لم أكن اعرف نجيب معرفة عميقة. عرفته في المعارضة وعرفته بعد الثورة خاصة لما تزاملنا في المجلس التأسيسي. وانتهيت إلى أنه أحمق ومغرور رغم أن الكثير من توابعه كان يعتبرني عديم الخبرة في تقييم السياسات والسياسيين لما كان يصول ويجول في المجلس هو وجوقته التي فارقته ولا يسمعون لغيرهم. لكني ما شككت يوما في أخلاقه حتى سمعت ما قيل عما فعل خفية فضلا عما فعل سرا: كيف اختار مع ساكن سكرة من أتيا به ليحدد مآل الثورة؟ وأعلم أن أحد اليساريين كانت له الجرأة فاعترف بلجوئه إلى نفس الشخص قبل الثورة وفي عهد ابن علي وبعدها للتصدي للإسلاميين. لكن الشابي فقد هذه الشجاعة حتى فضحه أحد السياسيين الذي شاركوا في حكومة الباجي الناتجة عن “ثورية” الشابي. والحمد لله أن الباجي رغم كل ما يقال فيه أو عليه يبقى شديد الواقعية ويعلم الممكن واللاممكن بعد ثورة. فقد تكيف معها لعجزه عن إيقافها وحقق هدفين هما: • حماية رجال النظام القديم • وخاصة تفخيخ الثورة وكان من أكبر علامة دهائه أنه أنهى بشرطه طموحات الشابي فأخرجه من الحكم وكانت الضربة قاضية. ورغم أن شريكه في تعيين الباجي- وهي شراكة رامزة إلى طبع الكثير من معارضة تونس-إن صحت الرواية العلنية لأحد أعضاء حكومة الباجي قبل الانتخابات الأولى-قد ساعده أو أمر من يساعده بتمويل حملة على الإسلاميين سابقة لأوانها. وهي عينها التي نجح فيها الباجي لاحقا لاستعماله حجتين قويتين هما: • عدم الالتزام بالتعهد على الشرف بجعل الانتخابات لسنة • وبداية ظهور الفشل الواضح في إدارة دفة البلاد. كان يتوهم أن تقديم نفسه على أنه جدار صد ضد ما يسميه الظلامية الإسلامية -ولا يزال لأنها من بقايا آراء اليسار المشبوهة لكن كشف هذا السر للشعب أنهى حياة الشابي السياسية بصورة لا مرد لها-قد يضمن له السند الغربي عامة والفرنسي خاصة. ولو كان يفهم في السياسة لعلم أنهم في البداية كانوا يطبقون سياسة ننتظر لنرى خوفا من خسران الشعوب ليس في تونس فحسب. الآن فهمت أمرين: 1. أن الرجل كان عدوا للثورة وتوهم أنه كان سيكون البديل عن ابن علي بنفس أجهزته وحزبه 2. وأن السبسي بخبرته ومعرفته بالرجل كان يتوقع ذلك فاشترط ألا يبقى في حكومته إلا من يتلزم بعدم الترشح في الانتخابات: أدخله فأخرجه. إنها نهاية حزينة قمتها “استرجاله” لمن سماها أحد فقهاء القانون فعلنا “بحارزة الحمّام”. وينبغي أن ندقق “حمام” ابن علي لأنها لا علاقة لها بالدساترة الحقيقيين بخلاف ما تدعي.