نبع السلام، علة شرعيتها وضرورتها الاستراتيجية

ه

لو كان تدخل تركيا في الشأن السوري الداخلي ولو كانت سوريا بحق دولة سيدة وليست محمية إيرانية وروسية ومليشاوية عالمية تابعة لهما لكنت أول المعارضين لتدخلها ولاعتبرت ذلك عودة إلى نزعة فيها احتقار للعرب. لكن هل من يحكم سوريا عرب يؤمنون حقا بالعروبة؟ وهل سوريا دولة ذات سيادة؟
وهل تركيا لا يحق لها حماية حدودها ووحدتها من نخبة مضرة حتى بمن تدعي الكلام باسمهم.
وإذن فلا يزايدن علي أحد في العروبة ولا في الرؤية العادلة التي لا تميز بين المسلمين وخاصة ممن كلنا يعلم أن وجودهم نفسه ناتج عن مشروع لتخريب عودة الإسلام إلى دوره التاريخي الكوني بشروط الدور الحديثة التي هي أقرب إلى ما كانت عليه الأمة حتى في عصر الانحطاط من حيث الشروط الجيواستراتيجية لأنها كانت تطبق شبه فدرالية شاملة للأمة لحماية مصالحها الواحدة.
ولو كانت تركيا تدخلت لتحارب الأكراد من حيث هم أكراد لكنت أول المحتجين. لكنها تدخلت لمنع نزعة انفصالية في سوريا لا تقتصر عليها بل هي مواصلة لنفس النزعة في العراق وفي تركيا وربما في إيران ومن ثم فهي بداية لسايكس بيكو ثانية أشد وأمر من الأولى لأنها تنوي القضاء مقومات عودتنا للتاريخ.
لذلك فلما أسمع الجامعة التي صارت تابعة الصهيونية وتقديمها على المصلحة العربية لا يمكنني أن أعتبر ذلك من الدفاع عن العرب بل هو محاولة لضم كل العرب إلى صف من احتمى بإسرائيل وصف من احتمى بإيران وليس العرب الذين أسسوا دولة الاسلام الكونية والتي يتساوى فيها البشر كلهم وليس المسلمين (النساء 1.)
وعندي أن هؤلاء العرب الماليزي والهندي والفارسي والتركي والكردي والأمازيغي والسوداني الإفريقي أقرب إلى العروبة بمعناها القرآني الذي أنشا دولة الإسلام من أعراب كل قبيلة فيهم توهم المافية المسيطرة على الشعب أنها كونت دولة وهي محمية وتنشئ فيها قاعدة للمستعمر لحمايتها ضد شعبها العربي بحق لإيمانه بالأمة ومستقبلها.
ولست أنكر أن هذه النزعة العرقية التي ورثها المسلمون عن الأوروبيين بدعوى تأسيس الدولة الوطنية بمعناها الحديث على أساس اثني تعد سرطانا بلغ الميتاستاز تعاني منه كل هؤلاء الأقوام بسبب الخلط الوهمي الانتساب إلى الأرض والانتساب إلى القيم الكونية وحتى شروط القيام الحر وغير التابع المشروط بالحجم المناسب.
فهذه الفكرة العنصرية التي تأسست عليها الدولة الأوروبية الحديثة تجاوزتها أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية رغم ما نعلم بما فيها من عنصريات في ما بين شعوبها ناهيك عنها مع غيرهم بدأت تتحرر منها وتلغي الحدود-حتى بين ألد المتبادلين العداء لقرون أعني ألمانيا وفرنسا- لكنها ومعها القوى الاستعمارية وعملائها يقسمون المقسم عندنا لمنع شروط الرعاية والحماية الذاتية.
أما عندنا فما زال زاعمو الحداثة بيننا-وهم أجهل خلق الله بالحداثة التي صارت عندهم حداثة صاحب المنشار الغبي وعرفه الأغبى الذي يتصور قبيلة لا يتجاوز عدد نفوسها حي من أحياء تونس-دولة بل وإمبراطورية يهدم اليمن الذي هو أصلنا جميعا كعرب -هم من يخرب دور الأمة وشروط عودتها للتاريخ الكوني.
ولست أشك لحظة واحدة أن شعب الخليج مغلوب على أمره وأنه لو استشير لكان أول من دعا إلى وحدة الخليج بالحد الأدنى ووحدة العرب فوق ذلك ووحدة الإقليم بعدها ووحدة الأمة غاية حتى نرتفع إلى شروط المساواة بين البشر وهي مساواة لا تكون من دون ندية في عصر العماليق.
وليس القصد نفي الدول القطرية وـأسيس دولة واحدة بل بناء كومنواليث اقتصادي وثقافي وخاصة دفاعي في عصر العماليق. لا توجد دولة عربية واحدة لها القدرة على حماية أمنها. وتلك هي علة حاجتهم جميعا إلى طلب الحماية من قوى الإقليم والقوى العالمية: صار العرب يمولون احتلال الاستعمار لأوطانهم باسم سيادة وهمية بالقياس إلى بقية العرب وعبودية للحامي الأجنبي.
لذلك فلست أشك وقلبي شديد الاطمئنان إلى أن شعب الخليج وشعوب الإقليم وشعوب دار الإسلام يعتبرون “نبع السلام” بداية لإحباط مؤامرة سايكس بيكو الثانية وأنهاء آثار الأولى ومنها خاصة ما ترتب عليها من محاولات تثبيت الحدود التي فرضها الاستعمار واحتلال فلسطين ووهم إيران أنها تستعيد دولة آل ساسان.
وصل الحمق السياسي بأقزام الحكام العرب وجامعتهم-لأنها لا علاقة بالشعوب التي تنضوي تحت اسمها-بالحرب على الأمل الوحيد لإنشاء دولة تعددية في تركيا بذرة لتجاوز مفهوم الدولة الغربي والذي تجاوزها الغرب منذ أن فقدت دويلات أوروبا ما كان لها من امبراطوريات استعمارية بعد الحرب الثانية
لن أواصل نفاق القوميين بدعوى الوحدة العربية فأقبل أن أسمى عربا من فتت الأمة ومنع التكيف مع العصر والاعتراف الصريح بالتعددية -شعوبا وقبائل لتعارفوا-في دولة كبرى والقومية عرقية وهي جرثومة أصابت نخب العرب من بقايا الباطنية والصليبية في الشمال فتامروا على المسلمين من العرب واستغلوا سذاجة بعض الأعراب في سايكس بيكو الأولى لتهديم انجلترا شروط الاستئناف.
وهذه النزعة التي يقود فكرها من توهموا الرابطة الاثنية أمتن من الرابطة الروحية تبين في الغاية أنها لم تكن رابطة أصلا بل غطاء للطائفية ولتمرير الحرب على الهوية الحضارية باسم علمانية هي في الحقيقة فرض سلطة الأقليات الطائفية والدينية على اغلبية أهل الإقليم التي هي سنية كما في سوريا.
فالبعثي سواء كان عراقيا أو سوريا أو حتى نسخة باهتة منه منتشرة في بقية بلاد العرب والناصري سواء كان جماليا أو معمريا كل هؤلاء لا علاقة لهم بالعروبة تتجاوز توظيفها في عنترياتهم. كل واحد منهم استعمل العروبة لهيمنة أيديولوجية حمقاء لكن ما يدفعه هو محو الهوية المشتركة وعودة إلى البابلية والفينيقية والفرعونية إلخ.
شروعنا الممكن في بناء تجمع لشعوبنا يمكن أن يجعلنا ندا لغيرنا في عالم العماليق.
ولكن بدلا من ذلك وأدهى صار البعثي السوري علويا مسيحيا يحتل أرض المسلمين السنة ويحكمهم بهذا الشعار الزائف وقس عليه بقية التيارات القومية التي ولدت ردود فعل من جنسها فصار الكردي والأمازيغي إلخ… يطلب هو بدوره حقه في تكوين دولة قومية واصبحت سرطان يجذر سايكس بيكو الأولى خدمة.
استعمل الغربيون العرب في سايكس بيكو الأولى ورأينا ما حصل عليه العرب الذين صدقوا إنجلترا فيها. واليوم يريدون استعمال الأكراد للشروع في الثانية وطلبوا من أحفاد من شاركوا في الاولى بتمويل الثانية. لكن استعادة تركيا المتدرجة لهويتها وفخرها بتاريخ الأمة أصبحت اليوم مستهدفة لأنها تحول دون ذلك.
تلك هي علل تأييدي لنبع السلام. لن أقبل حرب شعب من الإقليم على شعب آخر ولا جماعة على جماعة إلا في حالة الدفاع المشروع. تأييدي ليس لحرب تركية على شعب كردي بل هو تأييد لمن يحول دون تفتيت دول الإقليم لمنع سايكس بيكو ثانية وللاستئناف الذي سيقضي على الأولى.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي