ملاحظات حول استراتيجية العاصفة – الجزء الثاني

1-تكلمت البارحة عن معادلات الحرب الخمس: 1-الانثروبولوجية 2- والجغرافية 3-والطبيعية 4-والسياسية الداخلية 5-والسياسية الدولية وعن سياستها قيادة ورياضياتها استراتيجية.
2-ولست بغافل عن سخرية تولستوي من التنظير للحرب -سخرية من المنظرين الألمان في كلامه على حروب نابليون (الحرب والسلم) ولعله يقصد كلاوسفيتز-لإيمانه بالقضاء والقدر وعبقرية القيادة.
3-ولأميز إيماني بهما عنه: أومن بخلافه أن القضاء والقدر لا يلغي دور الإنسان والحرية -فهذا مدلوله القرآني جمعا بين إرادة الله وحرية الإنسان وحدده بالذات في الكلام على الحرب.
4-وأومن بخلافه أن عبقرية القيادة لا تلغي الحاجة إلى النظرية. صحيح أن النظرية لا تمكن من الشرط الكافي لكنها توفر الشرط الضروري للقيادة.
5-وهذا ليس في الحرب وحدها بل في كل إبداع: فلا يمكن للمرء أن يكون رساما أو موسيقيا مبدعا من دون علم رياضي. لكن العلم الرياضي لا يكفي.
6-فعلى فرض أن قيادة الحرب العربية الحالية ذات عبقرية وهو ما لا دليل عليه فإن الكلام في النظرية واجب لتوفير الشرط الضروري والشرط الكافي يتطلب الـموهبة.
7-لذلك فلأواصل ولا يعنيني إن كان ذلك مفيدا أو غير مفيد فالعلم لا يبدأ إلا عندما يتحررالإنسان من طلب الفائدة المباشرة للنظر العلمي الخالص.
8-قلنا خمس معادلات:انثروبولوجية للشعبين المتحاربين وجغرافية لأرض المعركة وفيزيائية للقوى المتقابلة.تستعملها إرادة سياسية بمنطق رياضي.
9-طلبنا هو ما نستمده من هذه المعادلات. ولنبدأ بأولاها. هل للجاهل بالخصائص الانثروبولوجية لشعبه وللشعب الذي يقاتله قدرة جدية لقيادة ناجحة؟
10-ما القصد بالخصائص الانثروبولوجية المفيدة في الحرب؟ أولها طبيعة اللحمة الجماعية وثانيها ما له علاقة بمقدار تماسكها وقابليتها للتفكيك وهو من أهم أدوات الحروب.
11-والثالث تاريخ الجماعة الحربي والرابع المعتقدات الخاصة بالحياة والموت والأخير دلالة الحرب الجارية بالنسبة إلى الجماعتين المتحاربتين.
12-سيقال إنك تبحث عن المصاعب. صحيح لكني لست أنا الذي يبحث عنها بل طبيعة الفعل الذي تقتضيه الاستعدادات الأولية للحرب إذا كانت جدية.
13-لماذا أقول استعدادات أولية؟ سأجيب بعد أن أنهي الكلام في شروط الاستعدادات الأولية بالنسبة إلى المعادلات الأربع الباقية بنفس الطلب.
14-المعادلة الجغرافية تتعلق بالجغرافيا الطبيعية وبالجغرافيا الإنسانية وبالقاعدة الأساسية لحركة القوة وبالقاعدة الأساسية لحركة المعلومة: لغاية التحكم في الزمان شرط تخطيط العمليات خاصة في الحرب الحديثة بسبب السرعة.
15-المعادلة الثالثة أي فيزياء القوتين بخلاف السابقتين يصعب حصرها لأنها من أسرار الدفاعين لو كان البلدان منتجان لها.قضية استعلامات دقيقة.
16-لكن الحصر الأساسي ممكن حتى لو كانا منتجين لأدوات الحرب وخططها. وهو أيسر بالنسبة إلى حالتنا لأن الصفين مستوردان للأدوات وناقلان للخطط.
17-وبصورة مبدئية فيمكن القول إن القوة العسكرية اليمنية لا تقبل المقارنة مع القوة السعودية نظرا لإمكانيات البلدين المادية. لكن الأمر أكثر تعقيدا.
18-لماذا؟ لأن الفهم الاستراتيجي يقتضي التوليف بين المعادلات: وهنا يتدخل العامل الانثروبولوجي. فهل روح القتال هي بنفس النسبة أم هي معكوسة؟
19-بصورة أوضح هل المقاتل الحوثي الذي أشرب العداوة الطائفية وحرض عليها عقديا مثل المقابل السعودي الذي يساعد جارا حتى مع تدخل العلاقة بالحدود؟
20-القائد الذي يستعد للحرب لا بد أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار فيفعل كالرياضيين ما يسمى بالإعداد النفسي للاعبين وخاصة في ما له علاقة بالموت.
21-نصل إلى المعادلة الرابعة: الوضع السياسي في البلدين. صحيح أن السعودية مستقرة واليمن في حرب أهلية. لكن الفوضى أكثر عدوى وأصلب بقاء من النظام.
22-لذلك فالقائد الحكيم ينبغي أن يهتم بما يمتن النظام حتى يصبح مغريا أكثر من الفوضي في بلاد هشة ليست بعد مستقرة خاصة ولها جار مخرب بالطبع (إيران وإسرائيل).
23-ونصل إلى المعادلة الأخيرة وهي الأصعب: لأنها معادلة رياضية. كيف نخوض الحرب بأقل كلفة ممكنة مع أخذ العلاقة بالظرف السياسي الداخلي والخارجي.
24-وهذا العمل ينبغي أن يكون تطبيقا للآية 60 من الأنفال أي قبل الحرب لأنه هو الذي يمكن أن يمنع وقوعها إذا كان كما ينبغي: استعدادا رادعا.
25-والاستعداد الرادع هو الذي يمكن السلم من الاستمرار وأساسه تجهيل العدو بقوتك الحقيقية إلا تورية والعلم بقوته الحقيقة من وراء توريته.
26-لكن بما أن الحرب وقعت فمعنى ذلك أن الاستعداد لم يكن كافيا ليردع. وإذن فما العمل وقد انتقلنا من الردع القبلي إلى الردع البعدي أي الحرب حال وقوعها.
27-ما سأقوله الآن بخلاف ما جعل تولستوي يسخر من منظري الحرب قد يجعل الضباط يسخرون منهم كذلك رغم أنه حقيقة علاقات البشر الـمطلقة فيما بينهم.
28-البشر في حرب دائمة لكنها تكون بالقوة في السلم التي هي حرب باردة وتصبح بالفعل في الحرب التي هي سياسة حامية.لذلك الآية 60 من الأنفال.
29-وهذه الحال هي التي سميناها حال الردع القبلي وحال الردع البعدي. وكلاهما لا يتحقق بالقوة العنيفة وحدها بل بالقوة اللطيفة معها وشرطا لها.
30-والقوة اللطيفة صنفان: معلوماتك عن العدو ومعلومات العدو عنك ثم تكوينك لدفاعك عدة وعديدا وتكوينه لهما وهذان يفعلان بحقيقتهما (خداع القوة العنيفة) وبخداعهما (خداع القوة اللطيفة).
31-الأعسر هو الخداع: فكيف نعرفه. الخداع يتعلق بالمعلومات في الردعين القبلي والبعدي. خداعك للعدو هو جعله يعتقد ما تريد أن يعتقد أنك تعتقد.
22-في خداع الردع القبلي يمكن للخداع أن يكون أكثر تأثير من الحقيقة. في خداع الردع البعدي مخاطرة يعصب الإقدام عليها إلا بشرطه وهو الحيلة.
33-فالرسول لما قال إن الحرب حيلة يعني هذا المعنى: أي أنك في تحركك خلال القتال لا بد من حركات متناقضة الدلالة حتى لا يدري العدو قصدك.
34-لكن الأهم أن لا يتعلق الأمر بالحركات الفعلية فحسب بل أيضا بالمعلومات المدسوسة التي تضفي على مقاصدك شيئا من الضباب الذي يربك العدو.
35-وأختم: لما سمعت الحوار ليلية أمس الأمس في الجزيرة تساءلت: هل المعلومات التي يقدمها الضابط للمغالطة؟ إذا كانت صحيحة فهذا خطأ استراتيجي. لا يوجد عاقل يمد العدو بمعلومات صحيحة في السلم فضلا عن الحرب.
36-أما كيف يمكن أن نحصي رياضيا كل الحيل الممكنة فهذا ليس بالمستحيل. لن أفعل لئلا يصح على ما قال مارلو بونتي عن الامير. الحيل هي سر النصر.
37-ثم إن الحيلة في ترك الحيلة: لو عملنا بالردع القبلي لاستغنينا عن الردع البعدي إلا نادرا.لكننا لا نتعلم من القرآن. النوم ألذ من اليقظة.
38-لكن أعداء الأمة لا ينامون: الغرب وذراعاه ومليشياتهما في يقظة دائمة لأنهم يعلمون بدقة ما يريدون ويعلمون خاصة أن هم العرب تخريب بعضهم البعض.
39-ولولا إيماني بأننا في هذه الوضعية لما كتبت في ما أصبح نهبة لمن يذر الغبار على مابقي من وعي عربي ليلهيه عن الغزو النسقي للارض والروح.
40-صحيح أن الحرب في آخر تجلياتها هي حرفة الجنود والضباط. لكن السياسة الحربية والاستراتيجيا ليست حرفتهم. هي حرفة المعرفة بمحركاتها: فالحرب لا تصل إلى الجيوش إلا في الأخير.
41-الحرب بين الشعوب تجهزها الجامعات بما تخترعه من أدوات الدفاع ومناهجه ويربى على أخلاقها كل المواطنين ومعلموهم رجالا ونساء على فنون الدفاع ويسوسها ممثل الإرادة الشرعي.
42-لم تعد الحرب مبارزة بين فرسان. والإسلام هو الذي جعلها فرض عين بوصلها بالجهاد لأن كونها فرض كفاية يجعل الجيوش تستبد بالقوة والسلطة.
43-وهذا هو السر في تخلفنا: وقد اعتبر ابن خلدون جعل الحماية بيد حامية لا بيد الشعب هو البداية الحقيقية للعبودية وفقدان معاني الإنسانية.


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي