ه
قبل الكلام على “التجذير في الهوية” بالنسبة إلى اجيالنا القادمة وفهم مواقف المدافعين والرافضين لهذا المعنى أورد أن أسأل سؤالين:
• أحدهما اوجهه لقيادات النهضة
• والثاني لمن وضع هذا المفهوم ما الذي يقصد به لأن الخلاف في المواقف لا يتعلق بشبه جملة في “المغموطة” ما يستحيل معه تعيير المواقف.
وأبدأ بالسؤال الاول:
كنت أتفهم عدم تحديد عقد صريح لما كانت النهضة متحالفة مع الباجي لأن الأمر كان بنحو ما اختيارا هدفه تجنب ما حصل في مصر والخروج من ورطة الترويكا التي بنيت على “خنن”.
لكن لما تحالفت مع الشاهد بشجاعة الموقف المتحرر من مظلة الباجي هل يوجد بينهم والشاهد عقد أم لا؟
هل يمكن أن يشترك حزبان أو أكثر في حكومة ائتلافية دون أن يتفقوا على ما اتفقوا عليه وما تركوه لحرية كل منهما وغالبا ما يكون الاول هو الأساس والثاني ثانويا وإلا فلا معنى للحكم المشترك.
لما سمعت أقوال رئيس الحركة واتهامات الشاهد من خصومه بكونه دمية نهضوية توهمت وجود تعاقد بهذا المعنى.
فهل يعقل أن يكون مثل هذا المبدأ الجوهري الذي من المفروض ألا يختلف حوله تونسيان أن يصبح هو بدوره موضوع خلاف بين متحالفين في الحكم؟
ما الشيء الذي يتفق فيه إذن حزب الشاهد وحزب النهضة؟
إذا كانا يختلفان على اساس مقوم لهوية الشعب بوصفه أحد أركان تربية أجياله فعلام اتفقوا إذن؟
الحكم؟
هل صار الشاهد ثعلبا لعب بالشيخ الأول الذي عينه ثم بالشيخ الثاني الذي أمد في حياته و”جابهم على برة” رغم زعمهما القدرة على التكتيك فإذا هما فاشلان في التكتيك ناهيك عن الاستراتيجيا؟
لكن حتى لا أظلم الشاهد ولا أظلم الشيخ الثاني فلعل مضمون العقد حدد مفهوم “التجذير” بصورة لم يطابقها النص المطروح فكان علة الخلاف؟
قد يتبادر إلى الذهن أن الخلاف في تحديد المفهوم هو حول أي إسلام واي لغة يمثلان هدف التجذير أو لعله حول متى يبدأ التجذير وكيف يكون وليس حول وجوده أو عدمه ولا حول حصوله في المدرسة العمومية أو خارجها. وكل هذه الإشكالات قابلة للفحص والعلاج بعقلانية تؤدي للتوافق الضروري سياسيا.
في البلاد التي تفهم قياداتها معنى الحكم المشترك بين الاحزاب التي تنتسب إلى رؤى مختلفة وتفهم التمييز بين مهام الحكم المشتركة في حالة المرجعيات المختلفة يكون التعاقد مسبوقا بمفاوضات شاقة لا تكتفي بالعناق والبوس بل تحدد بدقة تامة المسائل والقوانين المتوقعة قبل بداية الحكم المشترك.
ذلك أن الحكم المشترك وظيفته علاج تلك بالمسائل بتلك القوانين وليس هو شيئا آخر ومن ثم فإذا وصل الخلاف إلى الأساسيات التي من جنس “تجذير الأجيال في هويتها الوطنية” فما الذي وقع عليه الاتفاق إذن؟
هل هو مجرد الوجود في الحكم؟
لكن في هذا الحالة تكون النهضة قد كانت مجرد “سلوم” بخلاف ما يتوهم أصحاب “دعها حتى تقع”.
وبهذا المعنى فالشاهد وكتلته بدآ معركة الانفصال والتصويت كما حدث هو خارطة الانتخابات المقبلة: الكل ضد النهضة لأن ما يوحدهم ليس شيئا آخر رغم أن النهضة لم تعد تدعي تمثيل الإسلام أو تعتبر الدفاع عنه قضيتها الذاتية بحجة ألا أحد يحق له أن يزايد على غيره في مقومات الهوية التونسية.
لكن المشكل الآن هو-بخلاف ما يدعو إليه زيتون-ليست النهضة هي التي تطرح مشكل الخلاف على الهوية بل الذين يريدون إلغاء مبادئ دستورية حددتها. فعلى حد علمي مبدأ التجذير في الهوية العربية الإسلامية موجودة في الدستور. صحيح أن الرئيس ألغى البند الاول. لكن هذه ليست منه بل هي في غيره.
ولا أعتقد أن أحدا يمكن أن يزعم أن تعليم العربية والإسلام والكتاتيب جاءت بها النهضة ولا حتى الثورة بل هي كانت ولا تزال من مواد التكوين الرسمي والشعبي في بلادنا فما الذي طرأ حتى تصبح موضع خلاف بحجة التصدي لتغيير نموذج المجتمع التونسي؟
هل أصبح الجماعة من مجففي المنابع أكثر حتى من ابن علي عملا بما كان يلوم بورقيبة عليه مفكرهم الاحمق محمد الشرفي في كتابه الإسلام والحرية الذي لم يستح فقدم نصائحه في استراتيجية التجفيف إلى بوش الابن؟ ولذلك فسأعكس السؤال:
هل للمعارضين لهذا النص أن يحددوا لنا بصورة دقيقة:
- ما اللغة التي يريدون أن ينشأ عليها اطفالنا؟
- وما الدين أو اللادين الذي يريدون تنشئتهم عليه؟
- وما هي التقاليد المشتركة بين التونسيين التي يعتبرونها ممثلة للمجتمع التونسي من جنوبه إلى شماله؟
- هل يرضيكم أن نعوض العربية-بالفرنسية أو بالعامية والأمازيغية ممرا واجبا إلى الفرنسية كما يحدث في بلاد افريقيا التي تبنتها؟
- وهل يرضيكم أن نعوض عقائد الشعب السائدة في ثقافته بالماركسية أو بالقومية أو بالمسيحية أو باليهودية أو بالتشيع أو حتى بدين الشيطان؟
فلجيبونا حتى نفهم وليعرضوا ذلك على الشعب إن كانوا يريدون تمرير ذلك بالديموقراطية أو فليعلنوا “البيان رغم 1” وليأتونا بسيسي تونسي. ولا علاقة للأمر بمعركة سياسية مع النهضة. ولو كان الامر مقصورا على معركة سياسية معها لما وجدت في ذلك داعيا للكلام في الموضوع.
لذلك فلأختم بجملة واحدة: إذا كانت النهضة تريد حقا أن تشارك في الانتخابات المقبلة وهي مشاركة في هذه الحكومة فهذا أمرها لكن عليها أن تعلم أن انتظار الانقلاب غير مجد فهو قد حصل بعد من الآن وعليها أن تفهم أن ذلك قد يضيع الفرص في المهادنة فيحول دون الشعب والاعتماد على نفسه لأن إيهامه بأنها تشارك باسمه في الحكم لم يعد يصدقه أحد.
هل يوجد حل آخر؟
نعم وإلا لما كتبت هذه الكلمة القصيرة. فالشعب في هذه الحالة ليس عاجزا عن حماية ثقافته إذا وجد نفسه في الوضعية التي وجد فيها اجداده تونس تحت الاستعمار المباشر لأن هذه المواقف لا تعني شيئا آخر غير عودة «أبناء الحركيين» لحكمها باسم الاستعمار غير المباشر الذي لا يكتفي بنهب خيراتها بل يريد تغيير هويتها التي عجز عنها لما كان مباشرا. سيقلوهم ولن يجد من يصوت لهم إلا من كان مثلهم معاديا لاستقلال شعبه شرطا لحماية ثرواته وثقافته.
فالمعركة لم تعد سياسية بين أحزاب بل صارت حضارية بين «انديجان» ونواب الاستعمار بالتحضير المستبد. إنها صدام حضارات بين المؤمنين بشعبهم وثقافته وبين التوابع العائشين على قشور الحداثة والساعين لفرض ثقافة لا صلة لها به. سيعتمد الشعب على نفسه ليدافع عن ثرواته وثقافته وشروط قيامه التي دافعت عنها أجداده وأجياله السابقة ولن يسمح لـ”حركيي” تونس أن يعيدوا إليها الاستعمار الفرنسي وثقافة عملائها الذي يتكلمون باسم حداثة لا يعرفون منها إلى التجارة بالوطنية لإخفاء بعدي دين العجل.