مرض العرب ومصير المحميات العربية

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله مرض العرب

ماذا دهى العرب؟ ما الذي حدث ليستأنفوا اصناف المهاترات الثلاثة السابقة: 1. بين الانظمة القبلية 2. بين الأنظمة العسكرية 3. ثم بين نوعي الانظمة؟ كانت الأنظمة القبلية تقدم خلافها مع الانظمة العسكرية على خلافاتها فيما بينها فبدت وكأنها أقرب إلى تكوين مجموعة متناسقة. هكذا توهمنا. والأنظمة العسكرية -قومية اشتراكية كما تزعم- كانت بسبب ما تدعيه من سعي للوحدة العربية تجمع بين صراعها فيما بينها وصراعها مع الأنظمة القبلية. وفي الحالتين كانت الأنظمة القبلية أداة امريكية والأنظمة العسكرية أداة للسوفيات. ولما سقط السوفيات صاروا جميعا يتنافسون على رضا أمريكا وودها. لكن بعض الانظمة العسكرية التي تدعي القومية والاشتراكية بسبب التبعية لنظام الخميني لعبت لعبة المقاومة ولا تدري أنها فخ للعرب شديد الفاعلية. ولما جاءت الثورة أو الوعي بمطالب جماهيرية لم يعد الكذب باسم المقاومة والاستعداد للعدو الإسرائيلي كافيا لإسكاتها بعد هزيمة الأنظمة العسكرية. فظهرت حقيقة الوحدة العميقة للأنظمة العربية وكذبة تمثيل الأصالة للقبلية وتمثيل الحداثة للعسكرية: كلها مافيات طائفية في محميات استعمارية. وبذلك لم يعد الصراع بينها مناطه المقابلة بين الأصالة والحداثة ولا بين الإسلام والقومية بل تبين أن مناطه هو شروط بقاء الاستبداد والفساد. وشروط بقاء الاستبداد والفساد يجعل كل نظام وكل مجموعة من المجموعات العربية في مرحلة المناط السياسي الواحد: بين الشعوب والاستبداد والفساد. ومن ثم فقد حصلت وحدة المجال السياسي العربي: ثورة الشعوب والثورة المضادة للحكام والنخب الخادمة لها. والأمر يتجاوز العرب ويشمل إيران. وإذن فوحدة المجال السياسي في الإقليم بدأت بوحدة الثورة المضادة العربية ثم جرت الذراعين فيه جزءا لا يتجزأ فتوحد الإقليم ككل وتفتت دوله بمعيارها. وبه أفهم ما يجري في الخليج وهو محاولة لمنع هذا التفتت بمعيار الثورة والثورة المضادة لكن مداره في الحقيقة هو هذا الصراع المفتت للأجزاء. والغريب أن المغرب العربي كان سباقا في ذلك: فهو كان يبدو خارج الاقليم بسبب شبه قطيعة مع المشرق والتصاق شبه تام مع أوروبا وفرنسا خاصة. لكن ما حدث في الجزائر وانتصرت فيه الثورة المضادة استؤنف في تونس وتبدو الثورة فيه ما تزال متماسكة ولو بكمون مؤقت ثم عمت على الإقليم كله. فنلاحظ أن الصراع الذي كان بين نظام ناصر ونظام فيصل وما يصحبه من مهاترات مضحكة ومبكية صار المنطق العام في كل مجموعة عربية كما نرى في الخليج. حاولت أن أبحث عن “ماوراء” الصراع في الخليج حتى أسهم في رفع مستوى علاج الخلاف بمنطق يختلف عن منطق المقابلة ناصر فيصل لأن الجميع مستهدف. فالطبع يغلب التطبع. ورغم أن قطر ترفعت بنحو ما فالتدني في الصف المقابل لا حد له وبالذات لأن فيه العامل المصري أعادنا إلى منطق صوت العرب. تبين أن الإعلام العربي تلميذ نجيب لخرافات هيكل ومدرسته التي تظن أن السياسة هي المهاترات الكلامية بين الأنظمة في محمياتهم التي يظنونها دولا. كل العرب بلا استثناء لا سيادة لهم لأنهم أعجز خلق الله على وظيفتي الدولة: الرعاية والحماية. بعضهم يتسول الرعاية وبعضهم الحماية واغلبهم كليهما. فلتتنابزوا بالألقاب كأطفال شوارع ولتتفاخروا بالإنجازات التي لن تحقق شروط السيادة لأن وجود هذه الكيانات الهزيلة هو بحد ذاته سبب فقدانها. أما كيف أصبح ذراعا استعمار الإقليم (إيران وإسرائيل) جزء من المعادلة العربية التي وحدتها المقابلة ثورة – ثورة مضادة فبيانه يسير إيجابا وسلبا. فكلاهما تبينت حقيقته التي كان خفية: كلاهما سلاح في الاستراتيجية الغربية لمنع عودة العرب للتاريخ وكذلك عودة تركيا إليه بسبب عودتها لهويتها. كلاهما يخشى نجاح الثورة والثورة المضادة لجأت إليهما: الانظمة القبلية لإسرائيل والانظمة العسكرية لإيران للمساعدة في حربهم على الثورة. للذراعين غايات ذاتية تتجاوز الوظيفة (استرداد امبراطورية كسرى وداود) لكن هذه الوظيفة صارت مقدمة لأن انتصار الشعوب قد يقضي على الغاية الذاتية. والدليل الذي لا يمكن الغفلة عنه هو أن بشار لم يبق بقوة إيران العنيفة بل خاصة بقوة إسرائيل اللطيفة. ومع ذلك فهما خائفان من فشل إفشال الثورة. والدليل الثاني هو أن السيسي ما كان ليبقى لولا قوة إسرائيل اللطيفة التي أسكتت الغرب كله على ما يتنافى تماما مع كل ما يدعونه من قيم يبشرون بها. وما كان ذلك يكون كذلك لو لم يكن الغرب نفسه يخاف نجاح الثورة وخاصة استئناف العرب والاتراك دورهم فهذا يثبت لهم فشل خطتهم منذ الحرب الأولى. لم تنس أوروبا دور العرب بداية ودور الأتراك غاية في كل التاريخ الوسيط والحديث حتى مرض الخلافة في تركيا وسيطرة الانحطاط على مسلمي الإقليم. عندما كتبت في المسألة الخليجية الحالية حاولت تذكير أطراف النزاع بهذه الحقائق وحاولت استخراج ما عللت به موقف قطر وتركيا من تغليب الحكمة. لكني بت أخشى أن تلجأ قطر وتركيا نفساهما إلى نفس اللعبة: فلجوء الرابوع إلى اسرائيل لا ينبغي أن يقابل باللجوء إلى إيران. فكلاهما حصان طروادة. فحلف الثورة المضادة لا يرد عليه بالحلف مع إيران لأن إيران هي منها وأحرص الناس على إسقاط الثورة. والرابوع لا يحالف إسرائيل خوفا من إيران. هو يحالفها لدعم يحتاج إليه للقضاء على الثورة. ومن ثم فهم حلفاء إيران التي تستغل غباوة حلفهم مع إسرائيل لتواصل مغالطة الشعوب بكذبة المقاومة. هل معنى هذا أني أرى أن تقبل قطر وتركيا عزل نفسيهما؟ لكن السؤال الأهم هو: هل هذا الحلف مع إيران يمكن أن يحررهما من العزلة ويساعدهما؟ رأيي أنه لن يحقق لهما الخروج من العزلة وسيخسرهما العامل الفعال للاستفادة من غباوة الرابوع في حلفه مع إسرائيل ومن مواصلة إيران كذبة المقاومة. فلا يمكن لتركيا وقطر أن يدعيا مساعدة الثورة ثم يحالفان عدوتها الأولى في الهلال وفي مصر واليمن وحتى في المغرب العربي رغم كذبة مساعدة حماس. حماس نفسها إذا عادت فوثقت في إيران فلن أصدق بعد ذلك أنها صادقة في تحرير فلسطين وأنها مثل الحركات الأخرى تتاجر بقضيتها بسبب مآل شهوة الحكم. وقد نصحت قياداتها بعدم الجمع بين مجلس النواب والحكومة. فالسلطة التشريعية كانت كافية لأن تحافظ على سلطان معطل دون اضطرار لمآلها الحالي. ذلك أن من يأخذ السلطة التنفيذية مضطر لكل ما يترتب عليها لمسؤوليته المباشرة على رعاية الشعب ومن ثم على التعاون مع المحتل والاعتراف به. أعلم أن الساسة لا يثقون كثيرا في التحاليل النظرية. لكنهم سرعان ما يرون النتائج التي يتوقعها هذا التحليل عندما يكون مبنيا على طبائع الأشياء. لا أريد أن اتكلم فيما سبق فيه السيف العذل. لكن الكلام يتعلق بمنع هذا السبق في المستقبل. لأني أؤمن بالمثل الشعبي القائل: اللوم بعد القضاء بدعة.

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي