ه
قرأت مؤخرا ملحة كتبها أحد أبواق الملالي في تونس. وما أكثرهم رغم أنهم بدأوا “يخنسون” منذ أن بدأت ثورة شباب العراق ولبنان. وهي ليست الملحة الأولى ولا صاحبها هو الأول.
فقبلها علق أحد المتشاعرين على أخلاقي بمناسبة موقفي من النهضة لما استقلت من المجلس ومن المستشارية بكلام شعرت وكأن صاحبه يعرفني لأني لا أعرفه ويسالني “مغيرفة دقيق” أو بيننا “حرثة أو ورثة” وما سبق لي أن التقيت به بشؤونه.
ولم أرد عليه لأني لم أفهم دوافعه. وحتى عندما أعلمني ابني بمن هو فهمت لاحقا أنه لم يفعل غيرة على النهضة. فما أظنه يجهل أنه مهما “قود” لن يعتبره أحد من نخبتها المتحررة من تأثير الملالي اكثر حرصا على مصلحتها أو أكثر قربا منها مهما بدا مني من نقد لعلمي بأنهم لا يشكون في صدقي معهم وعدم طمعي في شيء من أحد.
ما يعنيني الآن هو البوق الثاني لأن الأول قد لا يكون عميلا لإيران بل ما زال يعتقد بسبب الادبيات التي شربها شابا أن الثورة الإيرانية إسلامية لأن الأحداث التي تأكدت لاحقا لم تكن كافية للتشكيك في نوايا الملالي التي صارت علنية بخصوص استرداد امبراطورية فارس.
لكن الثاني لا يمكنه أن يعتذر له المرء بجهل ذلك لما صرح مؤخرا بموقف عجبت له لأني لم أتعرض له رغم أنه سبق أن قبل أو اقترح – لست أدري – مناظرة معي حول علاقة التشيع بالسنة كما أعلمني الأستاذ احميدة النيفر ثم تراجع كما أعلمني بعد ذلك. ولم أعر للأمر اهتماما إذ خطر لي أنه ربما لم ير فائدة في الأمر فتخلى عن المناظرة. لكني أعتقد الآن أنه تلقى أوامر فوقية نهته عن خوض مثل هذه المعركة لعلمهم أنه خاسرها حتما.
المهم أنه “لا طاح لا دزوه” اعتبر من واجبه أن يعلق على موقفي من انتخاب السيد قيس سعيد الذي استغربت حصوله بتلك الصفة المفاجئة. وقد افهم من لا يفهم معنى القوانين والسنن فلا يفهم التعجب من الخروج عنها. والمعلوم أني لم أتهم الاستاذ سعيد شخصيا بل قدمت حسن الظن بنواياه واعتبرته ربما ضحية لما يشير إليهم بعض من يحيط به ولعلمي بتاريخ الباطنية قديمها وحديثها وبسبب ما حصل في أمريكا من عمل المافية الروسية في تغيير كل التوقعات في انتخابات ترومب فضلا عن النسبة العجيبة في النتائج إذ لو نجح الرجل بنسبة معقولة كالحال في الديموقراطيات لما جلب الأمر انتباهي ولمر مرور الكرام.
وطبعا لا أعتقد أن المعلق فعل وهاجمني دفاعا عن الرئيس أو غيرة عليه بل تقربا من الملالي كما فعل أحد المغاربة الذي لاحظت وجوده منذ أكثر من عقدين يتمسح على باب ملحقية إيران الثقافية في دمشق برئاسة الصديق اذر شب (وهو من كبار المختصين في العربية) بمناسبة ندوة حول حوار الحضارات. وكان كما لا يزال أذل من كلب صار يهاجمني بعد أن حاول التقرب بالمدح في مقالات بمناسبة هذه الندوة ثم واصل الهجوم بعد أن تبين موقفي من الملالي وخاصة من حزب الله في لبنان. لكن ما حيرني حقا هو هجومه بمناسبة موقفي من نتائج الانتخابات. وطبعا ليس أمر تونس هو الذي يعنيه بل الدفاع عن الملالي وخدمة مشروعهم ما أكد شكي في العملية كلها لعلمي أنه من مليشيا القلم العملية لإيران.
وطبعا أنا أعلم أنه لا يعنيه قيس سعيد وقد لا يكون يعرفه أصلا لكن ذلك قد يمده بفرصة للتقرب من الملالي والطعن في من صاروا يعتبرونه عدوهم اللدود كما بين أحد “خبرائهم” لما لقاني في ندوة باسطنبول في السنة الماضية وهو إيراني وليس “قواد” عربي للملالي.
أعود إلى صاحبنا التونسي الذي يفاخر بعبقرية الملالي ونجاحهم الباهر ولا يدري أنهم لا يمكن أن يكونوا مسلمين لأنهم يحتقرون كل المسلمين وخاصة العرب منهم وكل البشر بخرافة الأسرة المختارة تماما كما يفعل الصهاينة بخرافة شعب الله المختار .
ومعنى ذلك أن النخب التي تطبل لهم هم يحتقرونهم أكثر من باقي البشر لأنهم خدم لا يساوون الابتسامة الصفراء التي يطلقونها في وجوههم.
وهذا المرض ليس دليل قوة أو سمو بل هو عقدة نقص توارثوها فجعلتهم منذ نزول القرآن وسقوط امبراطورية فارس يتآمرون على الإسلام عامة وعلى العرب خاصة وما حصلوا شيئا رغم حلفهم قديما مع مغول الشرق وحديثا مع مغول الغرب.
ورغم أنهم في ما بين العصرين تحالفوا مع الصليبيين ومع الاسترداديين فإنهم لا يزالون اكثر شعوب الشرق تبيعة للثقافة الاسلامية ولبها العربي في بعث ثقافتهم التي تدين له بأكثر من نصف لغتهم وحتى من نظام شعرهم وفكرهم وثقافتهم التي لم تصبح ذات منزلة كونية إلا بفضل الإسلام لأنهم قبله كانوا يعتبرون بربرا وأهماجا في نظر الثقافة اليونانية ولست أرى في تراث البشرية ما يمكنهم أن يفاخروا به عدا بعض معالم الحضارة المادية لأني لم أسمع بمن يماثل ابن سينا أو الغزالي عندهم قبل الإسلام.
ولذلك فحتى من يريدون استردادهم من المبدعين فيها فقد كتبوا بلسان القرآن ولم يكن لهم من يناظرهم قبله. وحتى أكبر كذبة يعيشون عليها ويستعملونها للانتقام من العرب جعلتهم خدما آل بيت محمد الذي هو عربي قح وليس فارسيا فضلا عن كونهم أذل توابع الغرب الذي يستعملهم في خدمة مشروعاته لمنع الإسلام من استئناف دوره.
وطبعا فليس هذان المثالان هما الوحيدان من بين النخب العربية المستمرئة لاستعباد إيران لهم أو من النخب العربية المستمرئة لاستعباد إسرائيل بوصفهما ذيلين لمن كان يستمرئ الجيل السابق من العملاء استعبادهم لهم عنيت روسيا وأمريكا.
فقد كانت المعركة السابقة تقودها نخب تدعي الحداثة والأصالة ثم جاء من بعدهم هؤلاء التوابع لإيران وإسرائيل ذيليهما لما فقد هذان الشعاران أو تضاءل دورهما بعد أن تمكن جيل جديد من الإسلامين من أساسيات الثقافة الحديثة دون التخلي عن أساسيات ثقافة الأمة الأصيلة وخاصة بعد أن اختارتهم الشعوب خلال الثورة لقيادة المسيرة.
ولا شك أنه قد بقي بعض الحركيين – في المغرب الكبير – ممن ليس لهم قاعدة شعبية ولا يدينون بوجودهم إلا للسند الاستعماري. لكن غالب النخبة العربية عامة والمغربية خاصة بدأت تتحرر من التبعية وخاصة الأجيال الشابة من الجنسين بعد أن فهموا ان الأمم لا تتحرر في ظل التبعية وأنه عليها أن تبدع بنفسها شروط قيامها.
والاغتراب الجديد في التبعية للذيلين الإيراني والإسرائيلي محوره القدامة وليس الحداثة وهو اغتراب يسيطر على لحظتنا الراهنة.
فالتبعية لم تعد لمستعمر الأمس وحده بل أصبحت لذراعيه كذلك في الإقليم ولعملائهما من الحكام ونخبهم العربية بسبب انقسام الأنظمة إلى نوعين من طالبي الحماية
- أولهما توابع الحماية الإيرانية
- والثاني توابع الحماية الاسرائيلية
في لعبة إيرانية إسرائيلية كلتاهما تخوف محمييها من الثاني ليحتمي بها.
وما يميز هذين الذيلين الاستعماريين في الإقليم هو أنهما يريدان العودة به إلى ما قبل التاريخ الإسلامي بهدف استرداد امبراطورية فارس وامبراطورية داود.
الملحة الأخيرة التي أتكلم عليها تتمثل في تعليق أحد عملاء الملالي بمناسبة موقفي من الانتخابات مفاخرا بما تعبر عنه الحكمة الشعبية بالنعجة التي تفاخر بإلية الكبش ومرددا ما قدمه أخو الأستاذ سعيد في ندوة مدارها سياسة إيران الناجحة وفشل العرب السياسي وهو ما يمكن أن يعتبر وصفا لظاهر مما يسمونه الواقع.
ذلك أنهم لو كانوا يدركون ما يجري فعلا لصبروا قليلا ليروا ما توقعته: الثورة في العراق وفي لبنان فضلا عن صمود سوريا واحتياج إيران ومليشياتها لطلب النجدة من بوتين والحبل على الجرار كما سيرون.
ففي تعليق عما نبهت إليه من اختراق الملالي للنخبة التونسية ودورها المفترض في انتخابات تونس وصف هذا الأحمق الذي يظن ظاهر الأمور هو حقيقتها وصف مسعاي لاستنهاض القيادات العربية نحو طريق ثالثة تحررهم من التبعية إلى هذين الذيلين الاستعماريين إيران وإسرائيل بأنه انحياز إلى السعودية.
ومرة اخرى أثبت حمقه واكتفاءه بالوي دير أي بالمعرفة السمعية مما يتبادلونه من الأكاذيب والتهم التي يصدقونها فتصبح عندهم حقائق لا تنطلي إلا عليهم بعد أن يكونوا قد نسوا أنها من أكاذيبهم.
ذلك أنه لو كان مطلعا فعلا لأدرك أن موقفي من توابع اسرائيل وأمريكا لا يقل وضوحا من موقفي من توابع إيران وروسيا.
فلا فرق عندي بين الاحتماء بإسرائيل وأمريكا والاحتماء بإيران وروسيا. لا فرق بين السعودية ومصر وبين سوريا والعراق. كلهم في الهوى سواء.
وتعليقه تمثل في مدح الإيرانيين بكونهم أبطالا ولهم استراتيجية وفحولة فقدهما العرب وكان يمكن أن أقبل ذلك لو كان القصد منه تحفيزا لهؤلاء من أجل التدارك بل هو تحقير لهم وأعجاب بمحتلي الوطن العربي بل ومشاركة فعلية مثل كل مليشيات القلم في تحقيق موطئ قدم لهم في تونس.
والمعلوم أني لم أنتظره لوصف القيادات والنخب العربية المحتمية بإسرائيل بأكثر من ذلك ولكن من أجل التحفيز نحو إرادة التحرر واتباع طريق ثالثة تحرر العرب بمشروع يخصهم من التبعيتين.
لكنه هو وأمثاله صدقوا أكاذيبهم لتبرير تبعيتهم للملالي الفعلية بتبعيتي الوهمية للسعودية. لذلك فسرعان ما يلجأ هو وأمثاله تصويري بالعميل المأجور للنظام السعودي. والجميع يعلم أني لو دخلت السعودية وخاصة بعد أن اتضح الموقف السعودي من الثورة أي بعد انقلاب السيسي لحصل لي ربما أكثر من خاشقجي. وكان ذلك بالقوة حاصلا حتى قبل الأحداث الراهنة على الأقل بسبب ما كتبت عن علاقة الوهابية الحمقاء بفكر ابن تيمية الفلسفي مثلما حدث مع الحمقى من علمانيي تونس بسبب ما كتبت عن علاقة الرشديين بفكر الغزالي.
فكان هذا المفاخر بقوة إيران وروسيا وبانحيازه إليهما لا يختلف عمن يحتمي بإسرائيل وأمريكا والمفاخر بهما. لذلك فموقف هذين الرهطين أشبه بموقف العاهرة التي تبحث عن قواد في إيران وروسيا أو في إسرائيل وأمريكا المحتلين للكثير من اقطار الوطن لتحتمي به مثل القيادات والنخب العربية التي اختارت للتذيل والتبعية إيران وروسيا أو اختارت إسرائيل وأمريكا لنفس الغرض.
أما ما أحاوله فهو السعي إلى تحرير نخب الأمة الحاكمة والمطبلة لها من منزلة العاهرات الباحثة عن قوادين سواء كانوا من إيران ولإسرائيل أو من روسيا وأمريكا وأن يصبحوا رجالا لأن شعوبنا لن تقبل بقيادات ونخب لهم أخلاق العاهرات أو العبيد من أمثاله وأمثال المغربي الذين وصف ابن خلدون رهطهم بالعالة التي تدين لغيرها برعايتها وحمايتها لأن معاني الإنسانية فسدت فيها فلم يبق الإنسان في رؤيتها كما يعرفه ابن خلدون “رئيسا بطبعه بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له” بل رد أسفل سافلين لأنه فاقد لمعاني الإنسانية أي للحرية والكرامة وقيم الاستخلاف فصار مخلدا إلى الأرض كالكلب لا يتوقف عن اللهيث سواء حملت عليه أو لم تحمل.