مفارقة الفتنتين، تقابل البنية السطحية ووحدة البنية العميقة – الفصل الخامس

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله مفارقة الفتنتين تقابل البنية السطحية ووحدة البنية العميقة

ما حاولت بيانه إلى حد الأن أمران: أن النظامين الذين باسم الله والسماء وباسم الإنسان والأرض كلاهما له نفس البنية العميقة رغم ما بينهما من تقابل سطحي علته الوهم الناتج عن المقابلة بين الله والإنسان وعدم الانتباه إلى أن المفهومين محرفان: كلاهما يؤمن العجل الذهبي أي بالرمزين. والرمزان درسناهما طويلا: فللتبادل رمز هو رمز الفعل أو العملة وللتواصل رمز هو فعل الرمز أو الكلمة. وكلا الرمزين أداة يمكن أن تستعمل للخير وأن تستعمل للشر. فالعملة تستعمل في التبادل الظالم وهو معنى التطفيف الشامل لكل شرورها والكلمة تستعمل في التواصل المخادع وهو معنى الكذب الشامل. والتطفيف الشامل والخداع الشامل هما بعدا العجل الذهبي لأن معدنه هو رمز العملة والتطفيف وخواره هو رمز الكلمة والكذب ولا يوجد ما هو أكثر تطفيفا وكذبا من الثيوقراطيا ومثالها عندنا التشيع وعند الغرب الكاثوليكية ولا ما هو أكثر كذبا وتطفيفا من الانثروبوقراطيا ومثالها في العالم العلمانية. كلاهما يجسم الاستغلال الاقتصادي الذي حقيقته التطفيف -كيلا واكتيالا-في كل شيء وخاصة في استغلال العمال والضعفاء والفقراء وهو اساس الاستعمار العالمي الذي أفسد الزرع والضرع والاستغلال الثقافي الذي حقيقته الاستغفال-اعلاما واستعلاما-في كل شيء وخداع الشعوب الذي قتل التنوع الحضاري. وما تفعله إسرائيل في فلسطين تفعله إيران في العراق وسوريا واليمن بل وفي كل بلاد العرب وتمد يدها إلى ما هو أبعد لأنها تسعى مثلها مثل إسرائيل الى استرداد امبراطورية سابقة عن الإسلام وتنتقم من العرب باستردادها بميليشيات منهم مخدرين بالتواصل ومستغلين بالتبادل تحششهم وتستولي على ثرواتهم. فهي تحتل أرض العرب بمليشيات منهم وتمول حروبها بثرواتهم والاخماس التي يجمعها دجالوها من المعممين الذين لم أر في حياتهم أكثر منهم كذبا ودجلا وتهييجا للغرائز البهيمية في من اتبعها من هذه الشعوب التي بلغت درجة من الانحطاط الروحي جعلتهم يهدمون بلدانهم وعبادة الأوثان. وطبعا لا ينبغي أن يفهم من كلامي أن لهذين النوعين من الأنظمة ما يخرج أصحابهما عن السنن الكونية الجامعة بين البشر بل إن وحدة السنن لا تلغي الاختلاف الكمي وحتى الكيفي عندما يصل الأمر إلى اقصاه كميا فينقلب كيفيا كقضية الجنس: فهي كونيا عسيرة الضبط والتسيب فيها الأقصى مشترك بين أصحابهما. كما أن التطفيف والكذب من الظاهرات الكونية لكن اعتماد النظام العام عليهما ليسا كونيين بل إن بلوغ الحد الأقصى فيهما من مقومات أصحاب هذين النظامين: فلا يوجد في العالم على علمي من هو أكثر تلاعبا بالتبادل والتواصل من هذين الرؤيتين اللتين رمزت إليهما ببعدي العجل الذهبي. وفي الحقيقة فهذان الرمزان -العملة والكلمة-هما ما أرجعت إليه كل مسائل الحياة البشرية خيرها وشرها لأن التبادل سواء بين البشر أو حتى مع الطبيعة مشروط بالعملة والتبادل نفسه مشروط بالتواصل لأن كل عملية تبادل يسبقها تواصل حولها تفاوضا وتعاقدا وتعاوضا وتنازعا إلخ. وبهما التطفيف والخداع. والقرآن يرد كل مشاكل المجتمع الإنساني إليهما بتوسط ما يحيلان عليه أعني فن المائدة وفن السرير أو الغذاء والجنس وما يدور حولهما من تواصل وتزويق من أجل تمرير أخلاق العجل الذهبي بنوعي السلطة الروحية والسياسية اللتين تتحكمان في التبادل والتواصل بين البشر حول ما دنا أو سما من شؤونهم. وأهم نتائج دين العجل هي جعل الجميع عبيد بالسيطرة على هذين الفنين وما يتبعهما مما يجملهما ويضفي عليهما ما يجعلهما غاية الحضارة الإنسانية. لذلك فمن يسيطر عليهما يسيطر على كل شيء وشرط السيطرة عليهما هي القضاء على الحريتين الروحية والسياسية: وهذا هو سر سلطان الصهيونية. لكن هذه السيطرة ذات مسربين: 1. الحاجة إليهما شرط الطمح لتحصيلهما والخوف من فقدانهما بعد تحصيلهما. 2. والابتزاز بالمعلومات حول ما يتعلق بنقاط ضعف الإنسان أمامهما ما يجعله يتنازل عن كل ما يرمز غلى الشرف سواء تعلق بسلوكه أو بأسرار بلاده أو خاصة بميوله الجنسية والغذائية وكل متع الدنيا. فيصبح الإنسان وخاصة المرأة مجرد أداة سلطة في الاستعلام والاعلام والإشهار والتجارة والخداع في العقود والمضاربات وفي كل ما يلغي نهائيا معنى الشرف والكرامة فيصبح الجميع في ابتزاز متبادل لا يبقى فيه أدنى معنى للحرية والكرامة لأن الإنسان نفسه يتحول إلى أداة ويفقد معنى كونه غاية. وهكذا يتبين أن النظامين الثيوقراطي والانثروبوقراطي كلاهما مافياوي باسم الله أو باسم الإنسان اللذين يتحولان إلى أداة تجارية تؤسس للوساطة والوصاية اللتين هما مافيتان روحية وسياسية هدفهما السلطة وهما يتحققان بالأداتين أداة التبادل للتطفيف (معدن العجل) وأداة التواصل للخداع (خواره). ولا علاج لهذين الداءين إلا ما اقترحه الإسلام: 1. تحرير الإنسان من الحاجة إلى الوساطة والوصاية بالحرية الروحية والحرية السياسية اللتين وصفت. 2. نظرية التبادل والعدل المتخلص من التطفيف والغش ونظرية التواصل والصدق المتخلص من الخداع والكذب. ولا أحد درس القرآن يمكن أن يجادل في ذلك. وهذا هو معنى الوصل القرآني بين الدين والسياسة: فلا معنى للسياسة التي يكون فيها الفرد ملزما بالإيمان والعمل الصالح والجماعية بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر واصلها جميعا الوعي بالخسر من دون أن يكون معنى ذلك تحقيق شروط التحرر من الوسيط والوصي فرض عين روحيا وسياسيا. وهذا هو السر الحقيقي لمعاداة الصفوية والصهيونية للإسلام فهو لا ينكر دور العملة للتبادل والكلمة للتواصل بل إن رؤيته للدنيا وحتى للأخرى مبني على هذين المفهومين لكنه يعتبرهما أداتين لا غايتين وتحريمه للربا وللنفاق حكمان متساويان فلا يوجد جرما أكبر منهما إلا الشرك الصراح وهما علته. أو بصورة أدق ما يظنه عابدهما محررين من علته: فعبادة العملة (المال أو معدن العجل) علتها جوع وجودي أو خوف من الجوع العضوي رمزا للجوع الوجودي. كنز المال من علامات الخوف وعبادته هي حقيقة الخوف من فقدانه أساس لاطمئنان ونسيان الجوع الوجودي. ومنه البخل وحب كنز المال. وسلطان المال على الغير أيضا من علل عبادته: فصاحبه يشعر بانه صار معبودا من طالبيه والمحتاجين إلى ما يمكن منه والمعلوم أن العملة تمكن من كل شيء في الجماعات البشرية إذ المحتاج يصبح قابلا لبيع كل شيء ولا شيء يعلو على سد الحاجات الاولية ومن هنا تأتي العبودية وتجارة الجنس وحتى الأعضاء. والكلمة تصبح تابعة للعملة بمعنى أن التواصل المخادع ليس إلا استعمال الكذب للتطفيف. والإيديولوجيا وكل خطاب الدعاة المزيفين لا يختلف عن خطاب الدعاية والتسويق وكلها في خدمة العملة أو رمز الثروة والكلمة هي رمز التراث المزيف والمخادع للوعي الإنساني الذي ينسيه الحقيقة من أجل الفاني. وسأختم بما يفسده هذان الدينان اللذان حدد القرآن الكريم بنيتهما العميقة في سورة آل عمران بمفهوم الحلف بين محرفي الأيدان من الوسطاء خدمة للأوصياء حتى بلغوا درجة تأليه عيسى جمعا بين السلطانين في نوعي الحكم الثيوقراطيا والانثروبوقراطيا أو تحريف مفهوم الله ومفهوم الإنسان. فالسياسي لم يعد خادما للإرادة بل مستخدم لها والعالم لم يعد خادما للمعرفة بل مستخدم لها والفنان لم يعد خادما للذوق بل مستخدم له والوجودي لم يعد خادما للرؤية بل مستخدم لها ومن ثم فالجماعة تصبح هي بدون أداة وليست غاية لمن يخدمه السياسي والعالم والفنان وصاحب الرؤية وهو صاحب العجل. وصاحب العجل اثنان: صاحب معدنه وخادمه أم صاحب خواره. فالأول جماعة أو مافية هم مافية العملة أو اصحاب البنوك والاقتصاد والثاني هو مافية الكلمة أو أصحاب الايديولوجيا والثقافة. والحلف بينهما يقود العالم من وراء حجاب. ولهذه العلة احتاجت إيران إلى دولة شكلية حجابا لمافية الكهنوت. والدولة العلمانية لها كهنوت هو المجالس التي لها صفات الكهنوت الماسوني وكلاهما بارز ولا يخفي وجوده حتى وإن اخفى سلطانه الذي يحيط به سر لا يعلن ويدير العالم من وراء حجاب. والتنافس الحقيقي بين إسرائيل وإيران لا علاقة له بالقدس ولا بفلسطين بل بهذا السلطان الخفي في الشرق الإسلامي. إيران تشعر بأن إسرائيل التي حصلت على هذا السلطان في الغرب بصورة شبه مطلقة وتسعى لتحصيل ما يناظره في الشرق -وهي حاصلة عليه عند الأنظمة العربية بنوعيها العسكري والقبلي وإيران تنافسها على ذلك وحتى في الغرب لأنها بدأت تكون لوبيات في الغرب وخاصة في أمريكا. هذا ما توصلت إليه من خلال تحليل البنية العميقة للنظامين الثيوقراطي والانثروبوقراطي اللذين يحتلان بلاد العرب ويتنافسان على احتلال عقول نخبهم وهم الآن يتقاسمان النخب النافذة السياسية والثقافية ولم تبق الشعوب التي بدأت تتحرك رغم أن إيران في ذلك أقدر من اسرائيل لتنكرها بلبوس إسلامي. وأخيرا فلست غافلا عن أمرين: 1. من العسير أن يتابع القراء العاديين مثل هذا الاستدلال شديد التقيد وكثير عدم المباشرة. 2. وأعسر من ذلك أن يسلم المستعمرون ذهنيا من النخب أن النظامين من طبيعة واحدة فهم يتصور التقدم والحداثة أمرا حاصلا ويكفي استيراده: المستقل ليس إبداع بل هو ماضي الغرب.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي