لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله
تواز عجيب بين موظفي القومية العربية من الأنظمة العسكرية وميلشياتها من النخب، وموظفي الإسلام من الأنظمة القبلية وميلشياتها من النخب: التبعية.
وهي تبعية لمن؟ لمن يريدون إلغاء العروبة لأنها أطاحت بسلطانهم السياسي، ولمن يريدون إلغاء الإسلام لأنه أطاح بسلطانهم الروحي: إيران وإسرائيل.
ولست أتكلم على المأجورين البينين ممن تشيع وتصفون طلبا للسمعة الثورية الشيعية، أو تصهين طلبا للسمعة الحداثية الصهيونية، بل من يصدقون أنفسهم.
فطالبوا السمعتين وما يصحبهما من رز وجاه يعلمون بكل يقين أنهم تجار. لكن الثانين يصدقون أنفسهم أنهم فعلا مؤمنون بعلل الفتنتين: الكبرى والصغرى.
فالأولون يقولون بحق آل البيت في حكم الأمة ويتظلمون، والثانون يقولون بحق العلمانية في حكم الأمة ويتظلمون: لكن دلالة حلفهم تدحض تظلمهم الغبي.
فكيف لمن يدعي الإيمان بالحق الإلهي في حكم الشعوب يحالف من يدعي الإيمان بالعلمانية؟
وكيف يحالف الأول استبداد الجيش، ولثاني استبداد القبائل؟
تلك هي مفارقات الوضع العربي الحالي: أنظمة القبائل التي تدعي الحكم بالإسلام خلطا بينه وبين نكوصهم للجاهلية تحالف إسرائيل التي قبلته الأولى؟
وأنظمة العسكر التي تدعي القومية أن تحالف إيران التي تحتل أوطانهم ولا تخفي أنها بذلك قد استردت إمبراطوريتها بنزعة قومية تحتقر العرب؟
وكيف لم ينتبه عباقرة المستشارين الذي يقودون هذه الأنظمة التي تدعي القومية والتي تدعي الإسلام، إلى الحلف الخفي بين طالبي ثأر مما يدعون؟
فإيران بنزعة صفوية بينة وبتقية شيعية لا تهدف دعواها التشيع إلا لما هدفت إليه الفتنة الكبرى أي تخريب الإسلام من الداخل. أهو جهل بالتاريخ؟
وإسرائيل بنزعة صهيونية بينة لكل عاقل، هدفها ليس نشر العلمانية-لأنها دولة دينية-بل تغذية فتنة صغرى من جنس الكبرى لتخريب الاستئناف من الداخل.
لذلك فالعدوّان متحالفان بتفاهم بينهما وبتفاهم بين موظيفيهما في هذا العصر في مرحلة صراع القطبين أولا، والآن في مرحلة التكامل في الحرب علينا.
وما يجعل مثل هذه المفارقات تحصل ليس دائما سوء وليد خبث، بل هو في الأغلب -ما عدى المأجورين -وليد غفلة وتصور السياسة قائلة بالثالث المرفوع.
فغالبهم يتبع هيكل الذي كان يعتبر معاداة إسرائيل موجبة للتبعية لإيران، وقبلها معاداة أمريكا توجب التبعية للسوفيات. ويغفل عن المشروع المستقل.
فالقومي الذي يتبع إيران بدعوى معاداة إسرائيل، يصيبه العمى الاستراتيجي للظن بأن السياسة خاضعة لمنطق عدم التناقض فيعدي مبدأ: عدو عدوي صديقي.
فيغفل عن أن من يتظاهر بمعاداة عدوي يعاديه علي في تنافسهما على افتراسي. فإذا استسلمت لأحدهما فقد سهلت عليهما مهمتهما في تقاسم الغنيمة.
ومن يعلم عدم التناسب بين العدوين في معركة التنافس علينا، يعلم أن أمريكا وإسرائيل بحاجة لجرافة حفظا لشبابهم فيسكتون عن إيران لتمهد لمهمتهم.
وتلك خطتهم الثابتة: فعلوها مع العرب في الحرب الأولى ويفعلونها الآن مع الكرد والفرس ومن يغتر بإيديولوجيتهم من سذج علمانيي العرب وليبرالييهم.
وبخلاف ما يتوهم الكثير، فإن سياسة إيران الحالية لا تدل لا على دهاء ولا على ذكاء: فهم مستهدفون مثل غيرهم من شعوب الإقليم وإن كانوا مؤجلين.
إسرائيل وامريكا-مثلهم مثل الصليبيين والمغوليين-يحتاجون لجرافة من الداخل. فكذلك كان عليه دور التشيع في الماضي وهو يتكرر. هزيمتهم لا ريب فيها.
ومليشيات السيف والقلم العربية تابعة للأنظمة العسكرية في الاحتماء بإيران، أو التابعة للأنظمة القبلية وفي الاحتماء بإسرائيل كذلك طابور جرافات.
فنلاحظ أن الانظمة العسكرية ونخبها اصطفوا مع إيران وسلموها أرضهم ورقابهم، والأنظمة القبلية ونخبها اصطفت مع إسرائيل لتسليم رقابهم وأرضهم.
وكلا الصفين التابعين لم يعد لهم الحياء لإخفاء هذا الاصطفاف حتى باتوا هم بأنفسهم أكثر المتهمين للإسلام وعلمائه قديمهم وحديثهم بالإرهاب.
وهم يمولون بل ويحاربون في صف إيران وإسرائيل ضد مقاومة الشعوب لاستبدادهم وفسادهم ظنا أن هذين سيحميان كراسيهم من ثورة شعوبهم لسواد عيونهم.
ولو كانوا على قدر مهما قل من الفهم وبعد النظر، لعلموا ألا ملجأ لهم في الغاية إلا شعوبهم بدل الإخلاد إلى الأرض استبدادا وفسادا ولهيث كلاب.
كان يمكن لمن يريدون النكوص إلى الجاهلية بحرب على واحد منهم، لعله أفضلهم، أن يتحدوا حقا ليكونوا قوة غنية عن الحماية الأمريكية والإسرائيلية.
لكن الحمق والسذاجة أنسياهم ما فعل لاورنس العرب بالعرب وسفيرة أمريكا في العراق بالعراق وأغفلاهم عما ينوي ترامب وناتن ياهو أن يفعل بهم.
عندنا في تونس عادة معروفة لدى البدو: كلما كانت السنة واعدة والزرع صابة كثرت أعراس شيوخ القبائل من المزارعين. هذا ما ينتج عن ثراء دون عمل.
هل رأيتم ثريا عرق على عمل وحافظ على ثمرة يركب سيارة أو طيارة من ذهب، وخاصة إذا لم تكن من صنع أبناء بلده؟ هذا عين سلوك زواج المزارع الأمي.
لو علم من يحاكي انتفاخا صولة الأسد أن ما يظنه ثروة كبيرة لا يساوي شركة كبيرة في الغرب وأن من يعتبر زيت الحجر ثروة، لا يتجاوز عقله عقل البقر.
لو علم أن كل الوطن العربي لا يساوي دخل محمياته الخام دخل دولة متوسطة غربية، ومع ذلك لن تجد من حكامها من تنتفخ أوداجه لمعرفته بقيم الأشياء
الكتيب