة سياسية يعتد بها.
لكن كلامهم كله غاب فيه ذكر علة هذا الانشقاق الرئيسية وما سيترتب عليه حقا.

ورأيي أن ما سينتج عن خروجهم سيبين لهم أن كل ما يتوهمونه من وزن لجماعتهم لا حقيقة له وأنهم لن يمثلوا قوة سياسية ذات وزن إلا إذا ظل الدساترة متفرقين.
وهو ما سيزول :
ذلك أنهم لم يخرجوا طوعا بل أخرجوا كرها بمنهجية « شيوخ » العمل السياسي اللطيف.

ولا أنكر أنه قد يصبح لهم وزن إذا لم يسارع الشق الثاني فيواصل خطته ويحدد ما تسكت عنه الطغمة التي ما كان أن يكون لها شأن لولا أخطاء سابقة وقعت فيها غالبية الحزب ورئيسه -لأني لا أتصور أنه لم يكن يتوقع مثل هذا المآل لخبرته بالسياسة ومناوراتها بكل أصنافها- عندما تصوروا أن النجاح في المرحلة السابقة كان يقتضي استعمال أي حطب لطبخ الأكلة وأي ورق لربح “الطرح” دون الحذر الواجب من الثعالب التي عبرت عن استعدادها لحرق البلاد من أجل الحكم.

ما الذي يسكتون عنه؟

إنه الحقيقة التي تمثل جوهر التناقض بين هدف السعي لتحقيق التوازن السياسي في البلاد وهدف الاستئصاليين.

  • فالأول لا يتنافى مع الصلح بين البورقيبة والإسلاميين بل هو شرطها
  • والثاني يلغي كل إمكانية لإخراج تونس من صدام الحضارات الداخلي.

فالصلح بين البورقيبية والإسلاميين تعني تحرر الصفين من التطرفين باسم التأصيل وباسم التحديث.

والسبسي كما فهمت من كلامه -سواء في التصريحات العامة أو في التصريحات الخاصة- يعلم ما يسكتون عنه ويعلم أمرين آخرين هم يجهلونهما أو يتجاهلونهما أو لا ينشغلون بهما لاعتبارهم إياهما عائقين لمشروعهم الاستئصالي:

  • هو يعلم -وهذا مما يحسب له وطنيا وجعلني أوجه إليه رسالتي المفتوحة الأولى وحتى الثانية وإن كان ذلك مضمرا- أن معركة خامسة مع الإسلاميين ستؤول إلى حرب أهلية لا تتحملها تونس :
    • اثنتان قبل الاستقلال (ضد الثعالبية واليوسفية)
    • واثنتان بعده (ضد النهضة من بورقيبة وابن علي)
    • والخامسة هي التي يريدها الاستئصاليون والهدف منها القضاء على عدويهما أي الدساترة والأسلاميين.

إنه يعلم أن هذه المعارك كلها خسرها خصوم الإسلاميين في المدى الطويل حتى وإن بدوا قد ربحوها في المدى القصير.

  • وهو يعلم -وهذا يحسب له شخصيا أن خوض هذه المعركة حتى لو سلم لخصومه الذين يستأنسون بتجربة السيسي في مصر بأنها مربوحة- أنها ستكون طويلة
    • لأن الجيش والأمن التونسيين ليسا مثل ما يوجد في مصر أولا
    • ولأن الدولة ليس لها شروط القيام بهذه المهمة بسبب قلة الموارد : ما حصل في الجزائر كان ممكنا لأن الجزائر يمكن ألا تفلس حتى لو توقف العمل (البترول والغاز) بخلاف تونس التي مواردها كلها ثمرة العمل وليس المواد الخام.

ولما كان السبسي لا يريد أن ينهي حياته السياسية بمأساة على المنوال السوري وكان سنه لا يسمح بخوض معارك طويلة وكان يريد أن ينهي حياته بعمل يخلد ذكره في تاريخ تونس ليكون زعيما بحجم من يعتبره مثاله الأعلى فإن المعركة لم تعد بين شقين في الحزب بل بين مشروعين اختار أفضلهما لتونس وطينا وله شخصيا :

  • استئصالي يؤدي إلى حرب أهلية.
  • وتصالحي يخرج تونس من مآزقها.

وينبغي أن نفهم علة العجلة في سلوك الاستئصاليين.

إنهم مستعجلون لأن أي نجاح في طريق المصالحة سيفقدهم السيطرة على النداء ومن ثم كل أمل في الخلافة.
ولو لم يكونوا خائفين من نجاح المصالحة بين الدستوريين والإسلاميين لصبروا ولهادنوا السبسي حتى يستفيدوا منه في السيطرة على مقاليد الدولة.
لكن السبسي لم يمهلهم بل أفسد عليهم ذلك لما فرض حكومة تصالحية ارادها قطعا للطريق على نيتهم استعماله للاستحواذ على الدولة.
تلك هي علة استعجال “شباب الثعالب” رئيس الحزب ومحاولة “تطييح قدره”.
لم يكونوا دارين أنهم يريدون “أن يحبوا تحت من يمرد ».

لقد دفعهم إلى ما يريد :

فرض عليهم عزل أنفسهم بل أكثر من ذلك هو الآن سيستعمل خروجهم ولكن في الاتجاه المقابل لدخولهم :

  • في المرة الأولى استعملهم للوصول إلى الحكم وتحقيق التوازن في المسرح السياسي التونسي.
  • والآن سيستعملهم لتوحيد الحزب البورقيبي الحقيقي ليصبح المسرح مؤلفا من قوتين إسلامية وبورقيبية.

ذلك أن كل البورقيبيين والدساترة سيضطرون إلى توحيد كلمتهم لأنهم الآن بين فكي كماشة :
إذا تركوا الحزب المنفصل عن النداء ينمو على حساب قواعدهم التقليدية فلن يجدوا لهم مكانا في المسرح السياسي ويصبح الصراع بين الاستئصاليين والإسلاميين.
ولما كانوا لا يرضون بأن يكونوا تابعين لأي من هذين الطرفين فهم سيكونوا الطرف الثاني ما يعني أن الاستئصاليين انتهوا.
والقطب الدستوري هو الذي سيتكون بقيادة السبسي.

والأيام بيننا.

والسؤال الآن الذي ينبغي أن يجيب عنه السبسي حتى يحقق هدفيه أي مناعة تونس ومنزلته في التاريخ:

  • هل يفكر حقا في الصلح بين فرعي الحركة الوطنية أم هو ما يزال يناور كما فعل في المرحلة السابقة التي قد تؤدي إلى نكبة في تونس إذا فشل التدارك؟
  • هل العمل الحالي مع الإسلاميين سيتواصل أم هو سيكتفي ببناء الحزب الدستوري الجديد ثانية ويعود إلى الحرب عليهم دون أن يصدق في تحقيق المصالحة بحق؟

ذلك ما ستجيبنا عنه الأيام.

أما العلاقة بالاستئصاليين فهي قد حسمت ولن ينجحوا حتى لو مولهم علي بابا.
وقل أن كذبت الأحداث توقعاتي لأني انطلق من الحقائق العميقة للأرضية السياسية في تونس.
فأولى هذه الحقائق هي أن مرحلة ابن علي لم تكون نخبة سياسية بل حاربت الإسلاميين والبورقيبيين على حد سواء.
هي مرحلة اعتمدت على حثالة من الانتهازيين وخاصة من اليساريين والقوميين الذين لا صلة لهم بالقيم التي تمثل حقيقة الحركة الوطنية سواء كانت بورقيبية أو ثعالبية أو يوسفية أو نهضوية.
وهم أشتات مؤلفة من أكثر من عشرين “حزيب” أغلبها كانت معارضة لبورقيبة وللإسلاميين.
ما يعني أن هؤلاء الخارجين من النداء سيكون لهم “حزيب” ينضم إلى الجبهة للتشويش إما في الشارع ليفسدوا مؤسسات المجتمع المدني أو في مؤسسات الدولة السيادية ليفسدوا شروط الحياة السياسية والمدنية الآمنة.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي