موجة الثورة الثانية، من الحرب المجردة إلى الحرب العينية

**** موجة الثورة الثانية من الحرب المجردة إلى الحرب العينية

لا يوجد عربي يفرح بما يحدث في الشام لأن ظاهره قد يجعل أعداء الثورة يتوهمون أنهم انتصروا وقضوا عليها. لكني ادعو كل عربي أن يفرح حقا. فمن هزم ليس الثورة، بل أعداؤها. وليس أعداؤها العرب من محاربيها، بل وكذلك مليشيات إيران العربية وغير العربية، وحتى روسيا وإسرائيل وأمريكا بمعنيين. ولم أذكر معهم داعش لأنها في الحقيقة مليشيات ذات مصادر عدة عربية من النظامين السوري والعراقي، وعربية من نظامي الثورة المضادة ومن إيران وإسرائيل والغرب عامة. أما فكرتا الخلافة والجهاد وحماس الشباب لهما، فأمر آخر هما الطعم الذي استغله استراتيجيو اعداء الامة لتشويه الإسلام والثورة. فماذا أعني بهزيمة اعداء الثورة بمعنيين رغم أني لم أقل إن الثورة انتصرت لأنها لم تستفد من المعنيين، بل هي ما تزال جاهلة بهما: المعنى الأول تثبته مفاوضات النظام وإيران بتوسط روسيا مع إسرائيل التي حددت طبيعة “الممانعة”. ولم تعد تنطلي على أحد حتى من كانوا يتهمون موقفي منها بالطائفي.

وهذه الهزيمة الخلقية لأدعياء الممانعة أنهت أسطورة البطولات المسرحية لمن يسمونه سيد المقاومة، وبينت أنه لا يختلف من حيث العمالة عن بشار: فلن يجد بعد المفاوضات الحالية من دور عدا العودة الى دور الحشاشيين الذي بدأوا يطالبون به اليوم رسميا، أي زراعة الحشيش والمتاجرة به وبالجنس.

ويخطئ من يتوهم رفع الإقامة الجبرية على الإصلاحيين مجرد تهدئة داخلية لا يفهم ما يحدث. فهذه أول إشارة إلى ما ذكرته سابقا: عندما يجد الحرس الثوري نفسه مخيرا بين التضحية بسلطانه والتضحية بالنظام، فهو سيختار الثانية على الأولى لأنه أفسد من الجيش المصري إذ بيده جل اقتصاد البلاد. والسذج وحدهم يصدقون عنتريات “زورو” إيران الذي خرج للرد على تهديدات ترومب مدعيا أنه هو الذي سيرد عليه.

الترجمة الحقيقة لهذا الكلام هي دعوة لترومب حتى يتفاوض مع الحرس الذي بدأ يستعد لما توقعته: فكلامه يفهمه الامريكي كما فهمته وكما ينبغي أن يفهم: الحوار والتفاوض معنا وليس مع غيرنا. لا يوجد عاقل في الدنيا يمكن أن يصدق أن إيران، وخاصة النافذين من القيادات، يجهلون الحقيقة التي قالها لهم ترومب مشيرا إلى ما فعلته أمريكا بألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي. وكل من لا يأخذ ذلك مأخذ الجد يتصور الأمر بإرادة ترومب: هو بإرادة من لا يقبل شريكا في الهيمنة على الاقليم. لذلك فقيادات إيران تعلم أن التفاوض هو مع طرفين: الصهيونية والمسيحية الصهيونية. فهذان يتصوران أن دور إيران انتهى وأن من ينبغي أن يسيطر على الإقليم هو إسرائيل. ما يفاوض عليه الحرس الثوري هو دور مساعد الشرطي كما كان الشاه. ومن يشكك في ذلك فالأيام بيننا. ساعدتهم إيران في الدفع بطراطير العرب إلى الارتماء في أحضان إسرائيل. وساعدتهم في تشويه صورة الإسلام السني الذي صار متهما بالإرهاب ليس من الغرب وحده بل خاصة من طراطير العرب والدجالين من نخبهم سواء كانوا من التقليديين أو ممن يدعون الحداثة. وتفتت كل قوة عربية من الماء إلى الماء. فإذا تم لهم ذلك لم يبق أمامهم إلا تركيا. وهي مستهدفة أكثر من العرب. ذلك أن انبعاثها بخلاف العرب يعد أكثر جدية ويمكن أن يصل إلى مرحلة يصبح معها التصدي له شبه مستحيل. وهذا أمر لا ترضى عنه لا أوروبا ولا روسيا ولا خاصة إسرائيل بعد أن سيطرت تقريبا على الاقليم كله. لو كانوا يتصورون أن إيران يمكن أن تنافس إسرائيل لما تركوها تصل إلى مثل هذا الوهم فضلا عن حقيقته. كانوا بحاجة إليها في الدور الذي سميته “الجرافة” لأن عرب الإقليم لو لم تفتتهم نعرات جاهليتهم، هم أكبر قوة فيه، فكان لا بد من جرافة لها طموحات الضفدعة التي تتصور نفسها فيلا.

وقبل المرور للنوع الثاني من الهزيمة فلأختم الكلام في النوع الاول بالبعد الخلقي الثاني. فالأول افتضح وكانت ضحاياه الشعوب العربية التي صدقت أن إيران وحزب الله يريدان تحرير فلسطين ويقاومون إسرائيل والاستعمار ولم يفهموا أنهم لم يستعمروا إلا الارض العربية أضعاف ما تستعمره إسرائيل.

البعد الخلقي الثاني ضحاياه الشيعة عامة وشيعة إيران خاصة. فهؤلاء كانوا يصدقون أن نظام الملالي تعنيه منزلة آل البيت والتشيع وليس طموح الانتقام من العرب والإسلام الذي قضى على امبراطوريتهم. ولا فرق بينهم وبين متطرفي بقايا الصليبية في الارض العربية كما يثبت ذلك من حالف منهم حزب الله. فكلاهما له ثأر مع العرب والاسلام باسم امبراطوريتين سابقتين على الإسلام في الإقليم، وكلاهما كان من أكبر المتآمرين على الخلافة العثمانية وكلاهما ينتظرون لحظة الانقضاض على العرب والأتراك. وكلاهما يستعمل نفس السياسة الإسرائيلية المبنية على الخداع والاستفادة من سذاجة قيادات العرب. لكنهم انكشفوا جميعا ولم يبق من العرب معهم بسبب السذاجة بل بسبب الخيانة، أعني أن من يعمل معهم هم من يحاربون الإسلام ومن ليس لهم أثر مع سنة العرب والاتراك والاكراد والأمازيغ وثقافة الإسلام. الكل صار يفهم أن الرهان هو: كيف نمنع استئناف قلب الإسلام في الإقليم شرطا في دوره العالمي. وهذه هي الهزيمة الثانية، وهي الآن ليست خلقية فحسب بل هي سياسية: فاتحادهم الذي لم يعد له ما يستره خلقيا فيبقى على غموض أهدافه واستراتيجيته رغم ما يبدو عليه من قوة لأنه حلف عالمي عجز عن إخضاع إرادة شباب الأمة الذي أوصلهم إلى كشف كل أوراقهم والقبول بدور مساعد الشرطي الاسرائيلي. ومن له دراية بدور مافية روسيا في دور بوتين، ودور الصهيونية المسيحية في دور ترومب، وانكشاف إيران وعملائها والثورة المضادة وتمويلاتها، كل ذلك عجز عن أن يوقف امرين لم يعد في إمكان أي قوة في العالم إيقافهما: النجاح الرمزي لأفكار الثورة حتى عند أعدائها والصمود الفعلي في أرض المعركة.

وبهذه المناسبة فإن ادعو كل السوريين للعودة إلى ديارهم: فلن يستطيع النظام حتى لو بقي بحماية إسرائيلية-لان الحماية الإيرانية ستزول وهو شرط القبول الدولي الذي هو شرط إسرائيلي ببقاء النظام-لأن الثورة ستعمل بالطرق التي لو عملت بها لكانت قد أنهت المهمة منذ البداية: ثورة شعبية حقيقية. دعوتي لعودة الشعب السوري إلى دياره علتها أن هذه العودة هي شرط الشوط الثاني من الثورة أو الموجة الثانية من الثورة. فالنظام لن تكون له القدرة على استئناف أساليبه القديمة لعلتين كذلك. أولا العائدون لم يبقوا مثل المهاجرين بل هم يعودون من أجل استرداد حقوق خاصة جدا. فشتان بين من يدافع عن معان مجردة -الحرية والكرامة- ومن سيدافع عن بيته ورزقه ومستقبل ابنائه بعد أن رأى أن حياته من دون هذه الحقوق هي ما عانى منه من إذلال ومن احتقار فبات يشعر بأن الدفاع عن الوطن ليس مجرد فكرة، بل هو حقوق عينية الإسلام جعل الموت دونها من الجهاد وفرض العين.

عودتهم ستكون حاضنة الموجة الثانية من الثورة من اجل نفس القيم ولكن بعد أن أصبحت متعينة في الأعيان وليس مجرد أفكار في الاذهان. السوري الذي يعود سيجد محتلا فارسيا أخذ بيته وضيعته وحتى سجله المدني، ومن ثم، فالثورة ستكون من جنس ثورة اجداده الذين أخرجوا الاستعمار الفرنسي. وهذه هي الهزيمة الثانية لأعداء الثورة. فنصف الشعب السوري الذي هجروه وأحلوا مكانه من أعطوه الجنسية ليحل محله في ملكه وملك أجداده، سيجعلهم أكثر تصميما على جعل الحرب حرب تحرر من الاستبداد والفساد وحرب تحرير من المحتلين والخونة الذين تعاونوا معهم لإخراجهم من أملاكهم ومدنهم ودورهم.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي