مشروع بحث يمهد لأنطولوجيا الترميز عامة واللساني خاصة – الفصل الأول

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله مشروع بحث

الفصل الاول

سبق أن كتبت في ضرورة إعادة النظر في العلوم العربية حتى تصبح قادرة على فهم القرآن حيث بينت أنها ليست مؤلفة مما ظننت أنها مؤلفة منه أي من ثلاثة عناصر هي الاسم والفعل والحرف بل من خمسة لأن أصل هذه العناصر المضاعف متقدم عليها وهي ترد إلى وحدة مقوميه رسما وموسيقى: اسم الفعل واسم الصوت.

وهذان هما عامل التأثير الرئيس في القرآن الكريم. فهو مؤثر برسوم مشاهده وأناغيم العبارة عنها. لكن ذلك لم يكن مقصورا على العربية بل هو يعم كل اللغات. فالنظريات اللسانية رغم ثورتها لم تحدد علل:

  1. خصائص مادة اللسان

  2. وتمايز الألسن بغلبة الاشتقاق أو النحت عليها

مسألتان سأدرسهما بالاعتماد على المقابلة بين لسانين هما العربية التي يغلب عليها الاشتقاق في تأليف مواد الفاظها والألمانية التي يغلب عليها النحت في مواد ألفاظها. لكن ذلك لن يكون في التويتر بل سيضم إلى الدراسة السابقة حول ما ينبغي اضافته لمقومات اللسان عامة واللسان العربي خاصة.

سينشر البحث إن شاء الله قريبا. وهو سيكون ذا شكل أكاديمي أي مشفوع بتأسيس الفرضيات وعرض الأمثلة ومناقشة ما يمكن أن تعارضه أو يعارضها مما سبق من علاجات أكاديمية وعلل غفلتها عنها أو رؤيتها بمنظور آخر مع مراجحة الحجج بأدلة عينية من اللغتين.

فلست أصدق أن مادة الألسن تختلف بالصدفة بل لا بد أن يكون لها أساس قابل للتعليل البعدي بالاستناد إلى ما يترتب عليها من فاعلية في أداء الوظائف التي تؤديها اللغة الطبيعية التي هي ما بعد كل اللغات المختصة في الحضارة التي يتكلمها أهلها ما يجعل بعدها التدوالي ذا درجتين.

فالتداول العام في الجماعة يختلف عن التداول الخاص بين أي جماعة تشترك في الاختصاص. ما يجعل المحدد للدلالة ِوالمعنى هو المستوى المختص والمستوى العام. فتكون اللغة في المستوى الثاني صناعية وليست طبيعية بخلافها في المستوى الأول الذي هو ذو دلالة غائمة لا مختصة وشديدة الاشتراك.

والقصد بالمقابلة بين الدلالة Bedeutung والمعنى Sinn معروف وهو من أهم إشكالات المنطق وفلسفة اللغة. وإلغاء كواين للمعنى مكتفيا بالدلالة التي هي قدر الالتزام الوجودي في تحديد قيم المتغيرات في العبارة المجردة التي تتألف منها لغة العلم المنطقية لا يلغي وجودها.

فسلامة التواليف اللسانية مثلا رغم عدم وجود مرجعية وجودية تطابقها تضعنا أمام معان ليس لها دلالة في الوجود الخارجي لكنها معان مقبولة بقوانين التأليف بين عناصر اللسان. وهي نوعان: فالرياضيات والآداب لا تحيل إلى مدلول خارجي لأنها تواليف بين متغيرات بلا قيم وبلا شخصيات عينية.

وذلك هو الفرق بين الرياضيات والطبيعيات في المعرفة النظرية وبين الأدبيات والتاريخيات في المعرفة العملية. وابن تيمية يسمي النوع الأول مقدرات ذهنية معرفية. وقياسا عليه سميت النوع الثاني مقدرات ذهنية ذوقية. وهو يعتبر الاولى وحدها قابلة للعلم الكلي والضروري.

وأنا مثله اعتبر النوع الثاني وحده قابلا للعمل الكلي والضروري. ومثلما أن علم الموجودات الخارجية الطبيعية مشروط بالنوع الأول مطبقا على التجربة الحسية فإن علم الموجودات الخارجية التاريخية مشروط بالنوع الثاني مطلقا على التجربة الروحية. والتجربة الرمزية تجمع بين التجربتين.

ما العلة التي تجعل التقديرات الذهنية في العلم والأدب لها هذه الخاصية؟: انها مجال العلم والعمل الكلي والضروري وأن التعيين يفقدها الكلية والضرورة. ذلك هو ما حاول ابن تيمية بيانه بالنسبة إلى علوم الطبيعة ولم يذهب إلى الغاية في بحثه مكتفيا بإشارات إلى اللبيب من البشر.

لكن يبدو أن عصر الانحطاط حال دون فهم إشاراته رغم أن قرنه كان خصبا في الكفاءات التي من حجم ابن خلدون والشاطبي. لذلك فيمكن أن نحاول من جديد استئناف البحث في إشاراته مع تعميمها على كل ابداع من هذا الجنس في العلوم والفنون النظرية والعملية منهما.

ذلك أن العلوم النظرية والعملية يمكن ان نقابل بين عصريها القديم والوسيط وعصريها الحديث وما بعد الحديث. فما عرف به القديم والوسيط هو وهم نظرية المعرفة المطابقة بين العلم العمل وموضوعهما وما عرف به الحديث وما بعده هو نقيضه وهو التسليم باستحالة المطابقة في المعرفة والعمل.

والقول باستحالة المطابقة في النظر والعمل الفعليين اللذين هما علاقة بموجود خارجي ليس من صنع الإنسان فيه اعتراف مضاعف: الإنسان لا يعلم كليا وضروريا إلى ما كان موضوعه من صنعه وما عداه فيه شيء من الغيب لا يمكن الإحاطة به. وهو ما يؤديه إلى المقابلة بين مبدعين مطلق ونسبي.

فنصل بذلك الى المقابلة بين قطبي المعادلة الوجودية: الله والأنسان المتحاورين دائما بعلاقة التناظر بين النسبي والمطلق وبتوسط الطبيعة والتاريخ ثمرتين لهذا التناظر بين النسبي والمطلق. ويمكن لمن يجحد الله أن يؤله الإنسان ولمن يجحد الإنسان أن يؤنس الله: فهما متلازمان دائما.

وإذا كان البعد التداولي من علم اللسان يفيد بان التداولي ذو مستويين فينبغي أن نثبت كذلك أن للبعد الدلالي مستويين والسانتاكسي كذلك له بعدان. وهذا ما ننوي اثباته: فالدلالي نسبة بين الدال والمدلول للجماعة التي تصل بينهما وصلا يجعل الأول دالا على الثاني في تواصل المتكلمين بها.

لكنه لا توجد جماعة يكون كلامها كله ذا مدلول خارجي بل يمكن أن يكون أغلب كلامها ذا مدلول لا وجود لمدلول يطابقه في الخارج وهو كل مبدعات خياليها التي ليس لها نظير فيما يسمى “واقعها”. وهذه المبدعات تنقسم إلى نوعين أساسينك العلم والفن. وقبلهما ربما كل الميثولوجيات والخرافات الشعبية.

فيكون البعد الدلالي من اللسان كل لسان محيلا إلى عالمين:

– عالم الموجودات الخارجية التي نعتقد أنها موجودة لأنها محسوسة.

– وعالم الموجودات التي نعتقد أنها غير موجودة وهي من إبداع الخيال في العلم والفن وكل الاساطير والخرافات.

والفرق بين العالمين أن الأول ليس من صنعنا والثاني نتوهم أنه من صنعنا. فيكون المدلول في الأول مرجعية خارجية والمدلول من الثاني ليس له مرجعية خارجية وهو بلغة المنطق يمثل المعنى Sinnبالقياس إلى الدلالة Bedeutung وهو من معضلات المنطق وفلسفة اللغة.

عندما أتكلم على جبل من الذهب مثلا أعلم أنه لا يوجد جبل من الذهب لكن للكلام معنى رغم أنه ليس له دلالة أو مرجعية خارجية. فيكون المعنى هو سلامة التركيب أو التوليف الرمزي رغم أنه لا يطابق موجودا خارجيا. وهذا جوهر العلم الذي يصفه ابن تيمية بالتقدير الذهني مثل الرياضيات ومثله الأدب.

وما قلته عن ازدواج التداولية والدلالية للرموز اللسانية يقال كذلك على السنتاكس: ذلك أن سنتاكس البعد الدلالي من الرمز اللساني غير سنتاكس المعنى. ويمكن ان نميز بين قوانين السنتاكس في الدلالة عن قوانينها في المعنى. الأولى للدلالة والثانية للبيان. والوظيفة البيانية أوسع من الدلالية.

وهذا التمييز وحده كاف لدحض نظرية المرحوم الجابري الذي جعل البيان دون العرفان ودون البرهان. ورغم رفضي لثالوثه من أصله فإني قلت إنه يمكن أن يقبل بشرط قلبه: أي إن البيان هو الأسمى من العرفان والبرهان فيكون البرهان وخاصة بدلالته القديمة في ذهنه هو أدنى مستويات الترميز.

والأطروحة التي يسعى البحث لإثباتها هي أن علوم اللسان الثلاثة التقليدية كلها مضاعفة: التداولي والدلالي والسانتاكسي مضاعفة كما أوجز بيانها والأصل فيها او أنطولوجيا اللسان المتعلقة بمادة اللسان ووظائفه ما تزال مضمرة في هذه النظريات التي لم تلتفت لعلة المضاعفة فيها جميعا.

وما كنت لأهتم بالمسألة لو لم يكن علاجها ضروريا لمحاولة فهم لغة القرآن فهما يقتضيه ما أحاوله من قراءة فلسفية للقرآن بوصفه مابعد الأخلاق التي تؤسس لاستراتيجية توحيد البشرية بقيم الاستخلاف التي هي عين كيان الإنسان الطبيعي والروحي كما بين المعادلة الوجودية.

وهذا يعني أننا إذا قبلنا بالمقابلة بين الحقيقة والمجاز-والمعلوم أن ابن تيمية يرفضها وأنا مثله افعل-فإن المجاز متقدم على الحقيقة وأن مفهوم الحقيقة بهذا المعنى هو توهم العالم المحسوس هو الوجود الحقيقي وأن ما يعتبر مجازيا هو خيال إنساني. واعتقد أن هذه “الحقيقة” جزء ضئيل من الوجود.

فمهما تخيلنا لا يمكن أن نتجاوز عالم الإمكان الذي لا يمثل العالم المحسوس والمعيش إلى نقطة من أقيانوسه ومن ثم فالبيان أو الأبعاد الثلاثة الملازمة لما كان معلوما من أبعاد علم اللسان المناسبة للمحسوس التي هي من ثم أدنى وظائف اللسان كأحد أنواع الترميز للإمكان عامة.

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي