نظرية الأحياز الخمسة 06 – أصل الاستراتيجيا – المسألة الأولى فلسفة الإسلام السياسية – الجزء الرابع

مقدمة:

هذا الفصل هو الأعسر على الإطلاق. لذلك فالمطلوب من القارئ الكثير من الصبر والتحمل إن كان يريد أن يغوص في أعماق الفلسفة الدينية القرآنية من حيث علاقتها بالسياسة بما هي استراتيجية دولة تسعى لتحقيق شروط الحماية والرعاية للجماعة الإسلامية خاصة وللبشرية عامة.
ولعل التنبيه هذه المرة يتوجه إلى القارئات أكثر من توجهه الآ القارئين لأن الأمر كله يتعلق بعسر فهم دور المرأة في كل ما له علاقة بالاستراتيجيا والسياسة في النظرية الإسلامية خاصة والكونية عامة.

مجالات الصراع من منطلقي الأحياز الخمسة و فاعلية الرمز

يقتضي الشروع في بيان مقومات الفلسفة السياسية التي تبين حقيقة الدولة من حيث هي استراتيجية الحماية والرعاية الدائمة بصورة تجعلها مستعدة دائما للأعداء سواء كانوا بشرا أو طبيعة أعني مصدري الأخطار التي تتهدد حياة الفرد والجماعة وحريتهما أن نبدأ فنذكر بمجالات الصراع التي حاولنا حصرها من منطلق الأحياز الخمسة مع إضافة ما تم إثباته من منطلق فاعلية الرمز لأن كل الصراعات بما فيها التي تجري لعلل مادية لا تكون إلا بواسطة فاعلية الرمز.
فهذه الفاعلية هي التي تجعل الصراعات بادية للوعي لدى المتصارعين لأنها تترجمها بوجهين أحدهما يؤدي دور البرقع الذي يخفي حقيقة الدوافع وهو ما يجعل السياسة دائما ذات خطاب مزدوج تخفي غير ما تبدي فيغلب عليها الخداع المتبادل سواء كانت داخلية أو خارجية وهي ظاهرة تثبت بصورة لا لبس فيها الطابع الاستراتيجي لكل فعل سياسي بل لكل فعل إنساني سواء تعلق بصورة العمران (الحكم والتربية) أو بمادته (الاقتصاد والثقافة) أو بأصلها كلها (المرجعية الفكرية والدينية).

الصراع على حيز المكان والجغرافيا

فالصراع على المكان الذي تحول إلى جغرافيا حضارية يضفي على المكان دلالة قيمية في وظيفتي الدولة (الحماية والرعاية).
وتلك هي البداية في كل الجماعات لما تحدد مجالها الحيوي بما لديها من قوة قادرة على أخذ حظ مع الجماعات المحيطة بها من المكان الذي ينتقل من الجغرافيا الطبيعية الخالصة إلى الجغرافيا الحضارية.
فينتج نوعان من فيزياء القوة 1- في الداخل لاقتسام بالمكان بمعناه الجديد بين أعضاء الجماعة 2- وفي الخارج باقتسام المعمور من الأرض بين الجماعات المتنافسة عليه لعلل الحماية (البعد الدفاعي على الحدود) والرعاية (البعد الاستثماري لثروات الأرض).

الصراع على حيز الرتب الطبقية

والصراع على الثروة المادية التي تستمد من هذه العملية الأولى تؤدي إلى صراع مالي داخلي وخارجي وسبب احتدامه نشأة الطبقية التي تصله بما يحفظه ليجعله وكأنه طبيعة أعني بالاستبداد بالسلطة السياسية داخليا وخارجيا.
لذلك فهذا الصراع يكون دائما مصحوبا بالصراع على الحكم في الداخل وعلى السلطان على المحيط في الخارج أي إن الحروب بين الشعوب المتجاورة جزء لا يتجزأ من هذا الصراع. ومن ثم فرمزه طلب الحكم الذي هو أداة حماية الثروة المادية شرط بقاء الطبقة.

الصراع على حيز الزمان والتاريخ

والصراع على الزمان الذي تحول إلى تاريخ حضاري خلال تحويل المكان إلى جغرافيا حضارية ليس هو شيئا آخر غير الصراع على المآثر والمعالم التي تضفي على الوجود التاريخي للجماعة معاني تتحدد بها هويتها الحضارية والروحية.
فتكون في آن على التراتب الداخلي في الجماعة نفسها بين أفرادها وقبائلها وطوائفها وعلى التراتب في الخارج بين الحضارات والشعوب وهي من العلل الأساسية للصراعين الداخلي والخارجي بين البشر ومع المحيط الطبيعي.
ومدار هذا الصراع هو غريزة البقاء والدوام التي تحتوي ضمنيا صراعا من جنس صراع التاريخ الطبيعي حيث يكون البقاء للأقوى.

الصراع على حيز الرتب السلالية

والصراع على الثورة الرمزية التي تنتج عن الصراع على الزمان الذي صار تاريخيا حضاريا هو حقيقة الصراع الوجودي ببعديه العضوي والروحي.
وسبب احتدامه نشأة منازل الشرف والعراقة النسلية التي تصله بما يحفظه وكأنه طبيعة أعني الاستبداد بالسلطة الروحية .
لذلك فهو دائما مصحوب بالصراع على التربية وعلى نقاوة النسل أو المحتد. ومن ثم فرمزه طلب التربية الذي هو أداة حماية الثروة الرمزية شرط بقاء الشرف.

الصراع على المرجعيات

ووظيفة الفكر الحكيم والدين القويم منع هذا النكوص الإنساني إلى الحيوانية. وهو ما جعل الإسلام يؤسس السياسة على الأخوة البشرية (ضد العنصرية التي بلغت الذروة في عقيدة الشعب المختار) ووحدة المعمورة (ضد الطبقية التي بلغت الذروة في عبادة العجل) وتلك هي دلالة منع الفساد في الأرض وعدم القبول بالتفاضل بين الشعوب والأفراد بغير التقوى.
والجمع بين العنصرية والطبقية هما جوهر العولمة التي لم يبق مقاوما لها إلا الإسلام السني الذي يخوض الآن معركة مصيرية ليس بالنسبة إلى المسلمين وحدهم بل بالنسبة إلى الإنسانية كلها.
لذلك فالحرب على الإسلام هي الحرب العالمية الأولى لأن الأخريين كانتا حربين غربيتين من أجل تقاسم المستعمرات وليست حربا عالمية من أجل تحرير الإنسانية من العنصرية والطبقية.

تعقيد الصراعات ودلالاتها الرمزية

لكن الصراعات متداخلة بصورة تجعل كل واحد منها يؤثر في الأخرى بمعنى جعلها أداته وبمعنى تنكره فيها. لكن هذا التداخل والتأثير والتنكر المتبادلين أحدها في البقية يبرز بوضوح أكثر في صراع الثروة المادية والثروة الروحية .

فالتداخل يعطينا نوعين آخرين من الصراع يتبادلان فيه بالتوالي دور الأداة والغاية :

  • فالثروة المادية أداة للحصول على الثروة الرمزية التي تكون غاية.
  • والثروة الرمزية تكون أداة للحصول على الثروة المادية التي تكون غاية.

والأساس فيها جميعا هو ما ترمز إليه قابلية كلا الصراعين على التنكر في الآخر وتلك هي طبيعة العلاقة بين رمزين هما المال والسلطة المادية Avoir والوجود والسلطة الروحيةEtre.

لكن أهم خاصية كونية في هذا التنكر المتبادل يتمثل في كونهما يجتمعان في كائن واحد هو في آن جوهر غاية المال والسلطة المادية وجوهر أداتهما وهو كذلك جوهر غاية الوجود والسلطة الرمزية وأداتهما: إنه المرأة لغز الحياة العضوية والروحية في كل الحضارات وخاصة في أتمها أي في حضارة الإسلام.

منزلة المرأة ودورها المحرك للحياة العضوية والروحية

فالمرأة هي أكثر الموجودات تعقيدا في حياة الجماعة ذاتا ودورا ورهانا وموضوع تنافس وتصارع في الجماعة وبين الجماعات وهي رمز تنكرها بعضها في البعض بل هي عين المبدأ الخفي والجلي في آن لصلاتها بعضها بالبعض.
لذلك فبها يمكن قيس وعي الجماعة بذاتها من خلال طبيعة الصراع عليها أو منزلتها في كل الصراعات الجارية على المكان والزمان والثروة المادية والثروة الرمزية والمرجعية الروحية للجماعة.

  • فالمال والسلطة المادية وجهان لبعد واحد في عمق كيان الإنسان العضوي هو بعد الحياة العضوية.
  • والوجود والسلطة الرمزية وجهان لبعد واحد في عمق كيان الإنسان الروحي هو بعد الحياة الروحية.

والبعد الأول لا يعي ذاته إلا بالبعد الثاني لأن بعد الحياة الروحي هو عودة الكيان العضوي على نفسه وعيا بكينونته الحية الواعية والمشرئبة إلى ما يتعالى عليها نحو الكمال الخلقي وعدم الاقتصار على المحدودية والتناهي والفناء اللذين يلازمان البعد العضوي من حياة الإنسان.
ومن ثم فهو التوق الوجودي للحياة الكاملة. وهذا التوق رمزه العضوي والروحي يتعين في المرأة بوصفها “معمل الحياة” الفعلي المشهود بداية وغاية.
وليس بالصدفة أن اعتبرها القرآن كذلك فكانت سورة النساء التي تعالج كل هذه الصراعات تحمل هذا الاسم وتبدأ بالكلام على الخلق من النفس الواحدة التي خلق الله منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء.
فبداية خلق الإنسان نفس واحدة (أنثى) وغايته خلق النساء (انثى) :

  • ولهذا كانت العلاقة الثانية بين المرأة من حيث هي رمز الحياة الروحية والثروة الروحية للجماعة هي أساس كل الإبداع الفني والجمالي والعلمي.
  • وكانت العلاقة الأولى بين المرأة من حيث هي رمز الحياة العضوية والثروة المادية هي أساس الحاجة والتوق إلى هذه الإبداعات.

ومن ثم فهي رمز المحرك الغائي ماديا ورمز المحرك الغائي روحيا. ولا يمكن أن تكون رمز المحرك لغيرها (الرجل) من دون أن تكون رمز التحريك لذاتها كذلك ومن ثم فالشوق المادي والروحي هما في الحقيقة المحرك الفعلي لكأن المرأة بما هذا الرمز هي المحرك الذي يحرك ذاته فيحرك غيره بتحريكها.
لكن هذا التحريك ليس دائما جليا ولا في الحقيقة الفعلية لأنه في الأعماق أي في الخيال المبدع للحياة ولاسباب حيويتها. وإذا كان البعد الأول يرمز إلى ما سواه الله بنفسه (الجسد) فإن البعد الثاني يرمز إلى النفخ الإلهي فيه (الروح).

منزلة المرأة: تصحيح لدلالات قرآنية وسنية

لذلك فالإنسان أقدس من مقدس لأنه من صنع الله نفسه وفيه بعض من نفسه (النفخ). والحضارة الإسلامية يمكن اعتبارها الأرقى لهذه العلة :

  • منزلة الكونية الإنسانية عامة
  • ومنزلة المرأة خاصة بمعنى الحب والجنس المحركين الأساسين لكل فاعلية رمزية ومادية.

والتحريكان هما جوهر الإنسان. فهو بالأولى مستعمر في الأرض وبالثانية مستخلف فيها. والمرأة حاضرة فيهما من حيث مصدر دفع للحاجة المادية والروحية ومصدر وحي للمبدعات التي تعبر عنها.

منزلة الإنسان والمرأة في صدر الإسلام

وطبعا لا يمكن ألا يشكك القارئ المستعجل في هذا الفهم بمجرد مقارنة ما تتضمنه المرجعية بما عليه الواقع الذي يدعي أصحابه أنه معبر عنها ترجمة أمينة لها.
ومن المفروض أن يشكك المشكك في أمانة الترجمة بدلا من التشكيك في صحة عرضنا لمضمون المرجعية.
وعلى كل فإذا كان المسلمون يؤمنون برشد الصدر فالعلة هي اعتقادهم بأنه هو الوحيد الذي كان أمينا في ترجمة المرجعية إلى واقع. وفيه لا يمكن لأحد أن يشكك بأن منزلة الإنسان والمرأة هي ما وصفنا.
يكفي حجتان :

الحجة الأولى حول منزلة الإنسان عند الرسول

الرسول كان يعتبر حفظ دم المؤمن أسمى من الكعبة. وهو في الحقيقة يترجم حقيقة من حقائق المرجعية : فإذا كانت الكعبة من بناء نبي وابنه فإن الإنسان بناه ربه. وإذن فجسد الإنسان هو المعبد الأول والأقدس وحضور الله فيه هو نفخه فيه : أي إنه لا يخلو من حضور الله فيه ما كان حيا بالمعنيين العضوي والروحي. والمعنى الثاني هو دليل الحضور بالفعل والأول هو دليل الحضور بالقوة.

الحجة الثانية حول منزلة المرأة عند الرسول.

والرسول قد نزله المرأة منزلة ذات دلالة روحية وجمالية : إذ هي ثالثة ثلاثة الصلاة (منزلة روحية) والعطر (منزلة جمالية) والمرأة. والمرأة حبا وجنسا دون فصل بين الأمرين لأنها بهما تمثل الرمز العضوي والروحي. ولا ننسى دورها في اللحمة الجماعية وفي الوحدة السياسية التي لا تخلو حضارة من الاستفادة منها وخاصة بين الأسر الحاكمة كما هو معلوم من التاريخ الإسلامي ومن التاريخ المسيحي في أوروبا قبيل العصر الحديث.

دلالات أقوال الرسول في المرأة

سأكتفي بما فهم سلبا. ما قاله من إيجابيات غني عن التعليق مثل كلامه وصفا لمن أهان النساء ولمن كرمهن. سأكتفي بالرمز القرآني الذي يحرر كلامه من التشويه إذا قرئ في ضوئه. فتشويه أقوال الرسول نتج عن عدم فهم رمز قرآني صريح عدم فهم قلب كل معاني كلام الرسول على المرأة في أحاديث شوهت دلالتها للجهل بالعربية :
وهذا الرمز القرآني هو الذي ينبغي اعتماده لفهم كلام الرسول على المرأة: من ينكر أن القرآن حمل مسؤولية العصيان الأول للرجل والمرأة معا بخلاف الأديان الأخرى التي حملت المرأة دور الشيطان؟
لكن ما غفل عنه المفسرون هو أن من احتاج للعفو والاجتباء هو آدم دون حواء. ما يعني أن الله اعتبرها غنية عنهما. كيف يحملها مسؤولية العصيان أو الاغترار بوسوسة الشيطان ولا يراها بحاجة للعفو والغفران؟ أليس لأنها مجتباة بالجوهر؟ وكان يمكن امعانا في العناد التأويل بالتبعية لآدم. ذلك أن من يعاند لا يرى أن التبعية لو كانت صحيحة لاستغني عن ذكر دور حواء في العصيان وليس في التوبة.
عدم الذكر في التوبة مع الذكر في العصيان يعني أن حواء بسبب دورها العضوي والروحي في التحريك الوجودي كما بينا يجعلها بالضرورة منتسبة إلى نوع آخر من التشريع هو ما أساء فهمه من قرأ عبارة “ناقصات دين وعقل” وعبارة “العورة” قراءة شوهاء.

تصحيح سوء فهم معنى العورة

ولنبدأ بالعورة. فمن يعرف العربية يعلم أنها تعني الشيء العزيز الذي لا بد له من حماية خاصة : ويكفي قراءة الأحزاب وكلام البعض عن العورة بخصوص حماية الديار. وكل شيء ثمين يحتاج إلى أن يحمى لئلا يبقى عورة. ولا شيء أجمل من المرأة ولا أغلى على الأقل بالنسبة إلى من يعنيهم الشرف.
لذلك فوصفها بالعورة لا يعني أنها مصدر العار بل يعني أن تركها دون حماية هو مصدر العار: وهذا من الكناية للعلاقة السببية بين العار والعجز عن حماية الشرف.

تصحيح سوء فهم نقص الدين و العقل

أما نقص الدين والعقل فإن علاقتهما بما ذكرنا حول الاستغناء عن الاستتابة التي اضطر إليها آدم الذي تلقى كلمات فأتهمن فعفا عنه ربه واجتباه هي التي تفهمنا قصد الرسول :

قراءة الكلمة الأولى : الدين

يكفي قراءة الكلمة الأولى بمعنى الدين من الإدانة. هن أقل إدانة في العصيان لأن وظيفتهن هي التحريك العضوي والروحي والمحرك ومن ثم فالنقص في الدينونة يعني الزيادة في الحرية الروحية.
المحرك أكثر حرية حتما وإلا لكان تابعا في فعل التحريك. لذلك ذكرت في فعل التحريك للعصيان ولم تحتج للذكر في العفو.

قراءة الكلمة الثانية : العقل

أما الكلمة الثانية فدلالتها اللغوية متممة لدلالة حرية التحريك :
فالعقل هو المنع والتحديد لفعل التحريك. عندما نعقل الناقة فنحن نمنعها من الحركة. ومن ثم فالنقص في العقل يعني الزيادة في الحرية الابداعية وقوة الخيال ذلك أن الخيال في تناسب عكسي مع العقل الذي يمثل مبدأ الواقع في حين أن الخيال يمثل مبدأ الرغبة واللذة وهو إذن جوهر الحياة.

حصيلة القول

وحصيلة القول إن المرأة أقل دينونة (في الروحي ومن ثم فهي اكثر حرية رمزية ) وأقل تحديدا (في المادي من ثم فهي أكثر حرية خيالية) لأنها تمثل جوهر الحيوية العضوية والروحية في آن. فهي المحرك الحيوي في مجالي تواصل الحياة العضوية (معمل الأجيال) والروحية (جينة الإبداع). وهي بهما محركة الإبداعين الثقافي والمادي وشروطهما المعرفية والتقنية.
وتلك هي العلة في أن هذا المحرك الحيوي العضوي والروحي هو أصل الحياة (النفس الواحدة) وغايتها (النساء) في سورة النساء ومن ثم فهو الموحد الحقيقي للجماعة وللبشرية سواء بالتحريك لتحقيق حاجتها بما هي كائنات عضوية (الثروة المادية) أو لتحقيق حاجاتها بما هي كائنات روحية (الثروة الرمزية).

خاتمة: استعمار الإنسان في الأرض وحاجة الخليفة للحماية والرعاية

والإنسان المستخلف والذي له هذه المنزلة لا يمكن أن يستعمر في الأرض من دون مؤسسات تحميه وترعاه بقيم الاستخلاف وذلك مفهوم الدولة في الإسلام أو الشريعة ليس بما هي نصوص فحسب بل بما هي النظام المحقق لشروط الحماية والرعاية بالأخلاق والقانون المتعينين في مؤسسات دولة حامية وراعية.
وهذه المنظومة المؤسسة حتى تكون قادرة على أداء هذه الوظائف لا بد أن يكون علمها هو عين الاستراتيجية التي تعالج الصراعات الخمسة التي ذكرنا ورهاناتها من اجل تحقيق شروط كرامة هذا الإنسان المقدس والمفضل تفضيلا يرمز إليه تقديمه على الملائكة التي أمرت بالسجود له والتي أقنعت بأنه أولى منها بالاستخلاف. وكل من يحط من كرامة الإنسان ويخلده إلى الأرض بمنع حقوقه وبتخويفه وتجويعه (علتا وجود الدولة هو الإطعام من جوع والإيمان من خوف) رمز إليه القرآن برد الإنسان إلى المادة المحتقرة في نظره والتي لا يراها أهلا لأن يسجد لها ظنا أنه أشرف (النار والتراب).
لكن هذه الرموز ليست رموزا فحسب بل هي عين الحقائق التي بنيت عليها نظرية الدولة النظرية التي لا تخفي علل الصراع بل تشخصها وتعين لها الأدوية المناسبة كما نبين في قسمين

  1. -الأول يتعلق بالصراعات في الدولة بما هي صورة العمران (الحكم والتربية)
  2. -والثاني يتعلق بالصراعات في المجتمع بما هو مادة العمران (الاقتصاد والثقافة) وفي وحدة هذه المقومات أي مرجعية الجماعة الروحية التي تجعلها تلك الجماعة على التعيين تحديدا لذاتها ولعلاقاتها بغيرها من البشر ومن الطبيعة بوصفهما قابلين لأن يكونا عدوين أو صديقين.

والصراعات تتجلى في مادة العمران أي في أركان الانتاجين المادي (الاقتصاد) والرمزي (الثقافة)

وفي صورته أي في التصويرين القانوني (الحكم) والخلقي (التربية).
وهي في آن سر حيوية المجتمع وكذلك سر متاعبه.

واستراتيجية علاجها هو الدولة بمفهومها الإسلامي المعتمد :

  • على نظامين من القيم المحددة لصورة الجماعة:
    • القيم الخلقية والعلاج التربوي : وظيفة التربية.
    • القيم المدنية والعلاج السياسي : وظيفة الحكم.
  • وعلى نظامين من الإجراءات العلاجية المحددة لمادة الجماعة :
    • الإجراءات الثقافية : وظيفة الإبداع الرمزي والبحث العلمي.
    • الاجراءات الاقتصادية : وظيفة الابداع المادي والتطبيق التقني.

والجامع بين النظامين هو ما يشبه العودة على الذات في الجماعة لإنشاء و لوضع هذه القيم والإجراءات ومراقبتها كما حددت ذلك الآية 38 من الشورى.
وهذه الصراعات مع قيمها وإجراءاتها هي موضوع الفصل الأخير المقبل من الكلام في فلسفة السياسة الإسلامية وصلتها بالاستراتيجية.


إعجاب تحميل…

مرتبط

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي