تونس في 05- 05 – 2015
1-موضوع الحوار ليلة الأمس:1-ما طبيعة المعركة الجارية؟ 2-وما طبيعة أطرافها 3-وما الاستراتيجية المناسبة لها؟ 4-وهل نقدر عليها؟ 5-وهل طبقنا بحق الأنفال 60؟ هذه أسئلة عسيرة العلاج. فهل لفكرنا الفلسفي قول فيها؟
2-بل هل يحق للفكر الفلسفي الكلام في مسائل استراتيجية بهذه الأهمية أم إن الأمر يخص الخبراء وهم بلا حصر كما نشاهد في حوارات الصحافة الطاغية حيننا هذا ؟
3-لنبدأ بمساءلة الذات: ألسنا نخوض في ما لا سلطان لنا عليه فنصيح في واد؟ أليس من الأفضل أن نكتفي مثل أدعياء حكمة البرج العاجي بـالنكير على الجميع من منطلق اليتوبيا؟
4-ألا يعاب على شيخ الإسلام دخوله في معارك عصره اجتهادا وجهادا رغم أن ذلك لم ينقص شيئا من عمله الفكري الذي بلغ ذروة الإبداع الفلسفي بحق وهو الذي يتجرأ عليه من لم يتجاوز الفكر العامي ؟
5-ألم يغفل الكثير من القراء النقدة أهمية الدورالنضالي لحجة الإسلام في كتبه الثورية الخمسة: التهافت (تأسيسا لشروط العلم) والمقاصد (عرضا لمبلغ فلسفة عصره) والاقتصاد (حدا من تعصب المتكلمين) والفضائح (فضحا للباطنية) والإحياء (فضحا للقشورية) ؟
6-وهل يوجد من فاق الغزالي فهما لطبيعة نظرية الحكم السنية (وهي الوحيدة المطابقة لنص القرآن) في الفضائح عندما قابل بين الوصية (التشيع) والاختيار (السنة) ؟
7-هل يمكن أن تجد تعريفا موجبا لخصائص الحكم الرشيد أفضل من وضع أساسيه عند شيخ الإسلام كما حددتهما سورة النساء: الأمانة والعدل. أمانة تنوبهم الأمة في إدارة شؤونها وعدله في الحكم بين أفرادها وفي حظوظهم من خيراتها ؟
8-من حق المتابع أن يسأل: ما علاقة الكلام على شيخ الإسلام وحجته بموضوع الحوار حول مسائل الاستراتيجية الخمسة التي جاءت في فاتحة التغريد؟ هل هذا من باب أين أذنك؟ فلنبين العلاقة.
9-الكلام في الاستراتيجيات الحربية وحدها من علامات الجهل بمعنى شروط النصر في الحرب الذي هو غاية كل استراتيجية: فالحرب صدام بين إرادتين متعينتين في قدرتين جامعتين بين إرادات متنافرة ومن ثم فهي مشروطة بدولة معبرة عن إرادة أمة وقادرة على الحماية والرعاية.
10-بعبارة أوضح: الحرب صدام بين دول ممثلة لشعوب. وغالبا ما تكون بين أحلاف متفاوتة الصلابة والمتانة. وحتى الدولة الواحدة فهي حلف داخلي بين شعوب وقبائل قد تكون متعارفة أو متناكرة .
11-لذلك فلا يمكن لمن جبهته الداخلية مهتزة أن ينتصر في حرب مهما كانت إمكانياته المادية. ومن ثم فأول سؤال استراتيجي هو: كيف نمتن الجبهة الداخلية حتى تكون قادرة على المجابهة والصدام ؟
12-صحيح أن الدول تستعمل الصدام الخارجي أحيانا لتمتين اللحمة الداخلية. لكن ذلك مشروط بتساوي الشعور لدى مكوناتها بالخطر الخارجي حتى يكونوا مقتنعين بما يمتن لحمتهم فيقوي الدولة.
13-وتلك هي العلة في الإشارة إلى شيخ الإسلام وحجته: فابن تيمية حدد شرطي الشرعية قيميا (الأمانة والعدل) والغزالي حددها قوويا (المهابة والشوكة).
14-وتلك هي المقومات الأربعة التي بفضلها يمكن للدولة التي تكون معبرة عن إرادة شعبها وقادرة على خوض الحرب لأنها بها تكون قد حققت وظيفتيها الشارطتين للمتانة والصلابة: الحماية والرعاية.
15-ونختم ما قد يظنه المتابع خارج الأسئلة الخمسة التي انطلقنا منها نختم بجملة واحدة لنعود إلى الموضوع: فالدولة التي تحمي شعبها وترعاه لا يمكن أبدا أن تغلب مهما طالت الحرب ومهما تراكمت أهوالها. وهي لا تفعل إلا بتلك الشروط.
16-فالأمانة والعدل يقويان الجبهة الداخلية. والمهابة والشوكة تجمع بين التقويتين الداخلية (لأن الدولة تحكم بالقانون وبقوة تنفيذه) والخارجية (لأن الأعداء لا يهابون إلا ذا الهيبة المصحوبة بالشوكة). ولئلا نضعف أمام الأعداء نعالج العلل.
17-ذلك فضل شيخ الإسلام وحجته وعلة إحالتنا عليهما ليس لتبرير حق الفلسفة والفكر في الكلام في هذه المسائل وعدم تركها لخبراء الصحافة وابتذالهم فهذا أمر مفروغ منه بل لبيان تقدم هذه المباحث في فكرنا الأصيل.
18-فالحرب امتحان وجودي يختبر به التاريخ صلابة الحضارات والأمم من حيث قوتها الروحية والمادية أعني ما حصره كلاوسفيتز في ثلاثة مستويات.
19-وفي الحقيقة فإن المستويات خمسة وليست ثلاثة لأن الثالث منها له قيام بذاته وله دور في الأولين بل هو أحد مقوميهما. فالجيش ليس قوة سلاح مادية فحسب بل هو قوة روحية هي معنويات الـجند.
20-ومصدر الثروة ليست الأرض فحسب أو الثروة الطبيعية بل هي كذلك عمل الأمة الفكري واليدوي الذي يبدع عدة القوة وعتادها. وأصل كل قوة هو حصانة الأمة الروحية التي هي عقيدتها ووعيها بذاتها أو هويتها الحية. ولولا دور العامل الأخير في العاملين الأولين لما فهمنا كيف أن الاستعمار لم يستطع خلال قرن ونصف أن يقضي على صمود المغرب العربي ويخرج مدحورا.
21-بعبارة أوضح: فالعدو يمكن أن يكسر الـجيش ماديا لكن المقاومين يحافظون على معنوياتهم فلا تتوقف الحرب. ويمكن للعدو أن يحتل الأرض مصدر الثروة الطبيعية لكن ثروة العمل والإبداع تبقى (مثال غزة المحاصرة) . لكن ذلك كله أصله حصانة الأمة الروحية.
22-فما الحصانة الروحية التي نعتمد عليها في صمودنا وبقائنا وسعينا للاستئناف؟إنها عقيدة الإسلام وقيم القرآن وتاريخ الأمة وبطولاتها التي ارتسمت في ضمائر شبابنا بجنسيه.
23- ولولا هذا النحت في ضمائر الشباب ومعجزة الإسلام لما أمكن للأمة أن تحقق بداية الاستئناف بإرادة التحرر في تونس وبدايته بإرادة التحرير في بلد الحرمين فاجتمعت الثورتان وبدأ حلم الأجيال في الاستئناف يرى النور.
24-فما هي مرحلة الحرب الحالية كما يتصورها العدو؟ إنه يعتقد أنه قضى على قوة الجيوش وأنه قد احتل مصادر الثروة. ويظن أنه لم يبق له إلا أن يهزم الحصانة الروحية. لذلك يتم التركيز على الرسول قائد الأمة وعلى القرآن أساس حصانتها.
25-وتلك هي العلة التي جعلتني أضاعف العنصرين الأولين من نظرية كلاوسفيتز: ـمعنويات المقاومين وثروة العمل هما فاعلية الحصانة الروحية التي تعينت في أبطال من كل أقطار الامة من الهادي إلى الأطلسي.
26-وإذن فحرب العدو على أصل القوة أو الحصانة الروحية فشلت فشلا ذريعا: عادت القيم الاجتهادية والجهادية لتحرك تاريخ الأمة ودورها في العالم. ونحن اليوم نمثل أمل البشرية في تحريرها من سلطان الوحشية المادية للمصالح الاستعمارية
27-ولنعد الآن بعد الكلام على منطلق كل استراتيجية جذرية لنذكر بالموضوع: 1-فما طبيعة المعركة الجارية؟ 2-وما طبيعة أطرافها أي من هم الأعداء؟ 3-وما الاستراتيجية المناسبة لها؟ 4-وهل نحن قادرون عليها ولنا الإرادة الحازمة لذلك؟ 5-وأخيرا هل طبقنا بحق الأنفال 60 تطبيقا يدل على الإرادة والقدرة ؟
28-المسألة الأولى: ما طبيعة الحرب؟ أولا هي ليست حربا عسكرية فحسب بل هي حرب معقدة وذات أبعاد خمسة: فهي حرب داخلية على الانحطاطين. وهي حرب خارجية على المستفيدين منهما.
29-ويجمع بين هذه الأبعاد الأربعة كونها حرب الاستئناف بما هي تغير كيفي في ذات حضارية لها مع محيطها ما يجعلها تعتبر خطرا ممن لم ينس الماضي ويريد أن يحول دون الأمة واستئناف دورها.
30-فأما الحرب الداخلية فتتعلق بالتخلص من الانحطاط الذاتي (الخلط بين قيم القرآن والجاهلية) ومن الانحطاط المستورد (الخلط بين قيم الحداثة والاستعمار).
31-وهذا هو المعوق الأول الذي جعل الأمة تعيش صدام حضارات داخلي يجعل نخبها ذات نهج تهديمي للظن أن الانحطاطين يمثلان القيم الأصيلة والقيم الحديثة في حين هما يمثلان كاريكاتورا منهما.
32-أما الحرب الخارجية فتتعلق بـالفتنة الطائفية الأولى (الصفوية والعرقيات: وهذه خارجية لأنها لا تنتسب إلى قيم الإسلام بل هي انحرافات بالعودة إلى ما تقدم عليه أو إلى ما يظن بديلا منه مستمدا من التأثير الغربي) وبالفتنة الطائفية الثانية (العلمانية والليبرالية النتاجتين عن الغزو الغربي والإيديولوجيات). وهذا هو المعوق الثاني.
33-والحرب الجامعة هي في آن علة الأربعة المذكورة ومعلولتها لأنها في آن ناتجة عن استفاقة روحية حيوية تحرك الأمة التي بدأ شبابها بجنسيه يشعر بضروة أن يكون في مستوى موروثه وهي دافعة لهذه الاستفاقة بما تحركه في الشباب من غضبة للذات وللكرامة والحرية.
34-وهذه الحرب الجامعة هي التي بدأت في تونس حرب تحرر وثنت في بلد الحرمين حرب تحرير فاجتمع شرطا التصدي لتلك الحروب الفرعية الأربعة في آن
35-المسألة الثانية: ما طبيعة الأطراف أو الأعداء وكيف نرتبهم ؟. الأعداء هم المستفيدون من تعويق نهضة الأمة: ويمثلهما إثنان مباشران هما إيران وإسرائيل والأولى أخطر من الثانية لأنها تريد استعمار الروح في حين أن الثانية تريد استعمار الأرض. والاستعمار الثاني قابل للرجع باسترداد الأرض في حين أن الأول إذا تم انتهت السنة في أرضنا (مثال ذلك إيران نفسها بعد القرن السادس عشر).
36-واثنان غير مباشرين هما أمريكا وأوروبا وهما تعتمدان على العدوين المباشرين وتساعدهما بالدعاية والمال والسلاح وخاصة بتأييد العملاء في الداخل العربي والسني أي مليشياتهما المستعملة للقلم والمستعملة للسيف. والعدو الجامع هو كل من تدفعه استراتيجية بناء نظام العالم الجديد إلى إخراج القطب الإسلامي السني منه بجعله فريسة لمجرميه بدل أن يكون طرفا فيه.
37-ما معنى نظام العالم الجامع بين الأطراف الأربعة؟ إنه توافقهم على الاستعداد للأقطاب المقبلة في الشرق الأقصى وفي أمريكا اللاتينية بتقاسم خيرات دار الإسلام بدءا بقلبها العربي لتكون من أدوات السيطرة على العالم الجديد (دور الطاقة والموقع الجغرافي فضلا عن كل أنواع الثروة وأهمها الشمس والبحر).
38-ولما حددت أطراف الحرب المعلنة على الأمة ذكرت أعيانهم دون أوصافهم ولم أعلل ترتيبهم لأني لم أكن أريد أن أتجاوز التحديد القرآني للأعداء بأوصافهم وعلل عداوتهم للأمة.
39-فالأنفال 60 حددتهم: إنهم” أعداؤكم وأعداء الله وآخرون لا تعلمونهم”. فهذه ثلاثة إذا اقتصرنا على الأصناف البسيطة. لكن التركيب من الأولين يضيف عدوين آخرين.
40-فمن الأعداء 1- من يعادينا بسبب ما لدينا. 2-ومنـهم من يعادي الله بصرف النظر عنا. 3-ومنـهم من يعادينا بسبب عدائه لله 4-ومنهم من يعادي الله بسبب عدائه لنا. وهؤلاء جميعا نعلمهم. 5-ومنهم الذين لا نعلمهم
41-و هؤلاء الذين لا نعلمهم هم المنافقون وتجتمع فيهم كل علل العداوات مع إخفائهم لها بتقية وتحيل بحيث إنهم يحاربوننا سرا لا علانية. وهم العملاء المندسون في أجهزة الدولة والمجتمع للتخريب.
42-والمعلوم أن المنافقين لا يعلمهم إلا الله وحتى منافقو الصدر فإن الله أطلع النبي عليهم دون أن يذكرهم النبي إلا لواحد من الصحابة ائتمنه على هذا السر: ذلك أن من يحاربك سرا لا ينبغي أن يعلم أنك تعلم أنه عدو.
43-المسألة الثالثة: ما الاستراتيجية المناسبة؟ قد يتصور البعض أن ما أصفه يفيد بأني أعتبر العالم كله متحالف ضدنا فنكون أمة مصابة بمرض نفسي يصيب من يعيش هوس المطارد. لكن الظاهرة التي أتكلم عليها لا علاقة لها بنا وحدنا.
44-فتلك طبيعة العلاقات الدولية بين القوى المتجاورة والمتنافسة على المكان (الامتداد) والزمان (المدة) من أجل المدد (مصادر العيش والقوة) . وهذه الخاصية عمت اليوم لأن الجميع صار متجاورا ومتنافسا بقانون الصراع من أجل البقاء. ودور الأمة الإسلامية الحد من هذا القانون بما تحققه من توازن في العالم.
45-فقانون العلاقات الدولية لا يختلف عن قانون الغاب إلا بكون البعض يطبق الآية 60 من الأنفال فيسلم والبعض الآخر يتجاهلها فتتقاسمه ذئاب العالم: والانحطاط الإسلامي هو اللحظات التي تجاهلت فيها الأمة العمل بالآية فصارت نهبة كل ناهب ومستحلة من كل مغتصب.
46-ذلك أن الاستراتيجية الحكيمة متقدمة على الحرب ومصاحبة لها وتالية عنها. والمتقدم ليس بالزمان فحسب بل بالشرف والأهمية: فالردع أو إرهاب العدو بأصنافه الخمسة الثلاثة البسيطة والإثنين المركبين هو أصل كل استراتيجية مؤثرة (الغزالي: المهابة والشوكة). وتحليل هذه الاستراتيجية هو تحليل شروط ردع الأعداء.
47-ولما كان القرآن وهو أصدق الأقوال قد أمرنا بالردع أو إرهاب الأعداء فإن كل أمة تهمل أمر الآية 60 من الأنفال أمة مجرمة في حق نفسها وفي حق البشرية لأنها ساندت الشر بسلبيتها وتقاعسها.
48-وردع الأعداء حدد القرآن شروطه في الآية واستنتج شيخ الإسلام وحجته شروط القدرة عليه: القوة عامة ثم القوة العسكرية (رباط الخيل) وعزم الإعداد.
51-وأعسر هذه المهام عزم الإعداد: فغالب الأمم المغلوبة مشهورة بالارتخاء والتحلل وعدم القدرة على الجهد المتواصل اجتهادا وجهادا فتقع ضحية المفاجئات القاتلة. وتاريخ حروب جيوش الأنظمة العسكرية العربية كاف للدلالة على ذلك.
52-فأكبر أدواء أمتنا هو التراخي والكسل واللامبالاة بحيث إن العمل الذي ينبغي أن يتحقق في يوم قد يتطلب سنوات. لكأن الإنسان عندنا يعاني من تفسخ القوة الحيوية.
53-وليس هذا فحسب بل إن الجهد المتواصل والمتراكم شبه منعدم. ما يزال الطابع البدوي غالبا على نمط حياتنا. ولا يزال الكسل وعدم الجهد المتصل الميزة الأبرز في مجتمعاتنا بخلاف أعدائنا.
54-فما القوة؟ إنها أولا تحفز حيوي في الجهد الاجتهادي (العلوم وتطبيقاتها) والجهادي (الاقتصاد واستثماراته) وشرط ذلك انضباط صارم في التصور (الانتاج الرمزي) والانجاز(الانتاج المادي). نحن نستهلك ولا ننتج إلا فضلات ما نأكل وما نستعمل.
55-ولست أتكلم على أمر نفسي لدى الأفراد بل أتكلم على أمر اجتماعي في المؤسسات المدنية والسياسية والإدارية وكل الأعمال خاصة عند استئجار الغير (ومعلوم رأي ابن خلدون في علاقة الرجولة والفحولة بخدمة الذات بدل استخدام الغير).
56-فما من أمة اعتمدت على استئجار الغير وخاصة في حماية ذاتها إلا وسيطرت عليها المرتزقة في كل أعمالها وبات شعبها عالة على غيره في حياته: بذلك ضاعت الأندلس والخلافة العباسية والأموية الشرقية والغربية وقد تضيع جل الدويلات العربية التي هي محميات غربية.
57-تلك هي الأدواء التي تخيفني على مستقبل المعركة التي بدأها الشباب في تونس (للتحرر) والشباب في بلد الحرمين (للتحرير). فهل نحن بحق مستعدون لها لئلا تكون نار هشيم؟ هل نطبق الآية 60 من الأنفال على الأقل مستقبلا؟ الشيء الثابت أن أعداءنا يفعلون.
58-الاستراتيجية هي إذن تربية جديدة وثقافة اجتهادية وجهادية أعني في الحقيقة الثقافة التي تنبع مباشرة من حقيقة العقيدة الإسلامية فتحقق شروط الآية 60 من الأنفال: لا أتحدث عن الاستراتيجية العسكرية في المعركة فهذه أدنى شيء في الحروب لأن القتال في كل المعارك لا يساوي عشرها.
59-من دون التربية والثقافة اللتين تمكنان من تطبيق الآية بجعل الدولة (أمانة وعدلا كما استنتج ذلك ابن تيمية من سورة النساء (78-79) ومهابة وشوكة كما استنتج الغزالي من تحليل مفهوم الحكم القادر على الحماية والرعاية) دولة بمواطنين متحررين من الكسل ومنضبطين لن تربح الأمة الحرب.
60-فهل نحن مستعدون لحرب تدوم عقودا بل هي ملازمة للسلام ما ظلت الأمة موجودة؟ من يقول نعم يخادع نفسه قبل غيره. ولا اقصد أنه علينا أن نؤجل المعركة: فهي مفروضة. لكن ينبغي أن نتدارك ما أسلفت قبل أن نكتشف أننا خنا الأمانة.
61-السؤال الأخير: هل طبقنا الآية 60 من الأنفال ؟ طبعا لا إلى الآن: الانتاج معدوم رمزيا (العلم وتطبيقاته) وماديا (الاقتصاد وتطبيقاته): كله استيراد. وهو استيراد غبي: فأنت تستورد السلاح دون أن تشترط انتاجه عندك حتى تمكن أبناءك من الاستغناء عن الاستيراد مستقبلا خاصة وعمر الأسلحة قصير.
62-ثم إن عدوك لن يصدر لك ما يمكن أن يمكنك من غلبته. وأصدق علامة على عدم تطبيق الآية أن دولنا بعد 50 سنة من الدولة الوطنية و 100من الجامعات ما زال الحكام يتعالجون في الخارج: علما وأن صحة الحكام من أسرار الدولة.
63-وطبعا سيأتي الكلام على استراتيجية المعارك المباشرة التي هي في الأغلب آخر أمر تهتم به الاستراتيجيا.فالمعارك لا تتجاوز عشر وقت الحرب.
64-وختم الأستاذ كلامه واعدا بالعودة إلى المسألة ليعين الأعداء بترتيب معلل وما يراه مفيدا في العلاج المتدارك لغياب تطبيق 60 من الأنفال
مفهوم الاستراتيجية : الغزالي وابن تيمية وشروط النصر في الحروب – أبو يعرب المرزوقي