قيس سعيد مآله هامش التاريخ …
لما كانت الجيوش العربية مدمنة على الانقلابات كان الجيش التونسي مثال الجهاز الدفاعي الذي لم تصبه العدوى.
وهو أمر ندين به للتكوين السليم فنيا وخلقيا لقياداته وجنوده ولفلسفة بورقيبة في عدم اقحام الجيش في الألاعيب السياسية.
أن يفكر ساكن قرطاج في توريط الجيش التونسي في أوهامه السياسية وأن يجعل كل لقاء مع قياداته مناسبة لعرض حربه على مؤسسات الدولة واتهام النخبة السياسية التي اختارها الشعب ليمثلوه فذلك هو ما أسميه “اللعب بعشانا”.
لكني أعتبره آخر محطة في انكشاف مشروعه ومشروع من يحيطون به. ولا عبرة للباحثين على كرسي وهم كثر وخاصة من فضلات ديوان الأستاذ المنصف المرزوقي الذي انتهى أخيرا إلى فهم أنهم لم يكونوا معه بل كانوا عليه كما تبين من بيان الثمانين “لحاسا” عندما اتهموه بكونه يغازل النهضة.
فكيف يعد هذا الانفضاح نهايته كما اراها. على ذلك استنتاجان من لجوئه إلى الجيش لكي “يدمغج” قياداته متصورا أنهم ذوي ثقافة ضحلة مثله وليسوا في مستوى العصر ويعلمون أن أمانتهم وخدمتهم للشعب التونسي مقدمة على كل أوهام الزعماء الذين هم من جنس القذافي جهلا وأمية سياسية وأوهام ناتجة عن عقد نقص تنقلب إلى تضخم الذات.
• الاستنتاج الأول:
يمكن وصفه بعبارة “مكره أخاك لا بطل”. كان هو ولينينه يتصوران أن التنسيقيات والحشد الشعبي الذي كان أداتهم الأولى في استراتيجية الاستيلاء على الحكم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف. لكن رجال تونس ونخبتها ممن لا تنطلي عليهم أكاذيب الطهرية والشعبوية “نتفوا” لحيته شعرة بعد شعرة حتى صار “أملط”. ففقدا الأمل في “لم المثقفين” وفي ثلاث “كميونات” ورميهم في صحراء الجنوب.
اكتشفا أن كل الشباب الذي صدق أكاذيب الدمية أنه ربما يقدم لهم شيئا يخرجهم من أزمتيهم الوجودية والسياسية. فسياسيا ككل شباب العالم كانوا يتصورون أن الثورة بداية تحقيق أحلامهم في الحرية والكرامة واعتقدوا في وجود “عصا” سحرية تحقق المعجزات فظنوه قادرا عليها كما حاول اقناعهم ب”الشعب يريد”.
لكن الأيام مرت وبدأوا يكتشفون الكذبة: فالشعب يريد ليست رماية في عماية بل استراتيجية تنمية طويلة النفس وليست عصا موسى.
وهذا من علامات نضح الشباب الذي لم يواصل اتباع الهلاميات وبدأ يفكر في مصير ثورته وأمن شعبه ووطنه.
أما وجوديا فإن فقدانهم لمصدر محترم للرزق يمكنهم من حل مشكل أهم من القيام العضوي المباشر إلى القيام الممكن من الامتداد في الزمان بتكوين اسر تجعل حياتهم لا تتوقف عند ذواتهم الفردية جعلهم يحملونه مسؤولية خالف الوعد وبائع الأوهام وبدأوا يدركون بنضوج حقيقي والعودة إلى الإيمان بان الثورة لها كلفة.
فهموا أنهم قد خدعوا وانخدعوا وأن الحل هو في مواصلة النهج الأول الذي يجعل الحل بناء دولة ديموقراطية مدنية والمشاركة الفعالة في الانتقال الديمقراطي. ولذلك فلو فكر في تطبيق فكرة الانقلاب الشارعي فسيكون مصيره قريبا من مصير أصحاب الحملة التي توقفت حول المطالبة بدم المرحوم شكري بلعيد. فهموا أن الشعب فهم فانتهت الكذبة لان المشاركين فيها يعدون على الأصابع.
• الاستنتاج الثاني:
ليس مبنيا على عوامل محلية خاصة بتونس. إنها عوامل اقليمية: بداية الهزيمة الحاسمة لفرعي الثورة المضادة:
- التي تقودها إيران وروسيا وكانت معينهم الأول الذي أفلس وخسر حربه في سوريا حتى وإن بدا محافظا على ما يوهمه بقدرته على الصمود أمام إرادة الشعب السوري.
- ثم التي تقودها إسرائيل وأمريكا وظنوها المعين البديل. وهم في الحقيقة مضطرون للجمع بين الفرعين.
فحربهم على الإسلام السياسي وعلى الثورة لم يكن يكفي فيها الاعتماد على الفرع الأول من الثورة المضادة التي يمكن أن تساعدهم بالسلاح والايديولوجيا التبشيرية بالتشيع. لكنه عاجز ماليا واعلاميا فلا يستطيع التغطية على انقلابهم في العالم تبعا لنموذج الانقلاب في مصر.
لكن أراد الله ما فيه الخير لشعوب الاقليم. فبعد كورونا التي عطلت فرعي الثورة المضادة جاءت أزمة اسعار البترول فلم يعد أحد مهما يستطيع أن يمكنهم من شروط النجاح في تكرار ما قام به السيسي في مصر وما سمح لإيران وروسيا وإسرائيل وأمريكا من التمدد في الإقليم.
وهكذا فقد فاتهم القطار: لذلك لجأوا إلى أخر خراطيشهم: ما يسمونه ثورة الجياع. وينسون أن الجياع المزعومين ليسوا بهاليل مثلهم. فأول ما يتبادر إلى أذهان الشعب هو: ما الحل الذي تنوي تقديم للقضاء على الفقر والجوع؟ وهنا بلغ الافتضاح غايته: يرون أن حلهم سواء فهم قذافيا أو سوفياتيا كان علة إفلاس البلاد الغنية أي ليبيا وروسيا وليس إثراء البلاد الفقيرة مثل تونس.
وفي المحصلة: دمية قرطاج وحثالته فاتهم القطار. لكن الحذر واجب وهذه مهمة الشباب الذي ورطته الدمية ومن يفكر له ومن حقهم أن يبادروا إلى التدارك وقد بدأوا فالآلاف منهم يطالبون بتنحيه. وكلما تزايد عددهم سيضطر إلى أن يكرم لحيته لئلا يطرد شر طردة ومن أحاط بهم نفسه من الحثالة الشيعية والماركسية والقومية والخبزيست.