لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهمسخ الكيان
كلما سمعت مسلما حتى لو اقتصر اسلامه على الانتساب لحضارة الإسلام يتهم كونية قيمها داعيا إياها بتغييرها علمت انهزامه الروحي والخلقي فلن تجد حتى بين أعدى أعداء الأمة من خارجها ممن له دراية بالتاريخ ينفي عن قيمها الكونية حتى في أسوأ لحظاتها التي بلغت قاع الانحطاط الحضاري.
لكنك اليوم لا تسمع من حكامها والنخب التابعة لهم أو لحماتهم إلا التحقير من أهم قيمتين عرفت بهما: الاجتهاد والجهاد. فلا وجود لأمة حرة بدونهما.
فأن يكون الإسلام دينا يجعل الاجتهاد والجهاد فرضي عين هذا ما أعتبره مما علينا أن نفاخر به دائما. وإساءة استعمالهما تنقص من قيمتهما وفضلهما.
فحتى من يتهمون بالإرهاب والتطرف فإن ما ينبغي أن يعاب عليهما ليس الاجتهاد والجهاد بل استعمالهما بأسوأ صورة لا تناسب أصلهما الفكري والخلقي.
من المشروع أن يدافع الإنسان فيقاتل من يحتل أرضه ويعتدي على عرضه. وقتاله بشرف الفرسان وأخلاقهم لا يعد إرهابا وتطرفا إلا عند المعتدي وعملائه.
وليس لي ما أعيبه على المقاومين إلا أحد امرين:
– إما الغفلة عن طرق الدفاع بهذه الأخلاق بحسن نية.
– أو الارتزاق لدى من يوظفه لتشويه القيمتين.
والغفلة عن طرق الاجتهاد والجهاد في المقاومة المشروعة لا يقبل جرما عن الارتزاق باختراق أصحابها حتى يشوه الاجتهاد والجهاد الواجبين فرض عين.
وبهذا المعنى فيمكن أن أصنف المنتسبين إلى الحركات التي يتهمها الأعداء وعملاؤهم بالتطرق والارهاب إلى هذين نوعين:
– الغافلين بصدق
– ومستغفليهم
وخطابي يتوجه إلى الغافلين المنتمين بصدق لمقاومة العدوان سواء كان داخليا من الحكام ونخبهم أو خارجيا من حكاتهم وميليشياتهم: فإصلاحهم ممكن.
فلماذا أولا ينبغي أن نفخر بكون الإسلام قد جعل الاجتهاد والجهاد فرضي عين على الجنسين؟
فالأول علته تحرير الإسلام الإنسان روحيا من الوسطاء.
والثاني علته تحرير الإنسان من الأوصياء في السياسة كما حررهم الأول من الوسطاء في الفكر: حررنا من الكنسية ومن الحق الإلهي في حكم الجماعة
الاجتهاد شرط الحرية الفكرية نظريها وعمليها والجهاد شرط الحرية السياسية عقدا وممارسة. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممارسة للرعاية الذاتية.
وهو جعل الجهاد هجوميا (طلب) حالتين كلتاهما للتحرير: الحرية الروحية والحرية السياسية.
فمن الأولى حماية الحرية الدينية ومن الثانية الفتح.
وهما يتجمعان في الاستبداد والفساد سواء جاء من خارج الجماعة أو من داخلها. والرد عليه هو الفتح: ذلك أنه تحرير للعباد من عبادة العباد.
فعبادة العباد فساد في الارض وفرض لعقيدة لا تساوي بين البشر إذ تجعل بعضهم آلهة والبقية عبيد لهم بدلا من أن يكونوا أحرارا يعبدون الله وحده.
أما جهاد الدفع الذي هو الدفاع عن الذاتي فهو لا يحتاج لتوضيح وغني عن التعليل لأن علته هي العدوان بطبعه يولد رد فعل من جنسه وأقوى لإزالته.
ولولا ما أعيبه على المقاومة من عقم الطريقة والاستراتيجية ومن سذاجة يسرت اختراقها لما كان عندي ما أقوله في الموضوع: فهو يتصدى لعدوان بيّن.
لكن التصدي الذي يتحول إلى تفتيت الأمة بزيادة عدد أمراء الحرب عليها مثل حكام دارها التي صارت محميات للأعداء فليس اجتهادا ولا جهادا: هو خراب.
وهذا ما يتنافى مع القيم الكونية سواء صيغت دينيا أو فلسفيا: فالإنسان من حيث هو إنسان مجتهد ومجاهد بالجوهر لأن صفتيه هاتين هما عين إنسانيته.
فمن لم يكن حرا روحيا لا يقبل وسيطا بينه وبين ربه ومن لم يكن حرا سياسيا لا يقبل وصيا على دوره في رعاية شأنه ضمن الشأن العالم ليس إنسانا أصلا.
وأعلم أن حمقى العلمانيين والقوميين العرب سيعجب بل وسيسخر إذا سمعني أقول إن أكثر الناس عملا بهذين القيمتين اليوم هم: الأمريكان والإسرائيليون.
لكنهم يعتبرونهما حكرا عليهم بخلاف الإسلام الذي يعتبرهما عين حقيقة الإنسان أي إنسان لأنهما عين الأمانة التي قبلها لظلم نفسه لثقل مسؤوليتهما.
عجب الحمقى طبيعي فبلداء العقل لا يرون علاقة حقيقة الإنسان بالحرية الروحية ورفض الوسطاء وبالحرية السياسية ورفض الأوصياء: أمانة الاستخلاف.
لو آمن الأمريكان والإسرائيليون الذين يعملون بهذين القيمتين بحق جميع البشر فيهما لكانوا مسلمين: فالتمييز العنصري ودين العجل تحريف للإسلام.
فلا أحد ذو عقل غير العملاء يمكن أن يجعل سياسته نزع أظافر الامة لئلا تدافع عن نفسها لكأنها هي المعتدية على من يحتل ارضها ويستبيح عرضها.
تصور أحدا يرى معتديا يقتل أبنائه ويغتصب نساءه وينهب أرزاقه ويتحكم في أنفاسه ثم يتهم بأن دينه رباه على الكراهية لأنه اكتفى برفع صوته محتجا. فكل المنافقين من “كبار العلماء” والدجالين من “كبار الليبراليين” قد تنازلوا عن حقيقة الإنسان فيهم فصح عليهم وصف ابن خلدون لجنسهم: مسوخ إنسان.