مقدمة
همزة وصل
يمكن القول إن هذا الفصل لا يمثل إلا همزة وصل بين ما تقدم إلى حد الآن وما نشرع فيه بعده من عرض للاستراتيجيا من حيث هي عين السياسية وعين وظائف الدولة. فكيف ننتقل من نظرية الأحياز إلى تطبيقاتها في فلسفة السياسة المؤسسة للاستراتيجيا بمعناها الذي يشمل كل مجالات السياسة وهي مجالات تقبل الرد إلى وظيفتي الدولة: الحماية والرعاية؟
ذلك هو موضوع هذا الفصل الخامس من البحث في أصل الاستراتيجيا.
فقد اعتمدنا في كلامنا السابق على الفلسفة السياسة القرآنية بصورة عامة كما حددها الفكر السني عند الغزالي (الشوكة والمهابة أو القوة الشرعية) أولا ثم عند ابن خلدون (النظرية الفلسفية النسقية لدور الشوكة والشرعية) وبنحو ما عند ابن تيمية في خطاطة السياسة الشرعية من حيث الإشارة إلى المبدأين المستمدين من سورة النساء ( الأمانة طبيعة أساس الحكم والعدل طبيعة وظيفته : الآية 58 خاصة).
الإنتقال إلى الترجمة الإستراتيجية للنظرية السياسية و جبر الكسرين
الإنتقال إلى الترجمة الإستراتيجية
ولما انتقلنا إلى الترجمة الاستراتيجية للنظرية السياسية اقتصرنا على ابن خلدون لأنه غاية ما بلغ إليه الفكر السياسي والتاريخي في شكل متجاوز للصراع بين مدخلي الفكر النظري الإسلاميين أعني علم الكلام (النقل المتعاقل) والفلسفة (العقل المتناقل). والمعلوم أن القرن الثامن (الرابع عشر) والقرن التاسع (القرن الخامس عشر) يمثلان ذروة الفكر الإسلامي وغايته التي يمكن بالانطلاق منها جبر الكسرين لأن هذه الذروة تجاوزت الكسور التي عطلت الحضارة الإسلامية فكانت سببا في انحطاطها أعني المعركتين اللتين لم تحققا الصلح بين وجهي العمل والنظر الضروريين للإبداع فيهما كليهما :
المعركة العملية بين الفقه والتصوف على تمثيل الجماعة.
والمعركة النظرية بين الكلام والفلسفة على تمثيل النخبة.
جبر الكسرين
لكن المعركتين بلغتا أوجهما في هذين القرنين فتحررتا من ترميم الميتافيزيقا والفقه والكلام والتصوف دون صلح حقيقي بينها في مدرسية القرنين السادس والسابع (ابن رشد والسهروردي والرازي وابن عربي). وكان لا بد من مرحلة نقدية تتجاوز هذا الترميم التلفيقي وتحقق جبر الكسرين جبرا حيا داخليا يمكن من ضخ الحيوية في التراث الذاتي وخارجيا يمكن من الوصل مع ما كان يعتمل في الحضارة المسيحية الأوروبية التي بدأت تنافس الحضارة الإسلامية العربية ليس في الحروب فحسب بل في الإبداع العلمي والحضاري بل وشرعت في استرداد ثقتها بنفسها والتحرر منها والنهل المباشر من الحضارة اليونانية والرومانية:
جبر الكسر الداخلي
بين ماضي حضارتنا إلى حدود هذه الحقبة وحاضرها المعد لمستقبلها والذي يمكن اعتباره قد بدأ مع بداية الثورة على الاستعمار المباشر وبلغ سن الرشد لما بدأ يعالج علل القابلية للاستعمار (بلغة فيلسوف الجزائر).
وجبر الكسر الخارجي
بين حضارتنا والحضارة الغربية في شكلها الثاني (الأوروبي) بعد تجاوزها شكلها الأول (اليوناني) جبرا يحرر منجزات الحضارة الغربية من الغيرية المرضية التي يرفضها الإسلام من منطلق وحدة الحضارة الإنسانية.
مرحلة تطور علوم العصر
علوم الشريعة و علوم الطبيعة
ففي هذين القرنين -الثامن التاسع : الرابع عشر الخامس عشر- بلغت كل العلوم الإسلامية ما كان منها منتسبا إلى علوم الشريعة ( Geisteswissenschaften موضوعنا الآن) أو إلى علوم الطبيعة ( Naturwissenschaften وهي ليست موضوعنا الآن) غاية التنظير النسقي الذي يمكن اعتباره بداية ما يعد للحداثة التي اكتملت لاحقا في الغرب الحداثة بمعناها الذي يجعل العمل الإنساني أيا كان موقعه من الحياة الاجتماعية لا يكون إلا على علم ومن ثم ذات تأسيس نظري حتما.
العمل و النظر
لذلك فالنظرية أصبحت أساس كل عمل وأصبح كل عمل موضوع محاولة تنظيرية تبحث عن قوانين السلطان عليه والتمكن من القيام به على علم وليس بمجرد الممارسة العفوية.
علوم التحليل وعلوم التأويل
لن نتكلم على ما قدمته هذه اللحظة التاريخية من حضارتنا لعلوم التحليل وأدواتها لأنها ليست موضوعنا الآن رغم أن القفزة النوعية المتعلقة بها حصلت خلالها بصورة صريحة في عمل ابن تيمية النقدي للمنطق والفلسفة (درسنا ذلك في عدة مواضع). لكننا نقتصر هنا على علوم التأويل وأدواتها. ففي أدوات علوم الشرائع (=العلوم الإنسانية أي ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة) أو التأويل أي في العلوم الأدوات يمكن التمثيل بما بلغه ابن هشام النحوي في نظرية الحروف (مغني اللبيب عن كتب الأعاريب) وفي غايات علوم التأويل أي علوم الغايات الشرعية يمكن التمثيل بالشاطبي ونظرية المقاصد (الموافقات).
المدرسة المعنية بالمحاولة
لكن ما يعنينا هنا هو حصرا المدرسة التاريخية التي يمكن اعتبار ابن خلدون مؤسسها والتي من ثمراتها المدرسة التاريخية الأشهر في حضارتنا والمؤلفة من تلاميذه سواء كانوا مباشرين أو غير مباشرين مثل المقريزي والسخاوي (مصر-القاهرة) وابن الأزرق (فلسطين -القدس). فالمدرسة التاريخية واللغوية هي الأهم في كل علوم الشرائع والتأويل لأن نسبة التاريخ واللغويات إليها هي نسبة المنطق والرياضيات إلى العلوم الطبيعية من حيث الوظيفة الأداتية والنماذج التفسيرية.
ومن يدرك هذه العلاقة يمكن أن يكتشف المدخل إلى فهم كل التراث الإسلامي ليس باعتباره مادة ميتة كما يدرسها المستشرق الغربي ونسخته السخيفة من العرب بل باعتباره عين النسغ الحي في كل لحظة من لحظات تاريخ الإبداع : لا يوجد إبداع من دون ضرب العروق في التراث وخاصة من دون الوهم المتمثل في تعويض الأعضاء الحية بالبروتاز كالحال عند أدعياء الحداثة ممن يتكلم عليها ولم يشم رائحة الفكرين الفلسفي والعلمي قديمهما وحديثهما.
مصادر نظرية ابن خلدون
الفرضية المتعلقة بمصدري ثورة ابن خلدون
نعود إلى عرضنا لمصادر ابن خلدون مصادره التي استوحى منها إبداعه (الفصل الرابع) والتي قدمنا حولها فرضية تستكمل ما يبدو وكأنه اقتصر عليه منها. فقد ذكرنا مصدرين لم يذكرهما ابن خلدون رغم وجودهما الضمني في عمله المؤسس لفلسفة التاريخ ولعلوم الإنسان.
لذلك فنحن نورد شهادة ابن الازرق الذي فصل في كتابه “بدائع السلك في طبائع الملك” بين العقلي والنقلي في نظرية ابن خلدون. فبين التوازي الكامل بينهما بصورة تشير إلى ما افترضناه لاستكمال التحديد الجامع المانع للمصادر التي اعتمدها ابن خلدون في وضع نظريته : أعني المصدرين اللذين لم يذكرهما.
فقال مدعما الفرضية الخلدونية ومعلقا عليها تعليقا يعممها ويطلقها :
“قال ابن خلدون : والوجود شاهد بذلك فإنه لا يقوم بأمر أمة أو جيل إلا من غلب عليهم . وقل أن يكون الأمر الشرعي مخالفا للأمر الوجودي”
“قلت (كلام ابن الأزرق) وهذا تقرير في غاية الحسن ونهاية البراعة والتحقيق. وقاعدة أن كل أصل علمي يتخذ إماما في العمل فشرطه أن يجري العمل به على مجاري العادات في مثله والإ فهو غير صحيح شاهد لذلك”
(الدار العربية للكتاب تونس د.ت.ص. 97).
فإدخال عامل القوة والغلبة في فهم الفلسفة السياسية وعامل التنظير العلمي الفرضي الاستنتاجي المؤيد بالتجربة حكما على صحة الفرضيات أو على الأقل على نجاعتها التفسيرية مبدآن يؤيدهما ابن الارزق.
وحتى يوضح أنهما مستوحيان من المصدرين النقلي والعقلي فصل بينهما في كتابه بدائع السلك في طبائع الملك (في عشرين مسألة متوازية ومتناظرة كما وردت بالاعتماد على المصدرين). وليس المصدران النقلي والعقلي هما مطلوبنا لأن ذلك ليس من ضمائر علمه بل هما صريحان. ما يعنينا هو إضافة عامل القوة في الموضوع وعامل الفرضية والامتحان التجريبي في المنهج.
وقد أوردنا شهادة ابن الأزرق وأشرنا إلى الذروة التي وصلتها العلوم الأدوات والغايات في الشرائع التي هي موضوع المعرفة التأويلية (أما الطبائع فهي موضوع العلوم التحليلية) حتى يطمئن القارئ إلى أننا لا نغصب نصوص ابن خلدون عندما بينا أن نظريته قابلة للقراءة التي نقدمها والتي تطلب ما وراءها مما هو صريح الوجود رغم كونه ضمني الصوغ العلمي الدقيق : فوضعنا النظرية التي تجعل الصوغ العلمي يطابق صراحة الوجود. وكان ذلك بمناسبة رد مبادئ التفسير الخلدونية إلى نظرية الأحياز الخمسة كما طبقها على الحروب الأهلية الخمس التي نتجت عن الفتنة الكبرى (الفصل الرابع).
الإضافة الناتجة عن نظرية الأحياز الخمسة
فما الذي تضيفه نظريتنا في الأحياز لما وصل إليه ابن خلدون في ثورته المنهجية والفلسفية؟ إنها تحقق هدفين هما غاية محاولتنا في تمكين شبابنا بجنسيه من التحرر من عقد النقص والشروع في الإبداع بثقة تامة في منجزات حضارتهم وفي قدرتهم على توسيع أفق الإنسانية من منطلق منعرجات تاريخ حضارتهم الفكري ومنعطفاته التي نحاول بيان بعضها وإبراز أهميتها في مسار الفكر الإنساني عامة:
إظهار المضمر في ثورة ابن الخلدون
الأول تظهر المضمر في ثورته وهذا كما هو معلوم وظيفة أي قراءة لنص ليس صاحبه بالضرورة مدركا لأبعاده التي تتجلى بالتدريج من بعده.
الحفر وراء التأسيس الخلدوني على تأسيس أكثر تجريدا
الثاني الحفر وراء التأسيس الخلدوني على تأسيس أكثر تجريدا ومع ذلك فهو وأكثر مساسا بالقضايا المطروحة لأنه يصل إلى عللها الخفية.
همزة الوصل و الغاية من المحاولة
ذلك ما نحاول بيانه في هذا الفصل الذي سميناه همزة وصل بمعنيين أولهما يخص بحثنا وصلا بين ما قدمنا إلى حد الآن وما ننوي تقديمه لاحقا والثاني يخص ما أطلقنا عليه اسم جبر الكسر المضاعف : بين ماضينا ومستقبلنا وبين حضارتنا في استئنافتها والحضارة الغربية الحالية مثل جبر الكسر بين حضارتنا الماضية والحضارة اليونانية خاصة والقديمة عامة.
وبذلك تسترد حضارتنا دورها المتجاوز للتنافي بين الحضارات من خلال جمعها بين ذاتها وما تقدم عليها وذاتها وما يظن تاليا لها. ذلك أن حضارتنا تعلو على كل ما عداها ليس بدعوى الفضل بل هدف تحقيق الأخوة البشرية التي هي أول ما بدأت سورة النساء. والمعلوم أن هذه السورة تعالج هذه الصراعات التي ذكرنا في كل مستويات الجماعة من الفرد إلى الأسرة إلى الدولة إلى العلاقات الدولية وتوحيد الإنسانية.
إشكالية الصراعات الخمسة
بينا أن كل الصراعات التي من وظيفة الاستراتيجيا و هي جوهر السياسة من حيث هي فن وظائف الدولة والحكم في علاج هذه الصراعات تعود إلى دور الأحياز الخمسة وبصورة أدق فهي تعود إلى ما يترتب على اللقاء بين الطبيعي والحضاري في تحديد دورها أي إلى فعلين يسعيان إلى جعل الطبيعي حضاريا والحضاري طبيعيا فينتجان الصراعات التي هي تنافس على ما يترتب على هذا الجعل المتعاكس أعني تحضير الطبيعي وتطبيع الحضاري.
ما يترتب على تحويل الطبيعي إلى حضاري
فالمكان والزمان الطبيعيان في ذاتهما لا يمكن أن يكونا مصدرا للتنافس والصدام إلا بعد أن يحولهما الإنسان إلى جغرافيا وتاريخ فينقلهما من حالهما الطبيعية إلى حالهما الحضارية. ولنضرب مثالا من تحويل المكان والزمان الطبيعين إلى جغرافيا وتاريخ :
مثال تحويل المكان الطبيعي إلى جغرافيا حضارية :
فلنفرض أن مكانا ما كان مهملا ثم في لحظة من اللحظات اختارت الجماعة أن تبني فيه مطارا أو أن تؤسس فيه عاصمتها الجديدة أو حتى قريبا منه وليس بالضرورة فيه. فإن كل شبر منه سيصبح مصدر ثروة لا تقدر ويصبح مادة للتنافس حول الثروة. ولعل ابرز مثال هو الصحارى العربية قبل اكتشاف البترول وبعده. لكن البترول نفسه تغير بعد اكتشاف الآلات وحاجاتها إلى المحروقات إلخ…
مثال تحويل الزمان الطبيعي إلى تاريخ حضاري :
ولنأخذ أهم مثال عندنا نحن المسلمين. فلو لم يتخذ الفاروق هجرة الرسول بداية للتقويم التاريخي الإسلامي لبقينا في زمان طبيعي عديم الدلالة الحضارية ككل اللحظات الأخرى. لكنها بمجرد أن أصبحت مركزا للتاريخ الإسلامي كله ما قبلها وما بعدها فإنها أصبحت مجال تنافس حول المنازل بمعيار الدور في خدمة الرسالة وبها تتحدد أجيال التابعين: فمثلا تحديد السابقة في تأييد الإسلام أصبح يقاس بها.
ما يترتب على تحويل الحضاري إلى طبيعي
والمال والتراث لا يمكن أن يصبحا مصدرين للتنافس والصدام إلا بسبب الفعل الذي ينقلهما من حالهما الحضارية إلى حالهما الطبيعية :
فتصبح المكانة المالية وراثية وتتكون الطبقات الاقتصادية.
وتصبح المكانة الشرفية وراثية وتتكون الطبقات الشرفية.
وقد بلغ هذا التطبيع في عقائد الشرق الأقصى وعوائده درجة الطبقات الثابتة بصورة أبدية وذات الدلالة الوجودية المطلقة كما في الهند وطبقاته الأربعة التي أدناها طبقة ما يسمى بالمنبوذين (Intouchables) الذين يعتبر لمسهم من السيئات لكأنهم مجذومون.
إن تحول هاتين المنزلتين إلى أمرين وراثيين تتوارثهما الأجيال جعلهما يصبحان شبييهن بالخصائص الطبيعية لأصحابها. ومنهما بظنها كذلك تنتج العنصريات في الأغلب. وعلى كل فمنها تنشأ الطبقات الاقتصادية شبه الثابتة والرتبية الشرفية شبه الثابتة فيصنف الناس بمقتضاهما. ويكون التنافس على المال والمنزلة ليس لذاتهما بل لأنهما يحققان هذا التراتب في فضائين آخرين من جنس الفضاء المكاني بعد أن يصبح جغرافيا والفضاء الزماني بعد أن يصبح تاريخيا.
ولأن الإسلام انبنى على نفي هذا التصنيف ولم يبق إلى على معيار واحد للتفاضل بين البشر هو المعيار الخلقي الروحي -التقوى- فإن هيجل اعتبره حائلا دون استقرار الدول التي تحتاج إلى هذين التراتبين بين البشر.
تكون الأحياز الٍاربعة بآلية متعاكسة
وبذلك تتكون الأحياز الأربعة بآلية متعاكسة :
تحويل الحيزين الطبيعيين إلى حيزين حضاريين
فالطبيعيان يصبحان حيزين حضاريين دون أن يفقدا بعدهما الطبيعي رغم أن نزعة التحضير تحاول إزالته (مثلا التدخل في المناخ بالتبريد والتسخين والتدخل في الزمان بالتشبيب والتطبيب).
تحويل الحيزين الحضاريين إلى حيزين طبيعيين
والحضاريان يصبحان حيزين طبيعيين دون أن يفقدا بعدهما الحضاري رغم أن نزعة التطبيع تحاول أزالته (مثلا تثبيت الثروات في الطبقات المسيطرة حتى بعد إفلاسها وتحول السلطة السياسية إلى سلطة اقتصادية دون عمل منتج وتثبيت الشرف -حتى بعد الانحطاط الخلقي للأشراف عندنا أو النبلاء في الغرب-في الطبقات المسيطرة رتبيا) .
المعارك و التحول المتعاكس للأحياز
والمعارك كلها سببها هذا التحول المتعاكس الذي ينتج عنه التنافس على المكان الجغرافي والزمان التاريخي والمال الطبقي والمنزلة الشرفية. وكل هذه المواضع التي يدور حولها التنافس والصراع هي التي تدور حولها القيم الخلقية والدينية والتي منظومتها هي ما نسميه المرجعية الموحدة للجماعة بأخلاق موضوعية يسمي القرآن فضائلها بالمعروف ورذائها بالمنكر : وهي الأخلاق الموضوعية للجماعة. وإذا تركت تعمل بآليتها هذه فإن الإنسانية تنكص إلى التاريخ الطبيعي فتخلد إلى الأرض وتنسى أنها مستعمرة في الأرض بقيم الاستخلاف الذي يسمو بها إلى الإنسانية.
خاتمة: حروز الإسلام ضد التحويل المفسد للأحياز
والحصيلة التي نريد أن نصل إليها هي أن الإسلام وضع المبادئ التي تجعل وظيفة السياسة -فضلا عن كونها استراتيجية الحماية والرعاية أي وظيفتي الدولة بمعناها الإسلامي- أن تحول دون التحضير والتطبيع أن يذهبا إلى هذه الغاية في تشويه
بالتحضير المتجاوز للحد (وهو معنى الترف)
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (الإسراء 16)
والتطبيع المتجاوز للحد (وهو معنى الاقتصار على معيار التقوى للمفاضلة بين البشر وربط المنزلة بالعمل الصالح وليس بالثروة ولا بالانتساب إلى نسب معين).
وهذا هو السر في الموقف الهيجلي من نظرية الإسلام في الدولة التي تبدو له غير قابلة للاستقرار -دون أن تكون مستحيلة- لأنها تؤدي إلى الصراع الأبدي حسب رأيه ومن ثم فالاستقرار يصبح مستحيلا بسبب المثالية المبالغ فيها والهادفة إلى المساواة المطلقة بين جميع البشر والاقتصار على معيار وحيد للمفاضلة بينهم : معيار التقوى.
إعجاب تحميل…