1-علق الأستاذ على نتائج قمة المنتجع المشؤوم فقال ما عجبنا له: قال ينبغي أن نشكر أوباما جزيل الشكر. فهو قد حسم التردد أمام حرص القيادات التي حضرت على دفعه إلى آخر مهاربه. فجاهر بنواياه كلها. فكان دون قصد نعم الناصح.
2-ورأيي أن هذه النتيجة سبق إليها الملك الحكيم: فقراره بعدم الحضور دليل على أنه استنتج ما ينبغي استنتاجه منذ أن قرر بأن الرد لن يكون حديثا بل ينبغي أن يكون حدثا. وقد حصل قبل اللقاء.
3-ما القصد؟عاصفة الحزم حدث فاعل ينهي رد الفعل ويستغني عن مناورات الحديث فينقل الأمة إلى الحسم التاريخي الذي أجبر أوباما على اليأس من استغباء العرب الذي تعوده حكام الغرب من لاورنس العرب إلى بوش الأب.
4-وإذ هو قد أعلن عما كان يخفي -وهو معلوم لكل فطن-فلا بد من شكره. وعلينا الآن أن نترجم ما أعلن عنه لنقله من اللغة الدبلوماسية إلى اللغة السياسية الصريحة لأن قيادات العرب لم تعد نطيحة.
5-ولنبدأ بالسلوب: أولها: عدم الالتزام المكتوب بإعطاء مظلة.يحتاج هذا إلى الشكر.فلكأنه قال للعرب: لن أحميكم بعد الآن فاعتمدوا على أنفسكم. وكان من المفروض ألا يقولها لأنهم أتوه بعد أن أثبتوا الاعتماد على النفس.
6-وثاني السلوب: التعزية بإمكان الحماية من العدوان الخارجي هي استثناء لتدخلات إيران بمليشياتها الطائفية. وإذن فعنده أن الخليج معتد في اليمن وليس مدافعا عن ذاته.
7-وثالث السلوب: سبق الإعلان عنه: الخطر على الخليج داخلي حسب رأيه. وهذا ليس نصيحة بالإصلاح الداخلي إذ لو كان ذلك كذلك لما أيدوا انقلاب السيسي ضد الإصلاح الداخلي والسلمي-وهم مع ذلك بحاجةإلى الإصلاح الداخلي-بل هو تشجيع لمليشيات إيران.
8-ورابع السلوب: عدم الالتزام المكتوب بأي شيء. ولما كان المكتوب لا يلزم لأنه قابل لتأويلات تنصل منه فعدمه يعني أن الوعد كان مجرد أخذ بالخاطر لا غير.
9-وخامس السلوب وآخرها هو: التحذير من تكرار المبادرة بمثل عاصفة الحزم بمعنى لن نحميكم حينها ما يعني تشيجع مغامرات إيران للتدخل دون خوف مع حصر التعاون على ما يسميه إرهابا .
10-ومع ذلك فإن كل هذه السلوب تستحق أن نشكره عليها لأنها قابلة للاستثمار الجيد: فهي جميعا قابلة لأن تعتبر نصائح مفيدة لمن يريد أن يستفيد من القيادات العربية. فكيف ؟
11-أرى أنها كلها قابلة للترجمة إلى نصيحة وحيدة آن أوان تحقيقها: لم يبق لكم من مفر من الصلح مع شعوبكم إذ لا حامي لأي نظام عدى شرعيته والتفاف شبعه حوله.
12-أما الـموجبات بفضل السلوب أو ما يقبل التحويل إلى موجبات بشيء من الدهاء علينا صوغه صراحة لتشجيع الشباب بجنسيه (روح معاوية بداية وعبد الملك بن مروان غاية في التعامل مع بيزنطة): 1-دلالة غياب الشيوخ. 2-دلالة حضور الشباب. 3- رئاسة الفريق رغم كونه صدفة- 4-استئناف العاصفة 5-تباشير تعميمها.
13-الموجب الأول: غياب الملك الحكيم. إنه دليل على أن أزمة 11-9 لم تعد تخيف بلد الحرمين بعد أن أبرد نارها المرحوم عبد الله بمناورات ذكية أهمها مقترح الحل الفلسطيني وبعض المبادرات الحوارية إلى أن أنهكت أمريكا وبلغت مرحلة العجز عن محاربة المسلمين بذاته: أمريكا ستحارب الوكال مستعملة إيران ومليشياتها لصالحها وصالح إسرائيل.
14-وإذن فخيار أمريكا ليس دليل قوة بل دليل ضعف أمام المشروع الذي يخيفهم حقا: فمحاولة منع الاستئناف السني بالتشيع هو في النهاية لصالح السنة لو كانوا حقا يدركون دور المؤثرات التراثية. فهو أقوى مهماز تاريخي.
15-فإذا أضفت إلى هذا المهماز التاريخي الداخلي (شيعة -سنة) المهماز الأقدم والأحدث في آن (صهيونية-إسلام) فقد مكنت السنة من أقوى حافزين هما ما سيمكن بلد الحرمين من قيادة الاستئناف.
16-ولما كان الملك الحكيم حكيما فهو قد أمسك بالسانحة وشرع في بلسمة الجراح: معركة من هذا القبيل لا يمكن أن تقاد إلا من منبع القوة الروحية للأمة: بلد الحرمين بقيادة تجمع بين حكمة الشيوخ وطموح الشباب.
17-فهمي لرفض الملك الصالح الحضور الوعي بالتحدي وقبوله التحدي الذي تعبر عنه تلك السلوب التي وصفت. فلكأنه قال: نعم لن نعتمد بعد الله إلا على شعوبنا وشبابنا بجنسيه.
18-لكن الأهم من ذلك كله: هو الضمني في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال: نعم لن نستأذن أحدا في حماية البيضة ولن نقبل بعد الآن أن يحدد أحد لنا أوليات هذه الحماية: نطاق فعلنا الأرض العربية.
19- ما دلالة حضور الشباب؟1-التزامهم بموقف الشيوخ الحكيم.2-الجمع بين الثقافتين.3-دراية بمجريات العالم.4-الانفتاح على التفاوض 5-عنفوان الشباب. لم نر أحدا منهم في موقف يفيد التبعية لا في الأقوال ولا خاصة في التعبير الجسدي.
20-دلالة رئاسة الفريق رغم كونها صدفة (رئالة قطر للمجموعة الخليجية في هذه الدورة): أمير قطر. فهذا الشاب رمز مرتين:1-وحدة موقف الجيلين هو ووالده 2- طليعة التغير الجوهري في الخليج.
21-لكن الأهم من ذلك كله هو الجواب الشافي على تحذير أوباما الذي لا يحتاج إلى تأويل: استئناف عاصفة الحزم مباشرة بعد نهاية الهدنة. فهو أقوى دلالة من البداية. لم؟
22-لو تردد الخليج وقبل بتمديد الهدنة لكان ذلك علامة ضعف وخوف من عنتريات إيران ومن وعيد أوباما. أما وقد اقدموا فهذا دليل ثقة في النفس خاصة وقد وضعوا حدا هو تطبيق قرار مجلس الامن أي استسلام الحوثي وصالح.
23-واخيرا فإن التقدم المتصل للمقاومة في سوريا وخاصة اضطرار إيران للتهديد بالتدخل المباشر في العراق دليل على أن المعركة الفاصلة قربت وأن الخيارات العربية أصبحت مفتوحة وخاصة بما يستشف منها: عكس الترتيب الأمريكي للأخطار والتحديات (التوسع الإيراني قبل داعش لأنها من مفاعليه الجانبية).
24-والمعركة الفاصلة جمعت بين المليشيات وموظفيها: 1-فعميل إيران في لبنان أعلن الحرب على السنة 2-وإيران تهدد بالتدخل المباشر في العراق.
25-فإذا جمعت هذين الأمرين مع نتائج قمة المنتجع المشؤوم وفهم القيادات لها واستعدادهم للتحدي علمت أن الفرصة التاريخية للاستئناف السني حانت ولن تحول دونها لا داعش ولا إسرائيل.
26-والبلوغ إلى معركة الغاية يمر حتما بالانتهاء من الأداة. فعندها الغاية تحصل بتلقاء النفس. سيكون الغرب مخيرا بين حرب مطلقة مستحيلة والوصول إلى حلول ترضى الأقوى تماما أي سنة العرب فيحدث مع الإسلاميْن السني والشيعي ما حدث مع الصينيْن الشعبية والوطنية.
27-لماذا جمعت بين داعش وإسرائيل؟ لأن الأولى أداة أمريكا للتغطية على سندها لتغلغل إيران في أرض السنة فتحقق الغاية: أي إنها بتلهية العرب تبعد الخطر عن الثانية.
28-وإذن فالحسم مع إيران ومليشياتها والأنظمة العميلة هو الأولوية يليها الحسم مع داعش فتبقى إسرائيل التي ستضطر لحلول وسطى مع الفلسطينين.
29-سيقال: أنت تترك الرأس وتحارب الأطراف. والرد: الاستراتيجية تحديد منازل الأخطار.احتلال الأرض يقبل الرجع واحتلال الروح لا رجعة فيه.
30-مهما طال احتلال الأرض فوجوده نفسه دليل على عدم شرعيته ومن ثم على قابليته للزوال. لكن احتلال الروح يلغي المقاومة ويشرع لبقائه الدائم.
31-والدليل على احتلال الروح إيران نفسها: إلى حدود القرن السادس عشر كانت سنية. هي ذي اليوم تحاربنا باسم روحها التي احتلتها باطنية الجبل الباطنية التي صارت الآن مجرد مليشيا تستعملها إيران.
32-والدليل على زوال احتلال الأرض: الجزائر. بقي الاستعمار فيها قرنا ونصف القرن. لكن الجزائريين لأن روحهم لم تحتل استطاعوا طرد الاستعمار.
33-والمثال الجامع هو حرب الصليب: الأرض دام احتلالها قرونا ثم تم تحريرها. لكن بقايا الصليبية في من احتلت أرواحهم ما تزال حاقدة على الأمة. من ذلك أن أحد الأغبياء هدد بطرد العرب من الهلال بالتعاون مع الغرب وإسرائيل.
34-فكيف تخاض حرب الحسم التي أزفت؟ وهل توفرت شروطها الروحية والمادية؟ ذلك ما كتبنا فيه الكثير. لكن لا بأس من التذكير مع التنبيه إلى أن الكلام سينتقل إلى مسائل ليست سهلة الفهم بسبب اعتمادها على منطق فاعلية البعائد المتجاوز لفاعلية القرائب.
35-فمبادئ الاستراتيجيا التي تختلف عن الفاعلية المباشرة هي المؤثر الحقيقي في الحروب الكبرى. وهذه هي أحياز وجود المتصارعين في السلم والحرب في آن لأنها متعلقة بالحيوية العضوية والخلقية.
36-فنسبة الحرب إلى السلم في أخلاق المجتمعات البشرية هي عينها نسبة المرض إلى الصحة في أبدان الأفراد. فكلما كان الجسد فاقدا للمناعة يتغلب عليه المرض مهما كان بسيطا والجسد قوي المناعة يتغلب على كل الأمراض: الآية 60 من الأنفال هذا موضوعها.
37-فما هي الأحياز التي تجري فيها العلاقات بين الجماعات البشرية في السلم والحرب في آن والتي بفضل السلطان عليها تربح الحروب وبسبب عدمه تخسر: المكان والزمان وثمرة الأول وثمرة الثاني والمبدأ الموحد للأحياز كلها.
38-إنها خمسة أحياز: إثنان طبيعيان هما المكان والزمان والسلطان عليهما هو شرط القوة المادية والروحية. واثنان حضاريان هما الاقتصاد استثمارا للمكان والثقافة استثمارا للزمان والسلطان عليهما هو شرط شرط القوة المادية والروحية.
39-والخامس هو شرط الشروط وهو الضامن أولا للسلطان عليها وثانيا لما فيه من قوة هي عين الحصانة التي تشبه مناعة البدن في مثال الصحة والمرض: إنه عقائد الأمم.
40-وبالنسبة إلى السنة فإن الشروط هو شروط الاستثناء من الخسر الخمسة في سورة العصر التي اعتبرها الشافعي مخلصة للقرآن كله: الإيمان والعمل الصالح للفرد والتواصي بالحق والتواصي بالصبر للجماعة واجتماع المستويين هو الشارط للاستنثاء من الخسر.
41-فالشرطان المتعلقان بالفرد يضمنان أمرين: الإيمان ضامن للصدق والولاء والعمل الصالح ضامن لثمراتهما. والشرطان المتعلقان بالجماعة يضمنان أمرين: طلب الحقيقة أو القدرة العلمية وطلب تحقيقها أو القدرة العملية.
42-فإذا اجتمعت في أمة لدى أفرادها الولاء الصادق والعمل الصالح وفي الجماعة القدرة العلمية والقدرة العلمية فإنها تصبح ذات حصانة تحول دون خسران الحرب حتى لو خسرت بعض المعارك.
43-لماذا أنا متفائل رغم علمي بأن هذه الشروط ليست بعد متحققة التحقق الموجب؟ تلك هي علة تحليلي لنتائج المنتجع: فهي قد حققت المهاميز التي ستحرك التاريخ لتدارك ما فات من العمل بالآية 60 من الأنفال.
44- فالمعركة تحددت بصورة تجعلها تهدف لـحسم الفتنة الكبرى مع باطنية الدين (أصحاب الانحطاط الموروث عن الماضي) والفتنة الصغرى مع ظاهرية العقل (أصحاب الانحطاط الموروث عن الاستعمار).
45-ومعنى ذلك أن الحوافز صارت المميز الحقيقي لجند المعركة: ومن يعتمد على جند هذه حوافزهم لا يمكن أن يخسر الحرب مهما طالت وهي ستطول لأنها متعددة المستويات.
46-فلو قسنا طبيعة الحرب التي حان أوان الحسم فيها على عاصفة الحزم مع الحوثية وصالح لكانت أفضل مثال على القصد بالفتنتين الكبرى (أحد ممثلي بقاياها الحوثي) والصغرى (أحد ممثلي بقاياها صالح).
47-فتوحيد قبائل اليمن وتحفيزها لحرب مطاولة يعتمد على منطق الفتنة الكبرى وتوحيد نخبه وتحفيزها يعتمد على منطق الفتنة الصغرى. وكلا المنطقين إيديولوجي ومصلحي في آن: لا بهذين الحافزين إيديولوجيا وبتأليف القلوب مصلحيا يمكن تحريك شيوخ القبائل وقيادات النخب.
48-ومن حسن الحظ أن الخليج يملك الشرطين: الدفاع عن قلب السنة (الحرمين) وعن يدها (الثروة) ومن ثم فاستعمال القلب واليد يضمنان شروط النجاح المؤكد فضلا عن كوننا ندافع عن الحق ونسعى للتحرر والتحرير ولا نعتدي على أحد.
49-فإذا استعملت قيادات الخليج عامة والسعودية خاصة أخطاء العدو ومنها ما أشرنا إليه من نتائج قمة داود كان النجاح مؤكد بعون الله: فواضح أن أمريكا تعتمد على إيران ومليشياتها لحسم الفتنتين لصالحها ولصالح إسرائيل.
50-ومن ثم فهذا الاعتماد فيه نية استعمال أحقاد الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى لمنع ما يخفيهم: استئناف سنة العرب دورهم قاطرة للأمة كلها في تحديد قطب جديد يسهم في بناء عالم متحرر من هيمنة مافيات الغرب.
51-ومن ثم فطبيعة العدو هو الحلف الصليبي الباطني الذي يسعى إلى تحقيق ما فشلت فيه الصليبية الباطنية الأولى: منع استئناف العرب لدورهم التاريخي قادة للرسالة التي تؤمن بالأخوة البشرية (النساء 1).
52-والتي تسعى لتحرير الإنسانية من عبادة العجل (الحجرات 13: التقوى هي معيار التفاضل الوحيد) والعنصر أعني ممزي إيران وإسرائيل ومن ورائهما مافيات الغرب لا شعوبه التي هي بدورها ضحايا.
53-ومعنى ذلك أن الاستئناف وقيادة الامة لا يهدفان إلى محاربة الغرب بل هو يسهم مع الكثير من الغربيين في السعي لتحرير الإنسانية من العولمة المتوحشة التي أسست للعبودية الحديثة التي صار فيها الإنسان مجرد عبد لنزوات المافيات المالية والعسكرية والعنصرية.
54-ورهان أمريكا على إيران لا يمكن أن يكون صادقا لعلمها بهشاشتها: لكنها تضحي بها كما تضحي بداعش لخدمة إسرائيل ظنا أن ذلك سيكون حائلا دون سنة العرب والاستئناف.
55-لكني أعتقد أن هذه السياسة ستكون لها نتيجتان توحدان السنة وتفجران إيران فتحرر الشيعة العربية في إيران أولا ثم في بلاد العرب. 1-فالثورة ستقضي على مليشيات إيران العربية عسكريا وإيديولوجيا (بداية النهاية لحزب الله اللبناني والحوثي اليمني). 2-والثورة ستقضي على الأنظمة العسكرية فتحرر النخب العلمانية والليبرالية من أمل السيطرة بالاعتماد على الاستبداد والفساد (مثال مصر وتونس).
نتائج قمة منتجع داود دلالاتها وكيفية استثمارها – أبو يعرب المرزوقي