مشروع بحث يمهد لأنطولوجيا الترميز عامة واللساني خاصة – الفصل الخامس

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله مشروع بحث

نختم القول في مشروع البحث بالمقابلة بين مجالات علوم اللسان الثلاث المعلومة (1-النظم أو علاقة الرموز بعضها بالبعض 2-والدلالة أو علاقة الرموز بالمرموزات 3-والتداول أو علاقتها بالتواصل بين مستعمليها) والمجالات التي تضاعفها والتي ينبغي الانطلاق منها مع التأصيل الانطولوجي للسان. والتأصيل الأنطولوجي هو موضوع الدراسة التي ننوي القيام بها بالمقارنة بين نوعي الألسن التي يغلب عليها الاشتقاق والتي يغلب عليها النحت (علما وأنها جميعا تتضمن النوعين وتتمايز بأيهما الأغلب) استنادا إلى مثالين العربية للأولى والألمانية للثانية. لذلك فسنكتفي بالنظائر الثلاثة فحسب. فالنظم والدلالة والتداول ثلاثتها مضاعفة: نظم الكلام التداولي الدلالي غير نظم الكلام التداولي المعنوي أو غير الدلالي لأنه عديم المرجعية الخارجية. ومن ثم فالنظم نوعان لأن الدلالة Bedeutung لا تكفي بل يوجد معها المعنى الذي ليس له دلالة خارجية Sinn وهو مجال المقدرات الذهنية. والمقدرات الذهنية (الرياضية) بنى فرضية منها ما يطبق الدلالة ومنها ما لا يطابقها والتجربة العلمية وظيفتها تحقيق هذه المطابقة ونفس ما نقوله عن العلوم نقوله على الأعمال. والمقدرات الذهنية (السياسية) بنى فرضية منها ما يطابق التجربة العملية ومنها ما لا يطابقها فلنعاملها بالمثل. إذن عندنا رياضيات كمقدرات ذهنية نظرية وتطبيقها على التجربة الطبيعية يعطينا العلم النظري. وعندنا سياسة كمقدرات ذهنية علمية وتطبيقها على التجربة التاريخية يعطينا العلم العملي. والسياسة كمقدرات ذهنية هي الفنون عامة والادب خاصة. وهي ترد إلى تعامل الإنسان بصفاته الخمس مع احياز وجوده. وأحياز الإنسان نوعان خارج ذاته وفي ذاته: فخارج ذاته الجغرافيا والتاريخ وفعل الأولى في الثاني أو مقومات التراث الرمزي وفعل الثاني في الاولى أو مقومات التراث المادي والاصل هو الصورة المثلى لوجوده سواء صيغت فلسفيا أو دينيا. وكل فرد كيانه الذاتي هو عينة مصغرة من هذه الأحياز: فبدنه هو مكانه الذاتي (أو جغرافيته) ونفسه أو روحه هي زمانه الذاتي أو (تاريخه) وزاد فكره الحاصل فيه هو تراثه وزاد بدنه الحاصل فيه هو ثروته ومرجعيته هي صورة ذاته المادية (كيفيات بدنه) وصورة ذاته الروحية (كيفيات نفسه). ولا يوجد وعي تام بالتناظر بين نوعي الأحياز خاصة بعد أن أصبحت الإنسانية متحدة الجغرافيا والتاريخ والتراث والثروة والمرجعية أو هي بصدد الذهاب إلى هذه الغايات التي يعتبرها الإسلام ملازمة للإنسان حتى عندما كانت المكان والزمان والتأثير المبادل بينهما يبدوا فاصلا بينهم وبين مرجعياتهم. وفي الحقيقة فما تحقق في الأحياز الخارجية الآن أو ما هو بصدد التحقق متحقق من البداية في الأحياز الذاتية لكل فرد لأن له بدنا ونفسا وزادا مادي وزادا روحيا ومرجعية كلها كونية البنية والمقومات حتى. فمثلا اللون لا يغير وظائف البدن والثقافات لا تغير وظيفة الرمز ومن ثم فالإنسانية واحدة. وكل تخريف ما بعد الحداثة وخاصة نسخها الباهتة عندم من يسرقون أفكارها ليردوا عليها بها متصورين ذلك استقلالا فلسفيا علتها عدم فهم هذين الكليين الموحدين للإنسانية وراء الثقافات التي هي أساليب مختلفة لنفس الوظائف تماما كما يعتبر اللون في البدن لا يغير وظائف البدن. وهذه هي الانثروبولوجيا الفلسفية (وهي الدينية في الإسلام) تتعالى على الاساليب الثقافية لتصل إلى وحدة وظائف الرمز الكونية مثلما تتعالى على أساليب البدن (كاللون والحجم والجنس) لتصل إلى وحدة وظائفه. منطلقنا هو تناظر التعاليين للوصول إلى مقومات الوظائف العضوية والوظائف الرمزية. وهذا المنظور هو عينه منظور ابن خلدون عندما استعمل البشري والإنساني في كلامه على العمران والاجتماعي انطلاقا من انثروبولوجيا قرآنية وفلسفية في آن أي من نظرية في الإنسان الكوني الذي لا يختلف عمرانه واجتماعه مهما اختلف كيانه العضوي بنوعي أحيازه وكيانه الرمزي (بنوعي التعامل). وقد شرحت القصد بنوعي الاحياز ولأشرح الآن نوعي التعامل: التعامل الغائي للذوق وهو مجال الذوق والخيال ويمثله المعنى لا الدلالة والتعامل الأداتي للعلم وهو مجال المعرفة و”الواقع”. لكن العمل مشروط الذي يحقق غايات الذوق بأدوات المعرفة النظرية والعملية في التربية والحكم بعدي السياسة. اعتبرنا المقدرات الذهنية النظرية أو الرياضيات العالية شرطا في علم الوجود الخارجي عند انطباقها على التجربة العلمية التي تبدعها هي أيضا وقسنا عليها المقدرات الذهنية العملية أو السياسيات العالية شرطا في عمل الوجود الخارجي عند انطباقها على التجربة العملية التي تبدعها هي أيضا. حصل عندنا: في النظر: 1. رياضيات عالية مطبقه على التجربة العلمية في الطبيعة تعطينا 2. رياضيات تطبيقية هي علوم الطبيعة. وفي العمل: 1. سياسيات عالية مطبقة على التجربة العملية في التاريخ تعطينا سياسيات تطبيقية هي علوم التاريخ. 2. والفنون ومنها الادب العالي أعلى منهما لأنه جامع بينهما. وإذا فالفنون وخاصة الأدبية هي أصل المقدرات الذهنية الرياضية والسياسية. وهي مبدعات ذهنية إنسانية ويمكن القول إن الوحي يفهم بالقياس إليها. أما ما يتعلق بطبيعته فهي قضية إيمانية وليس قضية علمية: هل الوحي منزل بذاته أو منزل فيما جهز به الرسل من قدرة على تبليغه أو حتى صوغه. والفرق واضح بين الامرين: لكنه واحد في الوحي كما يصفه الرسول الخاتم. فهو يتلقاه مصوغا بنصه وأحيانا كجرس يصلنا كنص فيكون الجرس ليس مضمون الوحي بل التنبيه بوصول الرسالة. فالقرآن يحسم بأنه كله نص منطوق بلسان العرب (بلسان عربي لعلكم تعقلون أي تفهمون). فتكون الآداب الأولى لدى كل الشعوب ذات صلة بنصوص متعالية مقدسة والخلاف بين الامم حول مصدرها وليس حول مضمونها: هل هي وحي متلقى أم هي من إبداع الإنسان. والخلاف لفظي: لأن الإنسان المبدع متلق لها إذا كانت إبداعا بحق يعالم شروط قيام الإنسان المادي والروحي موجه للإنسان قبليا. والقرآن تجاوز الخلاف لأنه لم يجعل الوحي أصلا لهذه القيم والمعاني بل جعله مذكرا بها لأنها مكتوبة في فطرة الله التي فطر الناس عليها. الأنبياء والرسل يذكرون ولا يأتون بشيء ليس قائما في أصل مقومات الكيان الإنساني والذي يسميه القرآن فطرة ويسميه من لا يؤمن به طبيعة. وحقيقة الخلاف وراء ذلك: القائل بالفطرة يؤمن بأن الله هو الذي خلقها وذلك هو الدين القيم. أما القائل بالطبيعة هو الذي يتصور الطبيعة خالقة. فيعود الأمر الذات الخالقة لذاتها ومن ثم فهو تأليه للطبيعة وذلك هو مفهوم الدهرية والإلحاد الذي يرد إلى وحدة الوجود ما يعني أنه إيمان لا واع. ذلك أنه بمجرد أن ينفي وجود الخالق وراء الطبيعة والآمر وراء التاريخ كان ينبغي أن ينفي وجوده المستقل عن الطبيعة فيكون خاضعا للضرورة الطبيعية مثله مثل الحجر والشجر. فتكون كل أفعاله حركات مضطرة أو جبرية ليس له حرية: فيقد الإرادة والعلم والقدرة والحياة والوجود المثبتة لذاتيته. كل إبداعات الإنسان وخاصة ما يتجاوز منها الدلالة أي الخضوع لشرط يعتبر مبدعاته التي لا تطابق تجاربه الحسية مجرد أوهام. لكنها في الحقيقة شرط التعامل مع الوجود الخارجي باعتباره ممكنا لا ضروريا وليس الوحيد ولا الأسمى: الإبداع دليل حقيقة الإيمان بما تعالى على مداركنا الحسية والعقلية.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي