مفهوم الشريعة أو حقيقة الأزمة السياسية

1-قد وصلنا لآخر المفهومات الخمسة إلى الإشكالية التي تعتبرها المليشيات الخمسة ومستخدمهم وربهم العدو الألد ورمز التخلف التام الشريعة بعد الأمة والهوية والتراث والخلافة
2-وطبعا فهذا الاعتبار المتجني للمليشيات الخمس ليس مطابقا لحقيقة هذا المفهوم رغم أن ظاهر المطالبة به في الوعي الشعبي العام قد يعطي بعض المصداقية لهذا الموقف منه
3-فطبعا من يرى المسألة من منظور بوكوا حرام وشبيهاتها قد يجد وجاهة لموقف العلماني والليبرالي والباطني والصليبي والقومي الفاشي من الشريعة لكن التحليل يبين ألا فرق بينهم وبين بوكوا حرام فخلقيا على الأقل سذاجتها أفضل من خبثهم
4-وقد أفهم رد فعلهم لو غادروا جميعا متابعة صفحتي وموقعي خاصة من كان منهم عديم الصبر على القراءة فلا يذهب إلى غاية أي تحليل فيكتفي بالسطح يكفي تصنيف الصفحة بمنطق هذه المليشيات الخمس
5-وقد يزداد حنقهم وغضبهم عندما أخبرهم بأن هذا الموقف ليس إلا رمز المعركة بين الانحطاطين :الانحطاط الذاتي والانحطاط الموروث عن الاستعمار وما ولداه من كاريكاتور من الأصالة والحداثة الزائفتين
6-فصورة الشريعة لدى بوكو حرام وصورتها عند الرادين عليها -الحداثيون وأدعياء الوسطية زيفا وبهتانا- تمثلان الانحطاطين وما نتج عنهما من صراع الكاريكاتورين صراع حضارات داخلي بينهم بدعم من صراع حضارات خارجي
7-نشرع الآن في الكلام على الشريعة ليس كما يراها بوكو حرام ولا كما يرد عليه زائف الحداثيين ولا حتى كما يطبقها من يدعي كذبا تحكيم شرع الله: بل كما يتبين النقد لاجتماع هذه المواقف الثلاثة اجتماعها الذي يخفي حقيقة الإشكالية وراءها
8-ثلاثة مواقف تفسد مفهوم الشريعة أولها بسبب الانحطاط الذاتي والثاني بسبب الانحطاط المستورد والثالث بسبب الخداع السياسي الذي يستغفل الشعب. لكن الشعوب لم تعد غافلة بل ثارت وستغير المعادلة حتما.
9-فلنبدأ بهذه المواقف الثلاثة لتفكيك سرها: موقف بوكو حرام وموقف الحداثي الزائف وموقف الحكم الإسلامي الزائف وثلاثتها تشوه الشريعة عدوانا بينا رغم الحرب النفسية والادعاء بأنهم يحاربون الإرهاب والوحشية
10-ونحن نقدم الوجه السلبي في العلاج مع العلم بأن الأولوية هي للمطلوب لذاته بالقصد الأول:أعني تحديد مفهوم الشريعة وليس الثورة لغيابها.وهذا النهج يتأسى بنقد القرآن للتحريف قبل مرحلة البناء كما بينا في كلامنا على الأمة
11-والغريب أن ما وراء هذه المواقف الثلاثة يجعلها دالة على عكسها تماما: فهي جميعا باطنها غير ظاهرها. ومعنى ذلك أن الحداثي والذي يدعي تطبيق شرع الله يخادعان الشعوب.
12-“سوء النية “موفازفوا فلا يمكن أن نصدق أن الحداثي الذي درس القانون مثلا والحاكم الذي يفهم الأحكام لا يعلم ما تعنيه الشريعة بحق
13-ومعنى ذلك أنهما يعلمان الدوافع بعضها واع وبعضها لا واع-التي تجعل ظاهرات من جنس بوكو حرام تكون على ما هي عليه وتطلب ما تطلب بسذاجة مع عنف الغضب العاجز عن توخي سبل التغيير الفاعل.
14-ظاهرة بوكو حرام وأخواتها –إن نزعنا عنها الاختراق المخابراتي الذي يوظفها للحرب على الإسلام بتشويه صورته– ليست إلا تعبيرا عن آلام المظلومين والمسحوقين وتوجها لأحكم الحاكمين طلبا للعدل والحرية مع وعي غائم بشروطه أي طلب الوحدة الإسلامية شرطا في الحماية والرعاية الذاتية للأمة.
15-لكن المجرمين لا يعترفون بالعلة العميقة لمثل هذه الظاهرات التي هي بوعي أو بغير وعي ثورة على الحالة الروحية والخلقية الفاسدة للجماعات البشرية: فلو كان التحديث محققا لغرض القانون الوضعي لما وجد اختلاف كبير بين الشرع والوضع.
16-القانون الوضعي –إن كان كما يدعي مؤسسا على الأخلاق– فإنه لا ينبغي أن يكون عكس حقيقته = إرادة القوي تفرض على الضعيف إرادة الغازي وعميله.
17-إنهم يناقضون حجتهم الأساسية ضد الشريعة: إرادة الشعب أساس القانون. لكن قانونهم لا يمثل إرادة الشعب بل إرادة المستعمر أو إرادة عملائه.
18-أما لو كان القانون الوضعي بحق ممثلا لإرادة الشعب وكان هذا الشعب حرا وليس تابعا فإن إرادته تكون تعبيرا عما يؤمن به من قيم بحرية حقيقية.
19-وهنا تأتي الخدعة الثانية: الحكام الذين يدعون تطبيق شرع الله بعد كذبة إرادة الشعب العلمانية في أنظمة عسكرية فاشية تطبق إرادة مافية.
20-تطبيق شرع الله مع استثناء الحكام وبطانتهم ومافيتهم من تطبيقه عليها وقطع يد السارق الذي لاجله أوقف الفاروق تنفيذ الحد: يبين الخدعة.
21-وهكذا فالمافيتان العلمانية والأصلانية يخادعان الناس والله سواء برفض الشريعة أو بتطبيقها لغياب المقصد من الشرع وضعيا كان أو شرعيا.
22-وهذا الغياب هو الذي يفهمنا الظاهرات التي من جنس بوكو حرام ومثيلاتها أعني أن الاحتجاج الشعبي بعفوية وغضب يعبر عن الثورة على الظلم.
23-وهذا هو الوجه السلبي من تعليل الحاجة للقانون شرعيا كان أو وضعيا : مافية علمانية ومافية دينية تحتجان على تخلف بوكو حرام وهما علة وجودها.
24-وصلنا إلى بيت القصيد: ما معنى شريعة؟ فلننس مصدر الشريعة شرعيا أو وضعيا ولنتكلم على وظائفها لأن طبيعة المصدر يخص تكريمها لا حقيقتها.
25-كل البشر يكرمون القانون العادل فينسبونه إلى السماء –وليس المسلمون وحدهم– ثم لما أفسد الحكام هذا التكريم أعيد لإرادة للشعب تكريما للشرع.
26-لكن إفساد الحكام للشرع أو لإرادة الشعب ومع ذلك تعجب المليشيات الهدامة من وجود من يرد عليها بمثل أفعالها فتدعي الحداثة أو الوسطية.
27-أزمة الشريعة في لحظتنا الراهنة: طلب ساذج بتطبيق الشريعة ظنا أنها ضامنة لوظائف القانون الخلقي العادل يقابله خبث مضاعف علماني وأصلاني.
28-فإذا علمنا طبيعة الأزمة كان الكشف عن الداء سليما فيصبح بالوسع التوجه نحو العلاج المناسب: الشعب يطلب القيم التي تجعل القانون بحق قانونا.
29-وهذا الذي يطلبه لأنه يكرمه غاية التكريم يسميه شرع الله أو الشريعة: وهذا أمر كوني.فحتى القائلون بالوضع يكرمون القانون بادعاء خلقيته.
30-بعبارة وجيزة المصدر للتكريم والحقيقة واحدة: أن يكون القانون عادلا ومحققا وظيفته وليس كحاله عندنا الآن وضعيا كان أو شرعيا. فهو نقيض ذاته لأنه شريعة غاب تتنكر باسم القانون شرعيا كان أو وضعيا.
31-من هنا السؤال: ما الذي يجعل القانون بحق قانونا ايا كان مصدره شرعيا أو وضعيا؟ وهل هذا الذي يجعل القانون قانونا واحدا في كل القوانين؟
32-والكثير سيعجب من أن هذا المشترك الذي بمقتضاه يكون القانون قانونا هو ما وصفه القرآن بكونه سنة الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا.
33-أي ما يجعل القانون قانونا ينطبق على الطبائع والشرائع في آن قوانين الطبيعة وقوانين العمران هي قوانين بمطابقتها حقيقة القانون.
36-وعدم المطابقة في الطبيعة جهل بالظاهرات وفشل الحكم العلمي وعدم المطابقة في السياسة والاجتماع جهل بالظاهرات وفشل الحكم العملي: الغضب الشعبي والثورة دليل فشل القانون والحكم.
37-في الطبيعة فشل التوقع والعجز الفني دليل الجهل بالقانون وفي السياسة فشل الحكم والعجز السياسي دليل تحريف القانون: الاستبداد والفساد.
38-هذا سلبا. لكن إيجابا ما الشريعة؟ مرة أخرى –ومهما عيب علي– نلجأ إلى ابن خلدون: إنها الوازع الذاتي (الأخلاق والدين) عندما يؤيد الوازع الأجنبي (القوانين والسياسة) فيتطابقان.
39-بعبارة حديثة : الشريعة وضعية كانت أو سماوية تكون بحق شريعة إذا طابق الظاهر فيها الباطن.وكلاهما مشروط بشرعية الحكم الذي يطبقه على الجميع
40-في الوعي الشعبي : شرعية الشريعة مفروغ منها لأنه يعتقد أن المشرع –الله– لا يمكن أن يظلم. وطبعا فهو يغفل على أن مطبق الشرع ليس الله.
41-من هنا يسر مخادعة الشعب باسم شرع الله : اليوم تجاوز المسلمون هذه الغفلة فأدركوا ما نبه إليه شيخ الإسلام وعلامته للتصدي للانحطاط (ابن تيمية وابن خلدون).
42-من هنا كان الجمع بين المصدرين : الإيمان بشرع الله واشتراط الحكم الديموقراطي الذي يترجم مقاصد هذا الشرع إلى قوانين تطبق على الجميع بعدل.
43-غاية الثورة الجارية هي عين مضمون الآية 38 من الشورى: طبيعة الحكم: أمر الجماعة (راس بوبليكا) وأسلوب الحكم: شورى الجماعة (ديمو قراطيا) على أرضية الإيمان بـأصل المتعاليات (الاستجابة للرب).
44-لا معنى للكلام في الشريعة إذا لم تكن أداة قانونية وخلقية في نظام حكم وتربية لمواطني دولة شعب يحكم نفسه بنفسه ويؤمن بعلوية القانون حقا.
45-علوية القانون على الجميع يعني أنه إرادة الجماعة إما للوضع التشريعي مباشرة أو للقبول بتشريع تعتبره مقدسا وكل الشعوب لها هذه الخاصية.
46-فهذا المستوى الثاني هو ما يضفي على القانون الوضعي قانويته: فلنأخذ القانون الوضعي الحديث. فقانونيته لا تقتصر على إرادة الشعب وحدها.
47-إرادة الشعب شرط ضروري لكنه غير كاف : لا بد لإرادة الشعب من تعليل إما بقانون طبيعي أو بقانون خلقي. وما يسمى بحقوق الإنسان له الصفتان خِلقي وخُلقي في آن (إيباء الظلم وطلب العدل).
48-ومعنى ذلك أن الفرق لا يتجاوز الأسماء وخاصة بالنسبة إلينا نحن المسلمين : لأننا نعتبر الشريعة والدين نفسه فطرة الله فطر عليها الإنسان.
49-يمكن لغير المسلمين أن يعتبر المقابلة بين حقوق الإنسان وحقوق الله ذات معنى: و نحن المسلمين نعتبر حقوق الإنسان ثمرة لما فطره الله عليه.
50-فالرسالة الخاتمة ليست تأسيسا للدين بل هي تصحيح يحرره من تحريفاته السابقة وتحديد لدورها التذكيري بالدين الفطري الذي هو ما فطر الله الناس عليه.
51-ختاما فإن معركة الشريعة معركة زائفة ناتجة عن صدام الكاريكاتورين من الأصالة والحداثة بسبب الانحطاطين الذاتي والمستورد. الثورة حسمت الأمر.
52-فكيف تصل الشريعة بين قلب المنظومة المفهومية (الهوية) وغايتها (التراث) وصل الأمة بين قلبها (الهوية) وبدايتها (الخلافة)؟ حقيقة الوصلين.
53-أي هل الأمة والشريعة كما شرحنا مفهومهما متطابقتان؟ فالأمة كما بينا هي اثر وحدة الخالق في المخلوقات أي المبدأ الموحد. وله عدة مستويات.
54-ولنبدأ بالمستويات الفلسفية كما تعينت في الفكر اليوناني: فهي “لوجوس” بمعنى منظومة العلاقات أو القانون الرياضي وبمعنى العقل وبمعنى اللسان.
55-كما أن معناها الثاني هو “نوموس” أي القانون بمعنى ما يصل عناصر الشيء ليكون مزاجه معتدلا بحيث يحقق التوازن والتناسب شرط الجمال والكمال.
56-ويجمع هذه المعاني مفهومان قرآنيان:1-هو ما به اعتبر آدم جديرا بالخلافة (علمه الأسماء كلها) و2- هو مفهوم السنة الثابتة منسوبا إلى الله.
57-الحصيلة هي اثر فعل الخالق في الإنسان “فطرة الله التي فطر الناس عليها” أي إن الشريعة في الفرد والأسرة والجماعة والإنسانية والكون هي نظامها.
58-الأمة والشرعية متطابقتان وهما القانون الموحد بين الوجود والماهية أي إن وجود الشيء أو الإنسان مطابقا لماهيته أو لحقيقته بقانونه : سنة.
59-فإذا غاب القانون في الفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الإنسانية أو العالم فسدت جميعا : الشريعة بوعي أو بغير وعي هي سلبا الثورة على الظلم.
60-وإيجابا هي مفهوم استخلاف الإنسان لتحقيق العدل باستعماره في الأرض ليعمل بقيم القرآن التي تحرره من الإخلاد إلى الأرض وعبادة العجل.
61-هوية السني هي تراثه الذي يحاربه مغول الغرب بذراعيه (إيران وإسرائيل) ومليشياتهما : الباطنية والصليبية والعلمانية والليبرالة والقومية.
62-والتراث هو جملة ما أضافه الإنسان إلى الطبيعة إنه الحضارة التي ابدعها الإنسان.بالمقابلة بينه وبين الطبائع فهو الشرائع أي عبارة الحرية.
63-وبمفهوم السنة الإلهية فقانون الضرورة للطبائع وقانون الحرية للشرائع كلاهما خاضع لما وراء هو حرية الباري المطلقة وهامش حرية الإنسان.
64-وذلك هو مفهوم الاستخلاف: فالخليفة حر في حدود امتناع تجاوز حرية المستخلِف.ف شرط قانونية القانون: ما يؤسس القانون يتجاوز تحكم الإنسان.
65-وبذلك تسقط أسطورة المقابلة بين القانونين الوضعي والشرعي: ما هما به قانون واحد وهو متعال عليهما لأنه هو مرجعيتهما الخلقية والروحية. وهي عندنا نحن المسلمين فطرة الله التي فطر الناس عليها سواء فهمناها وضعيا أو شرعيا.
66-وهذا القانون الأسمى جامع بين حريتين هما جوهر النظرة الوجودية لفلسفة القرآن: حرية الخالق هي المعيار وحرية المخلوق النسبية هي المعير.
67-لذلك فكل قانون يضعه الإنسان إذا لم يكن معيرا بقانون يفرضه حتى وإن لم يكن مؤمنا بوجود الله وراء تشريعه يقومه به لا يكون تشريعا مقبولا.
68-ومعنى ذلك أنه حتى الملحد فإنه لا يستطيع أن يشرع ما لم يفترض اساسا لتشريعه جملة من القيم تجعله تشريعا. لو كانت لامتنعت الموضوعية.
69-والقصد بالموضوعية ما تعنيه في المعرفة العلمية أي إجماع العلماء أوشرط التواصل “ما بين الذوات“من توافق على المعايير المحررة من الذاتية.
70-وفي خلاف ذلك يكون القانون إرادة الأقوياء. وهو كذلك في ما تقع عليه الثورة كما أسلفنا أعني ما يخلق جنيس بوكوحرام ومثيلاتها من رفض للظلم.
71-إن المنددين بالوحشية والتخلف في العالم هم أصلهما لأنهم بإفساد طبيعة القوانين التي ينبغي أن تحكم بين الناس أعادوا البشر للحيوانية.
72-ولعل هذه الظاهرة تبرز للعيان أكثر في القانون الدولي: فأصحاب الفيتو الغربيون يمثلون نصف سبع سكان العالم وبيدهم 4 من 5 من السلطان عليه.
73-وبذلك فالقانون الدولي ليس إلا إرادة هؤلاء الأقوياء ولا علاقة له بما يتكلمون عليه من أخلاق وعدل وحقوق إنسان: فهل نعجب من ثورة الإنسان؟
74-وهل نقبل أن يراد منا الخجل مما نمثل اليوم أي ثورة الإنسان على الظلم العالمي الذي يسلط علينا لمنعنا من أن نكون بشرا ذوي حقوق وكرامة.
75-تلك هي المسألة: حرب ليس على الإسلام بما هو هروب من مجابهة الظلم –من هنا تشجيع الاستسلام لإرادة الأقوياء محليا وإقليميا ودوليا بالنفخ في التصوف القبوري والجامية– بل عليه لتميثله كرامة الإنسان.


wpid-fb_img_1425908597217.jpg

إعجاب تحميل…

مرتبط

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي