– نقد الحديث، سخافة الحجج تشكك في النوايا

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله نقد الحديث سخافة الحجج تشكك في النوايا

كثر النكير على الحديث والمحدثين. ولست مختصا فيهما. لكن أصحاب النكير هم ما يعنيني فيه. وبصورة أدق دوافعهم وحججهم.

فأما دوافعهم فلو تكلمت فيها لكنت من المحاكمين للنوايا. لذلك فسأتكلم فيها بعد بيان ما عليه من حجج الوهاء. ولكن قبل ذلك فينبغي أن اشرح طبيعة الحجج التاريخية عامة.

وقد بدأت بأن أشرت إلى ما ليس من اختصاصي في المسألة حتى لا أتجاوز حدود علمي. لست محدثا ولا مختصا في الطبقات. ما يعنيني هو نقاد الحديث في عصرنا وخاصة من منظور ما يعتمده التاريخ -الحديث علم تاريخي بالضرورة-من حجج وهي كالتالي:

  1. الآثار المادية

  2. الوثائق الكتابية

  3. الشهادة المباشرة

  4. ثم الشهادة غير المباشرة أو المروية عن الشاهد المباشر مهما تعددت الحلقات

  5. أما اجتمع فيه أكثر من واحد من هذه. وبين ان الحديث هو من النوع الرابع لأنه لم يكتب إلا بعد وفاة صحابة الرسول المباشرين فيكون من المرويات غير المباشرة.

ولكن يمكن بعد جمع الأحاديث أن نميز فيها بين ما له مؤيدات كالمطابقة مع ما يوجد في القرآن من ترجمة لحياة الرسول نفسه أو ما يوجد في ممارسات الأمة وخاصة في العبادات الفعلية. فهذا يستثنى من التشكيك فيه وفي رواته. فلا يبقى إلا ما ليس له ما يؤيده في القرآن أو في عام الممارسة التعبدية.

فنكون وكأننا استثنينا من التشكيك في الحديث بعض الرابع الذي يمكن اعتباره من فروع الخامس لأننا قبلناه دون تشكيك لما له من مؤيدات من مصادر اخرى غير موضوع تشكيك أعني القرآن والممارسة العامة للعبادات. فيبقى إذن بعض 4 هو محل التشكيك.

وقبل ذلك كتبت ما أبين فيه أن التشكيك في الحديث ككل أو في ظاهرة وجود الحديث في كل دين بمعنى أن كل دين له مرجعية مركزية مصحوبة بسيرة مؤسسه أو مبلغه ومن سيرته حديثه لأن السيرة فعلية وقولية. وعلى هذين الاساسين يمكنني أن أبحث في حجج الناقدين للبخاري مثلا.

وأبدأ بالقول إن حجة المسافة الزمانية بين البخاري وحصول الأحاديث من أسخف ما يسمع. فمن باب أولى أن الناقد من عصرنا أبعد منه بكثير عن حصول الأحاديث وليس له مصادر خبر أكثر منه لأن الآثار والوثائق المكتوبة منعدمة له مثل انعدامها للبخاري وامتحان الحديث ورواته أيسر للبخاري منه له.

بقيت الحجة الثانية وهي أسخف من الأولى: كيف يمكن للبخاري أن يزعم أنه امتحن مائتي ألف حديث في مدة بحثه في هذا العلم -ستة عشر سنة فيما أعلم- وطبعا تبدو الحجة قوية جدا خاصة إذا افترضوا أنه يخصص اقصر مدة لذلك بالنسبة إلى كل حديث (ربع ساعة مثلا) فاستنتجوا الاستحالة.

وطبعا هذا كلام يمكن أن يغالط البلداء. لكن ذوي العقول يعجبون من أصحاب هذا المنطق أكثر من اعجابهم من كلام البخاري. ومرة أخرى أنا لست مختصا في الحديث ولا في طبقات المحدثين ورواتهم ولا خاصة في البخاري الذي لا يعنيني من قريب ولا من بعيد. لكني لا أقبل استبلاه القراء.

هل فحص الأحاديث يقع بالضرورة واحدا بعد واحد؟

أم هي تصنف بحسب سلسلة رواتها؟

هل الامتحان يتعلق بالنص نفسه أم بتقاطعات الورود في سلاسل الرواة؟

هل سلاسل الرواة تمثل مائتي ألف سلسلة؟

كل هذه الأسئلة يغفلونها ثم يهاجمون الرجل ويشككون في قوله. فهموني فأنا لم أفهم.

ما أعمله علم اليقين أن منهج المؤرخ يعتمد بالأساس على التقاطع بين الوثائق سواء كانت معالم أثرية أو وثائق كتابية أو شهادات حية مباشرة أو شهادات مروية شفويا أو كتابيا. وهذه التقاطعات التي تستخرج منها بينة متناسقة للمعلومة المستمدة منها هي اساس القبول والرفض للخبر.

ما لم يأتني أحد قام بذلك -وهو جوهر المنهج التاريخي وأهم ما اكتشفه رجال الحديث مع الجرح والتعديل للرواة- فإن أفضل ألف مرة كلام البخاري رغم أني لا أستعمله في كلامي على ما اعتبره من مجال بحثي على كل نقاده ممن ما أسمعه منهم يشككني في نواياهم: فليس حبا في القرآن بل تأسيس للحرب عليه.

وليس حبا في الرسول بل تشكيك في كل من خدمه بصدق ممن دونوا حديثة عندما تجاوزت الامة خطر الخلط بينه وبين القرآن وعندما أرادت بالتدوين الذي كان منهيا عنه منع الوضع الذي علله عدم التدوين. وأخيرا فإن من يدعي إزالة ما يتنافى مع الحداثة ينبغي أن يزيل مع الحديث القرآن المدني: الأحكام.

أما ما يزعم من تناقض بين القرآن والحديث فقد بينت منه موقفي. ليس كل ما يتناقض مع القرآن موضوعا. فأولا لا شيء يقنعني بأن مبدأ عدم التناقض صالح في الدين وخاصة في البعد السياسي منه. وثانيا لست واثقا من أن ما يبدو متناقضا حتى لو قبلت بصلاح المبدأ ثابت لأن التأويل قد يلغيه.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي