المقالة الاخيرة وهي تحت عنوان مبدا تاريخ الفلسفة (بنية العقل) ومبدأ فلسفة التاريخ (بنية العمران) وواضح إذا انها تتكون من فصلين الاول يتعلق بتاريخ الفلسفة والثاني بفلسفة التاريخ ان هذه المقالة هي من العمق الفلسفي ودقة العبارة وصعوبة التحليل بحيث تكاد تكون عصية على الشرح والتلخيص فضلا عن كونها حبلى بإمكانات تأويلية في الفهم فهي تكاد تكون تلخيصا للرؤية اليعربية في العقل وبنيته ونسأل الله التوفيق في عملية اعادة بنائها لشرحها وازالة موانع فهمها على الجهة التي قصدها صاحبها وبالله نستعين.
الفصل الاول وعنوانه: بنية العقل العميقة هي عينها مبدأ تاريخ الفلسفة
بين الفكرين القديم و الوسيط من جهة و الحديث و المعاصر من جهة ثانية، مصدره فهم طبيعة التاثير المتبادل بين الفكر الديني/الفلسفي بصورة معلنة و ظاهرة و التاثير المتبادل بين النظر/العمل بصورة خفية و غير معلنةو من التقابل بين وجهيها بما هما تقابل بين الذات و الموضوع، والنتيجة هي اننا ازاء ثنائية الاولى يغلب فيها بعد المنهج من العلاقة اي صلة فعل العقل بالموضوع و الثانية يغلب فيها بعد الطريقة اي صلة فعل العقل بالذات في مسالة العلاقة بين النظر/العمل بمختلف ابعادها و بالتالي النفاذ من خلال هذه التحولات الى تحليل كل افعال العقل وصولا الى بنيته العميقة و هي شرط امكان فهم ما يجري في تاريخ الفلسفة تمهيدا لفهم فلسفة التاريخ من النموذج العربي/الاسلامي باعتبارها تجربة اسست لتحول فكري لم يتم الانتباه اليه الى حد الان و هذا التحول الفكري تم فيه التخلص من البنية المثلثة لافعال العقل كما هو بين في الفكر الفلسفي القديم و الوسيط هذه البنية هي: • النظر • العمل • الذوق ويلاحظ الدكتور ان هذه البنية الثلاثية لا تستطيع ان تفهمنا طبيعة هذه الافعال ولا بكونها بالعدد المنسوب اليها ولكن ميزة الفكر الديني التي يسجلها دكتورنا هي تحديده لبنية مخمسة هذا التحديد يستمد وجاهته بمجرد التحرر من الواحدية فالثنائية تستوجب حضور طرفين وتشاكلهما التفاعلي يؤدي الى خماسية لذا تتعين افعال العقل في: • النظر • العمل • الذوق • الذوق الناظر • الذوق العامل ان تفصيل هذه البنية ينتهي بنا الى ان المنطلق او الاصل الواحد هو العقل الشهودي بمعنيي الكلمة (الحضور والوعي به اي القيومية) وهذا العقل ينقسم الى مبدأين او حدين هما غاية النظر وغاية العمل ويطلق على الاول اسم ذوق الاستقبال بينما على الحد الثاني يطلق اسم ذوق الارسال ومن تفاعل العلاقة بين الغايتين ينتج مبدآن آخران هما أثر الاستقبال في الارسال وأثر الارسال في الاستقبال ويمكن لكل منهما ان يكون اداة للآخر ومن ثم وسيطا بينه وبين الأصل. هكذا تكون المعادلة البنيوية لافعال العقل مخمسة وليست مثلثة كما زعم الفكر الفلسفي ولا زال وبالتالي لدينا ما يلي: 1. المبدأ الاصل وهو جوهر النفس كاملة اي الشهود بمعنييه الحضور والوعي بالحضور (القيومية) 2. ذوق الاستقبال بما هو ابداع جمالي 3. ذوق الارسال بما هو ابداع خلقي 4. الوسط بين الشهود وذوق الاستقبال اي الابداع النظري 5. الوسط بين الشهود وذوق الارسال اي الابداع العملي بهذه الرؤية اليعربية يتبين لنا ان النظر/العمل ليسا فعلين بسيطين كما قد يتوهم بعض الناس وانما هما فعلين كل واحد منهما مؤلف من فعلين متقدمين عليه أحدهما هو بدايته والثاني نهايته انطلاقا من هذا المنظور جاز لنا ان نؤكد معه ان العمل ذوق ارسال مؤجل فهو اداة الشهود الذوقي المرسل اما النظر فهو ذوق استقبال مؤجل لأنه اداة الشهود الذوقي المستقبل. ان ما يؤكده الدكتور في هذه المناظرة ليس الا اطروحة اتى عليها مفصلة في كتابه (شروط نهضة العرب والمسلمين) هذا الكتاب الثمين سنعود اليه في قراءة خاصة ان شاء الله حسبنا الآن التأكيد ان فعل العقل الاصلي هي انه قدرة حيوية نفسية عقلية واحدة معقدة الطبيعة هي عين الدليل الوجودي تكون فيه الماهية هي الصورة اما الوجود فهو المادة. بهذه الكيفية لدينا إذا الاصل الشهودي بما هو حضور واع يكون في لحظة فاعليته باءطلاق بما هو ذوق مرسل ويكون في لحظة انفعاليته بإطلاق بما هو ذوق مستقبل ومن ثم الواسطتين بين الاصل والغايتين اي النظر /العمل ويتساءل الدكتور كيف تتعين هذه الابعاد الخمسة في التاريخ الفعلي؟ كيف نمر منها على حالها الفطرية الاولى الى حالها الفطرية الثانية بتوسط التحريف والاصلاح المتواليين؟ من خلال هذين السؤالين يتبين لنا الواقع الانساني من خلال تحليل تاريخه كما تعين في لحظة رشده قد عرف لحظتين هامتين تناوس بينهما ولازال. يسمي اللحظة الاولى بالفطرية الاولى اما الثانية فهي الفطرية الثانية وتفصيل ذالك هو ان الوعي الشهودي يكون في الفطرية الاولى جهدا فطريا للخروج من الجحود الى الشهود وتكتمل هذه اللحظة في اسئلة الرشد (اسئلة ابراهيم/سقراط) ثم عودة كسبية من الشهود الى الجحود تكتمل وتاخذ مداها الاقصى بعبادة الدنيا والهوى وهو يؤدي الى عودة كسبية جديدة من الى الجحود الى الشهود وتكتمل في لحظة التحرر من عبادة الدنيا والهوى وبالتالي ظهور الفطرية الثانية مع القرآن حيث يتم الرشد الحقيقي خلال اللحظتين والجدل القائم بينهما يتم تاثير احد الطرفين في الاخر ويسمي الدكتور العمل النظري تاثير الموقف الاول في الثاني بينما يكون النظر العملي تاثير الموقف الثاني في الاول مع تنبيهنا ان الاول يقصد به الفكر الفلسفي والثاني الفكر الديني. يتناول الدكتور في هذا المبحث ادق قضية واخطرها وهي البحث في الاصل لا لمحاكمته كما فعل كلا من الغزالي/كانط بل من اجل معاينته عن قرب وفهمه( آلية جهد واجتهاد)حتى نتمكن عن وعي بحل اشكال العلاقة النظر/العمل موضوع المناظرة انه هنا يستعير من المنهج الفينومنولوجي طريقته فهو يصف افعال العقل /المبدأ او الاصل وافعاله أكانت مركبة او بسيطة لينتهي في التحليل الاخير الى معنيين العمل الصناعي والخلقي البسيطين ويلاحظ ان الفعل الابداعي الذوقي هو الاقرب الى الاصل وبيان ذالك من جهة ان الابداع الذوقي هو ابداع لشيء موجود مصنوع له ما للموجود الطبيعي او الخلقي من تاثيرات لكونه مثلهما لديه القدرة على تحريك مدارك الانسان وانفعالاته وبالتالي هذا الابداع الذوقي قابل للادراك النظري من جهة مقوماته الصناعية وللادراك العملي من جهة مقوماته الخلقية وهو يحلل اليهما (النظر/العمل) دون ان يكون مؤلفا منهما ولا مردودا اليهما اذ فيه من حيث هو عمل بسيط قائم بذاته امر آخر غير هذين المقومين وهواثر متعة التحقق الذاتي في المعمولات او المآثروالتي يبرز فيه بعد الانسان النظري والعملي الوسيطين بين ذاته كشهود متحد وغايته ذوقا انفعاليا وذوقا فعليا. اذا الاصل الشهودي فعل في ذاته ينفعل بما يبدع قبل ابداعه(وحتى بعدالابداع)ومعلوم ان عملية الابداع قبل الانجاز هي مواقف تتخيل(هي من الممكن او بلغة ارسطو وجود بالقوة) وهنا قبل الدخول في الانجاز الابداعي نحن في مستوى لحظة الموقف النظري فيه استقبال وليس هناك ارسال وعندما يكون الفعل بصدد الانجازيصبح الابداع في دائرة الفعل يكون في درجة الموقف العملي فيه ارسال دون الاستقبال الى حدود هذاه الرؤية التفصيلية لادق نشاط العقل الشهودي ينتهي بنا الدكتور الى ان هذا العقل في لحظة الابداع الذوقي هو فعل بما يبدع لا هو استقبلال ولا هو ارسال بل هو معا مزدوج في استقباله كما ارساله ومن ثم فهو اداة بين ذاته اصلا للاستقبال وكل آيات الوجود وفي نفس الوقت اداة بين ذاته اصلا للارسال وكل معاني الوجود. وهو في الاداة الاولى نظرا وبالأداة الثانية عملا بأمر غير مشهود وغير موجود قبل النظر/العمل بل بامر يوجده العقل الاصلي المتقدم على التمييز بينهما ليشهده ويكون معه وهذا ما يمنحه القبلية الشرطية لهما رغم ان ثمرته لاحقة لهما. الابداع هو فعل ايجاد ما ننفعل به لندركه (كما هو) ثم تحقيقه ليصبح فاعلا بوجوده الموضوعي فندركه وننفعل به وبالتالي نحن ازاء نوعين من النظر ما قبل الابداع وما بعده. يتساءل الدكتور كيف يكون النظر فاعلا والعمل منفعلا؟ انطلاقا من كتاب (في وحدة الفكرين الديني والفلسفي وهو كتاب للدكتور نعد بالعودة الية بمشيئة الله) بيّن لنا ان عملية ادراك العمل المبدع من طرف صاحبه هذه العملية لا هي نظرية خالصة ولاهي عملية خالصة بل هي من طبيعة مختلفة تتضمن العمل والنظر بفاعلية الاول وانفعالية الثاني والفصل بينهما يكاد يكون مستحيلا لكن علينا ملاحظة التالي فالنظر موقف انفعالي (تفكير في المنجز الابداعي) والعمل موقف فعلي (بما انه المرور من الممكن الى المنجز) لكن الحاصل في المجرى الحقيقي هو العكس فالنظر ليس انفعالا غفلا بل هو موقف ارادي القصد منه تلقي موضوع المعرفة بتجرد من رغبات الذات قدر المستطاع والعمل لن يكون فعلا مؤثرا بحق الا اذا تقدم عليه هذا الشرط الذي هو الموقف النظري وهو بالتالي ناتج عنه ومتاثر به مما يعني انفعاليته لذالك لا يكون العمل انفعاليا الا في حالة الفعل الغفل. فالنظر يكون بهذا الفهم سعيا الى تحديد ثوابت موضوع النظر اما متغيراته فتقبل الارجاع اليها لانها تقبل الاشتقاق منها بتوسط موقف ذوقي انفعالي (الاستقبال) يتلقى المرء خلاله الموضوع وكانه عمل فني يؤثر في الذات تاثيرا كليا وكانه مستغرق فيه كوحدة متلقية اما العمل فيكون بهذا الفهم سعيا الى اخضاع الموضوع الى مقاصد العامل استنادا الى ذالك النظر بتوسط موقف ذوقي فعلي (الارسال) يبث المرء خلاله الذات وكانها اي الذات مبدع فني يؤثر في الموضوع تاثيرا متخلصا من كل مطلب اجنبي انه استغراق كلي في مطالبه الذاتية وبالتالي نفهم مصاعب العمل اذا لم تتوفر شروط النظر عامة او جهل العامل بمقومات المعمول ومنطقه ونظامه وبقطع النظر عن الشروط والافاق التي يتم فيها الجدل النظر/العمل يوجد ما يسميه الدكتور بالفضالة وهي لا يمكن ان ترد الى النظر وتمثل اهم الخصائص التي يكتشفها المرء خلال عملية انجاز العمل يتساءل الدكتور عن هذه الفضالة ما هي؟ معلوم ان اي موضوع لا يمكن ان نستنفد مقوماته وهو عموما يتالف من عناصر لا متناهية وتحدده محددات خارجية يرتبط بها وهذه المحددات الخارجية هي كل صلاته بما عداه اي كل الموجودات في العالم وبالتالي امتناع التخلص التام من مؤثرات الذات في النظر (في الاستغراق الكلي في الموضوع يعني شىء من الذاتية وكان الموضوعية من الاوهام). تفتح لنا هذه القراءة ذات الطبيعة الخلدونية (وبن خلدون يستقيها من القرآن) فهم علة نفي العلم المحيط بالنسبة للانسان مهما كمل عقله وترقى معرفيا فإذا كان الانبياء والرسل ينفون العلم بالغيب فمن باب اولى من دونهم اذ الغيب هو فضل لامتناهي الموجود بالقياس الى تناهي المعلوم. ينتهي ابو يعرب الى المعادلة التالية النظر يعزل الموضوع والعمل يكتشف حدود العزل(لو اردنا ان نقدم مثالا لكان توجد مسافة بين النماذج والواقع خذ مثلا مثال لمنزل تجد دائما الانجاز اي البناء دون المثال في الكمال)لذالك كان العمل اقرب الى ذوق الفرق بين المتناهي واللامتناهي اعني فعل الشهود الذي هو اصل كل افعال العقل الانساني مع ملاحظة ان العزل النظري اختياري ومنهجي في حين العزل العملي اضطراري ووجودي لكونه ما ليس منه بد ولهذا السبب توجد في الاسلام نظرية الاجتهاد/الجهاد الاولى نظر والثانية عمل ووحدة المادة اللغوية تعني صلة الامرين ببعضهما البعض. كل هذه القراءة تتعلق بزاوية نظر ترصد التحليل العلاقة النظر/العمل من مقاربة الماهية اي التصور لكن بمقاربة المسالة من جهة الواقع تنقلب العلاقة النظر يصبح فعلا (عملا) بفضل ما يحققه الانفعال بالموضوع من علم(وعي/معرفة) به والعمل عكس ذالك يصبح انفعالا بفضل ما يحول دونه الفعل فيه على غير علم(وعي/معرفة). فالاول لا يمكن ان يجعل ذاته متلقية الا بفعل حقيقي يتوجه الى الذات العالمة ليجردها من انفعالاتها التي قد تحول دونها وإدراك الموضوع كما يؤثر فيها فالتجريد لا يحققه النظر الا بشرط تحقيق التجرد وهذا يعني ان التقني مشروط بالخلقي. اما الثاني فلا يمكن للذات ان تكون باثة الا بانفعال حقيقي يتوجه للذات ليجردها مما علق بها من اوهام تعطل فعلها في الموضوع وبالتالي النظر المجرد من الذات باءطلاق ممتنع اذ الذات غير قادرة على التخلص من ذاتها مهما حاولت وفي نفس الوقت العمل غير المجرد من الذات بإطلاق ممتنع هو الاخر لان الموضوع لا يقبل الالغاء المطلق وعليه بات الموجود مؤلفا منهما بنسب متعاكسة لا بد من الجمع بين البعدين في النظر ينبغي تقديم تجريد الفعل من تاثير الذات قدر المستطاع لدراسة تاثير الموضوع وفي العمل ينبغي تقديم تجريد الفعل من تاثير الموضوع قدر المستطاع لدراسة تأثير الذات. هذه المقاربة الفينومنولوجية تجعل الامر في كليهما يتقدم عليه فعل حقيقي هو الفعل في الذات لتكون منفعلة في فعل النظر وتمكين الموضوع من الافصاح عن ذاته والفعل في الموضوع ليكون منفعلا في فعل العمل وتمكين الذات من الافصاح عن ذاتها وكلا منهما لا يكون تاما الا بالجمع بين البعدين مع تناظر معكوس. ما يتادى اليه التحليل اليعربي هو ان الحدوث الفعلي (لفعل التصور) في ذهن الانسان بمجرد حصوله ينتمي الى دائرة العمل اي كان موضوع هذا التصور التعلق بالطبيعة او الانسان (بلغة القرآن الآفاق والانفس) او بالعلاقة بينهما هذا العمل الفعلي وان كان مجراه (تصوري في الذهن) هو الذي يكون مادة لعلم آخر هو (علم نفس فعل النظر) وأيضا (علم اخلاق) المصاحب لفعل النظر حالا معيشيا للذات الناظرة وجهدا نفسيا لتحقيق شروطه المساعدة على القيام به. لا يفوت الدكتور ان يلاحظ هنا ان الفلاسفة يزعمون ان الفلسفة هي ضرب ثالث من المعرفة لكونهم يعتبرون المعرفة على نوعين اما المعرفة الغفل للوعي العادي او المعرفة العلمية للوعي المتروي والفلسفة ضرب ثالث فوقهما اذ يتم عندهم حط العلم الى رتبة الوعي العام (وتوجد مغالطة هنا لان العلم لا يمكن ان يكون علما الابالوعي النقدي وهذا الشرط لا يملكه الا الفلاسفة بزعمهم) لكن في واقع الحال الفلسفة هي تردد بين الوعين وغالبا ما تكون اميل الى الوعي الاول منهما عند لحظة انحطاط الفكر الفلسفي والعلمي وهذا ما يفسر التصارع بين الطرفين. ان الوعي العلمي هو الذي يصنع لدى الفلاسفة ما يتصورونه (عالم الكائنات) التي هي في العلم فرضيات تصبح لذى معشر الفلاسفة (كائنات مطلقة) غير فرضية بل ويزعمون معرفة طبيعتها حتى تتحول نتائج العلم الى عقائد شبه دينية ان العلم الذي يصل الى عقائد هو من الاوهام التي في اذهان الفلاسفة. اخيرا انتهينا الى الى ان فعل العقل يمكن ان يدرس بوصفه فعلا تجربيا ومتعينا في الزمان والمكان وتدرس العمليات الفكرية كما تجرى في نفس بعينها ( وهذا ما فعله الفلاسفة الى حدود هوسرل) ولكن في العقل يمكن ان يعالج كفعل مجرد كلي بتحييده عن الزمان والمكان وهنا تدرس العملية الفكرية كما تقتضي طبيعتها او شروط امكانها دون نسبة الى نفس /ذات وهكذا ظهر تقليدان في الفلسفة الاول ذو نزعة نفسوية والثاني ذو منزع فينومنولوجي اي علم فعل العقل المتعالي والدكتور رغم اقراره بضرورة التمييز بين المنظورين لكنه لا يقبل تصورهما لطبيعة افعال العقل فالموقف الاول يعتبره ممثلا للمعرفة التجريبية الغفل والثاني ممثلا للمعرفة العقلية العلمية والشأن هو نفسه بالنسبة الى كل ادراك لاي ظاهرة اكانت طبيعية او عقلية في البداية يكون الادراك ساذجا وغفلا ثم يترقى فيصبح علميا بعد وضعنا للفرضيات حول عناصرها البسيطة والقوانين الرابطة بين هذه العناصر وبينها وبين غيرها من الظاهرات التي تتحد معها في بعض العناصر او القوانين وهذا النوع الثاني من المعرفة هو فرضي استنتاجي ككل العلوم النظرية التي موضوعها الطبيعة او الرموز الرياضية او اللسانية فلا وجود لعلم آخر بين المعرفة الغفل والمعرفة العلمية او فوقهما. هكذا يبلور لنا الدكتور فعل المعرفة (بما هو التعين الموضوعي لفعل العقل) تعينات المعرفة الخمسة اما عضويا /نفسيا او رمزيا/لسانيا او توثيقيا مؤسسيا كما يتعين تقنيا صناعيااو نظريا نسقيا وهذا الاخير يوحد الابعاد السابقة في ذهن المتعلم والباحث بما هما منظر دائم حال فعل الادراك العلمي الذي يتم بين العقول المتحاورة في المعرفة اما من حيث هو تصور لموضوع آخرغير حصوله الفعلي كتصور فهو فعل عقلي منفصل عن مجرى العمل في موضوعه فيكون بذالك قياسا اليه تذكرا لهذا المجرى اذا تلاه وتوقعا اذا تقدم عليه هذا المستولى من التفكير /التعقل يمكن صاحبه من النظر الى موضوعه خارج الزمان من خلال ايقاف زمن ما يجري في الموضوع دون ان يعني ذالك الاقتدار على ايقاف زمن الفكر المتعقل للموضوع(فعل النظر بما هو فعل العمل) وتفسير هذه الناحية هي ان خلال فعل الفكر بما هو حدث نفسي /خلقي لا يمكن ان يتحرر من الزمن الا عندما يصبح موضوعا لفعل فكر يجري جريانا فعليا اي متزمن لينظر فيه من خارجه وهو بالتالي له القدرة على تحريره من الزمن لكونه لا يدرسه في حدوثه الفعلي بل اثناء حدوث امر يوازيه ويحرره من مجراه الفعلي بمجراه الرمزي فيستغني عن تحليل الموضوع بتحليل رموزه التي اختارها تدليلا عليه وتركيبها فالرموز جعلها الفكر موازية لمقومات الموضوع بشرط ايقاف زمانيته واخضاعه لزمانية التاليف والتحليل الرمزيين تسليما بالتطابق بين الامرين الرامز والمرموز المتوازيين وبوحدة قوانين الظاهرتين الرامزة(ما في الاذهان) والمرموزة (ما في الاعيان) وهذا هو جوهر الفكر كما عرفه العلامة بن خلدون في المقدمة وتحديدا في الفصل السابع والثلاثون وهو المقصود بالقدرة على التسمية المتقدمة على الالسن والتي ذكرها القرآن وبسببها استحق آدم الخلافة ولهذا السبب ايضا عرف الانسان في القرآن بالبيان كما تم توضيح هذا في كتاب الشعر المطلق(قد نعود اليه في شرح خاص). ان اهمية هذه المقاربة العلاجية هي انها تسمح لنا بفهم اسرار الفكر فبضل هذا الايقاف المنهجي لمجرى الزمان يمكن لماضي الحدوث الفعلي في الموضوع ان يصبح مستقبلا اذ الذات المفكرة تنتقل تخيلا الى ما قبل لحظة الحدوث ويمكن لمستقبله ان يصبح ماضيا لان الذات المفكرة تنتقل تخيلا الى ما بعد الحدوث وهاتان النقلتان التخيلتان هما ما يسميهما الدكتور التعالي المحرر من الانغماس في الزمان الحقيقي بالتسامي او التطلع الى الزمان التصوري الذي يقرب المسافة مع الخلود والقدم بافتراض الازل والابد غايتين ممكنتين لفعل التخيل المشروط كما بينا بفعل التصور النظري. وبذالك يكون الحاضر في بؤرته الجوهرية التي هي غير الماضي /المستقبل امرا من طبيعة بسيطة وهويمتد الى ما لا نهاية في ما تقدم على هذه البؤرة والى ما لا نهاية له في ما تأخر عنها فيكون بذالك الحاضر امرا ذو بعدين من الجهتين الاول ثنائية (الحدث/المعنى) اي عملا مصحوبا بنظر تاويلي من الحدث الى اضفاء المعنى عليه (التمعين) وهذا محكوم بما في بؤرة الحاضر من امكان التنظير التذكري للماضي والثاني من الجهة الاخرى لكن بقلب الترتيب اي ثنائية (المعنى/الحدث) اي ثمة بعدين نظري وحدثي اي نظرا مصحوبا بعمل تاويلي من المعنى الى جعله حدثا بتحقيقه وهذا محكوم بما في بؤرة الحاضر من امكان التطبيق التوقعي الذي هو عين المستقبل هذا هو ما يكتشفه دكتورنا وهو الامر الاساسي الذي يستند اليه التمييز بين المجرى النفسي للعملية المعرفية بما هي حدث عضوي /نفسي عند اي انسان وبين المجرى المنطقي للعملية المعرفية بما هي حدث عقلي /روحي يلتقي فيه جميع البشر بقطع النظر عن الخصوصيات الثقافية. والحضارية ولو لا ذلك لاستحال التواصل بين بني آدم ولاستحال بالتالي ان يكون الفكرين الديني والفلسفي كونيين وعند دكتورنا الكلي المشترك بين البشر ليس فقط كليا طبيعيا بل وايضا كليا خلقيا ومن ثمة فوجود هذا الاخير من نمط وجود الاول فوراء مداركنا الحسية والعقلية/المعرفية يفترض الفلاسفة عالم الطبائع كعالم قائم بذاته واليه الرجوع والاحتكام ووراء مداركنا الخلقية والروحية يفترض الاسلام عالم الشرائع قائما بذاته واليه الرجوع والاحتكام.
انتهى الفصل الاول من المقالة الاخيرة ويليه مباشرة الفصل الثاني.