منزلة الإسلام في تصنيف هيجل للأديان

تنبيه مدير الصفحة

أنشر هذه الفقرة من كلام تعليق أبي يعرب عن منزلة الإسلام في فلسفة الدين الهيجلية. وهي من كتاب سينشر قريبا تتمة لفلسفة الدين الهيجلية وبيان العلل التي تجعل هيجل ينزل الإسلام هذه المنزلة مثلما فعل الأستاذ في ضميمته للمثالية الألمانية حول الفلسفة النقدية العربية.
فالقرآن الكريم ليس كتاب دين فحسب بل هو أيضا كتاب فلسفة دين نقدية تفكك تحريفات الأديان لتعيد الديني منها إلى حقيقته: فطرة الإنسان الخلقية التي فطر الله الناس عليها ليكون مستعمرا في الأرض ومستخلفا فيها بقيم تحرره من الإخلاد إلى الأرض والمشي مكبا فيكون مشرئبا لما يحرر من مفهوم الدين كما يعرضه هيجل في فلسفته عرضا من الطبيعي لا يستطيع فيه تنزيل الإسلام بين الأصناف التي حاول دراستها.

النص

قسم هيجل مجموعات أشكال الدين المثلثة إلى ثلاث مجموعاته الثلاثة تحت عناوين ذات دلالة على تطور الروح صعودا نحو الوعي بذاته وبحريته (وقد ترجمت الكتاب بجزئيه مع الضميمة المتعلقة بأدلة وجود الله وصدرا في جزئين عن مؤسسة كلمة بأبي ظبي- جدلية الدين و التنوير و تكوينية الوعي الإنساني و الديني ):
1-فمن “الدين المباشر” على حرف البداية ممثلا بالسحر ننتقل
2-إلى المجموعة الأولى بعنوان “انفصام الوعي في ذاته” ممثلة بالدين الصيني (الاعتدال) والدين الهندي (الخيال) ودين اللامائية (الوجود الجواني).
3-ثم إلى المجموعة الثانية بعنوان الجواز نحو الذاتية ممثلة بالدين الفارسي (دين الخير أو النور) والدين السوري (دين الألم) والدين المصري (دين الرمز).
4-ثم إلى المجموعة الأخيرة بعنوان أديان الفردية الروحانية ممثلة بالدين العبري (دين الجلال أو الوحدة) والدين اليوناني (دين الجمال أو الضرورة) والدين الروماني (دين الغائية أو العقل).
5- لينتهي مسار الروح إلى حد الغاية ممثلا بالمسيحية أو الدين المطلق والمتجلي.
وهكذا إذن فإن البنية العامة لعرض أشكال الدين في التكوينية التي يقدمها هيجل تتمثل في ثلاث مجموعات دينية كل واحدة منها مؤلفة من ثلاثة أديان. لكن هذه المجموعات الثلاث المثلثة :
يحيط بها بداية تمثل الشعوب البدائية هي دين السحر منطلقا للدين الطبيعي ولا يعدها دينا بالمعنى التام للكلمة.
وتحيط بها غاية تمثل الشعوب المتحضرة هي الدين المطلق أو المتجلي أو المسيحية دون مزيد تحديد يعين نوع المسيحية المقصودة.
فهيجل لا يقبل بتسمية دين السحر دينا إلا تماشيا مع توسيع مفهوم الدين في الفكر الحديث لأنه يفضل أن يعتبره ما قبل الدين أو هو الدين المباشر الذي يخلو بعد من الوعي بالذات.
وتتضمن هذه البنية بعدا آخر يلازمها من البداية إلى الغاية هو حضور الإسلام في كل هذه المراحل. لكنه غائب بما هو واحد منها. الملفت خاصة هو حضوره حضور الند المضاد في غاية الكلام على الشكل الديني الأتم. وهذا الحضور الممثل للوجه السلبي من المسيحية التي يعتبرها الدين الخاتم يجعلنا نتساءل عن حقيقة هذا التقابل بين الإسلام والمسيحية ليس في فلسفة الدين وحدها بل وكذلك في فلسفة التاريخ (المرحلة الرابعة أو المرحلة الجرمانية من تاريخ البشرية).
وطبعا فلهذين الصلتين بالفلسفتين علاقة واضحة بالتاريخ الفعلي لأن كل التاريخ الوسيط إلى بدايات التاريخ الحديث كان صراعا بين الحضارتين العربية الإسلامية والجرمانية المسيحية (الجرمانية يعني الشعوب البدائية التي قضت على روما وورثت أرضها وتراثها).
وهذا التلازم المثلث في فلسفة الدين وفي فلسفة التاريخ ووقائع التاريخ ذاته يقتضي طرح السؤال التالي إذا واصلنا الكلام عليه من منطلق الوضع الراهن للعلاقة بين الحضارتين : هل جعل المسيحية غاية قابل للفصل عن إيصال البشرية إلى الوجه الثاني من العقلية السحرية إذ تتحقق بالفعل؟
ذلك اننا إذا واصلنا فكر هيجل في عرضه للتكوينيه فإننا لا يمكن أن نعتبر الدين المسيحي غاية لهذه التكوينية إلا إذا انقلب بمعيار السلطان الطبيعي وبمنطق هيجل نفسه إلى النفي المطلق للدين بتحقيق حلم السحرة أي السلطان المطلق على الطبيعة.
وبذلك يكون مآل هذه الغاية تأليها للإنسان متعينا في عصر التكنولوجيا الشاملة التي يكون فيها الإنسان ذا سلطان حقيقي على الطبائع وليس مجرد ساحر : وليس سرا أن صاحب عبارة موت الرب الحقيقي ليس نيتشة بل هو هيجل.
وهذا نفي تام للدين أو هو اللادين المباشر أو التقنية أعني ما يكاد يطابق أزمة الإنسانية الحالية إنسانية العولمة التي تجعل الجميع عبيدا ما يجعل التضاد مع الإسلام ذا معنى لأنه هو الوحيد الذي يمكن أن يمثل الحائل دون هذا المآل الحزين للبشرية :
« وهذا السلطان سلطان مباشر على الطبيعة عامة (سلطان السحرة). وهو لا يقبل المقارنة بالسلطان غير المباشر الذي نقوم به نحن الآن بالآلات الصناعية على الموضوعات الطبيعية في جزئيتها. فمثل هذا السلطان الذي يستعمله الإنسان المتحضر على الأشياء الطبيعية الجزئية, و يفترض أنه قد انسحب من العالم, وأنه حافظ عليه باعتباره أمرا خارجيا بالنسبة إليه, العالم الذي له قيام ذاتي وخصائص كيفية ذاتية له, وهو قد وضع له قوانين, بحيث تكون هذه الأشياء بما لها من خصائص كيفية متضايفة فيما بينها, وبما يقوم في ما بينها من علاقات ترابط متنوعة. وهذا السلطان الذي يترك العالم حرا في كيفيته, يستعمله الإنسان المثقف بفضل معرفته لكيفيات الأشياء, أعني معرفته بالأشياء كما هي في علاقتها بعضها بالبعض. ومن ثم فالإنسان يجعل نفسه ذا أهلية بما هو غير فتتبين نقاط ضعف الأشياء. ومن نقاط ضعف الأشياء هذه, يتعلم الإنسان معرفتها, ويؤثر فيها بفضل كونه قد تسلح حتى يهجم عليها من نقاط ضعفها فتخضع له راغمة »
( ج1. ص.278 من النص الألماني نشرة زوركمب تاشونبوخ فسنشفتSTW)


منزلة الإسلام في تصنيف هيجل للأديان – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي