معارك النهضة غير معارك النداء ومعارك النهوض


لا أريد حاليا التعليق على استقالة الصديق الجلاصي. فهذه مسألة أعلق حكمي فيها إلى ما بعد الحسم في معركة ادلب التي انتهى شوطها الأول.
وقد يبدأ شوطها الثاني إذا لم يحصل القبول بمطالب تركيا الحالية. حينها فكل أوضاع الاقليم ستتغير.
لذا سأكتفي بملاحظتين:

  1. الأولى تتعلق بمن يقيس ما يجري في النهضة بما جرى في النداء.
    وهما أمران مختلفان تمام الاختلاف.
    فما يجري في الأولى ذو صلة بما يجري في الاقليم بل وفي العالم كله. ولولا ذلك لما علقت.
    وما يجري في الثاني محلي بل دون المحلي لأنه نفساني. فهو يتعلق ببلدي اراد أن يرث افاقيا استعمله باحتقار لأنه كان معتمدا على “الحريم”.

  2. الثاني هو ربط المسألة بما يقدم على أنه تحول النهضة من حزب عقدي إلى حزب براجماتي.
    لكن الغنوشي ليس براجماتيا إلا وهميا لأن التكتيك من دون استراتيجية رعواني وليس براجماتيا.
    والجلاصي ليس عقديا بالمعنى الديني بل لعله هو البراجماتي.

لا أعتقد أن الوصفين يطابقان الرجلين على حد علمي بهما.
ولا أخفي أن علمي بهما شديد المحدودية وخاصة بالغنوشي.
لكن الجلاصي قدم ما يمكن من سبر اغواره أكثر من الغنوشي. فقد قدم نقدا للتجربة التي مر بها في حين أن الطبالين يخفون قصور الآخر بجعل هزائمه انتصارات وهي علة تعثر النهضة.

مشكل النهضة أنها تخلت عن محاولة استعادة ما كانت عليه الحركة الوطنية التي لم تكن في قطيعة مع التاريخ المشترك للإقليم كله لأن نتائج سايكس بيكو الجغرافية والنتائج التاريخية لما تولد عنها من أنظمة قطرية بدأت تتراجع فقبلت بالتنافي بين القطري والاقليمي وبين الوطني وما يتعالى عليه طمعا في حكم وهمي ليس لها عليه سلطان.

لكن الرؤية التي تجمع بين القطري والمتجاوز له عادت إليها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي التي لم تنقطع عند الإسلاميين بكل أنواعهم وهو ما يعيبه عليهم أصحاب المقابلة “وطن-أمة” فيشاركون مواقف اليمين الأوروبي الحالي ضد وحدة أوروبا باسم الوطنية الضيقة التي لم تعد مناسبة للعصر الذي ليس فيه سيادة لغير الكيانات الكبرى.

مشكل النهضة الذي انتهى إليه تكتيك الغنوشي هو استسلامها لمحاولة تدجينها وجعلها حزبا من جنس الحزب الدستوري الجديد الذي قطع مع الثعالبية وأسس للبورقيبية.
وهذا المشكل شخصي للغنوشي: وهو في ذلك لا يختلف عن السبسي الذي له مشكل شخصي مع بورقيبة.
كلاهما يريد أن يكون بورقيبة الثاني.
والمعلوم أن كل نسخة من أي أصل هي كاريكاتور منه.

لكني لا أعتقد أن مشكل الجلاصي معه له علاقة بهذه القضية أي بطبيعة القطيعة بل هو ذو علاقة بالبورقيبية من حيث هي أسلوب حكم يشخصن السياسي فيحول الحزب إلى “جوقة” تخدم شخص بصرف النظر عن القضية التاريخية المتعلقة بطبيعة دور الحزب التي تشبه المقابلة بين الحزب الأوروبي والحزب القومي في إشكالية تحقيق شروط السيادة في عصر العماليق: فأظنه مثل الغنوشي يريد حزبا قطريا.

وبهذا المعنى فالجلاصي هو البراغماتي لأنه يريد حزبا حديثا وديموقراطيا وقطريا ولا يمانع في التعامل مع الأقطار الأخرى ولكن ليس بالمعنى الذي يتجاوز القطيعة التي احدثتها سايكس بيكو الأولى بالقضاء على ما يجمع أقطار الإقليم جمعا يتجاوز القطرية بالمعنى الذي يدافع عنه من يتكلمون على النموذج التونسي.
وهو إذن أميل للقطرية منه لما يتجاوزها.

الخلاف هو حول الحزبية البراغماتية بالمعنى الديموقراطي وبالمعنى “الزعيموقراطي”.
فالغنوشي صار يتصرف مثل أبي عمار في علاقته بفتح
والجلاصي يريد حزبا مدنيا وديموقراطيا.
ولا أعتقد أن الحلين يمكن أن يناسبا ما يجري في الاقليم حاليا لأنه تحول إلى معركة في حدود تونس وفي حدود العاجل الدال على اليأس من الآجل رغم أنه يدق على الأبواب من ناحيتين:

  1. فداخليا تونس تكاد تخرب بالمشروع الذي يمثله الرئيس وهو أخطر مشروع قد ينتهي بتونس إلى اللبننة فيتقاسمها حزب الملالي وحزب فرنسا والنهضة في معركة اعتبرها تافهة أو على الاقل ليست في محلها حاليا.
    ولا ألوم الصديق المستقيل خاصة وهو قد اشار إلى ما يمكن أن اعتمده للدعوة إلى الصلح في النهضة: التواصيين.
    لكني أعجب من تمادي الغنوشي في أخطاء قاتلة قد تكون نهايتها ما انتهى إليه بورقيبة: لعنة التاريخ.
  2. وخارجيا حفتر في ليبيا وتوابعه من الحفاترة في تونس يمكن أن يكونوا الرديف الثاني لمشروع الرئيس لأن هؤلاء يعتمدون على الفريق الثاني من الثورة المضادة التي يمولها حفتريش الخليج التابع لإسرائيل بحيث إن الثورة المضادة بشقيها التابع لإسرائيل وأمريكا والتابع لإيران وروسيا سيغزوان تونس التي لن يبقى لها أدنى قدرة على الصمود إذا انفرط عقد النهضة في هذه اللحظة الخطيرة من تاريخها.

هذا وقد حذرت الغنوشي من الكثير من أخطائه رغم أني لست من حزب النهضة لكني من حزب النهوض الذي يتجاوزها.
وكل الحلول التي يلجأ اليها تأتي متأخرة لأنه رفضها في الإبان.
وإذا واصل بهذه الطريقة فهو الذي سيجعل الحفتريش وموسي ينتهيان بتونس إلى مآل هو عين مشروع من أولهما إلى حكم تونس بأخطائه التي لا تحصى ولا تعد والتي أضعفت النهضة وافقدتها صلتها الروحية بشباب تونس وحتى بكهولها: حزب فرنسا وحزب إيران.
وقد أعلنت بأني -دون أن أدخل في معارك النهضة -لن أسكت عن معارك النهوض إذا هي أضرت به ما دمت حيا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي