لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفلهمرض العرب الغرق في العاجل لعدم النظر في الآجل
ليس من اليسير علاج هذه الأدواء وخاصة لدى النخب التي بيدها الحل والربط بقدر ما يسمح لها حاميها لأن كل البلاد العربية بل والإسلامية محميات ليست نخبها بحق صاحبة حل أو ربط في الأمور ذات الدلالة الاستراتيجية. ولما كان التغيير مشروطا باستراتيجية تعالج هذا الداء الاصلي فلنتكلم عليه.
فما لا يسمح به للنخب هو أصل العلاج الحقيقي لكل هذه الادواء: إنه عدم السماح للعرب -وهنا اقتصر على العرب-والمسلمين (تذكر ما حدث لمشروع الثمانية الذي كان نهاية رئيس ذي النزعة الاسلامية قبل اشباله الحاليين. لا يمسح لهم بالتعاون فضلا عن التكامل حتى وإن كان في العرب نزعة جاهلية.
وما أسميه نزعة جاهلية هو رفض الوحدة بينهم حتى إني اعتبرت أكبر معجزة للرسول الخاتم هي استطاعته توحيد العرب أو على الأقل تكوين رجالات استطاعوا من بعده المحافظة على وحدتهم مدة ثلاثين سنة هي كل ما يمكن اعتباره مرحلة الزراعة التأسيسية لكل ما نسميه دار الإسلام الحالية.
فلو لم يستطع الصديق توحيد المركز لقضت الردة على المشروع الذي جاء به الإسلام ولو لم يؤسس الفاروق التقويم التاريخي المتميز لما برزت هوية استهلالية لتاريخ كوني جديد ولو لم يوحد عثمان المرجعية لانفرط عقد الامة بتفتت القرآن نتحا كل له قرآنه. ولولا ذلك لكانت الفتنة الكبرى ضربة قاضية.
لكن المشروع بفضل مركزه المكاني والزماني والمرجعي وتحقيق ذلك على الأرض لأن جل ما أصبح قلب دار الإسلام كان بعد قد تحقق قبل الفتنة الكبرى أمكن له الصمود والتغلب على أربع حروب أهلية حتى استقر له الأمر في المرحلة الثانية من الدولة الأموية (عبد الملك) فأسس شرطي الدولة الكونية: الرمزين.
والرمزان هما رمز التواصل ورمز التبادل أي اللغة والعملة. فالعربية صارت لغة العلم العالمية بفضل تعريبه للإدارة التي كانت ما تزال فارسية وبيزنطية وصك العملة كان بداية الاستقلال الاقتصادي لامبراطورية جديدة على آثار الامبراطوريتين اللتين كانتا مستعمرتين لقلب دار الإسلام.
ولما كان العمل على علم في مقومات وجود الإنسان كفرد وكجماعة هو استراتيجية فعل الإرادة وفعل العلم وفعل القدرة وفعل الحياة وفعل الوجود أو الرؤية وكان ذلك هو الاستراتيجية التي نحتاج إليها ليتم الاستئناف على قاعدة النشأة الأولى دون أن يكون تكرارا لها فإن عملي بات معلوم الخطى.
نعم حنفي على حق العمل مقدم على النظر. لكنه أطلق ذلك فلم يفهم المشكل: هو مقدم كغاية وليس كبداية. والغاية مقدمة في التحليل الرياضي لأننا نعود من النتيجة التي نريد إثباتها ونطلب شروطها الضرورية والكافية فيكون المقدم في هذه الحالة هو المطلوب وهو البداية التي منها ننطلق إلى الغاية.
والغاية التي سنعمل لتحقيقها لا بد أن ننطلق منها في النظر الساعي إلى العمل لنعود إلى شروطها عودة تحليلية هدفها تحديد منطلق العمل الموصل إليها ومراحله وتلك هي الاستراتيجية في كل فعل إنساني. وقد عرف ابن خلدون ذلك تبعا لأرسطو بطبيعة العلاقة بين الفكرة والعمل: وضرب مثال بناء المنزل.
الغاية هنا هي المنزل للكن. لكن نعود من المنزل للكن إلى شروطه وهي الارض ومخطط المنزل ومواد البناء والمهندس والبنائين وخاصة الكلفة المادية التي ينبغي أن تكون متوفرة لصاحب الهدف وهو هنا منزل للكن. والمطلوب في بحثي هو: تعاون العرب والهادف للتكامل الهادف للوحدة الهادف لشروط السيادة.
ولو عرض الأمر على هذا النحو لظن عملا اختيارا يمكن للعرب أن يبقى لهم وجود فعلي من دونه فيكون من النوافل وليس من الفروض الواجبة سياسيا وعلميا واقتصاديا وفنيا ورؤيويا بمعنى أن العرب يمكن أن يكون لهم سيادة وقيام مستقل من دون هذه الغاية شرطا للاستئناف لكان كلامي فاقدا للمحل.
لكن الامر وجودي مطلق بمعنى أن وجود العرب نفسه مهدد بالاندثار إذا هم بقوا كل قبيلة تدعي أنها دولة وتجعل أرضها محمية وقاعدة لأعداء الامة. فهذا يعني ان العرب بصدد التخلي عن خاصية الإنسان الجوهرية: أن يكون حرا وسيدا في أرضه وأن يكون الشعب صاحب السيادة وليس الحكام المحتمين بالأعداء.
وطبعا لا أحد يعول عن معارضات هي بدورها من هذا الجنس فهي تستمد بقاءها بما توهم به نفسها بأنها يمكن أن تخادع الأعداء بتقديم نفسها بديلا من الحكام بنفس الشروط ثم تنقلب عليهم. فالأعداء ليسوا أغبياء ولن يفعلوا إلا بعد أن يطوعوا المعارضين حتى يكونوا أقل وطنية ممن يستبدلهم بهم.
وفضلا عن ذلك كله فإن هذا يحول دون الثورة الحقيقية التي تعلن من البداية أن هدفها هو تحقيق هذه الوحدة عنوة رغم أنف الحكام والنخب العميلة والأعداء الذين يحمون الحكام والمعارضين بهذه الشروط الحائلة دون استعادة الامة لمقومات السيادة السياسية والعملية والاقتصادية والفنية والوجودية.
فيكون الشباب الذي ثار بجنسيه من أجل التحرر جامعا بين التحرر واستكمال التحرير لأن هذا رغم كونه هدفا يبدو غير مباشر هو شرط الهدف الاول الذي كان هدف الشباب المباشر في ثورة الربيع. وقد ساعدت الثورة المضادة الثورة لأنها هي التي بادرت فوحدة ساحة المعركة وتدخلت في كل اقطار الربيع.
حددت الهدف -التحرر لا يتم من دون استكمال التحرير والتحرير لا يتم من دون شروط السيادة وشروط السيادة هي توفير الحجم الكافي لتكون الدولة دولة اسما ومسمى وليس محمية-وحددت أسلوب العلاج ثورة تعم الاقليم الذي هو بالأساس عربي تركي من منظور مشروع الدولة نشأة وبقاء منذ خمسة عشر قرنا.
ذلك أن العدوين الكبيرين وذراعيهما -إيران وإسرائيل- لا يستهدفان العرب والاتراك لذواتهم بل لأنهما يريدان استرداد امبراطوريتين على ارض الاقليم على اعتبار ان الإسلام قد أخذها منهما: اسرائيل مشروعها معلن وإيران للخداع تتكلم باسم آل البيت وهي تعني آل بين أنو شروان وليس بيت علي.
والمعلوم أن كل الانظمة العربية الحالية مثلها مثل إسرائيل وإيران عسلت يديها من الاستئناف وبحثت عن توطيد الخارطة التي فرضها الاستعمار وسعت إلى تطويع التاريخ ليناسبها فبحثت عن شرعيات تاريخية مثل إيران وإسرائيل متقدمة على الإسلام: بابليون وفرعونيون وقرطاجنيون وفينيقون…
فإذا أضفت إلى ذلك أن المعارضين باسم دولة الإسلام هم أكثر الناس تشويها لها ومن أكثر الناس حيلولة دون الاستئناف بما يناسب العصر لكأن أوروبا مثلا تتوحد بمنطق أوروبا الوسيطة التي يحكمها البابا بدلا مما نراها تفعل أوروبا المواطنين الاحرار الذين يطلبون شروط السيادة بمنطق العماليق.
والدليل على أنهم أخطر على الاستئناف من كل اعدائه أنهم هم بأنفسهم دول كل امير حرب جعل مجموعته دولة أفسدت الثورة ومكنت للأعداء أكثر من الأعداء لأنها هي التي اسقطت ثورة سوريا في مطبات نأمل أن يخرجها الله منها وحكمة الشباب الذين أخاطبهم بمنطق العصر قيم الإسلام.
حددنا الهدف وحددنا الأسلوب وحددنا المنطق وحددنا الشرط -وحدة العرب والأتراك لأن الاولين هم من أسسوا دولة الإسلام والثانين هم من حماها نصف عمرها الثاني إلى بداية القرن الماضي وكل ما يعمل اليوم في الاقليم لا يستهدف غيرهما ومن لم ير ذلك فهو أعمى البصر والبصيرة حتما.
ولم تكن الحرب على تركيا واضحة كما هي الآن وأعني بالآن منذ أن بدأ الاتراك يسترجعون مقومات هويتهم: فهم مثل المالاويين والمسلمين الهنود يدينون بدخولهم التاريخ للإسلام لأنهم لا يدعون مثل من يحاربه ممن يدعون الانتساب إلى آل البيت باسم ما يتصورونه أفضل منه قبله من العرب والعجم.
ذلك أن العربي الذي جعل اساس هويته -خليك من الكلام أنا اتحدث عن الافعال وهي من جنس أفعال من يستعمل الاسلام لخدمة قوميته-غير الحضارة الاسلامية فجعل العروبة مطية لغزو بقية بلاد العرب بالعنتريات والراديوات وأصوات العرب والكلام الخاوي على فلسطين من جنس فيلق القدس الإيراني.
وسأقول كملة قد تزيد عدد أعدائي ولست قليل العديد في هذا المضمار: اعتبر مشروع تعميم العامية المصرية أكبر خيانة للعروبة لأنها فضلا عن كونها مشروعا فاشلا ضربت أهم مقوم للعروبة وشرط الاستئناف فرعونة الإبداع وشعبنته. فالألمان لا تنقصهم العاميات لكن الفصحى اساس الابداع والتعليم.
وبجانبها إسرائيل أحيت لغة ماتت منذ آلاف السنين وهم سعوا لقتل لغة ما تزال حية عند الكثير من شعوب الأمة وظنوا أنهم باعتبار العرب والمسلمين وافريقيا مجالا حيويا يمكن أن يؤسسوا لمشروع فرعوني لا علاقة له بالعروبة إلا في الخطاب. لا وسيكون العلاج من أهم مسؤوليات شباب الثورة المصرية.
ولما أسمع بعض الحمير من أكثر العرب خيانة للعروبة والإسلام يهاجم محاولات تركيا استرداد هويتها بالحذر الضروري والهجوم عليها متهمين إياها بأنها سبب تخلف العرب أفهم أنهم مجندون ممن يريدون الإيقاع بين العرب والأتراك لأن شرط حماية الإقليم عامة وسنته خاصة هو الحلف بينهما.