ه
تنبيه:
هذا النص كتبه الوالد بتاريخ سابق ونشرته الصباح نيوز نشر في الصباح نيوز يوم 30 – 06 – 2013 أعيد نشره حتى نفهم علة تعثر الثورة الناتجة عن عدم النضوج الذي ما يزال مسيطرا على القوى السياسية والنخب التي تنحاز إليها دون روية لأنها في الحقيقة مجرد طبالة لدى “زعمائها” ممن يتنافسون على المنافع حتى بحرق البلاد. والظاهرة عامة في كل أقطار الإقليم لسوء الحظ. لذلك فليس أيسر على أعداء الامة من اختراقها وتوظيفها في أجندات لا علاقة لها بمصالح الشعب والأمة.
النص
كتب اليوم الأحد أبو يعرب المرزوقي القيادي السابق في حركة النهضة تعليقا على مشروع قانون تحصين الثورة بعد الموافقة على عرضه في جلسة عامة لمناقشته فصلا فصلا. وفي ما يلي النصّ كاملا، كما ورد في صفحة المرزوقي على “الفايسبوك”.
تمهيد:
كنت ولا زلت أعتقد أن المطلوب بعد الثورة ليس عكس ما كان موجودا قبل الثورة: فليس المطلوب الانتقال من الحرب على الحريات الدينية وقيم الأصالة إلى الحرب على الحريات “العلمانية” وقيم الحداثة. كنت ولا زلت أتصور أن المطلوب هو المصالحة بين نوعي الحريات والقيم وذلك بتحقيق الشروط الضامنة للحريات بكل أصنافها والكرامة بكل مقوماتها. وشرط ذلك هو تمكين الوطن والمواطن من مقوماتها الأساسية فكرا وممارسة بحرية أعني بالتركيز على ثقافة جديدة تنطلق من القيم العليا التي هي قيم مشتركة بينهما. أما الفصل الفصامي بينهما فعلته ليست ذاتية لأي منهما بل هي:
- رد قيم الإسلام إلى ما شابها من انحطاط عاشته حضارتنا في تاريخها فحطت القيم إلى العادات في آلية دفاع انكماشية بتجميد تعينات القيم التاريخية وتوثينها.
- ورد الحداثة إلى شوائب الاستعمار الذي استعملها لمحاربة هويات الشعوب المستعمرة بما كان يسمى المهمة التحضيرية التي مسخت الشعوب والقيم.
لكني أعتقد أن تحقيق العدالة الاجتماعية وحرية الضمير والكرامة الإنسانية والمساواة بين المواطنين كل ذلك من جوهر قيم الإسلام بعد تحريرها من تأثير الانحطاط وهو في آن من جوهر قيم الحداثة بعد تحريرها من التوظيف الاستعماري. ولا معنى للمقابلة في ذلك بين أصالة وحداثة ولا بين كونية وخصوصية. فما ينبغي الفصل فيه بين الدين والدولة بين لكل ذي رأي حصيف:
• فالعبادات يختص بها الدين.
• وشروط العيش المشترك تختص بها الدولة.
أما المشترك بين الدين والسياسة فهو أخلاق المعاملات التي هي المشترك بينهما لما بين الأخلاقي والقانوني من صلة وطيدة ليس عند المسلمين وحدهم بل في كل الحضارات. ذلك أن القانون الذي هو الوجه السياسي لا يكون شرعيا من دون الرضا والقبول الجمعي لأنه من دون ذلك يصبح بحاجة إلى الفرض الدكتاتوري فتفقد قوة الدولة شرعيتها لأنها لم تعد أداة تحقق إرادة الشعب بل تصبح أمرا مفروضا عليها رغم أنفها. والأخلاق التي هي في المرحلة الحالية الوجه الديني الغالب على حضارتنا لا تكون مؤثرة إلا إذا كانت جامعة بين المصلحة الدنيوية وما يتعالى عليها من المثل العليا التي يحددها التوافق بين العقل ومعتقدات الجماعة. لكن الصفين كليهما صف دعاة الأصالة وصف دعاة الحداثة أعادا البلاد في تونس ومصر إلى المقابلات الزائفة بين نمطي مجتمع كلاهما ليس طبيعيا فضلا عن كونه ليس من تقاليد المجتمعين المصري والتونسي فأعدا أرضية الحرب الأهلية التي هي باردة الآن وقد تسخن إذا لم نتدارك الأمور:
• فلا تونس ولا مصر بالبلد العلماني على المنوال الفرنسي حتى لو هام البعض من نخبهما من دعاة التحديث بهذا النموذج الذي كان ولا يزال فهما مرضيا تختص به الكاثوليكية منذ القسمة بين الله وقيصر.
• ولا تونس ولا مصر بالبلد الإسلامي منوال بعض البلاد التي عين وجودها مستمد من تعريف ذاتها بأساس ديني كباكستان مثلا حتى لو هام البعض من نخبها من دعاة التأصيل بهذا النموذج.
لكنه من العدل والأمانة الاعتراف بأن البادئ في التركيز على تغليب النكوص إلى مثل هذه المقابلات ظرفيا واستراتيجيا استكمالا لما يمكن أن نسميه الاستراتيجية الفتحاوية مع حماس هم بعض الرؤوس الملتهبة من مشعوذي المتعالمين باسم التحديث السخيف كما حدث في أحاديث رمضان في بضع الفضائيات التونسية والمصرية فصار لنا ضربان من الدعاة الحمقى:
دعاة الحداثة اليعقوبية الذين يتصورون الحداثة جوهرها هو ما يمكنهم من فرض معتقداتهم الفردية باسم ما يدعونه لها من كونية وإطلاق حتى صاروا أكثر تزمتا من أعتى المتعصبين للأصالة فأصبحوا يستدعون التدخل الأجنبي والحكم العسكري.
يرد عليهم من هم من جنسهم طبيعة موقف أعني دعاة الأصالة الباكستانية الذين يتصورون الأصالة جوهرها هو ما يمكنهم من فرض التقاليد التي جمدوا فيها قيم الإسلام فجعلوها أوثانا تعبد بدلا من تكون قيم الإسلام مثلا عليا تؤثر بذاتها وليس بعنف الدعاة.
وبين أن الهدف الأساسي من هذا النوع من الدعاة الحداثيين لعل مستواهم الكاريكاتوري يمثله الشيخ محمد الطالبي وبعض دعيات العلم اللدني من جامعيات الفايس بوك مع بعض متفلسفة عقاب زمان أو أصحاب الحريات المزعومة ثقافية التي لا تأخذ بعين الاعتبار ضرورة التعامل الحذر مع الشعوب التي عانت من الاضطهاد في كيانها وفي روحانيتها وتقاليدها وأذواقها وقيمها. فلكأن الهدف أصبح لمثل هذه النخب الموتورة بعد أن فقدت ما كان لها من جاه مع نظام الفساد والاستبداد استفزاز الشعب وتخييره بين مواصلة التحديث المستبد والفاسد أو نكران كل تحديث متدرج وغير تابع.
كيف نجتاز الفترة الانتقالية بسلام
أعلنت منذ البدء بكتاباتي وكذلك بصورة رسمية في المجلس وفي الحكومة أني ضد قانون التحصين وضد حل لجنة الانتخابات للعلتين التاليتين:
• فلا معنى لقانون لا يفيد حتى لو نجح لأن منع الغير من المشاركة في العملية السياسية لن يمنعه من المشاركة في التشغيب عليها في الشارع حيث لا يمكن منعه إلا بالعودة إلى القيم التي كانت الثورة ثورة عليها: بالقوة والاستبداد ما سيحول دون إصلاح العدالة والأمن.
• ولا معنى لتغيير هيئة نجحت في تحقيق أولى انتخابات شفافة إلا إذا كان القصد جعلها تابعة. ولا يمكن أن ننجز ما وعدنا به الشعب في بحر السنة التي تمثل المرحلة الانتقالية من دون الاستناد إلى خبرة التجربة الأولى وما راكمته من شروط العملية نفسها.
ولما كانت الشرعية الانتخابية ليست كافية في المراحل الانتقالية من تاريخ الأمم خاصة ونحن لسنا من ذوي التقاليد الديموقراطية المستقرة إذ لو كانت مغنية عما عداها لما كان مفهوم المرحلة الانتقالية ذا معنى فإني كنت ضد ترك الشارع بعد الانتخابات ليستفرد به من لم ينجح فيها أو من لم يمكنه وزنه من الوصول إلى الحكم حتى لا تصبح الشرعية الثورية في واد والشرعية المؤسسية في واد. ومن ثم فلا معنى لانقسام القوى السياسية بين حاكم ومعارض في مرحلة انتقالية تلت ثورة يريدها الشعب أن تبقى سلمية إلا إذا كانت الاستراتيجية الضمنية للمعارضة-وهي لم تبق ضمنية بل أصبحت صريحة-استراتيجية فتحاوية تسعى لعزل الإسلاميين كما حصل لحماس سعيا لاستعادة رضا الغرب بالنكير على الإسلاميين من خلال التركيز على المقابلة المغرضة إسلاميين- ديموقراطيين.
وبالفعل فقد أصبح المجتمع منقسما إلى من بيده سلطة الشارع المزعومة ثورية رغم خفة وزنه لكن تأثيره كبير لأن الإفساد أيسر من الإصلاح ومن بيده سلطة المؤسسات التي تحولت إلى ما يشبه ضديد الثورة بعد أن أصبحت الثورة فوضى التهريج الذي أوقف الحياة الاقتصادية وعطل عمل المؤسسات الإدارية كما حصل في تخريب نظام البلديات ما أدي أدى إلى إفقاد تونس كل شروط النظافة والعناية بشروط الحياة الكريمة. تلك هي الآراء التي نصحت بها لمن بيدهم الحل والعقد في الحكومة وفي حزب الحكم القائد للترويكا. لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.
فقد كنت أعتقد أن كتابة الدستور وتنظيم الانتخابات قابلين للتحقيق في بحر سنة خاصة وقد اقترحت في المجلس على جميع الحاضرين من ممثلي القوى السياسية فيه أن نعد رزنامة تراجعية في التخطيط وتقدمية في الإنجاز: نبدأ فنحدد تاريخ الانتخابات في آخر السنة الانتقالية ثم نعود منه إلى المراحل التي ينبغي استكمالها لتحقيق الانتخابات في ذلك التاريخ.
ونشرع مباشرة في الإنجاز بحسب هذه الخطة. لكن ذلك كان صيحة في واد. ذلك أن شرط هذه الخطة شرطها الضروري هو أن تبدأ القوى السياسية الكبرى خاصة بالتوافق حول المبادئ العامة المقومة للدستور ثم على تكليف لجنة مختصة يقبل بها المتوافقون تكليفها بعرض مشروع ذي صياغة فنية لهذه المبادي المنظمة للجمهورية الثانية التي تحقق قيم حقوق الإنسان وتتخلص من المقابلة الزائفة بين الكوني والخصوصي فتكون الصياغة معتمدة ب على الخبرة الذاتية وحتى الأجنبية ولا تنزل إلى الجزئيات التي ليست من مهام الدساتير: فبناء جمهورية ثانية تحررنا من انحرافات الجمهورية الثانية بدستور يحقق المصالحة بين قيم حضارتنا وقيم الحداثة لا يمكن أن يوضع بين يدي من هب ودب أو من يتعلم الحجامة في رؤوس اليتامى.
وكان من شروط ذلك خاصة تحييد المنظمات الاجتماعية بل ومنعها من التدخل في العمل السياسي بما هي منظمات دون نفي حق المنتسبين إليها من حيث هم مواطنون وليس بما هم نقابيون في العمل السياسي من خلال انتسابهم إلى الأحزاب التي ينتسبون إليها. لكن الاتحاد تمكن بالابتزاز الدائم من التحول إلى أكبر حزب سياسي في البلد يدعي أنه الحضن الجامع للأحزاب حتى تحقق التوافق في حين أن الجميع يعلم أنه العامل الأول في تعطيل السعي نحو بناء الجمهورية الثانية بل هو أصبح أخطر من التجمع على الثورة: ذلك أنه قدم المصلحة الفئوية للعمال على المصلحة العامة للتغلب على البطالة وعدم التوازن الجهوي إذ إن إمكانات تونس الاقتصادية لا يمكن أن تستجيب للحاجات الملحة التي يعتبرها الثوار دوافع الثورة المباشرة والزيادات المشطة التي عمت كل القطاعات.
كان من شروط النجاح في الفترة الانتقالية التي لم نعد نرى لها نهاية بينة خاصة إذا بقيت القوى السياسية في مناوراتها التي لا تفكر إلا في المناكفات السياسوية للتنافس الانتخابي الرديء وتنسى أن ذلك كله يصبح من العبث من دون شرط المحافظة على سلمية الثورة-رغم محاولات التدارك المتأخرة بطلب ما كان ينبغي طلبه من البداية أعني التوافق على المبادئ العامة في الدستور- أن تجمع الأحزاب السياسية الكبرى على ثقافة جديدة في علاقات العمل للتغلب على أزمتي البطالة والجهات المحرومة على الأقل خلال المرحلة الانتقالية لنتجنب ما عرفناه من سيناريوهات تخريب نسقي للإنتاج والحياة الاقتصادية.
فكان العمل النقابي بهذا المعنى مطية لتعطيل الثورة وإطالة المرحلة الانتقالية في استراتيجية بينة اختارتها الأحزاب التي رفضت حكومة الوحدة الوطنية من البداية واندست في الاتحاد لتحريكه بالصورة التي وصفه بها أحد قادته الوطديين آلة طاحنة لكل من يعترض علي ما فيها من فساد واستبداد لا يختلف عما عرف به التجمع لأنه كان حليفة في الاستبداد وشريكة في الفساد: استراتيجية فتح مع حماس أعني رفض الحكم المشترك مع الإسلاميين وادعاء تمثيل الديموقراطيين ما يعني اتهام الإسلاميين على الأقل بأنهم ضد الديموقراطية فضلا عن تهمة الظلامية المزعومة حتى يحاصرهم الغرب ويفشلوا في تحقيق ما وعدوا به الشعب. غامرت بعض الأحزاب بإفشال الثورة بسبب مسعاها لمحاربة الإسلاميين. وهذه الاستراتيجية الفتحوية ضد حماس هي عينها الاستراتيجية التي توختها الأحزاب التي تحالفت مع العائدين من النظام القديم وذلك في تونس ومصر على حد سواء.
التحصين واستراتيجيته
أريد هنا أن أقتصر على علاج مسألة التحصين حتى يعلم الجميع أن معارضتي لفكرة التحصين ليست معارضة لتحصين الثورة إذ هي ليست معارضة مطلقة بل الهدف الحقيقي منها هو تحصين الثورة ذاتها لئلا يكون مقصورا على من نتصوره عدوا لها فحسب بل وكذلك ضد من نتصوره صديقا. فما ينبغي رفضه هو الاستراتيجية التي اختيرت والتي تحولت إلى استثناء بمجرد الانتساب إلى الحزب الحاكم قبل الثورة وليس بمقتضى ما يمكن أن يفيد تحقيق أهداف الثورة خاصة وهذا الانتساب لم يكن قابلا للفصل عن الانتساب إلى دواليب الدولة عندما كان المرء لا يمكنه أو يكاد أن يخدم الدولة من دون هذا الانتساب.
فالتحصين لا يكون مشروعا إلا إذا حافظ على شرعية خلقية وسياسية تحقق الغرض منه أعني توفير الأسباب التي تيسر تحقيق أهداف الثورة بالأسلوب الذي اختاره الشعب عندما أراد ثورته إصلاحية كما يتبين من رفضه جعلها تنتقل إلى ما يتجاوز الطابع السلمي كما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا: فأي تطرف في التركيز على المقابلات والاستثناء المتبادل يمكن في أي لحظة أن يجعل البلد ينزلق إلى ما نراه شبه حاصل في بعض بلاد الربيع العربي وما سبق أن حصل في الجزائر طيلة عقد كامل.
والمعلوم أن الاستراتيجية المتعلقة بتحصين الثورة قد وضعت أفسد وضع لأنها في الشكل المعروض على المجلس ليس هدفها حماية الثورة بل حماية من يتصورون أنفسهم ممثلين للثورة. وهي من ثم قد تغير طبيعة نهج الثورة لتنقلها من السلمية والتصالحية إلى نقيضي هذين الوصفين. وبين أن المتشبثين بهذا النهج أقلية لا تمثل الثقل الشعبي الحقيقي لتونس بل هي من المزايدات الغالبة على الأحزاب التي ليس لها وزن انتخابي معتبر وتخشى من التنافس مع من تريد استبعادهم بهذا القانون. ويمكن القول إن حزب النهضة من حيث لا يعلم أو من حيث توريطه من قبل بعض شركائه أو بعض المتطرفين فيه قد دخل عملية سيكون هو الخاسر منها أكثر من أي حزب آخر بما في ذلك نداء تونس الذي سيستفيد من هذا القانون أكبر فائدة: فهو به سيوحد مكوناته اللامتجانسة وسيقدم نفسه بوصفه للضحية للرأي العام المحلي والدولي فضلا عن كون تطبيق هذا القانون حتى لو تم لن يمنع من عودة التجمع لأن عديد كوادره يتجاوز أي عدد يستثنيه القانون بل هو يسهم في عودته لأن المستثنين سيصبحون مجندين لهذه المعركة وهم قادرون عليها خاصة ولهم المال والأعلام وجل أجهزة الدولة عميقها وسطحيها.
لذلك فإني من البداية قد عارضت هذا الاستراتيجية التي اعتبرها دالة على الحمق السياسي فضلا عن كونها فاقدة للمشروعية في ثورة اختار أصحابها الإصلاح بدل المنطق الثورة الهدام. ذلك أن المتكلمين عليها تجاهلوا أمرا جوهريا يقتضي تحديد طبيعة المستهدفين من الجانبين أعني:
• لصالح “من” يكون التحصين ما دام ليس بينا أنه لصالح أهداف الثورة خاصة وهو قد يهدد مسارها السلمي والإصلاحي الذي لم يذهب إلى تطبيق المنطق الثوري.
• وضد “من” يكون التحصين مادام ليس بينا أنه يقربنا من أهداف الثورة خاصة وهو يهدد حقوقا لا يمكن أن يعطلها إلا القضاء بالأحكام أو الشعب بالانتخاب.
وما دام الأمر ليس متعلقا بأهداف الثورة بل بالمناورات الانتخابية التي تتخفى وراء تحديد مضمر وغير مشروع لمن ينسب إليهم تمثيل الثورة ولمن ينسب إليهم تمثيل مضادتها فإن السؤال عن “من” في الحالتين يصبح السؤال الأساسي والمبدئي الذي بمقتضاه ينبغي تقوم الاستراتيجية التحصينية:
• فالـ “من” الأولى تتعلق ضمنيا بتحديد من نتصوره ممثلا للثورة ومن ثم فنحن نعتبر التحصين في خدمة الثورة بتوسط من نعتبرهم ممثلين لها دون أن يتقدم على ذلك تحديد معيار المندسين في صف الثورة والراكبين عليها وهم ليسوا بالقلة إذ إن من طبيعة من كان في الخدمة خلال العهد السابق أن يبحث عن محل له فيها في العهد اللاحق.
• والـ “من “الثانية تتعلق بمن نعتبره ضمنيا ممثلا لضديد الثورة ومن ثم فنحن نعتبر التحصين في خدمة التصدي لأعداء الثورة بتوسط من نعتبرهم أعداء لها دون أن نحدد معيار المظلومين منه بين من يتهمون بالعداء للثورة ومن ثم فنحن نعتبر ضمنيا أن التحصين ليس ظالما لمن لا ناقة له ولا جمل في استهداف الثورة ولا في معاداتها.
لكن التحديدين للـ”من” مع الثورة ولل،”من” ضدها شابهما خلط عجيب أهمل أهم المعايير التي يمكن أن تساعد على جعل التحصين تحصينا للثورة بحق فلا يعطي فرصة للمندسين في صف الثورة ولا يظلم من يُقحمون في الصف المعادي للثورة. وحتى أبين الاستراتيجية التي تجعل التحصين يتجنب هذين الأمرين الضمنيين أريد أن أقدم تحليلا للتحديدين ثم أقترح حلا يخرجنا من كل المشكل بصورة نهائية. واعتذر للقراء إن بدا التحليل والتعليل فيهما بعض التعقيد خاصة والقراء يبحثون عن المواقف أكثر من البحث عن تأسيسها بمنطق “هات الصحيح” بالتونسي أو “هاتها من اللخر” بالمصري ما دمنا نحلل الوضع المتشابه في البلدين.
الـ”من” الأولى
الخلط الذي يشوب هذا ال”من” الأولى هو ما نتج عن الظن بأن معيار الانتخابات السابقة كافيا للتمييز بين من يمكن أن يعد من الثوار ومن يمكن أن يعد من أعدائها خلطا بين الموقف العدائي من الثورة والموقف المعارض للأحزاب التي فازت في الانتخابات فشكلت الحكومة. كادت المعادلتان الكاذبتان التاليتان تصبحان حاكمتي الموقف السياسي في البلد:
• الناجح في الانتخابات نجاحا أوصله إلى الحكم هو ممثل الثورة لكأن كل من تجاوز الصفر فاصل ثوري بخلاف ما يعلم القاصي والداني.
• والفاشل في الانتخاب أو من لم يصل للحكم وبقي في المعارضة هو ممثل ضديد الثورة لكأن كل بقي في الصفر فاصل معاد للثورة.
وهاتان المعادلتان الخاطئتان جعلتا المعارضة مهما اتصفت به من شطط تعتبر مضادة للثورة خاصة في أذهان بعض الشباب المتحمس الذي لا يرى الأمور إلا بلوني السواد والبياض وحتى في أذهاب البعض من قيادات الحكم والمعارضة نفسها: لأن المشاحنات والمزايدات تبلغ مبلغ العمى الاستراتيجي إذ يتحول التكتيك الانتخابي ومغازلة الرأي العام ومتابعة الاستفتاءات المفبركة إلى مقياس حرارة المعركة المنحرفة عن أهداف الثورة. ففقدنا بذلك ما كان شبه إجماع في مصارعة الاستبداد والفساد وفرشنا من ثم الأرضية لعودة الأزلام أو الفلول الذي صاروا في مصر وتونس يسبحون باسم قيم الثورة ويقودون الدعوة إلى تصحيح المسار الذي يتهمون الحكام بالابتعاد عنه.
ولا شك أنه ليس كل من نجح في الانتخابات وساهم في تشكيل الحكومة بقابل لأن يعد من الثوار. كما أنه ليس كل من يعارضهم بقابل لأن يعد من أعداء الثورة. فالكثير من الأولين يمكن أن يعتبروا من المعادين لأهدافها ضمن الأحزاب الثلاثة التي كونت الحكومة. والكثير من معارضيهم يمكن أن يعتبروا من المخلصين لأهدافها حتى وإن بدا في خطابهم السجالي الكثير من الشطط والعناد الذي قد يؤدي بهم إلى محالفة أعداء الثورة المعلومين للجميع كما نحددهم في هذه المحاولة. ذلك أن الهجوم على الأحزاب للانخراط فيها مباشرة بعد الثورة وخاصة منذ أن تم الإعلان على الانتخابات ليس له مثيل فضلا عن تكوين الحزيبات التي لا يتجاوز عدد منخرطيها عدد قياداتها.
والمعلوم أنه لم يكن واردا عند القيادات أن تنتقي من يشارك فيها خاصة بالنسبة إلى الحزبين اللذين كان وجودهما قبل الثورة رمزيا وهو وجود شبه مقصور على العاصمة أو على بعض المعارضين في الخارج. ومن الطبيعي أن المنخرطين لم يكن معيار اختيارهم للأحزاب مستمدا من أهداف الثورة بل كان طلب الفرص التي تنتظر عادة من الانتساب إلى الأحزاب المؤهلة ربما للنجاح والوصول إلى الحكم: ولعل الدليل القاطع على صحة هذا الفهم هو أن علة انفراط عقد الحزبين شريكي النهضة في الحكم لم يكن لعلل مبدئية بل هو لم يكن شيئا آخر غير مسألة المشاركة في الحكومة حتى بات كل فرد حزبا برأسه مع يصاحب ذلك من مراهقة سياسية وتطرف في الخطاب لكأننا في معارك بين طلبة مراهقين في الجامعة.
إن مجرد نجاح حزبي الترويكا الأصغرين في المشاركة في الانتخابات وكونهما استطاعا ترشيح قائمات في كل الولايات رغم ما نعلم من ضآلة جمهورهم قبل الثورة من الأدلة القاطعة على كون الانتساب إليهما لم يكن خاضعا لمعيار: من مع الثورة ومن ضدها. وحتى النهضة فإنها ليست بمنجاة من مثل هذا النهج حتى وإن كان حجمها كفيلا بأن يغنيها عنه في تكوين قائماتها.
والمعلوم أن حل التجمع قد وفر منجما جماهيريا استمدت منه كل الأحزاب جمهورها وقائمتاها حاكمها ومعارضها حتى لا نواصل التكاذب المزيف للحياة السياسية التونسية بل إن بعض القيادات التاريخية خسرت رهاناتها لأنها ظنت أنها ستكون الوريث الشرعي لهذا الحزب حتى لو لم يحل بسبب ميل جمهوره إلى البحث عن قيادة ذات بريق ثوري تحفظ لهم الوجود ويمدونها بالقاعدة الجماهيرية وبكل ما لديها من لوجيستيك.
الـ”من” الثانية.
من عجائب الأمور بل من أكثرها ظلما أن يستمد المعيار الذي يحدد المستهدفين بالاستثناء بمقتضى هذا القانون من مجرد الانتساب إلى التجمع حتى مع تحديد مستويات الانتساب العالية للتقليل من عدد المستثنين. وكان يمكن أن يفهم المرء ذلك لو أضيف إليه معيار يتعلق بالأمرين اللذين يمكن أن يعتبرا دالين على المشاركة في الاستبداد والفساد:
• فمعيار المشاركة في الاستبداد يمكن أن يكون المشاركة المباشرة في المحاكمات الجائرة وفي التعذيب وفي كل ما يعد إليه من الاستعلامات والمخابرات المؤدية إلى محاصرة الحريات وأسباب الرزق على كل من حاربهم النظام في أدنى الحريات.
• ومعيار المشاركة في الفساد يمكن أن يكون المشاركة المباشرة في التعامل مع مافية العائلتين أو في الاثراء عن طريق استعمال الجاه والطرق غير الشرعية في الاستحواذ على الثروة العامة أو في العدوان على الأملاك الخاصة باستعمال القوة العامة والتدليس.
لكن مجرد الانتساب إلى التجمع حتى في مستوى المسؤولية الحزبية لا يمكن أن يكون معيارا وذلك خاصة لأن الحزب كان مماهيا للدولة ما يعني أن كل من خدم الدولة يصبح متهما لمجرد أنه كان في خدمة الحزب الحاكم الخدمة التي كانت شرطا في القبول به في خدمة الدولة وخاصة من كان طموحا لدور قيادي في الإدارة بما في ذلك إدارة الجامعات والمؤسسات غير السياسية. ولو طبقنا هذا المعيار في بلاد العالم الثالث لكان معناه أن الدولة ينبغي أن تعزل كل كوادرها وأن تعود إلى حال البراءة الأصلية وأن ننتظر قرونا لنكون إدارة وجيش وأمن وتعليم وصحة إلخ… من القائمين على الخدمات الضرورية للمجتمع المتحضر. ففي كل بلاد العالم الثالث وخاصة في حالة الاستبداد والفساد حيث لا وجود لفصل بين الدولة والحزب الحاكم فإن مثل هذا المعيار يعد انتحارا للدولة التي تنوي القيام بالتطهير الماحي لكل ما سبق. سنكون في هذه الحالة أمام وضعية تصبح فيها الدولة عزلاء وعاجزة عن تسيير أي مصلحة تسييرا معقولا.
ما الحل إذن؟
الحل حسب رأيي يعود إلى طبيعة أهداف الثورة ونهجها في الوصول إليها سلميا والأدوات المناسبة لتحقيق ذلك. ثورتنا لم تختر المنطق الثوري العنيف بل اختارت منطق الإصلاح اللطيف. وهذا يقتضي أن تكون الحلول أقل الحلول كلفة سياسية واجتماعية أعني بتقليل أعداء الثورة ما أمكن التقليل. ولا يمكن أن يحصل الإصلاح إلا إذا تم الاعتراف بهذه الحقائق التي وصفت في تحديد ال”من” في الحالتين ما يفيد بأن أول أهداف الثورة هو المحافظة على شرط السلمية مع عدم نسيان التماهي بين الدولة والحزب الحاكم في عهد الاستبداد والفساد عدم إغفاله في عملية التحصين: فلسنا في وضع التطهير من البعث في العراق ولا في وضع التطهير من النازية في ألمانيا لأن التطهيرين أتيا بعد حربين طاحنتين ولا نريده عندما في تونس ومصر مؤديا إلى حرب أهلية.
ثم إن الدولة التي التي تلي الثورة لا يمكنها أن تستغني عن كفاءات الوطن بحجة أنهم خدموا الحزب وننسى أنهم خدموا الدولة كذلك بل كان من المفروض أن يدعى الجميع للمشاركة في تحقيق أهداف الثورة بتطمين الكوادر على مستقبلها: ولو لم يطبق الرسول الأكرم هذه السياسة بعد فتح مكة لما تحقق شيء من ثورة الإسلام ولما كان للإسلام اليوم ما له من سلطان زماني ومكاني في تاريخ المعمورة. لذلك فالحل يتمثل في الاعتماد على هذا المعيار المضاعف الذي تكلف لجنة من أفاضل القضاة بتحقيق المناط في تطبيقه لتكون الملفات التي تعرض على القضاء ليحسم المسألة بأسرع وقت ممكن حتى نبقي على مسار الثورة السلمي والتصالحي شرطا في توفير أداتي تحقيق أهدافها الأساسيين أعني التنمية والأمن:
أ. المعيار الأول هو معيار المشاركة في تدعيم الاستبداد:
وهذا التدعيم يقبل التحديد التالي فهو:
أ. إما فعلي ويكون قضائيا وبوليسيا والأول بالأحكام الجائرة والثاني بالتعذيب.
ب. أو رمزي ويكون إما بالتزييف الإعلامي لتزييف الحقائق أو بتبرير الطغيان.
2. المعيار الثاني هو معيار المشاركة في تدعيم الفساد:
وهذا التدعيم هو بدوره قابل لنفس التحديد: فهو:
أ. إما فعلي ويكون إداريا وقضائيا والأول عن طريق الصفقات العمومية تمكينا للمافيتين وأعوانهما من استغلال الدولة للإثراء غير الشرعي والثاني لحماية المعتدين على الأملاك العامة أو الخاصة وحماية تبديد ثروات البلاد أو تهريبها.
ب. أو رمزي ويكون إما بالتزييف الإعلامي للتغطية على المافيتين في نهب الثروات وأخذ سهم منها كما هو بين من وثائق الإدانة في جهاز الدعاية والعلاقات الخارجية الذي كان يبيض صفحة نظام الاستبداد والفساد فيغطي على جرائمه.
وفي كل هذه الحالات ليس من العسير أن نحصر دائرة من يمكن أن تتوجه إليهم التهمة بضمانة البراءة قبل حسم العدالة في تهمهم سواء كانت العدالة عادية أو انتقالية لحسم الأمر بسرعة تيسر العلاج. تلك هي الاستراتيجية التي اعتقد أنها تجعل التحصين لصالح أهداف الثورة حقا. أما من أسهم في الفساد والاستبداد ممن لا يمكن من كشفه بمثل هذه المعايير فالشعب سيحاكمه مباشرة لمعرفته به مباشرة وذلك خلال الانتخابات خاصة إذا وضعنا قانون انتخابات يكون التمثيل فيه مستندا إلى أسماء المرشحين وليس إلى القائمات الحزبية أو النسبية العمياء:
سلبا بتخليصنا من المشاركين في الاستبداد والفساد اللذين قامت الثورة ضدهما لأن بقاء هؤلاء من دون حساب فضلا عن منع استرادا الملكية العامة وإنصاف الناس يؤسس لمبدأ اللاعقاب وهو أمر مناف بالجوهر لمعنى دولة القانون.
وإيجابا بتمكيننا من المحافظة على شرطي تحقيق أدوات الوصول إلى الأهداف أعني التنمية والأمن شرطي كل سياسية تصالحية تغني عن التشنج والاستثناء المتبادل فيصبح الإجماع الذي سبق الثورة على رفض الاستبداد والفساد وطلب الحرية والكرامة أمرا في المتناول.
ويمكن لتحقيق العلاج السريع أن نحدد شرطين للحد الأدنى والحد الأقصى يضبطان ظروف التخفيف والتشديد في العقاب. فمن كان ضرر جرمه قابلا للتدارك بالصلح مع المصالح التي أضر بها فقد تحقق له شرط التخفيف بكل درجاته من أدناها إلى أعلاها. ومن كان ضرر جرمه غير قابل للتدارك بالصلح مع المصالح التي أضر بها فقد تحقق له شرط التشديد بكل درجاته من أقصاها إلى أدناها. والجرم الوحيد الذي لا يمكن أن يحصل فيه تخفيف بل هو حتما خاضع للتشديد دون سواه حتى لو كان قابلا للتدارك هو كل جرم من كانت وراءه يد أجنبية تدخلت فمست سيادة الوطن: فذلك من الخيانة العظمى ولا تسامع مع الخونة كالحال مع المتعاملين من إسرائيل أو مع كل من يحاول أن يغير مقومات هوية الأمة التي حصلها تاريخها المديد بالتآمر عليها مع أعدائها التي ينبغي تحديدها بإجماع القوى السياسية الممثلة لإرادة الأمة.
كذلك أفهم التحصين من حيث هو استراتيجية للتقليل من العداوة بين أبناء الشعب من أجل تحقيق أهداف الثورة بأقل التكاليف. لذلك فإني قد سعيت لتكون مواقفي متناسقة مع الهدف الأساسي الشارط لكل الأهداف الأخرى: وحدة الشعب الذي ثار بنهج الإصلاح لا بنهج الثورة الدامية ينبغي أن تكون هي شرط الشروط في مسعانا نحو تحقيق أهداف الثورة. لذلك فإن أكثر شيئا كنت أخشاه على الثورة هو تلك الرؤوس الملتهبة التي تعتمد على المزايدات والشحن الذي قد يحول الشعب إلى طوائف وجماعات متناحرة فتضيع فرصة استعادة اللحمة للشعب بعد ما عاشه من شبه حرب أهلية منذ فجر الاستقلال.
وفي الختام فإن جل المتابعين للشأن العام يعلمون أني قد غادرت الحياة السياسة المباشرة بصفتي مستشارا لرئيس الحكومة ونائبا في المجلس التأسيسي (التأكد الجازم بأن مقومات الحكم السوي منعدمة لحصر المسألة كلها في السلطة من أجل السلطة). لكني وعدت في نص استقالتي بألا أتخلى عن دوري غير المباشر بصفتي مواطنا ملتزما بالسعي قدر المستطاع بالإدلاء بدلوي في ما اعتبره مصلحة الوطن ومشروع استعادة دور العرب والمسلمين في تحديد آفاق البشرية مع غيرهم من الشعوب الحرة وغير التابعة. ولا يمكن لدوري هذا ألا يكون تحليلا لما يجري وتأويلا لدلالاته خدمة للثورة. فالإسهام في النقاش العام الحر والموضوعي وإطلاع الرأي العام على ذلك جزء لا يتجزأ من هذه الاستعادة ومن خدمة الوطن في آن. ونحن ندين بهذه الحرية للثورة إذ يه من ثمراتها الأساسية. وعند أن شرط الشروط في سعينا لتحقيق أهداف الثورة الأخرى هو المحافظة على طابعها السلمي لأن إمكانات تونس ومصر لا تسمح بالمغامرات التي قد تجعل الربيع العربي كله من جنس ما جرى في ليبيا وما يجري في سوريا: وحدة الشعب التونسي ووحدة الشعب المصري وعدم تحويل الخلافات السياسية إلى إلغاء الشرط الأول لتحقيق الحرية والكرامة أعني الوحدة الوطنية في كلا البلدين لتحفيز كل إمكانات الشعب التونسي والمصري وتوجيهها نحو هذين الهدفين بأسبابهما أي بتحقيق كل أجيال حقوق الإنسان والتحرر من التبعية بكل أبعادها.
ولا بد هنا من الإشارة إلى العمى الاستراتيجي عند الكثير من حكام العرب الذين يحاربون الربيع العربي في تونس ومصر ظنا منهم أنه يمثل خطرا على تيجانهم. إنهم لا يرون أن دخول تونس ومصر خاصة في عهد من عدم الاستقرار إما بسبب الصعوبات الاقتصادية أو بسبب الاضطراب الاجتماعي والمدني سيجعل كل المنطقة مجرد مجال حيوي تتقاسمه إسرائيل وإيران وتركيا بمعادلة تحددها الولايات المتحدة كما فعلت فرنسا وإنجلترا بعد سقوط الخلافة في الربع الأول من القرن الماضي: فهذا هو الشرط الذي يمكن الغرب من الاستحواذ على هذه المنطقة لمنع منافسيه من الشرق الأقصى من مقاسمته ما فيها من طاقة وممرات. وعندئذ فبدلا من نهوض عربي قوي تتعاون فيه كل الأقطار غنيها وفقيرها سنشهد سقوط عروش يعيش أصحابها اليوم تحت الحماية المباشرة للبحرية الأمريكية التي تبحث عن يخفف عنها العبء بتوكيل هذه القوى الأقليمية المستعدة للقيام بما كان يقوم به الشاه والنظام العسكري التركي والعامل الثابت الذي لم يتغير أعني إسرائيل فتستبدل الحكام الشكليين الحاليين الذين لا يزال فيهم بعض حنين لمنابع ذواتهم بمن هم أكثر منهم شكلية من الشباب الذين فقدوا كل بهذه المنابع بحيث إن صلتهم المغتربة بالمستعمر وتبعيتهم الروحية له أكثر تجذرا في نفوسهم من كل صلة بمصادر الذات.