مدخل لاصلاح علوم الملّة

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله

لاصلاح علوم الملة

لست مختصا في علوم الملة لكن ثالوث المدرسة النقدية بما يضمر كشف علل انحرافها إلى حد سيطرة العلوم الزائفة عليها لتبرير الموجود وإهمال المنشود.

وسبق أن كتبت بالإنجليزية مقالة بينت فيها ما نتج عن هذا التحريف من إفساد للاجتهاد والجهاد أي تحديد الإسلام لنظرية النظر والعمل وتفاعلهما.

وأريد اليوم ان أشرح التحريف الذي طرأ على علوم الملة فجعلها بالتدريج تصبح أقوالا عديمة السلطان على الأفعال وشرطي قيام الإنسان الحر والكريم.

لم تعد علوم الملة قادرة على تحقيق استعمار الإنسان في الارض وقيم الاستخلاف فتضفي المعنى عليه وتجعل الدنيا بحق مطية الآخرة لمن يستأهل الخلافة.

فعمل الغزالي وابن تيمية وابن خلدون هدفه بيان هذا التحريف في علوم الملة الرئيسية (الغزالي) ونظرية العلم (ابن تيمية) ونظرية العمل (ابن خلدون).

1- أصل التزييف الديني.

2-أصل التزييف الفلسفي.

فحتى يبرروا كل التحريفات التي حصلت عن عدم احترام آل عمران 7 تحايلوا ما استطاعوا -بمن فيهم الفلاسفة (ابن رشد) – ليبرروا كذبة الراسخين في العلم.

جعلوهم مثل الله قادرين على تأويل المتشابه ولم يحددوا ما قصده القرآن الكريم باعتبار تأويله ناتجا عن مرض القلب وابتغاء الفتنة: فكان المتوقع.

وبهذا المعنى، ففلاسفة المدرسة النقدية حاولوا تدارك تحريف هاتين الآيتين، وهو إن صح التعبير مصدر العائقين الخلقي والمعرفي في علوم الملة كلها.

ولن استثني من التحريف إلا العلوم الادوات التي يمكن القول إنها كانت بنحو ما سليمة لأنها لا تتعلق بالمضمون الخلقي والمعرفي بل بأدواتهما.

وأقصد بالعلوم الأدوات مبادئ علوم اللسان وعلوم الرياضيات وعلوم المنطق وعلوم التاريخ.

وهي العلوم المساعدة أو أسس منهجية أي معرفة إنسانية.

لكنها ليس حرزا كافيا ضد التحريف إذا استعملت في مجال هو بمقتضى حده غير قابل للعلم فيكون العلم المزعوم خرافة ووهما مثل معرفة ذات الله وصفاته.

ما يمكن أن نعلمه عن ذات الله وصفاته هو ما نؤمن به من تمثلات فطرية خاصة إذا أيدها خبر الصادق المعصوم أو الوحي الذي نؤمن به ونصدق مبلغه.

وحتى أتقدم في البحث أذكر بما أثبته في مقالي بالإنجليزية أثناء مداخلة في ندوة نظمتها كلية علوم الوحي في الجامعة العالمية الإسلامية بماليزيا.

فقد أثبت أن الاجتهاد والجهاد كلاهما مؤلف من خمس معان: أكبر وأصغر وكبير وصغير وأصل يجمع بينها. ولا نفهم الأكبر والأصغر في غياب الكبير والصغير.

والتحريف ألغى الكبير والصغير وبقي يتكلم على الأصغر والأكبر كلاما أجوف فقد التدبير الذي يحقق استعمار الإنسان في الأرض ليكون أهلا للاستخلاف.

فالاجتهاد مثلا صغيره فقهي وكبيره كلامي. لكن تحول الفقه إلى مجرد فنيات صوغ القوانين والكلام إلى أوهام علم الغيب علامة على فقدان الوسيطين.

والوسيطان هما:

1- ما يجعل الفقه علم شروط العمران الذي يحقق حرية الإنسان وكرامته ليكون سيد نفسه بالحريتين الروحية والسياسية. كل ذلك غاب فيه.

2-ثم ما يجعل الكلام فلسفة في المعرفة تمكن العقل من النقد الذاتي لئلا يتوهم ما لا يستطيع إدراكه فيكون فلسفة نقدية تحرر العلم من وهم معرفة الغيب.

وهذان الوسيطان الغائبان هما ثمرة اجتهاد ابن خلدون للأول واجتهاد ابن تيمية للثاني وليس لي من فضل عدا اكتشافه وبيانه متحديا الكلفة الكبيرة.

تسامح أنصاف المثقفين مع موقفي من ابن خلدون لكنهم جرموني بموقفي من ابن تيمية: اتهموني بأني اجير لدى الوهابية التي لو فهمت ما قلت لكفرتني.

والجامع بين هذه المعاني الأربعة هو أصلها: الاجتهاد هو حرية العقل المبدع في مجالي المعرفة الإنسانية نظرا وتطبيقا: علوم الإنسان وعلوم الطبيعة.

إذن الاجتهاد أصغر في الشرائع وأكبر في العقائد وبينهما وسيطان يتعلقان بمجال الشرائع ومجال العقائد أي بالتاريخ والطبيعة والأصل هو حرية العقل.

والدليل أن الإسلام لا يقتصر في كلامه على الاجتهاد على من يصيب بل على من يحاول بصدق: ومن ثم فالأساس هو حرية التفكير الصادق في طلب الحقيقة.

فيكون الاجتهاد هو المعرفة النظرية وتطبيقاتها في العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية بأدواتهما وبشروطهما المعرفية والخلقية: ذلك هو الاجتهاد.

ذلك هو تحريف علوم الملة للاجتهاد.

صارت الأمة بالفقه المبتور وبالكلام المغدور تهدم نفسها من حيث لا تعلم لأنها تحقق ما حذرت منه آل عمران 7.

فكل أمراض القلوب وابتغاء الفتن مصدرها هذا الفقه المشوه لعلوم الشرائع وهذا الكلام المشوه لعلوم الطبائع وكلاهما لا يعيش إلا بالمتشابه وفيه.

ولأمر الآن إلى الجهاد:

هو بدوره مخمس الأبعاد لتضايفه مع الاجتهاد.

ففيه الاصغر والأكبر وأهمل منه الصغير والكبير والاصل المؤسس لها جميعا.

فالجهاد الأصغر هو القتال.

والجهاد الأكبر هو مجاهدة النفس.

فكيف تقاتل إذا كنت فاقدا لأدوات القتال؟

لا بد من جهاد صغير يبدع الأدوات والطرائق.

لو نظرنا إلى المسلمين اليوم لوجدناهم كلهم عزلا لا قدرة لهم على حماية أنفسهم لأن من يبيعك السلاح يبيعك ما تجاوزه.

وإذن فلا بد من جهاد صغير يمكن من أدوات الجهاد الأصغر وطرقه أو استراتيجيته.

لكن غياب ذلك جعل الجهاد مقصورا على حماسة الشباب والانتحار.

والجهاد الصغير الضروري للجهاد الاكبر لا يكون إلا بفضل الاجتهاد الصغير الضروري للاجتهاد الأصغر: فالقانون الوطني والدولي يحتاج لقوة التنفيذ.

وهذه القوة وخاصة في الدولي هي قوة الاقتصاد والتكنولوجيا.

ذلك هو الجهاد الصغير الضروري للجهاد الأصغر الذي هو الحرب وهما شرطا الحماية الذاتية للامة.

وإذن فالجهاد الأصغر يحتاج إلى جهاد صغير.

الباحث العلمي المنتج لأدوات الدفاع الاقتصادي والعسكري مجاهد مثل الجندي في الجبهة بل أكثر.

والجهاد الأكبر (مجاهدة النفس) لا تكفي فيه العبادات على أهميتها.

لابد من علوم التربية والتنشئة المحررتين من النفاق الديني السائد في حضارتنا.

وهذا هو الجهاد الكبير شرطا في الجهاد الاكبر.

ومعاني الجهاد هي بدورها خمسة.

فأصلها هو حرية الإرادة والعقد كحرية العقل والعلم في الاجتهاد.

وبذلك يتبين أن جوهر الديني في الاديان أو الإسلام هو جوهر الفلسفي في الفلسفات أو الحكمة: حرية العقل وحرية الإرادة هما جوهر الإنسان المسلم.

فبحرية العقل يبدع الإنسان شروط تعمير الارض وبحرية الإرادة يبدع الإنسان شروط جعل ذلك التعمير محكوما بقيم تؤهل الإنسان لأن يكون خليفة الله.

ذلك ما فقدناه بتحريف الآيتين اللتين يمكن أن نعتبرهما جوهر أحكام الاجتهاد والجهاد وأساس الفلسفة النقدية (الغزالي وابن تيمية وابن خلدون).

الكتيب

وثيقة النص المحمول ورابط تحميلها

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي