نبع السلام، والمواقف من مهابة تركيا

ه

بحثي في المسائل الفلسفية العالية لا يحول دوني والعناية بالأحداث ذات الدلالة التاريخية المصيرية بالنسبة إلى الامة ودورها في التاريخ الكوني بوصفها معدلة ممكنة لنظامه المقبل إذا تحققت شروط الاستئناف الفاعل وهو معنى الشهادة على العالمين رسالة للأمة بمقتضى القرآن الكريم رعاية وحماية.
فإضافة إلى حدث محلي من حيث الحيز واقليمي بل وعالمي من حيث الدلالة التاريخية أعني الانتخابات في تونس التي صارت رمزا لأمرين:
• شروع أهل الإقليم في الخروج من الاستثناء من حيث حريات المواطن وحقوقه(الثورة)
• ودور النخبة التونسية في محاولة تجنب مطبات التجربة التي يكيد لها كل أعداء الأمة.
لم أتخل عن بيان موقفي من حدث يبدو شديد الظرفية -مبه السلام-لكنه هو بدوره ذو دلالة كونية وإلا لما صار الغرب كله يندد بما يسميه تدخلا تركيا في سوريا لكأنهم أحرص الناس على وحدتها وعلى سلامة الأكراد الذي لم ينجدوهم ولا مرة لما تؤدبهم إيران. والآن أريد أن أتكلم في خمس مفارقات في المواقف من تركيا بمناسبة نبع السلام. وإليك هذه المفارقات:

  1. الأولى هي موقف العملاء من حكام العرب وخاصة حاكم سوريا الذي يقبل تفتيت بلاده ونشأة دولة كردية على أنقاضها ويحارب تركيا التي تسعى لمنع ذلك حتى ولو لم يكن مسعاها من اجله بل من اجل حماية حدودها ومنع سايكس بيكون جديدة في الإقليم كله.
    وإذن فهو ليس ناطقا باسم وطنه ولا بسام شعبه بل باسم مفتتي الوطن ومشردي الشعب من حماة نظامه العلوي الطائفي ثورة الحرية والكرامة التي نادى بها شعبه فنكل به وشرده ولا تعنيه عودته: وحماته هم الصفوية ومليشياتها والصهيونية ووساطتها لحماية نظامه.
  2. والثانية هي الموقف الأوروبي عامة والفرنسي خاصة. فقد كانوا متفرجين الذين ما يقرب من عقد على تشريد شعب وتعذيبه وحتى ضربه المتكرر بالبراميل وبالكيماوي. لكنهم يتحركون كلما حاولت تركيا حماية حدودها من الحركات الإرهابية الكردية التي تمارس التصفية العرقية للأغلبية رغم أنهم أقلية. ولا بد هنا من الجمع بين عاملين تاريخي وعنصري:
    • فالتاريخي هو علاقة أوروبا بالخلافة.
    • والعنصري هو أن الأكراد والفرس آريون.
  3. والثالثة الموقف الإسرائيلي ليس بنواياه بل بما يحول دونه والذهاب إلى معاداة تركيا صراحة. ففهم هذا الموقف الذي يدفع بأمريكا وأوروبا وبالعملاء العرب للحرب على تركيا مع المحافظة على شعرة معاوية معها. فما السر يا ترى؟
    هل هو دال على تجنب إضفاء المشروعية على تركيا في الإقليم وعلى دورها بوصفها الـحامية للمسلمين فيه؟
  4. والرابعة هي موقف إيران. فلها فائدة مثل تركيا والعراق وسوريا في الحد من طموح الأكراد في دولة قومية كبرى لكنها قد تكون قاعدة لإسرائيل. لكنها تخشى نجاح تركيا في خطتها أكثر من خشيتها مشروع الأكراد وإسرائيل لأن كلفته من خطر الوصل الجغرافي بين العرب والأتراك اللذين يمثلان شرعيتين تاريخيتين في الإسلام السني بداية وغاية للخلافة والوحدة في الإقليم والعالم.
  5. والمفارقة الخامسة والأخيرة هي موقف القوتين الدوليتين المحركتين لخيوط اللعبة أعني روسيا وراء إيران بنفس الطمع في الممر إلى المتوسط وأمريكا وإسرائيل بنفس الطمع في تقاسم الإقليم معهما والاستعداد لمنع أي تقارب ممكن بين قوتين في طور التكون حول المتوسط أي أهل الإقليم وأوروبا بعد مصالحة كتبت كثيرا في ضرورتها للطرفيـن حتى لا تبقى أمريكا تهيمن على الضفتين بتخويف أوروبا بروسيا وتخويفنا بإيران وإسرائيل.
    من العسير أن أعالج كل هذه المفارقات لكني سأجمعها في عنوانين:
    الأول هو التعافي التركي الذي دفع بكل من ذكرت إلى هذا الموقف منها لأنهم كانوا يتصورونـها ستبقى إلى الأبد ذلك الرجل الذي كانوا يصفونه بالمريض بعد أن كبلوها بما فرضوه عليها من شروط مجحفة وأهمها محاولة اخراجها من محيطها الحضاري وتاريخي العالمي.
    فإذا به بدأ يسترد ذاتها وبها استردت طموحها وبهما استردت رسالتها فحققت شروط المهابة وأدوات الهيبة المادية بعد الروحية. والهيبة والمهابة تولد عند أقزام العملاء من حكام العرب الحسد والخوف من موقف شعوبهم منهم. فهم يعلمون أن شعوبهم لم تفقد الحنين لعظمة الأمة وهيبتها ومهابتها.
    نجاح تركيا يرعب الغفراء الذين يتصورون أنفسهم ملوكا وأمراء حتى صار رمز حقارتهم السيسي الذي أذل أكبر شعب وأقدرهم على الفعل لو تحرر من حثالته التي قتل بها معنويات جيشها وأفسد بها أخلاق نخبها واغتال أفضل رجالاتها وحرائرها وآل به الأمر إلى قطع حبل وريدها النيل.
    والهيبة والمهابة توقظ في من كانوا يصفون الخلافة بالرجل المريض ما لن ينسوه أبدا أعني بطولاتها إلى ثالث قرون نهضتهم الحديثة القرن السابع عشر. ثم اكتشفوا أن بلادهم من دونها في عهد الحرب الباردة عورة بلا حماية رغم كونها قد كانت تابعة. لكنها صارت ثاني قوة في الحلف الذي ما يزال يحميهم إلى الآن.
    أما إيران وإسرائيل فموقفهما واحد من تركيا. لكنهم باتوا يخشونـها بعد أن تعافت وقربت من تحقيق أهدافها كلها. وعلة موقفهما أنهما بدآ يشعران أن الإقليم لم يبق مجرد مادة يتنافسان على تقاسمها لكأن عديمة الاهل بل عادت الأبطال الذين حالوا الأولى سابقا واحتلال ما تحتله الآن ودون الثانية واحتلال القدس سابقا. وهي حتى من دون خلافة ستحميها دون توظيفها في شعاراتها وعنترياتها الكاذبة مثل الملالي.
    ويبقى أخيرا موقف روسيا وأمريكا. فكلتاهما لها نفس الطموح الذي لذيليهما في الاقليم إيران وإسرائيل. فروسيا تتصور أن ما ضيعته الثورة البلشفية يمكن أن تسترده إذا ضعفت تركيا. وأمريكا تتصور أنها يمكن أن تجمع بين الأرضين الموعودتين في تخريف الإصلاح المسيحي: فلسطين الموعودة وأمريكا الموعودة.
    وختاما فما يخيف الجميع اي عملاء الحكام العرب وعملاء الملالي في إيران وعملاء الحاخامات في إسرائيل وأمريكا وروسيا هو أنهم جميعا أصبحوا متيقنين من أن تركيا لو كانت وحدها فإنها قد يستطيعون حصارها. لكنها صارت في قلوب كل ابناء الإقليم من الماء إلى الماء ممثلة للشعوب التي لم تقطع مع حضارتها وطموحها للاستئناف. ومن ثم فهزيمتها لم تعد ممكنة ونهاية سايكس بيكو الاولى آتية لا ريب فيها ومن ثم استحالة تكرارها. وتلك هي دلالة نبع السلم الذي يتصدى لمشروع سايكس بيكو الثانية.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي