لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
تمهيد المحاولة وخطتها:
في بحثي في العقد ومركبات النقص التي يعاني منها الضمير السني الحالي علقت بإيجاز على أطروحين حدين حول دولة الإسلام عدما ووجودا (عبد الرزاق) واستحالة وإمكانا (حلاق) مدخلا للشروع في التحرر منها فعلا بالبديل الموجب لا انفعالا بالموقف الدفاعي.
وكان تعليقي على عبد الرازق وحلاق مقصورا على الأسس التي اعتبرتها غائبة أو غائمة دون الدخول في جزئيات أطروحتيهما ولا في فروعهما. فما يعنيني هو الطرح البديل الموجب الذي اقدم منه اليوم أحد النماذج بصورة تحليلية فيها ما يشفي غليل المسلم الواثق من نفسه.
تجنبت الخروج عن المطلوب من التعليق لأنه كان دفعا لحائل في الطريق خلال علاج العقد الإسلامية الخمس. فهي موضوعي الرئيس وسأدرسها تباعا. وكان يمكن أن أكتفي بكلمات وجيزة لكل منهما.
هي ملخص التخلص من الحائل مع رفض موقف رد الفعل:
- فعبد الرازق أطروحته يكذبها نص القرآن والسنة وواقع التاريخ الإسلامي السياسي إلى عصر الانحطاطين الأهلي الموروث عن ماضينا والمستورد الموروث عن الاستعمار.
- وحلاق أطروحته يخدعها كاريكاتوران أولهما ناتج عن التعثر الحالي منذ بداية قرني النهضة الأخيرين والثاني وصف اختزالي للدولة الحديثة وضبابية تاريخانية متناقضة في الدولة والأخلاق.
ذلك أن من يريد أن يتكلم على الدولة الإسلامية لا ينبغي أن يحتكم لفشل فقه الانحطاط في استعادة الخلافة بمقتضيات التطوير المؤسسي الحديث أو تعثر بناء الدولة الإسلامية الحديثة بسبب سلطان فقه الانحطاط الذي يحصر الشريعة في الكاريكاتور الجامد منها ويغالي في ما ينسبه إليها من أخلاق بالمقارنة مع القانون الوضعي في الدولة الحديثة.
ومن يريد أن يتكلم على الدولة الحديثة لا يمكنه بالتبسيط المشط أن يدعي أنها نفعية وآلية وينفي عنها الأخلاق بما يقرب من الإطلاق لكأنها جهاز جهنمي لم ينتجه بشر بل شياطين.
فينبغي التمييز بين تعيني الخلقي في الدولة :
- فالخلقي يتعين أولا في هندسة البنية المؤسسية للدولة وبوجودها أولا وبتعضيها ثانيا تحدد شروط الخلقي عامة إذ لا شيء دونها يمكن أن يمكن من شروط وجود الفرد والحرية المسؤولة والعلاقات التعاقدية.
- كما يتعين الخلقي في موقف الافراد والجماعات وخاصة من بيدهم إدارة الدولة خلال تعاملاتهم بعضهم مع البعض وتعامل السلطة معهم بحيث إن التعين الأول هو شرط إمكان التعين الثاني في كل الجماعات.
فالفرد في الدولة الحديثة -كما في كل دولة منذ أن اجتمع البشر ونظموا شؤونهم بسلطة حامية وراعية- له مثال أسمى في المرجعية المتعالية على الدولة والمؤسسة لها ليكون فردا ذا مسؤولية عن أفعاله خلقيا وقانونيا وشاهدا على نفسه أمام هذا المثال الأسمى عند فحص ضميره لكأنه في يوم الدين الذي يقدم المثال الأعلى من العدل المثالي في الدولة المثالية (وطبعا فهذا ليس عاما لكل المواطنين بل عم مثلا في الجمهوريات الديموقراطية الحديثة بالتدريج بتوسيع مفهوم المواطنة – كان في البداية مقتصرا على الأسياد و الأغنياء ثم الرجال دون النساء إلى أن شمل الجميع في آخر طور من الشكل الحديث).
وحتى لو قبلنا برأي المكذبين بيوم الدين فإن دعوى العدالة التعويض في الخيال التي تؤدي وظيفة الأفيون-النظرية الماركسية- تبين صحة هذه العلاقة على الأقل في الخيال التعويضي.
والفهم الذي ينطلق صاحبه من نفي البعد الخلقي عن الدولة الحديثة بهذا المعنى المضاعف والانطلاق من هذا الفهم للشريعة كما تحددت في تعثر تجربة التحديث والتصور المثالي لأخلاقية النظام الذي يساس بها لا يمكن أن يحدد مدى إمكان الدولة الإسلامية ولا استحالتها لا في الماضي ولا في المستقبل خاصة إذا كان معيار التقويم هو فشل المسلمين في التحديث خلال القرنين الأخيرين.
فهذا المعيار يرد بنحو ما إلى الموقف البدائي من الشريعة بما هو دعوة لتطبيق الحدود مجملة بدعوى أنها عين الأخلاق لا يميز صاحبه بين ما يجري في الأقوال وما يحصل في الأفعال:
فالأخلاق بوجهها الثاني (في القيمين على وظائف الدولة: أخلاق من بيدهم الحكم) يمكن أن تحضر وأن تغيب سواء كانت الشريعة دينية أو وضعية.
والحقيقة أن هذا الشكل المنحط والمثالي في آن من تصور الشريعة هو عين النفاق والتقية. ولا يمكن أن يكون بديلا من دولة متعضية بالمعنى القرآني للكلمة وهو معنى يطابق إلى حد كبير معناها الكلي المشترك مع المعنى الحديث المراوح بين الشر والخير وبين العدل والظلم وبين الأخلاق واللاأخلاق ككل شأن إنساني.
ثم إن كلا الموقفين -موقف نافي الدولة عامة وموقف نافي إمكانها بالشكل الحديث-يتصور أصحابهما الحكم الإسلامي المنسوب إلى الشريعة في عصر سوادها محكوما بالشريعة والأخلاق دائما-سواء مع عدم وجود دولة أو مع وجودها المقصور على الشريعة بمعنى الأحكام والحدود كما نجدها في فقه الانحطاط.
لكن حقيقة الدولة الإسلامية في النظري و الممارسة عند تمييزها عن شكلها النتاج عن الإنحطاطين هي ما نجده في المرجعيتين (القرآن و السنة) وفي فهوم مفكري السنة في المسألة السياسية. فدولة الإسلام كغيرها من الدول يحكمها التوازي والتلازم بين تشريعين :
- تشريع متعال عن الوضع.
- وتشريع متدان هو الوضع.
والأول هو تشريع التشريع إن صح التعبير وتلك هي الشريعة بحق لأنها هي ما به يكون التشريع تشريعا حتى لو كان أحكام الشريعة :
وتلك هي دلالة التعليل ولو بالعلامات وبالاستناد إليها اجتهد الفقهاء لتجاوز الأحكام إلى منظومة عللها بوصفها مؤسسة لها وممثلة لأخلاقها وقيمتها الروحية.
وهذا الجمع بين المستويين التشريعيين من الخصائص الجوهرية للدولة الإسلامية حتى في أزهى عصورها بمعنى أنها لم تحكم بالأحكام الشرعية فحسب بل بها معيارا لما تضعه بالاجتهاد العقلي على الأقل لأن النصوص الشرعية محدودة وهي لا تنطبق إلا من خلال التقدير العقلي خلال تحديد المناط وأساسه هذا التشريع المعيار لشرعية التشريع1.
والأهم من ذلك كله هو أن هذه الثنائية التشريعية -القانونية والخلقية-من الكليات الأساسية للدول بما فيها الدولة الحديثة.
فليست الثنائية التشريعية من خصائص دولة الإسلام وحدها بل هي خاصية لا تخلو منها دولة. ومن ثم فأي دولة مهما بلغ أصحابها من غلو علماني لا يمكن ألا تكون ذات مستويين من التشريع:
التشريع المباشر والتشريع الذي يقوم ذلك التشريع ليتطور وهو ما يمكن أن نسميه تشريع التشريع ومرجعيته المتعالية2
- فحقوق الإنسان بما هي مرجعية في تشريعات الدولة الحديثة مثلا-حتى عندما تصاغ في قانون وضعي تختلف عن صيغها الوضعية. إنها تبقى متعالية عليها على الأقل بوصفها مرجعية خلقية تتأسس في الحقوق الطبيعية. وتلك هي علة كون العودة إليها بهذا المعنى شرط في مراجعة صيغها الوضعية وتطويرها بمعناها المصوغ قانونيا.
- وحقوق الإنسان تتدرج في التعميم من بعض البشر إلى كل البشر. ولعل هذه الغاية هي ما حققته الآية الأولى من النساء والآية الثالثة عشرة من الحجرات ما جعل تحرير الرقاب من أهم المكفرات عن المعاصي في الإسلام. وهي بما هي هذا المتعالي على صوغها الوضعي تكون دائما- لمن لا يعلم- مزيجا من الفهم الفلسفي والديني لمنزلة الإنسان الوجودية في جميع الحضارات التي جمعت بين الفلسفة اليونانية والأديان المنزلة الثلاثة.
وحتى الجماعات المتقدمة على هذا المزيج- سواء في الشرق الأوسط أو في الشرق الأقصى- فإنها لا تخلو من نفس الظاهرة بل إن هذه الظاهرة -ازدواج التشريع- هي جوهر وجود الوعي الديني بما هو مشروط في تأسيس المؤسسات والشرائع التي ينتظم بها العمران الإنساني مهما كان بدائيا:
- فما ينسب إلى الخليفة مثلا يغلب عليه الاحتكام الموجب للشريعة أي إن سلطانه الرمزي شرعي بالأساس وينبغي أن يطابق الشرع : وتلك هي الأحكام الخلافية ويتقدم فيها الوازع الذاتي لأن الرقيب فيها هو الضمير والإيمان (بلغة ابن خلدون).
- لكن ما ينسب إلى السلطان مثلا يغلب عليه الاحتكام السالب للشريعة أي إن سلطانه الفعلي وضعي بالإساس ويكفي فيه عدم مصادمة الشرع : وتلك هي الأحكام السلطانية ويتقدم فيها الوازع الأجنبي لأن الرقيب هو ممثل السلطة والخوف (بنفس اللغة).
تقسيم خطط الدولة بين السلطتين الرمزية (الخلافة) و الفعلية (السلطنة)
وقد قسم ابن خلدون هذه المجالات بصورة واضحة فميز انطلاقا من وصف موضوعي للمؤسسات في آخر أشكالها الذي عرفته الدولة الإسلامية إلى حد عصره بين ما يتبع الخليفة وما يتبع السلطان من وظائف الدولة وبتعليل ذي صلة بنوعي الوازع الخلقي (الذاتي) والسياسي (الأجنبي) في أي دولة مهما كانت بدائية (الوازع الذاتي وهو الضمير بلغتنا الحديثة والوازع الخارجي وهو الوازع القانوني بلغتنا الحديثة).
لذلك فالإنسان يمكنه أن يتحايل مع الوازع الأجنبي أما التحيل مع الوازع الذاتي فمستحيل (إلا ربما بمعنى تحيل اللاوعي).
وأضاف ابن خلدون إلى الصنفين بعض المجالات المشتركة بينهما لما سنرى من العلل الإجرائية الناتجة عن الحاجة إلى الجمع بين السلطانين الرمزي والفعلي في كل دولة كذلك :
خطط الخلافة الخالصة: خمسة.
- إمامة الصلاة (وكل العبادات بحسب المجتمعات)
- التعليم الديني والفتيا (تكوين الإنسان الروحي والخلقي وقيادة الرأي العام الديني والقيمي الخلقي)
- العدالة (توثيق العقود والزيجات والالتزامات من أجل حفظ الحقوق وتيسير التقاضي عند الحاجة)
- الحسبة (الأخلاق العامة وحماية المستهلك ورعاية المجال العام وحماية البيئة الطبيعية والمدنية)
- السكة (صك العملة ومراقبتها لئلا تكون خاضعة لتحكم السلاطين).
خطط السلطنة الخالصة: خمسة
- الإمارة (رئيس السلطة التنفيذية غير المباشر)
- الوزارة (مدير السلطة التنفيذية المباشر)
- الحرب (الدفاع عامة)
- البريد (الاستعلامات الداخلية والخارجية)
- الخراج (مالية الدولة).
خطط مشتركة بين الخلافة والسلطنة
وقد ذكر منها ابن خلدون إثنتين وأهمل اثنتين ويمكن أن أضيف إليها خطة خامسة.
ويمكن اعتبار الخطة الخامسة ممثلة للرأي العام والمجتمع المدني لكنها سلطة والدولة هي كل السلط بما فيها التي تتوسط المجتمع المدني والرأي العام (كالإعلام في عصرنا ودور المثقفين والبحث العلمي من بين أدوات السلطة السياسية في الحكم والمعارضة) :
خطتان مشتركتان بين الخليفة والسلطان فصل بينهما ابن خلدون
- الأولى هي القضاء: وهي خلافية من حيث الحكم وسلطانية من حيث تنفيذ الحكم.
- الثانية هي الشرطة: وهي خلافية من حيث التبعية للقضاء وسلطانية من حيث التبعية للتنفيذ.
والملاحظ أن الثانية هي عكس الأولى: ذلك أن الشرطة يتقدم فيها التنفيذ على القضاء الذي تعد إليه لأنها وقائية (طبعا في إطار القانون).
والترتيب هو العكس في القضاء فالحكم متقدم على التنفيذ. ومن ثم فلا بد من التعاون بين ممثل رمز الشرعية وممثل قوة الشرعية3.
خطتان مشتركتان بين الخليفة والسلطان ذكرهما ابن خلدون جزئيا
وتوجد خطتان أخريان مشتركتان لم يذكرهما ابن خلدون
- رغم أنه ذكر أحد وجوه أولاهما ونسبه إلى السلطان أعني الحرب. فهو لم يذكر وجهها الثاني أي الجهاد واقتصر على الحرب لأن الجهاد مشترك بين الخليفة (شرعية الرمز) والسلطان (شرعية الفعل). ولعل السبب هو أنه يتكلم على آخر مراحل الخلافة التي أصابها الوهن ولم تعد مسؤولة عن الجهاد الذي أصبح مجرد حرب يخوضها السلاطين. وهي في الغالب حرب في ما بين السلاطين وليست جهادا للأعداء ومن ثم فهي لا تقبل التشريف باسم الجهاد.
- كما ذكر أحد وجوه ثاينتهما وهي مالية الدولة وأهمل ذكر مالية المجتمع المدني أو الأوقاف التي هي تابعة للخليفة لأنها طوعية وتنتسب إلى الصدقات لكنها تتبع السلطان لأنها ذات صلة بمالية الدولة (مثل الميزانية الاجتماعية في الدولة الحديثة) بنحو ما إذ فيها تجاوز لسلطة السلطان من حيث جعل المال الموقوف محميا بالدين من تسلطه. وقد يتقرب السلطان من الجماعة بالأوقاف والعناية بدورها (في المجتمعات الحديثة: كتخفيض الضرائب أو كتشجيع الجمعيات الخيرية بطرح التبرع من الضرائب إلخ..).
وفي الجملة فإن الغالب على قوة الشرعية الوضع والمصلحة والغالب على رمز الشرعية الشرع والأخلاق4.
وهذا هو آخر ما بلغت إليه مؤسسات الدولة الإسلامية كما لخصها ابن خلدون في مقدمته.
الخطة التي لم يذكرها ابن خلدون
أما الخطة التي لم يذكرها ابن خلدون ويمكن أن أضيفها -لأن عدم ذكره لها في تقسيم الخطط لا يعني أنه غافل عنها- فهي خطة كان من المفروض أن تكون دور الاجتهاد في التجديد المذهبي لمرجعية الدولة أي في فهم المرجعية.
وهو لم يذكرها لأنها اندثرت أو بقيت مجهولة الدور المؤثر بسببين:
- الأول هو أن الخلفاء لم يعودوا مجتهدين بل اصبحوا أميين كجل حكام العرب من عصر الانحطاط إلى الآن.
- الثاني هو أن السلاطين اصبحوا مستبدين وفاسدين ولا يعترفون إلا بفقه يبرر أفعالهم على حساب الشرع.
وهذه السلطة بقي منها شيء لدى بعض الشخصيات البارزة -مثل من يوصفون بمجددي الدين على رأس كل قرن- من الفقهاء والعلماء.
لكن هذه المؤسسة فقدت دورها. وهي من المفروض أن تكون تابعة للخليفة بقدر تبعية السلاطين له: أي بقدر تبعية السياسي الفعلي للخلقي والرمزي.
وهذه الخطة موجودة في الدولة الحديثة ولم تعد بشكل خفي. فهي تتمثل في مراكز البحث الاستراتيجي في مجالات السياسة التي سيأتي تحديدها نسقيا ومثل دور الجامعات والمؤسسات الدراسية التي توجه سياسات أصحاب القرار في كل دولة متعضية وذات مؤسسات فاعلة.
ونسبة هذه الخطة من حيث التأثير إلى الخلافة كنسبة أصحاب المال ومعتبري الزمان إلى السلطنة من حيث الدور في تحديد توجهات السياسة في أي دولة حديثة بل وفي كل دولة مهما كانت بدائية حتى وإن كان مفهوم الأعيان أو معتبري الزمان متغيرا من حيث وزن الدور (يمكن أن يكون للعلم و للخبرة أو للاقتصاد والثروة أو حتى للقوة العسكرية والتأثير في الراي العام كرموز الرياضة أو الفن إلخ..) .
وكان الإسلام يعترف بما يشبه ذلك وتسمى المؤسسة مؤسسة أهل الحل والعقد من العلماء الكبار وأصحاب الأعمال والتجار وكبار المالكين حتى يكون السلطان الفعلي والرمزي في آن واضح المصادر فيتحرر من العمل الخفي للوبيات قدر الإمكان.
مقومات نظرية الدولة
وفي الجملة فإن نظرية الدولة – بمقتضى هذا التحليل الخلدوني – لا ينبغي أن تقتصر على مؤسسات الحكم وحدها بل هي تشمل كل ما له سلطان على الشأن العام سواء كان من مكونات مؤسسات الحكم أو كان تابعا لها أو حتى معارضا.
ذلك أن الدولة -في الحقيقة كما يحددها القرآن الكريم وكما أصبحت خاصة في العصر الحديث- هي صورة العمران أي جملة الأنظمة والمؤسسات التي تمكن من قيام المجتمع بإنتاج مادة قيامه بجعل التعاون والتبادل والتعاوض والتعايش ممكنة- بوصفها شروط تحقيقه الانتاجين التاليين اللذين يتقوم بهما وجوده وبقاؤه :
- الانتاج المادي أو الاقتصاد الذي يعول الجماعة ويسهم في حمايتها ورعايتها فيمكن من تحقيق شروط الحرية والكرامة وعدم التبعية.
- الإنتاج الرمزي أو الثقافة الذي يكون الإنسان والأدوات والمناهج التي تيسر تحقيق الإنتاج المادي وتحقق التنمية الروحية والخلقية للإنسان.
نظرية الدولة التي تؤسس لكل ما ذكرنا
لكن ما هي الأسس الفلسفية التي تنبني عليها نظرية الدولة السنية والتي يمكن تحديدها -تحديدا لا يبين إمكانها فحسب لنفي دعوى استحالتها بل يبين أن ما وضعته نظرية السنة كما يعرضها الغزالي هو ما لا بد منه في كل دولة قديمة كانت أو حديثة.
وقد عرض الغزالي هذه النظرية السنية في نص بليغ ورد في كتابه فضائح الباطنية. وفيه صاغ الغزالي نظرية الحكم السنية بالمقابل مع نظريته الشيعية. ولم يكتف الغزالي بالتحديد النظري المجرد فحسب بل أضاف إلى ذلك التمثيل العيني من فجر التاريخ الإسلامي في التجربة الأولى لتأسيس الدولة التي لم تعد جزءا من سلطة روحية متعالية يمثلها الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي حوار تخيلي بين سني تكلم الغزالي باسمه وشيعي عرض قوله للرد عليه عرض هذه النظرية التي نقدمها للقارئ مع تعليق وجيز يبين أمرين:
- الأول هو المقومات الفعلية للحكم في مفهومه السني والفهم الفلسفي العميق لأسسه الانثروبولوجية لمدلول القوى السياسية ولطبيعة الحكم الذي هو دائما حكم الأغلبية والقوة السياسية الأقوى.
- الثاني هو مقارنة هذه المقومات مع مفهوم الديموقراطية كما تجري فعليا حتى في أرقى ديموقراطيات العالم الحديث وليس كما يصورها المسوقون لها من سذج المادحين لها بما ليس مطابقا لحقيقتها.
نـــــص الغـــــزالي
إشكالية الفتنة الكبرى
« فإذا قيل بما تنكرون على من يقول (الشيعي): لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار. فإذا بطل الاختيار ثبت النص؟ قلنا (الغزالي باسم السني) نعم لا مأخذ للإمامة إلا النص أو الاختيار. ونحن نقول مهما بطل النص ثبت الاختيار.
وقولهم (الشيعة) إن الاختيار باطل لأنه لا يمكن : 1-اعتبار كافة الخلق 2-ولا الاكتفاء بواحد 3-ولا التحكم بتقدير عدد معين بين الواحد والكل.
النظرية: الحل السني.
فهذا جهل بمذهبنا (السني) الذي نختاره ونقيم البرهان على صحته. والذي نختاره أنه 1-يُكتفى بشخص واحد يعقد البيعة للإمام مهما كان ذلك الواحد مطاعا ذا شوكة لا تطال مهما كان مال إلى جانب مال بسببه الجماهير ولا يخالفه إلا من لا يكترث بمخالفته. 2-فالشخص الواحد المتبوع المطاع الموصوف بهذه الصفة إذا بايع كفى إذ في موافقته موافقة الجماهير. 3-فإن لم يحصل هذا الغرض إلا لشخصين أو ثلاثة فلا بد من اتفاقهم. 4-وليس المقصود أعيان المتابعين وإنما الغرض قيام شوكة للإمام بالأتباع والأشياع. 5-وذلك يحصل لكل مستول مطاع.
المثال من فجر تاريخ الإسلام
ونحن نقول : 1-لما بايع عمر أبا بكر-رضي الله عنهما-انعقدت الإمامة له بمجرد بيعته 2-ولكن للتتابع الأيدي إلى البيعة بسبب مبادرته.3- ولو لم يبايعه غير عمر وبقي كافة الخلق مخالفين أو 4-انقسموا انقساما متكافئا لا يتميز فيه غالب عن مغلوب لما انعقدت الإمامة.5- فإن شرط ابتداء الانعقاد قيام الشوكة وانصراف القلوب إلى المشايعة ومطابقة البواطن والظواهر على المبايعة فإن المقصود الذي طلبنا له الإمام جمع شتات الآراء في مصطدم تعارض الأهواء6- ولا تتفق الإرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة رأي واحد إلا إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدته وترسخت في النفوس رهبته ومهابته (أساس النظرية العقلي والانثروبولوجي: طبيعة السياسي خصائص الجماعات) .7- ومدار جميع ذلك على الشوكة ولا تقوم الشوكة إلا بموافقة الأكثرين من معتبري كل زمان (مفهوم القوة السياسية ودورها)”5 .
مقومات الفكر السني في بناء نظرية الحكم
تلك هي المقومات العشرة التي يبني عليها الفكر السني نظرية الحكم في دولة الإسلام وهي كذلك بمقتضى طبيعة الدولة التي هي منظومة الأجهزة والمؤسسات والتشريعات التي تحقق غرضين:
- الأول هو استعمار الإنسان في الأرض وهو ما سماه ابن خلدون بالعمران البشري ويتعلق بالحضارة المادية لأنه يعتبره منشغلا بالتعاون والتبادل والتآمن لسد الحاجات المادية والأمنية.
- الثاني هو استخلاف الإنسان في الإرض وهو ما سماه ابن خلدون بالاجتماع الإنسان ويتعلق بالحضارة الروحية لأنه يعتبره منشغلا بثمرة الحياة الجماعية من تحقيق للأنس بالعشير وسد الحاجات الروحية.
ولذلك كانت تسميته لكتاب المقدمة تسمية مزدوجة:”علم العمران البشري والاجتماع الإنساني” تسمية تقابل بين البشري والإنساني درجتين من وجود الإنسان وبين العمران والاجتماع مستويين من العيش أحدهما يهتم بالإنسان من حيث هو حي (موضوع الباب الخامس من المقدمة) والثاني يهتم به من حيث هو حي عاقل ذو وعي روحي يتعين في الأديان والعلوم والفنون خاصة.
وهي موضوع الباب الأخير من المقدمة لأنها هي الغاية. أما الأبواب الأخرى فتخص الشروط الضروري لكلا المستويين أي مستويي الحضارة البدوية (الباب الثاني) والحضرية (الباب الرابع) وبينهما الدولة (الباب الثالث) وقبلهما الشروط الطبيعية والمناخية أولا والشرط المخيالية والرمزية ثانيا (الباب الاول).
مستوى التحليل الأول : حقيقة الحكم ومقوماته من المنظور السني
كان يمكن المرء أن يكتفي بالتأسيس الفلسفي الصريح لمنزلة الحكم في سلم مسائل الكلام في العقيدة ولطبيعة الحكم في المنظور السني بالمقابل مع المنظور الشيعي كما حددهما ابن خلدون في المقدمة خلال كلامه على مسائل علم الكلام السني عامة والأشعري خاصة.
نص ابن خلدون
فقد قال
“1-وألحق (الأشعري) بذلك الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية في قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنها يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة فيها لمن هي له وكذلك على الأمة. 2-(تعريف ابن خلدون للحكم السياسي) وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد. فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعه علم الكلام.”6
التعليق على نص ابن خلدون
لكن نص ابن خلدون لا يحلل حقيقة الحكم ببيان مقومات بل هو يكتفي بتحديد طبيعته ويقابل بين الموقفين الشيعي والسني من علاقته بالعقيدة نافيا أن يكون حقا إلهيا لآل البيت ومثبتا أنه مسألة إجماعية لرعاية الشأن العام.
وما يعنينا هو بيان مقومات هذا الحكم ولم هو كذلك وكيف ينتظم أمر الشرعية السياسية في المنظور السني ليس من حيث فلسفة العمران والاجتماع التي ذكرنا أعلاه بل من حيث آليات الحكم والسياسة بما هما سلطة تصور المجتمع وتنظمه.
أجوبة الغزالي
وهذه هي الأسئلة التي يجيب عنها نص حجة الإسلام ابي حامد الغزالي. ولذلك اخترناه ليكون منطلقلنا لتحقيق هذه الغاية وسنحلله تحليلا موجزا إذ سبق أن درسنا المسألة في غير موضع.
فحجة الإسلام كما جاء في نصه يقول مثله مثل ابن خلدون بأن أساس شرعية الحكم الاختيار ويرفض الحق الإلهي في الحكم أو بلغة أصحابها الوصية أو بلغة الغزالي النص.
واستدلال الغزالي مضاعف وحتى نقرب فهمه سنعتمد ما يشبه الإحالة الضمنية للنظرية اليونانية في الحكم أعني المعيارين الكمي المشار إليه صراحة في اعتراض الباطني (الكل أو واحد أو بعض) والكيفي المشار إليه في جواب حجة الإسلام والغائب في اعتراض الباطني:
الاستدلال الأول:
استدلال تاريخي لنفي الوصية والنص والغزالي لا يطيل الكلام فيه بل يكتفي بالقول بإبطاله دون مزيد كلام في هذه الفقرة لأن المطلوب هو بيان إمكان الاختيار الذي ينفيه القائل بالوصية والذي يعترض عليه باستحالة ما يقرب من المعيار الكمي في الحلول الثلاثة التي وضعتها الفلسفة اليونانية : حكم الواحد أو حكم القلة (البعض) أو حكم الكثرة (الكل). ومنها تنطلق حجة الباطني لبيان الحاجة للوصية.
الاستدلال الثاني :
استدلال عقلي والمشكل الذي يعالجه الغزالي هو كيف يكون الاختيار. وفيه يخالف الغزالي الحل اليوناني في تعديد الأنظمة السياسية (المبني على المعيار المضاعف) وفي أساس المقابلة بين الحاكم والمحكوم وتركيبة الرتب في الدولة والمجتمع (نظرية المعادن الثالثة.) فالغزالي يلغي الحل اليوناني بفرعية جملة وتفصيلا وبذلك يتجاوز كل الفلسفة السياسية اليونانية ويضع مبدأ فلسفة السياسة الحديثة وهو مبدأ قرآني اصيل : دور القوة في كل نظام سياسي دور جوهري وليس عرضيا.
التعليق على الإستدلال المضاعف
فلما يبين الغزالي أنه لا بد من الواحد والقلة والكثرة في آن لتصل الجماعة إلى حكم ذي شرعية فإنه يلغي تثليث الأنظمة اليوناني بمعيار كم الحاكم.
فالمبادرة تكون بالواحد إذا كان مطاعا أو بالقلة إذا حققت الطاعة. لكن الشرعية لا تتم ولا تتحقق إلا بالحصول على الكثرة الغالبة.
فيكون الغزالي بذلك قد تجاوز حل الوصية وحل تعدد الأنظمة اليوناني وأن ثلاثتها مشروطة في الشرعية.
ولما يهمل الكلام على المقابلة بين العقل والغضب والشهوة يلغي المعيار كيف التمييز بين الحاكم والمحكوم وتصنيف الطبقات في الدولة والمجتمع.
فالحاكم لا يمثل العقل بل يمثل الشوكة والمهابة لأن الأمر يتعلق بالسلطة والعقل أحد عناصرها لكنه ليس الأهم لأنه في السلطة أداة وليس هو الرئيس.
تتمة وتعليق على أجوبة الغزالي
وطبعا ما غاب التصريح به هو تجاوز المعيار الكيفي في الفلسفة السياسية اليونانية-رغم وجوده ضمنيا بالبديل منه في تحليل طبيعة تحديد القيادات المسموعة في مجال الآراء والأهواء- هو المقابلة الثانية التي لا تتعلق بالعدد بل بالكيف :
فالأنظمة اليونانية ستة تتقابل منها ثلاثة فاضلة مع ثلاثة راذلة. والغزالي لم يتطرق لهذا الوجه صراحة.
لكن ذلك ورد في نظريته ضمنا بالبديل منه حتى وإن لم يذكر المقابلة من أصلها مكتفيا بمعيار الطاعة والاعتبار والعصيان مناطي السلطة بصرف النظر عن النوعية الخلقية للمطيع والمطاع.
فالواحد المبادر أو القلة المبادرة هما من تعتبرهما الجماعة القوة المسموعة فتطيعها وتتبعها لتحصل الغالبية التي هي الشوكة الممكنة من تحصيل وظائف الدولة طوعا والطوع يتضمن بالقوة إمكانية الكره. وهي من ثم من جنس الجماهير التي تسمع لهم وتطيعهم.
وبذلك فكيفية الحكم الخلقية هي عينها كيفية انتخاب الجماعة لأعيانها أو من تتبعهم من نخبها (بلغتنا الحديثة نخبها ذات الوزن في الحسم السياسي لديها أو من يسميهم الغزالي بمعتبري الزمان) وما تستقر عليه المحددات والمعايير لحصول الأغلبية القادرة على الحكم في تلك الجماعة.
لم يقابل الغزالي بين مدينة فاضلة ومدن غير فاضلة ومثله سيفعل ابن خلدون لاحقا بخلاف الفارابي مثلا لأن ذلك ليس من مجال الانثروبولوجيا السياسية وبصورة أدق انثروبولوجيا السلطة السياسية عامة بل من مجال المباحث الخلقية بمعزل عن السياسة.
لكن الأخلاق لها دور في تنظيم المؤسسات باعتبارها خانات فارغة هي بنية الدولة وفي انتخاب من يملؤها وهم الحكام الذين تتعين فيهم مؤسسات الدولة لوقت معين: لكأن الأولى متغيرات رياضية والثانيين قيم معينة يمكن أن تكون صالحة وغير صالحة.
والمجال المحدد للأغلبية هو نوع من السلطة على “الآراء المتلاطمة والأهواء المتصارعة في الجماهير” وكيفية السلطان عليها طوعا أو كرها (وهذا بين في المجتمعات الحديثة التي يؤدي فيها الإعلام والثقافة والدعاية والمال الدور الأول في تحقيق الأغلبيات).
ويضيف الغزالي أن هذا السلطان لدى معتبري الزمان هبة إلهية لأن بروز الزعامات والقيادات التي تقبل بها الجماهير في النهاية -مع الكثير من العوامل ومنها خاصة المال والقوة- أساسها خصائص يمكن ردها للكاريزما التي لا تعوضها الدعاية والمال (وتلك هي علة حاجة الأحزاب لخيول سباق لهم هذه الخاصية للقيادة).
وفي ذلك مصداق الاثر: كيفما تكونون يولى عليكم.
ولكن تحليل الغزالي يتألف في الجملة من مستويين رئيسيين كلاهما مضاعف ومن أصل يجعلهما كذلك:
- المستوى الأول ويتألف من عاملين: الأول هو مفهوم الشوكة أو القوة السياسية. والثاني هو شرعية الشوكة وتتمثل في الأغلبية إيجابا أو بصورة سلبية في منع الحرب الأهلية عندما لا توجد الشوكة المحققة للسلم الأهلية.
- المستوى الثاني ويتألف من عاملين: الثالث هو كيفية تحقيق الشوكة بداية. والرابع هو كيفية تحقق الشرعية غاية حتى ينتظم الحكم إيجابا فتحصل الطاعة والسلم الأهلية ويتم تجنب الحرب الأهلية سلبا.
أما الأصل فهو نظرية انثروبولوجية تتعلق بمجال السياسي بما هو سلطة في المجتمعات البشرية ويتعلق بدور القوة في انتظام ما هو بمقتضى طبيعته داع للفرقة والفوضى أعني الآراء والأهواء وهما على صلة بصراع المصالح التي وظيفة الدولة تنظيمها وتنظيم التنافس عليها والتعامل بمقتضاها. وبهذه التعليل يختم الغزالي نصه:
“ولا تتفق الإرادات المتناقضة والشهوات المتباينة المتنافرة على متابعة رأي واحد إلا إذا ظهرت شوكته وعظمت نجدته وترسخت في النفوس رهبته ومهابته. ومدار جميع ذلك على الشوكة ولا تقوم الشوكة إلا بموافقة الأكثرين من معتبري كل زمان”7.
نحن إذن في حضرة فلسفة سياسية بعيدة كل البعد عن الفلسفة السياسية اليونانية بمعنييها:
- الفلسفة السياسية التي يمثلها أفلاطون وخاصة أرسطو والمبنية على القانون العقلي والخلقي.
- الفلسفة السياسية التي يردان عليها أو الفلسفة السياسية السوفسطاية المبنية على القانون الطبيعي والمصلحي.
وقد يميل المؤول إلى أنها تجمع بين هذين الفلسفتين حتى وإن لم تكن منطلقة منهما لأنها مبنية على تأويل ديني وتحليل انثروبولوجي لحقيقة السلطة في الجماعات البشرية من خلال تحليل عيني لتجربة الدولة الإسلامية وذلك عند الغزالي أولا وعند ابن خلدون أخيرا.
مستوى التحليل الثاني: المقارنة مع حقيقة الديموقراطية الحديثة ومقوماتها
لم يكتف الغزالي بالتحليل النظري لمفهوم الحكم تأسيسا على مبدأ الاختيار بدل الحق الإلهي وتحديدا لمقوماته بل ضرب مثالا من تاريخ الإسلام لبيان كيفية حصوله في الواقع الفعلي في التجربة الإسلامية الأولى.
والمثال الذي انطلق منه الغزالي هو مثال حسم الخلاف الذي حصل في السقيفة:
- فمبادرة الفاروق للمبايعة حسمت الخلاف لأنها نقلت الجماعة التي كادت تصل إلى الاقتتال من خيار غامض من نظام حكم في حضور الرسول إلى نظام حكم في غيابه من خيار لغموضه دفعهم إلى العودة الجاهلية (منا أمير ومنكم أمير) إلى خيار محدد بدل المسألة المجردة المتعلقة بالإمارة عامة.
- فالفاروق نقل الإشكالية من العموم إلى التعيين فتقدم وبايع أبا بكر. حينها أصبح المشكل معينا وحله سيكون يسيرا : الخيار أصبح من مع عمر وأبي بكر ومن ضدهما. حينها توالت البيعات فحسم الأمر ليس بمجرد مبايعة عمر بل بما حصل بعدها عندما رجحت كفة خياره فاتبعته الأغلبية.
والغزالي لم يهمل الفرضية الثانية المتمثلة في إمكانية انعدام الفرد الواحد القادر على الحسم فتكون المبادرة لمجموعة متفقة ومسموعة.
وتلك هي التجربة الثالثة لأن الثانية كانت محسومة بنفس الرجلين :
ابو بكر أوصى للفاروق.
لكن الفاروق لم يوص لأحد وترك الحسم الذي كان يخشى ألا يتبع فيه لو قام به هو فكون المجلس الانتخابي من ستة صحابة وأوصاهم بتحقيق الإجماع الأغلبي المسموع والمطاع بالتصويت بينهم بعد استشارة المسلمين في المدينة خاصة (شرط الشوكة) لمنع الفتنة التي بدأت تطل برأسها بسبب اغتياله والتي ستكون سبب الحرب الأهلية بعد اغتيال عثمان.
كما لم يهمل الغزالي حالتي الفشل الممكنتين : وهما ألا تحصل الأغلبية أو أن يحصل التعادل فتكون بداية الفتنة حول السلطة وتنشأ أسباب الحرب الأهلية.
فكلتا الحالتين يمكن أن تؤدي إلى الحرب الأهلية.
وهو ما يشير إليه أثر آخر:
لا بد من حسم المسألة ولو بقتل المنافس الذي لا يمثل الأغلبية لمنع الحرب الأهلية. وطبعا فهذا كله وصف لما يجري في الحالات القصوى وهو ما تلجأ إليه الديموقراطية سلميا في الأغلب لكنها أحيانا تلجأ إلى أنواع كثيرة من اغتيال المنافس في حالة تعذر تحقيق الحل السلمي.
ولنأت الآن إلى المقارنة مع ما يجري في المجتمعات الديموقراطية في تحقيق الحكم الشرعي بالانتخاب.
- ففي مستوى القوى السياسية التي تمثلها المنظومة الحزبية وما يسندها من تجمعات المصالح المختلفة التي تدعم الأحزاب بوصفها المعبرة عن مصالحها وآرائها وأهوائها (بعبارة الغزالي) لا بد من قيادات مسموعة تحسم الأمر في تنظيم الحزب نفسه أولا وهي قيادات لها نوع من الكاريزما لتحصل على الأغلبية في الحزب.
- وفي مستوى اختيار ممثلي الأحزاب عند حصولها على الأغلبية لإدارة الدولة فإن ذلك يخضع لنفس الآلية على الأقل في مرحلة الترشيح قبل الانتخابات ثم بعدها في مستوى الترشيح لتكوين الحكومات والمجالس النيابية وكل المشرفين على تسيير إدارة الشأن العام في الداخل والخارج والإشراف على وظائف الحماية والرعاية.
فالآلية الحزبية وظيفتها تنظيم الآراء والأهواء بمقتضى صراع المصالح والقيم بين أعضائها وبينها وبين أعضاء غيرها من القوى السياسية الأخرى.
وإذن فالسلطة التي بيدها الدولة توازي سلطة أعمق هي السلطة التي وظيفتها تعيين المشرفين على السلطة التي بيدها الدولة:
وإذن فللسياسي مستويان أحدهما متقدم على الدولة الحاكمة وهو النظام الموصل إلى الحكم والممكن من تغييره والثاني هو الحاكم.
وفي المستوى الأول يتم العمل لتحقيق القوة السياسية ذات الأغلبية في علاقة بالجماهير بلغة الغزالي. ذلك أن الشوكة تقاس بهذا الحضور في الجمهور وعدد التابعين وتلك هي الشوكة. وهي تسمى شوكة لأنها معبرة عن القوة وهي مدنية بالفعل لكنها حربية بالقوة لأنها هي المانع من تنطع الأقلية أو من فقدان الأغلبية بفضل الحضور في الجماهير.
وبهذا المعنى فالسياسة في الحقيقة حرب باردة همها منع الحرب الحارة مثلما أن الحرب سياسة حارة همها تحقيق السلم. ويظهر ذلك بهذه الصفات على الأقل في البنية العميقة للعلاقات البشرية إذا ما تجاوزنا البنية السطحية التي سرعان ما تزول بمجرد حصول أي صدام بين الجماعات وهو الأمر الغالب عليها في طور النشوء والبداوة وقبل استقرار التمدن (الجاهلية العربية مثلا).
وهذا القانون يصح في السياسة الداخلية وخاصة في السياسة الدولية.
وختاما فإن الفرق الوحيد بين الدول يتعلق بثمرات تطور اللواحم التي بمقتضاها تتكون الأغلبيات ويتعين من يسميهم الغزالي معتبري الزمان الذين يحسمون الخيارات (وهم اليوم لوبيات مصالح تعمل في الغالب من وراء حجاب) ومن ثم الشوكة الشرعية التي هي أساس الحكم.
- ففي المجتمعات الحديثة التي جربت الحروب الأهلية فهمت أن السياسة هي الحلول التي تغني عنها ما أمكن الإغناء بالتداول على السلطة بمعيار التداول السلمي من خلال تحصيل الأغلبية أو الشوكة الشرعية.
- لكن السياسة في الشعوب التي لم تمر بحق بمثل هذه التجارب ما تزال في شبه حروب أهلية دائمة لم تحسم : لذلك فهي لم تخرج من الاستبداد والفساد وسلطان الشوكة غير الشرعية أو العصبيات المفضية للهرج وليس العصبيات الشرعية التي من جنس منظومة القوى السياسية المتنافسة ديموقراطيا.
وما تعيشه السنة الآن وخاصة في الوطن العربي هو لحظة الثورة الساعية للانتقال من هذا الوضع إلى الوضع الذي يحقق التداول السلمي على السلطة. سنة العرب بدأت تنتقل بفضل الثورة من العصبيات المفضية للهرج والتي تتقافز على الحكم بالانقلابات والوراثة إلى ما يقرب من الديموقراطية في مراحلها المتعثرة لأنها في الغرب لم تصل إلى الوضع الراهن والذي ما يزال متضمنا للكثير من العيوب إلا بتدرج المهم فيه هو التربية التي تمكن من جعلها أخلاقا موضوعية أشبه بالأعراف المقدسة.
نحن في لحظة الحرب الأهلية التي ستوصلنا إلى المهادنة المتبادلة بين القوى السياسية لتحقيق شروط التعايش السلمي فينتقل التداول على السلطة -بنفس الآليات التي وصفها الغزالي- ولكن من طور المجرى البايولوجي حيث الحاكم لا يتغير إلا بالموت أو بالقتل إلى المجرى التكنولوجي (الدولة جهاز أو منظومة آلية) حيث يتغير الحاكم كما يتغير العامل على الآلة (الدولة) التي تواصل عملها وتستمد لحمتها من كونها منظومة تسير الأفكار والأهواء التي خضعت لسلطان نظامي يمكنها من تحقيق مصالحها.
وأصل المصالح كلها هو هذه الآلة التي تحقق شروط التعاون والتبادل والتعاوض المغني عن التقاتل وعن الحرب الأهلية بوضع مؤسسات متعالية على الجميع تمثل الحكم بينهم ومن ثم فالمحافظة على الجماعة هي في آن غاية ووسيلة.
ولهذه الخصائص كانت الدولة مهما فسدت أساس تحقيق الممكن من الخلقي حتى وإن كان الخلقي هو أساس وجودها المبدئي: فهي تتأسس على الخلقي ليصبح ممكنا بالفعل للإنسان لكن الخلقي يبقى الأفق المثالي الذي يمكن من تجويد أدائها لهذه الوظيفة التي من دونها لا يمكن للجماعة أن توجد فضلا عن أن تبقى.
ذلك ان القيم الخلقية صفات لذات مضمرة في الحقيقة.
فعندما نتكلم على العدل مثلا فالقصد دولة عادلة أي محققة لشروط العدل سواء في التعاوض (التعويضية) أو في التقاسم (التوزيعية).
ولما كانت الآلة التي تحقق هذه الوظيفة هي الدولة فإن تحقيقها يقتضي تعضيا للآلة هو تعض كوني ملازم لكل دولة ووظيفة أعضائها هي:
- الحماية داخليا (بعضوين هما القضاء والأمن).
- الحماية خارجيا (بعضوين هما الدبلوماسية والدفاع).
- الرعاية تكوينيا (بعضوين هما التربية والمجتمع).
- الرعاية تموينيا (بعضوين هما الثقافة والاقتصاد).
وكل ذلك يتأسس على “مرجعية مزيج هي في آن فلسفية على طبائع متعالية ودينية على شرائع متعالية” حتما لأنها مرجعية تنتسب إلى المستوى المتعالي من القيم الخلقية والروحية (مثل حقوق الله وحقوق الإنسان إلخ..) التي تضفي المعنى على ما عداها فتحافظ على بقائها والسعي لتطوير ظروف وجودها.
وكل هذه الأعضاء خانات خالية يملؤها من يكلف بها في الدولة لمدة وتكون الأخلاق أولا في وجود هذه الوظائف ثم في أسلوب أداء من يملؤها وذانك هما مستويا الأخلاق الحقيقيان وليس مجرد الأحكام الخلقية في تصورات الإنسان التي قد تكون مجرد تصورات غير ذات أثر على الأفعال فتكون مجرد أقوال.
- فمن يستطيع أن ينفي كونية هذه الوظائف يمكن أن ينفيها عن دولة الإسلام في الماضي أو في المستقبل.
- ومن يستطيع أن ينفي مستويي الأخلاق هذين القائمين فيها وفي من يملؤها يمكن أن ينفيها عن الدولة الحديثة.
ولما كان من العسير نفي واقعة أن دولة الإسلام قد حددت هذه الشروط على الأقل في النظر-كما بينا- وبعضها في العمل -كما بين المثال الذي ضربه الغزالي والتقسيم الذي قدمه ابن خلدون- أعني ما كان منها ممكنا في ظروفها التاريخية وأنها تستطيع تطويرها لتحسين الإنجاز فإنه لا يمكن أن يدعي استحالتها إلا لأنه مثل فقهاء الانحطاط وحتى مثل بوكو حرام يتصور الشريعة الكاريكاتور الذي يدافع عنه فقهاء الانحطاط الأهلي ويحاربه فقهاء الانحطاط المستورد الذين يدافعون على الدولة الاستعمارية.
وأخيرا فينبغي ألا ننسى أن مفهوم الدولة الآلة (منذ فشت أصبح صريحا) القائمة بهذه الوظائف ليس جديدا ولا حديثا بل كل نظام يعمل بقواعد منتظمة هو إما عضوي أو آلي وفي الحقيقة فإن الحضارة هي ثمرة تفاعل هذين الجهازين العضوي والآلي أو إن صح التعبير هي ثمرة الطبيعي والثقافي والدولة هي التي تجعل هذا التثامر بينهما ممكنا لذلك فهي وسط بينهما محتوم.
ولما كانت الدولة تمر من غلبة المرحلة العضوية إلى غلبة المرحلة الآلية فإنها تبقى مع ذلك خاضعة لنفس القوانين لأن توالي الأجيال العضوية يبقى ضروريا في تجدد القوى السياسية التي تتوالى على الحكم بتوالي نوبات العمل في دولة المؤسسات التي تميز بين الخانات الخاوية ومن يملؤها صراحة.
لكن الأولى أيضا تميز بينهما ضمنا حتى وإن أبقت على التوالي الجيلي ذا مفهوم عضواني.
خاتمة
وهكذا فقد برهنا ما أمكن لنا البرهان بالنص وتحليله وبتحليل المفهومات التي تتقوم بها الدولة والأخلاق الحقيقتين التاليتين:
- بنية الدولة ومقوماتها تحددها وظائفها وهي كونية ولا تتغير إلا اساليب ممارستها. والدولة الإسلامية مثلها مثل الدولة الحديثة تعتمد على آليات التعامل مع خصائص الإنسان وما يترتب على التساكن من تنافس على المصالح والقيم : والدولة هي جوهر الأخلاق لان ذلك مستحيل من دونها.
- دور الأخلاق مضاعف فهو أولا في هندسة بنية الدولة لأداء هذه الوظائف على أحسن وجه وأعدله ثم في تنشئة من يملؤون هذه البنية التي هي بنية مجردة تتعين في حكام معينين لهم أخلاق حقبتهم وجيلهم وطبيعة الصراعات العينية الجارية في الجماعة التي تعيش في ظل دولة عادلة أو ظالمة.
وبذلك فالدولة بنية كلية بوظائفها وهي بنية شارطة للأخلاق في الواقع ومشروطة بها في المثال.
ومعنى ذلك أن الدولة تجعل الأخلاق حاصلة بالفعل وأن الأخلاق تمكن من تجويد بنية الدولة وتحسين لتحصيل الخلقي بفضل القوانين والتربية والحياة الجماعية التي تصقل الإنسان وتهذبه طباعه.
وكل تصور لجماعة من دون دولة أو لتمايز جوهري بين الدول بحيث يكون بعضها ممثلا للأخلاق وبعضها الآخر ممثلا لعدمها ليس إلا جدل ذهني إيديولوجي سببه فكرة ما بعد الحداثة النافية للتواصل بين الحضارات وحتى التواصل بين الحقب التاريخية في نفس الحضارة.
-1- فالقاضي مثلا عندما ينزل الحكم الموجود على النوازل يبحث عن مناسبة بين مفهوم وواقعة ومن ثم فهو يصل بينهما بحد وسط يعير به المناسبة. وهذا الحد الوسط هو ما به يكون النص تشريعا قابلا للانطباق على تلك الواقعة خضوعا لذلك التشريع : فيحكم بشرعية التطبيق. والفقيه عندما يجتهد سواء في الإفتاء أو في التأسيس (اصول الفقه) لا بد له من تشريع يقوم به الطابع التشريعي للنص الذي ينطلق منه وهو منظومة التعليلات التي هي تراوح بين القيمة الخلقية أو الفائدة المصلحية. وضمن القيمة الخلقية نجد الدلالة التعبدية وضمن الفائدة المصلحية نجد الدلالة التعاملية. والدلالة التعبدية ذات صلة بما وراء التشريع والدلالة التعاملية ذات دلالتين إحداهما ملتفتة للنظام الدنيوي والثانية ملتفتة لاتساقه مع النظام المتعالي الذي ينتظم به النظام الدنيوي ومن ثم فله صلة بمفهوم الأخلاق في صلتها بالدولة أو بخلقية وظائفها التي تحتكم إلى مبدأ وجودي خلقي : فوجوديا يصعب فصل الخير المحض عن الشر المحض في الوجود وخلقيا لا بد من تقديم درأ الضرر على جلب المنفعة ما يؤدي إلى اختيار أخف الأضرار ولا يكون ذلك ممكنا من دون التأسيس على الماوراء الذي تعير به تشريعية التشريع. وذلك هو جوهر الاجتهاد.
-2- وهذا الازدواج يصح على النظر وعلى العمل على حد سواء. فالتنظير العلمي تشريع لموضوعه وله تشريع يقوم به ليكون تشريعا أولا وتشريعا مطابقا لقوانين موضوعه ثانيا. وهذا التشريع للتشريع مضاعف فمنه ما هو متعال وهو غالبا ما يكون من “جماليات ومنطقيات” النظرية العلمية عامة وهو ما يعنينا ومنه ما هو متدان وهو غالبا ما يكون من “فعاليات وتجريبيات” النظرية العلمية وهو من جنس الحافز على مراجعة النظرية : لكنه ينتهي إلى الموقف الذرايعي في النظر. ونفس ذلك يقال عن العمل : فله تشريع هو نظير النظرية العلمية وهو في الغالب خطة عمل أو سياسة في شكل قوانين ومؤسسات وهو بذلمك تشريع لموضوعه وله تشريع يقوم به ذلك التشريع ليكون تشريعا بحق أولا وتشريعا مطابقا لقوانين موضوعه ثانيا وبصورة أدق لتحقيق غاية العمل. وإذا كان تشريع التشريع في النظر جماليا منطقيا فإن تشريع التشريع في العمل يكون جماليا خلقيا. وحتى هنا فإن تقويم المطابقة بالفعالية والتجريبية مستحب حتى وإن كان خطيرا على الأخلاق لأن غلبته تؤدي حتما إلى منطق الغاية تبرر الوسيلة وتنهي الموقف الخلقي من أصله.
-3- مفهوم معتبري الزمان-سيرد ذكره في نص الغزالي- الذين يحددون بمواقفهم مواقف الأغلبية في شعب من الشعوب يجمعون بسر اشار إليه الغزالي دون محاولة تجاوز القول إن من أسرار الحكمة الإلهية بين الشرعيتين تمثيلا للقوة والمهابة اللتين تحتاج إليهما الشرعية. وهذه ظاهرة انتروبولوجية لها صلة وثيقة بدينامية الجماعات وتوجد في كل الميادين سياسية كانت أو رياضية أو عسكرية او حتى بين الصبية اللاعبين في الأحياء إذ تعتمد القيادة على مثل هذا السر من الكاريزما وقوة الشخصية. لكن الدولة تضفي هاتين الصفتين على المؤسسة خاصة فيصبح المالئ لها متصفا بهذه الصفات حتى لو لم يكن حائزا عليها. لكن حيازتها لها تجعله لحظة فارقة في إدارة الدولة وغالب التغييرات الجذرية في الدول تقع عندما يجتمع الأمران : شوكة المؤسسة ومهابتها (بمقتضى ما تستمده من شرعية المرجعية) مع شوكة مالئها ومهابتها فيكون مالئا لكرسيه بلغة سياسية سوقية.
-4- وعندما يدعي بعض الفقهاء “فحيثما توجد المصلحة يوجد شرع الله” يكون ذلك ناتجا عن الخلط بين هذين المستويين إما لسوء فهم نظري أو لأن السلطان ألغى صلته بالخلافة أو لأن الخليفة كان في آن سلطانا فاتحد التشريعان لكنهما يبقيان متمايزين من حيث الطبيعة والدور. الشريعة تجمع بين الوجهين في الممارسة ربما لكنهما مختلفان والتمييز بينهما يحررنا من حصر الشريعة في الأحكام. ذلك أن الأحكام أدوات تحقيق الغرض من التشريع وليست هي التشريع ولا خاصة تشريع التشريع. فقيمة الأمانة والعدل اللتين يتأسس عليهما الحكم في القرآن (النساء 58) هما ما به يعير الحكم سواء كان في القضاء أو في السياسة أو حتى في المعرفة العلمية. ففي هذه هما شرط الموضوعية الممكنة. وفي السياسة هما شرط الحياد في دور الحكم لئلا يكون طرفا في حسم المنازعات بين المصالح في الدولة. وفي القضاء هما شرط الانصاف في حل الخلاف بين المتنازعين.
-5- فضائح الباطنية نشرة بدوي الدار القومية للطباعة والنشر القاهرة 1964 ص.175-177.
-6- المقدمة دار الكتاب اللبناني بيروت 1967 الباب السادس فصل علم الكلام ص. 833-834.
-7- الغزالي نفس الإحالة السابقة.
يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/