مكر الله الخير، غيّر أوراق اللعبة كلها في الإقليم

****

مكرالله الخير غيّر أوراق اللعبة كلها في الإقليم

لم أر في خطاب صاحب المنشار أمس إلا شيئين لعل الكثير أهمل أحدهما وركز على الثاني.
فالـذي ركز عليه المعلقون هو ما أضافه لـما أهمله أردوغان في العلاقة بين تركيا والسعودية أي ولاية العهد أعني ذاته مع أسلوب التودد لأردوغان وحتى لقطر والكلام على مستقبل الإقليم الذي دمره هو بغبائه وحماته بخبثهم.
لكن الأهم من ذلك عندي هو شيء لا يكاد يلحظ في تعبيره الجسدي: حركة لا تلحظ إلا عند المدمنين على “النفة”. فقد رأيت حركة انفسه التي تعبر عن “شمة” المدمنين على المخدرات التي تمر عن طريق الشم. لذلك آمل أن يراجع المعلقون التسجيل وينتبهوا إليها فهي تكررت عدة مرات وهي ناطقة.
أما حركات جسمه وطبقات كلامه فهي لا يمكن أن تكون دليل ثقة في النفس بل هي من علامات الاهتزاز وما أظنه باق في ولاية العهد إلا إذا كان قد أعد العدة للبقاء بمواصلة استعمال العنف ليس ضد الشعب فحسب بل وكذلك ضد الاسرة المالكة. لكن السند الذي كان يأتيه من امريكا مستبعد مهما حاولت اسرائيل ولوبياتها.
ما يحيرني هو علة قبول اردوغان الرد عليه.
كان يمكن ألا يفعل دون أن يكون لذلك أثر دبلوماسي لأنه ما كان ليعلن أن اردوغان رفض الرد عليه. فهل أراد أن يسمع لما يعد به من تنازلات قد يكون من المفيد سماعها وتسجيلها لاستعمالها عند الحاجة؟
فتسجيل المكالمات ليس بدعا بل معمول به لدى الجميع.
المهم في الأمر هو أن الجميع بدأ يدرك أن أيام الثورة المضادة في نهايتها وأن هذا الأحمق حتى لو بقي فهو سيكون محدود القدرة التخريبية لعلتين:
• العلة الأولى لأنه لن يستطيع اسكات الشعب والنخب فالألسن انطلقت وتجاوزت الرفض بالقلب وقد يصل الأمر إلى الرفض بـاليد للرد على ما كان يستعمله من عنف المرتزقة.
• والعلة الثانية وهي الأهم بالنسبة إلى الثورة المضادة التي أصبحت أيامها معدودة هي أنه إذا بقي سيضطر إلى سلوكين يلغيان ما عرف عنه من عنجهية: لم يعد بوسعه أن يلمع ذاته لأن الصحافة العالمية باتت له بالمرصاد ولن يستطيع تحقيق التوازن بين الحماة كأن يلعب لعبة الحبل بين القوتين.
فلن تنجده روسيا ولو حاولت لسرعت في ميل أمريكا لإزاحته بمساعدة ثورة الأسرة عليه.
لذلك فهو سيزداد خضوعا وخنوعا دون أن يستطيع تحقيق ما كان يراد منه تحقيقه أعني صفقة القرن وضرب الثورة.
الثورة خرجت سالمة بفضل صمود الشعوب وبفضل المساعدة التركية بتوفيق وتقدير إلهي دون شك.
ذلك أن حادثة اغتيال الشهيد خاشقجي لا يمكن أن تكون إلى رد كيد بمكر إلهي خيّر بيّن:
كانوا يريدون توريط تركيا في خطف صحفي بحملة يصبح فيها الأمير وكأنه يدافع عن مواطن عزيز لديه فيجعل تركيا في الوضع الذي هو فيه الآن فإذا بالأمر ينقلب عليه لأنه توهم أن الأتراك نيام مثل اجهزته البدائية.
وشاءت الاقدار أن يحقق خاشقجي بشهادته ما يمكن الأمة من فرصة تاريخية لأن شهادته تمثل منعرجا تاريخيا سيغير كل معطيات اللعبة في الإقليم والخاسر الأكبر فيها هو الثورة المضادة واسرائيل وإيران وكل حكام الأنظمة العربية العميلة الذين لا يقلون طغيانا وفسادا من هذا الأمير الأحمق.
وفي النهاية فإن السعودية التي يعد نظامها مركز الثورة المضادة والمؤامرات التي تحاك لأهل الإقليم وشعوبه أصبحت اليوم لديها حل وحيد: فزعة الصالح من نخبها لإنقاذ وطنه من تحوله إلى مجرد أداة وبقرة حلوب لتخرج مما يحاك لها جارها الذي لا يقل حمقا عن الأمير لسذاجته البدوية وتوهمه الأخرق انه الاسكندر المقدوني.
وما ذلك إلا لأنه يجهل أن الاسكندر تلميذ أرسطو وظن أن من لم يتجاوز المرحلة الابتدائية يمكن أن يؤسس لإمبراطورية لمجرد أنه يسكن فوق بئر بترول واعتقد أنه غني في حين أن العرب مجتمعين دخلهم القومي دون كاليفورنيا.
فمن يعتقد أن الخليج غني يقارنه ببقية العرب لكنه يجهل أن دخولهم كلها دون إيطاليا.
فكلام أي عربي على دولته التي هي محمية بكونها دولة “عظمى” لا يختلف عن كلام القذافي عن ليبيا العظمى. ولعلهم يقصدون “العضمة” التي لا أوهى منها لأنها البيضة بالتونسي.
ولنعد إلى الحل.
إنه حل وحيد لأن ترك الأمر لإسرائيل وأمريكا وأداتهما الإماراتية والنخب العميلة في السعودية سيؤدي إلى تفتيت آخر بلد عربي كبير كان يمكن إذا صلحت قياداته أن يكون قاطرة الإقليم كله لما لديه من شروط القيادة المادية والروحية. فعشر ما أنفقه الأمير الأحمق كان يمكن أن يحرر العرب كلهم لو كان يؤمن كما يدعي بالتحديث المستقل.
ولا شيء في ثورة الحرية والكرامة كان يمكن حينها أن يعتبر تهديدا للسعودية والخليج لأن الإصلاحات المطلوبة ليست ثورية بالمعنى الذي تقاس به الثورات الدموية.
ففي سوريا كان يمكن ألا تهدم لو كان الغبي الذي يقودها سيد نفسه وليس ألعوبة إيرانية مثله مثل قادة الثورة المضادة في الخليج.
فما حققته إيران في العراق وسوريا بسبب حمق قياداتها حققته اسرائيل في الخليج ومصر بسبب نفس الحمق.
وكان يمكن لهؤلاء القادة لو كان لهم ذرة من عقل أن يدركوا أن ثورة الحرية والكرامة لم تكن تهديدا لأحد ولم تكن مؤامرة ضدهم إذ الغرب غني التآمر عنهم لأنهم عملاءه الاكثر ولاء في تاريخ الاستعمار.
جاءتهم الفرصة للتعامل مع حدث لا يمكن إيقافه مهما فعلوا لأن الشعوب التي تعلمت أصبحت ناضجة لفهم شروط الحرية والكرامة وهي مستعدة للتضحية من أجلها مهما كانت الكلفة والدليل أن الشعب السوري ركع النظام وإيران ومليشياتها وبوتين وسكون العالم ولا يزال يقاوم بنفس الروح والبطولة.
كما أن الثورة في اليمن رغم كل ما فعل الحوثي وصالح والإمارات والسعودية وكل المرتزقة الذين أتوا بهم لتفتيت اليمن ما يزال شعبه صامدا.
ويكذب من يزعم أن الحلف العربي المزعوم يدافع عن الشرعية اليمنية إذ هي غنية عن جيوشهم وطائراتهم لو مكنوا المقاومة الشعبية من أبسط وسائل الصمود.
فهم يحاصرون المقاومة التي يتهمونها بأنها اخوانية وكلما تقدم الجيش الوطني يهاجمونه بطائراتهم مدعين الخطأ في التهديف وكلنا يعلم أن ذلك ليس خطأ بل هو مقصود لأن التدخل في اليمن لم يكن ضد الحوثي الذي مولوه ومعه صالح بل ضد وحدة اليمن تماما كما فعلوا مع العراق سابقا.
فاليمن وحده أكبر بشريا من الخليج كله وهو رغم فقره لو نجحت فيه الثورة يعد أخطر عليهم من النظام الشيوعي الذي نشأ فيه في القرن الماضي وكان من علل السلوك السعودي كله وتوظيف النظام للإسلام خدمة للحرب العالمية بين النظامين الرأسمالي والشيوعي كما اعترف بذلك أمير المنشار الأحمق.
والآن حان أوان تحرير السعودية من استعمال ثروتها ورمزية الحرمين فيها أداة لتحقيق مشروع إسرائيل بالقصد الاول وإيران بالقصد الثاني.
فمشروع إسرائيل صار معلوما دور امير المنشار فيه وهو علني.
اما دوره في مشروع إيران فهو بالسلب لأنه يعلل خيانته بمقاومتها فيجعلها وكأنها ممثلة للتحرر ومقاومة إسرائيل وأمريكا.
من ذلك أن محاصرته لقطر فرضت عليها مصادقة إيران تماما كما فرضت على تركيا أن تعمل معها بسبب تخلي العرب عن دورهم في الهلال وتمكين إيران من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان وحتى الاردن وفلسطين بالسلب باعتبار أنهم ليس لهم مفر من قبول الواقع من حولهم.
كل ذلك بسبب العمق والغباء الاستراتيجي: والحمد لله أن مكر الله الخير قلب كل هذه المعطيات بأن جعل دم خاشقجي الذي هو دم عربي تركي ولسانه الذي هو لسان العقل والاستراتيجيا يفرض معادلة جديدة أفقدت ذراعي الغدر-إيران وإسرائيل-وعملائهما “جوكارهم” الأهم وعلى النخبة السعودية أن تتحرك.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي