مبدأ الزوجية ودلالاته – من وحي أزمة العلاقة بين الجنسين



لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص



تنبيه مدير الصفحة

استراحة فلسفية دينية نخصصها لموضوع ذي علاقة مباشرة بأزمة العلاقة بين الجنسين في اللحظة العربية الحالية الأزمة الناتجة عن معركة الكاريكاتورين من الاصالة والحداثة لدى جماعة “ويل للمصلين“.
نعتذر للقارئ ونطلب منه الصبر وكل ما لا يميل إلى التأمل فليهجر النص. ذلك أن مبدأ الأستاذ هو أن : التيسير في العسير خيانة للقارئ وعدم احترام لعقله. وفي النص تكريم خاصة للمرأة وبيان علل أهميتها في الفلسفة القرآنية وفي التاريخ الإنساني سواء كان دورها ظاهرا أو باطنا.

مبدأ الزوجية ودلالاته من وحي أزمة العلاقة بين الجنسين

كل ما يختلف به الإسلام عن التصور الرهباني المتنكر للحياة وكل ما يجعله ثورة روحية ما تزال الإنسانية دون الوعي بأهميتها حتى وإن كانت الحياة الغربية الحديثة في ثورتها على الكنيسة قد لامست بعد وجوهها مع الإفراط الناتج عن رد الفعل ضد ثقافة الرهبانية كما يرمز إلى ذلك قلب القيم النيتشوي أو تصوير أمر الجمع بين الدين والدنيا على أنه حلف مع الشيطان كما في رائعة جوته (انظر لاستكمال هذا المعنى مقالنا بعنوان: الديوان الغربي الشرقي ودلالاته المنشور في أعمال ندوة جوتة تنظيم قسم الفلسفة ومعهد جوته بتونس يوم 11 تشرين الثاني 1999 ص. 55-72).

لكننا نحتاج إلى التلميح إليه في المقدمات لأن من شروط فهم المقصود بالبنى المجردة التي تفهمنا إستراتيجية القرآن الكريم التوحيدية.

والمعلوم أن مبدأ الزوجية الوجودي في القرآن مبدأ عام (الذاريات 49). لكن البعض قد يحصره في معناه الخارجي وصلا بين كائنين منفصلين (وهو معنى لا ننفيه لكننا لا نقتصر عليه). ورغم أن تطبيق مبدأ الزوجية على كيان الأعيان لم يأت صريحا في القرآن الكريم فإنه قابل للتعميم عليها من هذا منطلق -هذه الآية أولا- ثم من منطلق امتناع الوحدة الصمد على غير الذات الإلهية: فكل فرد زوج لأن الفردية المطلقة لله وحده.

وكلمة زوج في العربية لا تعني اثنين ولا الذكر بل أحد الفردين اللذين إذا اجتمعا كونا كيانا قابلا للتواصل الوجودي والديمومة بتوالي الاجيال.

ولما كانت المقابلة الفلسفية بين الصورة والمادة لا معنى لها في المنظور القرآني فإن مبدأ الزوجية ليس قابلا للتوحيد معها : الزوجية في العين أو الفرد ليست ثنائية المادة والصورة. فلم يبق إلا أن تتعلق الزوجية التي ننسبها إلى الأعيان الفردية بأصل أعمق يفسر خصائص الأفراد من حيث هم ليست لهم الوحدة الصمدية وخصائص علاقات الأزواج بمعنى العلاقة بين كائنين منفصلين من جنس واحد لأن المقابلة السطحية بين المادة الطينة والصورة الشكل لا تفي بهذا الغرض.

ونحن نفترض أن هذا الأصل هو المقابلة بين ما يقبل الشهادة وما لا يقبلها أو الغيب بصورة عامة وعند الإنسان بصورة خاصة:

  • فالشاهد من الذات الإنسانية هو الشكل الذي لامتداد كيانها.
  • والغائب هو الدفق الذي لمدد كيانها.

وكلاهما عضوي نفسي أي إن هذه المقابلة ليست بين الجسد والروح بل بين الشاهد والغائب من كيان الإنسان الذي هو روح متجسد لئلا يظن أن الزوجية هي المعنى السينوي والصوفي للعلاقة بين النفس والبدن وسيطا والمعنى الدكارتي حديثا.

وهذه المسألة من أعوص المسائل في الفكرين الفلسفي والديني. وعواصتها تأتي من طغيان صيغتها الفلسفية التي تحول بالنموذج الصناعوي من رؤية النموذج الديني الذي يرفض المقابلة بين المادة والصورة ويستعيض عنها بالمدد الذي هو موضوع فعل القضاء (=الوجود بلغة الفلسفة) والامتداد الذي هو موضوع فعل القدر (=الماهية بلغة الفلسفة).

والمعلوم أن العلاقة بين صورة الشيء ومادته مبدأ زوجية في الكيان الواحد عند الفلاسفة. لكن المادة عندهم مجرد طينة وهي من ثم دون الصورة في الشرف الوجودي لكأنها امتداد محض دون مدد.

أما في القرآن فإن المادة تعني المدد والأصل الذي يتصور في الشكل الخارجي وهي من ثم غيب الكيان الإنساني الذي شاهده هو امتداده أو ما يقبل العلم من ذاته وغيبه هو ما لا يقبل العلم منها.

وكلما كان الامتداد أكثر إظهارا للمدد كان المدد أبعد غورا فيزداد بزيادة الإظهار أعني بكمال الصورة: أحسن التصوير.

ذلك أن المادة من حيث هي المدد الحي لا تعني الطينة كما في الفكر الفلسفي بل تعني دفق الحياة في الكيان وتدفقه هو فعل التصوير ذاته. فالقرآن لا يقابل بين المادة والصورة في الذوات بل بين وجه الغيب وهو المدد ووجه الشهادة وهو الامتداد أو ما يظهر من المدد المصوِّر والمصوَّر.

ولما كانت الفلسفة تعتبر المقابلة بين الذكورة والأنوثة أمرا عرضيا ينتسب إلى المادة من حيث هي امتداد خالص لا إلى الصورة فإنه لا يعد عندها فرقا جوهريا ومن ثم فهي تختلف اختلافا كليا مع الدين حول مبدأ الزوجية. فالدين الإسلامي على الأقل يرفض ذلك رفضا تاما ويعتبر هذه المقابلة أساسية وهي من كمالات تعين الزوجية التي في النفس الواحدة خارجها:

“خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا“.

وإذن فالمقابلة بين الذكورة والأنوثة تمثل درجتين من تمام المدد وترقي ظهوره في الامتداد: النفس الواحدة التي جاء منها الزوج درجة أولى تلتها درجة ثانية أرقى في سلم العلاقة بين الشهادة والغيب لذلك كانت المرأة أو الأنوثة أكثر تعقيدا في الوجهين الشاهد والغائب من الذكورة حتى إن الأنوثة هي كل الكيان العضوي بخلاف الرجولة التي تستنتج استنتاجا من بعض العلامات العضوية وليست كل الكيان العضوي.

ويمكن من الآن أن نشير أن الأنوثة هي رمز الذوق والذكورة هي رمز الرزق وهما رمزان سيأتي شرح دورهما في القرآن (سورة النساء والعلاقة بين الرزق والذوق) والعمران (ابن خلدون والعلاقة بين التنازل لقضاء الحاجات والتنازل للأنس بالعشير).

لذلك فإنه لا يمكن أن نتكلم في الذكورة والأنوثة قرآنيا بالمقابلة الفلسفية بين المادة والصورة إلا إذا عكسنا النسبة فجعلنا المدد وتصويره وحدة زوجية في العين الواحدة تتوالى درجاتها في سلم العلاقة بين الشهادة والغيب فتثمر خروج الزوجية إلى التعين في عينين كاملتين هما الزوج بالمعنى المتعارف أي الذكر والأنثى.

  • فالذكر هو درجة أولى من الزوجية الفردية فيكون الزوج هو الفرد المزدوج
  • والأنثى هي درجة ثانية منها بنفس المعنى ولكن بصورة أكثر تعقيدا لأن الدرجة الأولى تبدو وكأنها الخام المصور الذي صورت منه الأنثى فازدادت عنها لطافة وجمالا وتأثيرا للمدد الذي تعين مفعوله في كامل الامتداد الجسدي.

فالرمز يعتبر حواء قد صورت من آدم المصور صورت بعد تصويره أو إضافة إلى تصويره لتكون حواء.

وهذا الرمز يختلف اختلافا جذريا عن الرمز الأفلاطوني الذي يجعل الذكر نصف كائن والأنثى نصف كائن بحيث إنها لم تزدد تصويرا من بعد الذكر ومن ثم فالجاذبية بينهما تعبر عن نقص في قيامهما وليست دالة على كمال خلاق: إذ هما وقع تفريقهما بتقسيم قدر مشترك بينهما وليس بإضافة تصوير للمخلوق الثاني.

ثم إن الرمز القرآني جعلهما كيانين تامين وليسا نصفي كيان واحد رغم أنهما من نفس واحدة هي الأصل نفس واحدة ومنها درجة أولى هي آدم ودرجة الثانية هي حواء فيكون ظهور المدد في حواء أرفع رتبة وكذلك خفاؤه للتناسب بين الأمرين لأن التصوير فيها أتم.

فالمدد الواحد أخذ بعضه بعد مروره بتصوير آدم لتصور منه حواء فتكون فاضلة عليه بهذا التصوير الإضافي وذلك هو علة بروز الأنوثة في لطافة الصورة وسلطانها القوي على الوجدان سواء كان وجدان الرجل أو وجدان المرأة (لأن في كل حواء حنين إلى ما يحن إليه آدم بما فيها منه) وبروز الذكورة في قوة المادة وسلطانها القوي على وجدان المرأة وعلى وجدان الرجل كذلك (لأن في الرجل حنين إلى ما تحن إليه حواء بما ليس فيه منها متمنيا إياه فيه ليكون هو من تحن إليه).

فتتضح بذلك علة التجاذب بينهما تجاذبا تقابليا وحتى مثليا وعلة كونها إيجابية بين كيانين تامين بدليل أن الواحد قد يعشق نفسه في نفسه أو في غيرها لأنهما ليسا نصفي كيان واحد كما في الأمثولة الأفلاطونية.

ومن ثم فالعلاقة ليس فيها تفاضل وجودي صورة ومادة كما في علاقة المادة والصورة عند الفلاسفة لعدم الوصل بين المبدئين في الأصل الواحد بل هو تفاضل ظهوري للمدد في صورتين الثانية منهما أكثر إظهارا للمدد من الأولى لكن إظهار المدد يبقى ملتفتا إلى بدايته كما يبقى مصدر المدد مشرئبا إلى غايته. لذلك صارت العلاقة الزوجية بين كيانين عينيين تامين أحدهما (المرأة) يفضل الثاني (الرجل) يفضله بشدة إظهار المدد أعني بدرجة تصوير أكمل. فالكيان الأنثوي ليس امتدادا يعبر عن المدد بل هو عين دفقه الحي لذلك فهو المحرك الأول والأخير للذوق الحيوي والحب والإبداع.

وعندئذ نفهم علة منزلته في تصور الإسلام للوجود الإنساني في الدنيا والآخرة حتى إنه يمثل أهم عناصر الجزاء الأخروي في الجنة ونفهم أخيرا منزلة المرأة في الثالوث الذي أحبه الرسول: وكل ذلك أمور لم يفهمها الفلاسفة المسلمون لتأثرهم بالنظرة الرهبانية التي تحتقر الجسد والجنس واللذة وتعتبر ذلك كله منافيا للروح في حين أنه عين الوجود الفعلي للروح في الدنيا والآخرة لأن البعث جسدي.
ويمكن أن نفهم الآن طبيعة الحبين وبم يختلفان فحب المرأة للرجل ميل إلى ما يحتاج إلى التثقيف والصقل لأن مدده دون مددها لطافة وصقالة وحب الرجل للمرأة ميل لما يلطفه ويرفع ذوقه:

فتكون المرأة أكثر ميلا إلى الفعل اللطيف والعميق في العلاقة الزوجية من الرجل وذلك بسبب هذا الفضل الصوري المظهر للمدد.

ومن ثم فليس للعلاقة ما لها في المعنى الفلسفي من تفاضل وجودي لأنهما من نفس واحدة وإذا فضلت الذكورة الأنوثة بالتقدم كخام مادي في نسبته إلى المرأة فإن الأنوثة تفضل الذكورة بالتأخر واللطافة الصورية التي هي درجة أرفع في ظهور المدد الحيوي وخاصة من حيث وجهه الرمزي والجمالي وهو معنى الفضل في الصورة: فيتساويان في التفاضل بمعنى التغاير الموجب.

وأخيرا فإن المرأة بكيانها العضوي هي شرط التصوير العضوي لكل كائن بشري خلال الحمل وهي بكيانها النفسي شرط تصويره النفسي بعد الحمل وحتى خلاله:

قال جل وعلا:

“هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “(آل عمران 6).

فعلمية التصوير تتم في الأرحام أي عند المرأة وليس عند الرجل. ورغم أن للزوجين إسهاما متساويا في الكيان المصور فإن دور المرأة في التصوير يفضل دور الرجل لأن رحمها هو محل التصوير وراعيه (المصور هو قدرة الله طبعا) فضلا عن اعتبار القرآن الكريم تقوى الأرحام في منزلة تقوى الله كلتاهما مسؤول عنها:

” يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا” (النساء 1).

والتقدير “(واتقوا) الأرحام (التي تساءلون بها)”.

وهذا المعنى يوجب تغيير سلوك المسلمين في تحديد منزلة المرأة والعودة إلى ما توجبه هذه المساءلة. ثم إن فهم العلاقة بهذه الصورة يغير نظريات علم النفس كلها كما نبين إن شاء الله في نظرية التوحيد الشخصي والزوجي كما يحددها في القرآن الكريم من خلال إشاراته لما ينبغي النظر فيه لمعرفة قوانينها.

فالقرآن لا يتضمن قوانين علم النفس لكنه يشير إلى ما ينبغي النظر فيه لاكتشافها بطرق البحث العلمي وبصورة أدق لاكتشاف ما يحول دون الانحراف بعلمها إلى ما ليس منها كما يمكن أن يحصل عند تصور الفرق بين الرجل والمرأة فرقا كميا وماديا وليس فرقا نوعيا وصوريا.

والمعلوم أن الفلاسفة يحدون الإنسان حدا يهمل الفرق الجنسي: حيوان عاقل سواء كان ذكرا أو أثنى وهو ما يعني أن الفرق الجنسي ينتسب إلى الحيوانية ولا علاقة له بالعاقلية وهو معنى كونه فرقا ماديا لا صوريا.

وكل هذه المسائل ستنال حظها من العلاج في مسألة التوحيد الشخصي والزوجي إن شاء الله.



يرجى تثبيت الخطوط
أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/


نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي