****،
لما حاول نيتشة تعريف مفهوم التاريخ ذكر له ثلاثة معان في كتابهUnzeitgemässe Betrachtungen:
1-التاريخ المتحفي
2-والتاريخ المعلمي
3-والتاريخ النقدي.
واعتبر الأخير هو الوحيد الدال على معنى الحياة لأنه فعل التاريخ الذي يهزأ من المتحفي ليميز منه المعلمي من حيث دلالته على القلة صانعة الحياة في رؤيته.
ومناسبة استعادة الجزائر لرفات شهدائها اعتبرها فرصة للنظر في ما يضعه الغرب في المتحفي ليحتفي بالميت من الحياة وفي المعلمي و في النقدي من التاريخ حتى نفهم أن نيتشة لا يختلف كثيرا عن الرؤية الغربية العامة.
فرؤيته ليست ثورية تتجاوز ثقافة الغرب الاستعماري والعنصري بل هي تندرج فيه وهي تعبير أكثر وضوحا عن التوحش الغربي عامة والفرنسي خاصة لأن نيتشه كان شديد الاعجاب بثقافة فرنسا وخاصة في هذه التأملات.
فعلام تحتوي المتاحف في الغرب عامة وفي فرنسا خاصة وهي التي يعتبرها نيتشة رمز الثقافة الغربية لأنها صاحبة الأساليب الراقية في رؤيته؟
محتوى المتاحف الغربية مخمسة الأبعاد.
وهي كلها تخليد لجرائم الإنسان الغربي وليست دالة على الموقف الذي يتوهم الكثير أن نيتشه يختلف به عن ثقافة عصره.
فهي ليست دالة على موت صاحب المتحف وعيشه في الماضي بل هي دالة على استمتاع الحضارة صاحبة المتحف بساديتها وجرائمها الخمسة التالية بدءا بأبشعها فنازلا:
1-فأبشع المتاحف هو الذي رأيناه في حالة شهداء الجزائر: المحافظة على جماجم ضحايا الغزوات الاستعمارية.
ويسمونه “متحف الإنسان”.
وهو يعني متحف “المجرم عديم الإنسانية”.
2-يليه متحف تراث الشعوب المغزوة تراثها المادي الذي يسرقونه ليزينوا به متاحفهم ويستغلوه لاستجلاب السياح لكأنهم من رعاة تراث البشرية المادي فيصبح السارق مستثمرا في سرقاته وكأنه في خدمتها وهو يستخدمها للمزيد من شرب دم ضحاياه.
3-يليه متحف تراث الشعوب الفكري ولغاتهم ومؤلفاتهم في كل الفنون والعلوم يسرقونها ويتاجرون فيها بعد قتلها وقتل أصحابها وكأنها ملك لهم وهي في الحقيقة من أملاك الشعوب التي استعمروها أو افنوها ولم يبقوا منها إلا ما يمكنهم من استثمار جهودهم واجتهاداتهم.
4-يليه متحف الحيوانات التي أفنوها ولم يبقوا منها إلا هياكلها العظمية حتى وإن كان بعضها مما أفنته الطبيعة ووجدوه في الإحاثيات لكن الأكثرية منها هم من افنوها وخاصة التي جعلوا جلودها وفروها وقرونها العاجية مادة لصناعاتهم التجميلية.
5-وأخيرا متحف النباتات التي قضوا عليها والتي لم يبقوا منها إلى عينيات مجففة. وحتى إذا استنبتوا بعضها ففعلهم من جنس ما تفعل إمارات الأعراب الاجلاف من عملاء إسرائيل وإيران الذين يسرقون نباتات سقطرة واليمن ليزينوا بها صحاراهم وتحضرهم القشري.
ويبقى النوع الأول هو الأبشع وهو لب الأربعة الباقية وحقيقتها لأن غاية اللاإنسانية في الحضارة الغربية والتي يريد عملاؤهم من أعشار المثقفين أن يبرؤوهم منها بقيس الفتح الإسلامي على الغزو الاستعماري.
فالفتح الإسلامي للمغرب أو لشمال افريقيا كلها من مصر إلى المحيط الأطلسي لا يذكر التاريخ أنها أفنت شعبا أو قتلت لغة أو هدمت تراثا ماديا أو تراثا لا ماديا أو استعبدت شعبا ففرضت عليه التخلي عن لغته أو عن ثقافته.
بل إن كبرى قبائل المغرب صارت دولا بل وامبراطوريات بعد أن حررها الفتح من الغزو الروماني قبل المسيحية وبعدها والغزو البيزنطي والوندالي.
ونفس ما يقال عن المغرب يقال عن المشرق ولعل أكبر الأدلة هو أن كل الطوائف والمذاهب التي عرفتها الأديان السابقة على الأسلام لم يبق لها وجود إلا في أرض الإسلام الأديان بنوعيها منزلها وطبيعيها ولم يبدأ المساس بها إلا مع الصليبيات الاسترداديات ثم بعد الغزو الاستعماري الغربي للشرق.
وحتى يهود أوروبا فإنهم لم يجدوا ملجأ عندما بدأت حروب الاسترداد في افنائهم مع المسلمين في كل ما كانت تابعا للإسلام من أوروبا سواء في الأندلس أو في جنوب إيطاليا أو في جزر الأبيض المتوسط أو حديثا في البلقان فإن الملجأ الوحيد لهم كان بلاد الإسلام.
لكنك تجد اليوم من بين أحفاد الحركيين والصبايحية من يكلمك على الخلافة الإسلامية التي كانت بقيادة عربية أو بقيادة تركية بأنها هي الاستعمار وليس الاحتلال الروماني ولا البيزنطي ولا الوندالي ولا الاسباني ولا الفرنسي.
لكننا رأينا اليوم في الجزائر الابية بعد ان استرد شعبها رفاة أبطاله ومعه ثورته من الحركيين عملاء فرنسا وأصبح للحراك معنى التواصل مع ثورة الشعب الجزائري من 1830 إلى اليوم.
تلك هي المناسبة التي فكرتني في خداع نيتشة الذي يتصوره الكثير ناقدا للرؤية الغربية للتاريخ ومن ثم مختلفا عن رؤية هيجل وماركس اللذين كانا شديدي التأييد لغزو فرنسا للجزائر لأنها “تحضر” من هم دون منزلة الإنسان الغربي.
فما هو التاريخ المعلمي عنده إذن؟
إنها هذه الجرائم التي يحتفى بها بوصفها بطولات.
وما التاريخ النقدي الذي يعتبره في خدمة الحياة؟
إنه تماما ما يعنيه هيجل بفعل التجاوز الذي يجعل الخالف يستمد حياته من شرب دم السالف بدعوى أن المفيد للحياة هو الروح الغالب الذي يفني الروح المغلوب ويأخذ ما فيه من حياة.
وهو عين ما فعل الاستعمار والاجرام الاستعماري لا يجمله الكلام على الأنسان الكامل والأرفع فهو في الحقيقة الإنسان الناكص للوحشية الحيوانية.
مناسبة استرداد الجزائر لرفات شهدائها لا تعنيني من حيث دلالتها عن الماضي بل من حيث ما ينبغي أن تعنيه عن دور حديث الماضي وفي حديث المستقبل.
ما يعنيه هو تجاوز أحداث الماضي بأحداث المستقبل.
ما يعنيه هو دلالة ذلك على لحظة الوعي الحاضر في الشعب الجزائري الذي اعتبره اليوم قد حدد معنى الحراك العميق وتمكن من الشروع في جبر كسوره والتغلب على ما كان يسعى إليه الاستعمار وعملاؤه من تفتيت الشعب الجزائري بجعله ينسى تضحيات أجداده وآبائه.
لن يستطيع أحد بعد اليوم أن يفرض على الجزائر التبعية لفرنسا. وفي ذلك سبقت الجزائر أو هي أدركت معنى سبقها في الربيع الذي قتلته فرنسا بعشر سنين سوداء قتل فيها عملاء فرنسا ربع مليون شهيد سمتهم فرنسا الاستعمارية وعملائها إرهابيين
لأنهم كانوا مثل أجدادهم يقاومون الاحتلال الذي كان يتخفى تحت جزائرية قشرية من جنس من يتخفون اليوم تحت تونسية قشرية ويصفون أنفسهم بكونهم مشروع شهداء وهم الحقيقة واقع شهادة زور تخاتل الشعب مغدور.
ونفس الحركيين الذين يسمون صبايحية في تونس لا بد من هزيمتهم الفاصلة بنفس ما فعلت الجزائر اليوم:
فاستعادة رفاة المقاومين هي النهاية الرمزية الحاسمة للاستعمار الفرنسي.
اليوم هزمت فرنسا في الجزائر مباشرة
بعد هزيمتها في ليبيا
وستأتي هزيمتها في تونس رغم جريمة الاتفاقية الفرنكفونية:
وإيقاف هذا المشروع هو من الآن فصاعدا ما سأخصص له كل جهدي مع حربي على أعداء استعادة السيادة التونسية من عملاء فرنسا وإيران والثورة العربية المضادة بصفيها التابع لإسرائيل وفرنسا والتابع لإيران وروسيا.