معارك القيم والهوية – الإستراتيجية الفرنسية لنهب الثروات الوطنية

**** معارك القيم والهوية الإستراتيجية الفرنسية لنهب الثروات الوطنية

الله وحده يعلم السرائر لكني أتساءل عما كان يعتمل في سريرة السبسي وهو يسمع ماكرون يقول ما قال: هل اعتبر ذلك تكريما له أم إهانة؟ اما من لاأحتاج لسؤالهم عما يعتمل في سرائرهم فهم من دافع عنهم ماكرون ومن هاجمهم في خطابه الوقح. فأولئك اعتبروه قد أكرمه. وهؤلاء وأنا منهم اعتبره قد أهانه

فبوصفي من “الظلاميين” الذين يحاربهم ماكرون وحركيو تونس اعتبر ما حصل هو من جنس “ربط المستعمر على كتف الانديجان” عندما يعبر له عن اعجابه بما تحقق لديه من دور القرد المحاكي لمستعبده. ذلك أني لا أفهم علة كون ماكرون فخورا بتونس وتدخله في معاركها القيمية ووصف صفيها. فهذا الغر الذي ليس هو إلا دمية من دمى روتشيلد لا يستطيع أن ينبس بكلمة ضد الصف الثاني من معارك القيم في بلاده فيصفه بالظلامي إذ لا تخلو فرنسا ممن يرفض المثلية والاجهاض وحتى المساواة في الارث. ولعله أقرب الناس إليهم: فهل يجادل في نظام ارث اصهاره وحق عجوزه؟ لم أر رد فعل الرئيس خلال خطاب ماكرون. لكني رأيت حواره الصحفي. وفيه كان شديد الحذر. أكاد أقول إنه كرر نفس الخطاب الذي رد به بورقيبة في حواره مع فضائية منذ عقود بعدم نسبة إصلاحاته بكونها ناتجة عن توصر علماني لتونس بل نسبها إلى قراءة تحديثية للإسلام وفهم نصوصه. كما أنه نسب أهمية الفرنكوفونية وردها في النهاية إلى “حب الفرنك” أكثر من حب” الفرنسية” كالحال عند البعض لأنه تكلم على “الانتفاع” (بروفيتي) منها دون أن يعتبرها جهازا ذا قرار سياسي مهم. وفي الحالتين فهمت أنه لا يريد “سب” المستقبل لدرايته لأن “مزاج” الشعب التونسي تغير حقا. فتدخل ماكرون الوقح والفج وسذاجة كلامه “نحن فخورون بكم” و”التيراد” التي تشبه جزءا من حملة انتخابية ستجعل الغالبية العظمى من الشعب التونسي ينفر من “الحركيين” في تونس لانه يكتشف بذلك أن الامرلاعلاقة له بالتقدمية والتحديث بل هو جزية معنوية لحماية حركيين لم يهاجروا مثل حركيي الجزائر فحداثة الفترينة عرتها الثورة وتبين أن الشعب التونسي في أعماقه ما يزال مؤمنا بأن التقدم والتحرر مسار ذاتي له نسقه الذي لا يحدده غيره والسبسي كما أعرفه لا تنقصه الواقعية ويعلم ان اتباع نصائح “الرؤوس الملتهبة” قد تجعل نهاية عهده بداية حرب أهلية لا يتمناها. ويعلم خاصة أن الشعب التونسي لم يعد قابلا لأن يلهيه أحد عن قضاياه الوجودية وأنه تجاوز مهارب الهوية التي استعملتها فضلات اليسار والقومية الميتة لأن مضمون خطابها اليساري والقومي الجامد لم يعد يحرك أدنى اهتمام لدى الشعب إذا ما استثنينا من تحنطت شخصيتهم في مرحلة المراهقة. وما أخشاه عليه ليس الغفلة عن التغير الكيفي في مزاج الشعب التونسي بخصوص قضية الهوية وخاصة بخصوص قضية استعداده للدفاع عن حرياته العقدية والقيمية وسعيه لعلاج قضاياه الحقيقية المتعلقة بالرعاية الحماية واستكمال شروط الاستقلال واسترداد ثرواته المنهوبه بل داء المناورة السياسوية. فقد يتوهم أن ابتزاز الإسلاميين بهذه القضية لجعلهم يناصرونه في معركة شقوق حزبه ورقة رابحة. ولا أشك أن لها أثرا قد يكون كبيرا بسبب بعض الاستعجال عند البعض منهم طمعا ما في اعتبره من المستحيلات في الظرف المحلي والاقليمي الضيق والعام وحتى الدولي: لا أحد يقبل بحكم الإسلاميين حاليا. وقد حذرت من أخطار هذه العجلة. كان ينبغي ألا يحدث ما حدث في البلديات وكان ينبغي ألا يلامس الإسلاميون الحد الذي قد يخيف اعداء الديموقراطية باسم الدفاع عنها من الخطر الذي يتهمونهم به. ذلك أني لا أنكر أن حزبا خياراته القيمية مطابقة لغالبية شعبه يمكن أن يحول دون تعدد القوى السياسية ولذلك فإني أرى أنه من واجب الإسلاميين أن يكونوا أحرص الناس على إيجاد شروط التعدد الفعلي على الاقل في مرحلة الانتقال الديموقراطي وألا يتعامل مع الوضع وكأننا في ديموقرطية مستقرة وثابتة بحيث يكون الحكم الوحيد هو الصندوق. ولهذه العلة طالبت بمساعدة العودة السوية للدساترة في تونس. فهؤلاء يتوفر فيهم الشرطان الضروريان لجعل التعددية تكون سياسية وليست متعلقة بالهوية. فالشعوب السوية تعددها السياسي مداره البعد السياسي من حياة الجماعة وليس بعد الهوية التي هي المشترك الذي يجعل الجماعة متعايشة سلميا بمقتضى تراثها وليست في حرب أهلية بين فصيلين منها. فحزب الدستور الجديد أو البورقيبية وحزر الدستور القديم أو الثعالبية -والإسلاميون هم شكلها الحالي-لم يكن الخلاف بينها معلقا بالهوية بل بالاستراتيجية السياسية. لذلك اعتبرت السبسي في حواره التلفزي أمس -بالفرنسية- واصل هذا الخط لأنه نسب الاصلاح إلى هذا النوع من الخلاف. وإذا كان الخلاف في المسائل القيمية متعلقا بالاجتهادات التأويلية وليس كما يريده أعداء الهوية والإسلام فالأمر ليس جديدا لأن حركة الإصلاح منذ قرنين هذا مدارها. ولذلك فخلافي مع لجنة التسعة لم يكن حول موضوعها بل حول طبيعتها: فهي أداة تدخل الدولة وليست أداة بحث علمي. ومثلما أعيب على بعض الأسلاميين في التعجل لقطف ثمرة لم تنضج وهم لا يجهلون أن حكم الإسلاميين لن يكون سويا من دون أن يتوفر شرط كونه تداوليا وليس حائلا دون التداول ومن ثم من دون أن يتوفر حزب ند له خيارات سياسية أخرى دون أن تكون متنافية مع القيم المشتركة فإن العكس أيضا صحيح. ففي مقابل الاستعجال الإسلامي نجد “التكرير” في الصف المقابل. ومعنى ذلك أنهم ما زالوا يتوهمون أن الحزب الواحد الذي من صفهم ينبغي أن يبقى هو الحاكم أبد الدهر وبالسند الخارجي وليس بالمقومات الذاتية التي شرطها الصلح مع الشعب وفهم ما حصل من تبدل المزاج الحقيقي في أجياله الحالية. ليست رئيس الدولة يتجول في الأسواق وفي المدن والقرى والأرياف حتى يرى أن الشعب التونسي لم يعد كما يتوهمه “الحركيون” الذين يحيطون به ويغالطونه: فالشباب المتعلم -وهذا فضل لا ينكره أحد على العهد البورقيبي-لم يعد يقبل أمرين: التبعية الحضارية والتفريط في سيادة الوطن. ولا أظن السبسي مهما قيل فيه يقبل بأن يحسب على حزب توابع فرنسا. فهو من الرعيل الاول وممن شاركوا بمقدار في حركة التحرير وهو أعلم الناس بأن التحرير لم يستكمل وأن السباب عيل صبره برؤية النهب النسقي لثروات الوطن من فرنسا التي “يفرح” رئيسها بإحياء “حرب الهوية” فيها. ذلك أنه يعلم أن هذه الحرب لو أججت من جديد لأمكن لفرنسا أن تواصل نهب ثروات الوطن بعد أن يفعلوا بتونس ما فعلوا بالجزائر منذ التسعينات وما يفعلون بليبيا. لكن تونس بفضل الله وبفضل الوعي الشبابي لن تقع في هذه الورطة وقد أحسست أن كلام الرئيس في الحوار يدل على عدم الغفلة عن ذلك.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي