لتحميل المقال أو قراءته في ص-و-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
1-ألا يمكن أن يعترض على رفض المبدأين الكلاميين باسم الغيب بأنه قد يصح على جليل الكلام دون دقيقه؟ فيكون رفضك متعلقا بنصف الكلام لا به كله؟
2-المقابلة بين الجليل والدقيق من منطلق العلاقة بالغيب لاتصح للعلة التالية. فالعلم لا يدعي لما يعلمه الحقيقة المطلقة بل هو اجتهاد مؤقت دائما.
3-أي إنه لا يجعله عقائد من لا يقول بها يسمى مجانبا للحقيقة -هذا إن لم يتهم بالكفر- وهذا على الأقل بعد أن تحرر العلم من العقلانية البدائية بالعقلانية النقدية.
4-ثم إن القسمة بين الجليل والدقيق لا تعني أن الغيب مقصور على الأول. فالثاني يبقى ذا غيب: ففوق كل ذي علم عليم. فلا نعلم أي شيء على ماهو عليه.
5-ثم إن القسمة “جليل-دقيق” لا تستوفي مجال المعلوم. لأن فاعلية الجليل قائمة في الدقيق ومفعولية الدقيق بالغة للجليل والجملة هي أصل المربع.
6-فالجليل يعني وجود الله ووحدته أي نفي الشريك ونفي التأليف.والدقيق هو قوانين العالم وهذا لا يكفي لأصول الدين حتى لو ضممنا إليه التاريخ الإنساني.
7-ذلك أنه لا بد من وصلة من الجليل إلى الدقيق وهي غير الرسالة لأنها للتذكير وليست للتأسيس ومن وصلة من الدقيق إلى الجليل وهي غير ظاهر التدين المقصور على العبادات.
8-ولا يمكن لهذا المربع أن يكون مفهوما إذا لم يكن له أصل يوحد عناصره بوصفها تكون منظومة أو بنبية متضامنة العناصر وإن بتراتب لتقدم الجليل على الدقيق.
9-وهذا المبدأ الموحد هو السر الذي يمكن أن نقول إن كل الغيب متعلق به وهو حضور الله بذاته وصفاته في قيامه الغني عما عداه وحضوره في آثار فعله فيه.
10-وبذلك فليس الجليل وحده هو الذي يحتوي على الغيب (الله وجودا وحدة وصفات) بل هذا السر الجامع لعناصر البنية كلها والمقيم لكل عنصر منها.
11-وبذلك فقد رددت على اعتراضك: العلم الوحيد الممكن للإنسان هو الاجتهاد النسبي والمؤقت للتعامل مع الذات والغير بالممكن للعقل مع الإيمان.
12-والقرآن الكريم يسمي هذا المبدأ الموحد بالعناية الإلهية ويسمي بعدها النازل خلقا وبعدها الصاعد هداية. ويمكن ترجمة العلاقتين فلسفيا.
13-فلا يمكن لأي إنسان حتى عتاة الملحدين تصور قابلية العالم للعلم من دون افتراض صدوره عن نظام ما. وهذه العلاقة بالنسبة إلى المؤمن خَلق (ابداع حر).
14-ولا يمكن لأي إنسان حتى عتاة الملحدين تصور قابلية العمل للحصول من دون افتراض الصدور عن إرادة حرة ما للإنسان. وهذه هي الخُلق عند المؤمن (استجابة اختيارية).
15-والعناية الواصلة في الاتجاهين هي الخَلق نزولا والخُلق صعودا. وهما أمران يمكن للملحد أن ينسبهما إلى الطبيعة لكنه لا يمكن ألا يقول بهما. وحينها هو يؤله الطبيعة ولم يخرج من “تدين ما” يتعبد فيه قوة ما يفسر بها ما يراه ويعيشه.
16 وتلك هي فطرة الله التي فطر الناس عليها -وكذلك كل الموجودات لأنها جميعا تسبح لله وتأتيه طوعا أو كرها- والرسالة تذكر بالدين ولا تؤسسه.
17-وهذا كله ليس من علم الكلام لأنه من نص القرآن الذي يحرر مما يلغيه علم الكلام الذي بمجرد أن يدعي أنه يعلم الأشياء على ما هي عليه يصبح نفيا للغيب.
18-لا يعلم الأشياء على ما هي عليه إلا الله بالنسبة إلى المؤمن أو الأشياء ذاتها إذا تصورناها ذات وعي مطابق لوجودها فيكون وعيها هو وجودها.
19-وفي الحقيقة فالميتافيزيقا تفترض هذا الوهم منذ بارمينيدس: ففي الشذرة الخامسة يدعي أن العقل هو الوجود والوجود هو العقل. كلام ملتبس. ومثله يدعي هيجل بنفس الالتباس (وهيجل يظن تجاوز المأزق بابن الله).
20-ذلك أننا يمكن أن نتصور عقلا مطابقا للوجود ووجودا متطابقا للعقل بشرط أن نعتبره هو الله. أما إذا تعلق الأمر بمن عداه فذلك هو الجهل عينه.
21-وهذا الجهل هو الذي يؤسس لتأليه الإنسان ولتأسيس الكنائس والوسطاء ودعوى القطب والإمام المعصوم والعلم اللدني وعلم الأشياء على ما هي عليه: لذلك تفهم أن العولمة الطبعانية والكنسية المزعومة روحانية متطابقتان في الجوهر.
22-بهذا المعنى القرآن لا يستعمل أسلوب الحجاج الكلامي بل هو يستعمل اسلوب النقد الذي يحرر من أوهام الكلام ويعيد الإنسان إلى فطرته السوية.
23-وسأسمح لنفسي التذكير بحادثة حصلت في القاهرة منذ عقدين: كنا في ضيافة الزميل حسن حنفي وكان معنا رجل دين مسيحي لا فائدة من ذكر اسمه ودار حديث حول المفصل الذي أحدث مذهب السلفية.
24-طبعا هو لم يضع المشكل بهذا المنظور بل قال هل يعقل أن تصدق أن القرآن هو كلام بلفظه؟ يعقل أن يكون بمعناه لكن بلفظه؟ لم أجبه عما سألني بل سألته: هي تجسد المسيح أم بقي مجرد فكرة في “عقل” الله؟
25-فبهت وفهم ولم يواصل. وليس القس من يعنيني بل سخافة التمييز في الحل الوسط الأشعري (ضد نظرية خلق القرآن الاعتزالية) بين كلام النفس وكلام اللفظ. ما رأيت في حياتي أكثر سذاجة من هذا التمييز. فإذا كان ذلك قيسا على الإنسان فكلام اللفظ متقدم على كلام النفس بل هو في الحقيقة هو هو صامتا.
26-وإذا كان رجما بالغيب -وهو كذلك- فابن حنبل الذي يتصورونه حشويا قدم الحل الأفضل: لأنه كان يحتج بعلم الله. وعلم الله ليس كلام نفس إذا كان خطابا موجها للمخلوقات. فهو إذن كلام فعلي والرسالة لا تكون مفهومة إذا لم تكن بلغة المخلوق المخاطب خاصة وهي للتذكير بما هو مرسوم في فطرته.
27-ولنطرح السؤال الأهم: إذا كان الله لا يتكلم لأنه إذا فعل فلا بد له من جوارح كما يزعمون فلا يمكن كذلك أن يخلق لأن ذلك يتطلب ليس جوارج فحسب بل أدوات ومواد وخطط وربما يكون عليه أن يتعلم الهندسة وقوانين الفيزياء والرياضيات. هل يوجد أسخف من هذا السخف؟
28-من يتهمونه بالحشوية والتجسيم كان ألف مرة أكثر فهما للمشكل لأنه تكلم على العلم المتعين الذي يراد به خطاب المخلوقات وذلك هو القرآن وهو صفة من صفات الله ولا يمكن أن يكون مخلوقا ككل صفاته بل هي الصفة الأساسية إذ هي أداة الخلق”كن”:
29-والجسم الذي يحتقره الكلام فكرة موروثة عن الأفلاطونية التي لا تحتقره لجسميته بل لعدم خضوعه المطلق للصورة (الأبايرون). ومن ثم فهو عنده مصدر الشر.لكنه في القرآن -وخاصة جسم الإنسان- صنع على أعين الله والمادة بمعناها اللغوي العربي الفصيح من المدد أي ما يقيم الشيء وليست أمرا عارضا يمكن الاستغناء عنه في الموجودات لئلا تبقى إلا خيلات المتوهمين.
30-وماذا نعلم من المادة ومن الجسد؟ لا شيء تقريبا. ألسنا نرى الآن أنها حالة ومن أحوال كيان لا ندري طبيعته ماهي فهو طاقة وجسد وحيوية وفاعلية ولا يمكن تصوره من دون ما نعتقده مفصولا عنه بتوهم الفلسفة الأفلاطونية: الروح.
31- من هنا وهم الفلاسفة الذين إن آمنوا بالبعث فإنهم يستبعدون بعث الأجساد معتبرين ذلك غير ممكن لان الخلود لا يعقل إلا لما يتصورونه قابلا للفصل عن المادة. لكن القرآن يعتبر الروح -بعبارة رمزية جميلة- هي نفخ الإله أي ما يجعل المادة قابلة لأن تكون لها كل الصفات التي نعلمها والتي نجهلها لأنها من الغيب.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/