ما ثمرة تفكيك عقد السنة النقدي لعلاجها؟ – الجزء السادس

تونس في 06 – 08 – 2015

تمهيد**:**

كانت المعركة الكاريكاتورية بين التأصيل والتحديث الزائفين قد بلغت أوجها بسبب الغزو الأمريكي للعراق وتمكين أصحاب الفتنة الكبرى (التشيع) بحلف مع أصحاب الفتنة الصغرى (التعلمن) من السيطرة على المشرق العربي بأذرع إيرانية إسرائيلية هدفها الأول والأخير القضاء على المقوم الأساسي للإسلام في الإقليم أي السنة.

وكانت السنة عزلاء –رغم كونها هي التي قاومت الغزو الأمريكي وجعلته يجثو على ركبتيه في الفلوجة خاصة –لأن الخدعة الإيرانية والإسرائيلية بتوسط مليشياتهما بدأت تنطلي على الشعوب بتواطؤ بين من النخب العميلة– دون نفي شجاعة بعض الفتية الذين كانوا يقاومون بابسط الوسائل ومن دون فكر استراتيجي فعال– فبدا وكأن:

  • الإسلام تمثله إيران
  • والمقاومة تمثلها مليشياتها
  • والتحديث تمثله مليشيات إسرائيل
  • ولم يبق للسنة إلا البداوة وبيع النفط واستقبال القواعد الأمريكية لحماية العروش بدل الأوطان.

ومباشرة بعد عودتي من ماليزيا (نهاية 2005) قررت استئناف عمل المقاومة الفكرية التي كنت قد شرعت فيها منذ أن كنت طالبا بدار المعلمين العليا (1967): تحقيق الفهم الاستراتيجي لتحقيق شروط الاستئناف والتغلب على رواسب الانحطاطين. فكان أول عمل قمت به (2007) ترجمة كتاب كريستوف فولف عن الانثروبولوجيا بعد كتابة نص حول الخطاب الإسلامي بين ابن لادن والخميني (2004).

نقلت الكتاب إلى العربية وكان قصدي المساهمة بصورة علمية وموضوعية –الانثروبولوجيا الفلسفية والتاريخية– في تحذير الشعب من أصحاب الكاريكاتور التحديثي والكاريكاتور التأصيلي الذين نقلوا صدام الحضارات إلى الداخل متناسين كليات الحضارة وصلتها بمقومات الوجود الإنساني الكلية.

لكن الله بمكره الخير حقق معجزتين في تاريخنا الراهن أولاهما لا رجعة فيها والثانية نأمل أن تكون مثلها ثابتة لا تتراجع:

الأولى هي حركة الشعب في ثورة نابعة من أعماق قراه وأحيائه الفقيرة التي شعرت في أكثر بلاد العرب السنة (تونس) معاناة من صدام الحضارات الداخلي بأن كيانها مهدد. فكانت الثورة. الثورة التي بينت وخاصة بصمودها وتضحياتها النموذجية في تاريخ الحضارات العظيمة صمودها الذي تلاه ردة فعل الثورة المضادة لإفشالها إما بتعثير خطوتها الأولى –كما في سوريا وليبيا– أو بالانقلاب على نجاحها الأول –كما في مصر وتونس واليمن– بينت أن الحرب الأهلية وصدام الحضارات اللذين يشجعهما الغرب حاليا بعملائه حكاما ومليشيات وباختراق المقاومة والاندساس في المجتمع الأهلي بمجتمع بديل وعميل يموله الاستعمار كل ذلك لم يعد ينطلي على الشعب: الثورة لن تتوقف حتى تحقق التأصيل والتحديث الحقيقيين وذلك هو القصد بالاستئناف.

والثانية هي ما بشرت به عاصفة الحزم التي نتجت عن صدق ملك حكيم بدأ بشرطي التحرر من الاستضعاف والاستتباع أي تشبيب القيادة والإقدام على رفع التحدي في اليمن وهو أمر إن تواصل بثبات سيولد مفعول الدومينو الذي يرجع إيران إلى حجمها الطبيعي: دويلة فقيرة مكتظة بالسكان وذات نظام قروسطي بشباب يشرئب للعيش الكريم مثل شباب الأمة كلها ودويلة عديمة الوحدة الاثنية والمذهبية ومن ثم فهي شديدة الهشاشة رغم عنتريات حرس الثورة التي لا تنطلي إلى على الحمقى خاصة وهم أفسد حتى من عسكر مصر.

والسؤال الذي أريد أن أجيب عنه اليوم في مجموعة من التغريدات المبسطة هو: ما الذي فهمه الشعب فصار لا ينطلي عليه عبث ممثلي الانحطاطين وحرب الكاريكاتورين بين التأصيل والتحديث الزائفين؟

ولألخص ما فهمه الشعب:

فهم الشعب أولا أن ورثة الانحطاط المستورد تصوروا تاريخ الإسلام قوسين فتحتا وغلقتا وينبغي الاستعاضة عنه بما تقدم عليه وبما يظنونه تأخر عنه لتأسيس الدول القطرية التوابع.

وفهم الشعب ثانيا أن ورثة الانحطاط الذاتي وإن بدوا متشبثين بالإسلام فإنهم في الحقيقة لا يمثلون إلا القشور التي أنتجت العودة بقيمه إلى الجاهلية ومن ثم إلى التبدي ورفض الكونية القرآنية.

لذلك صار ممثلوا الانحطاط المستورد وكاريكاتور الحداثة فراعنة وبابليين وقرطاجنيين وفينيقيين وساسانيين وفرنسيين وأنجليزيين وكل الساعين إلى اجتثاث الإسلام وخاصة السنة التي تمثل جوهره.

وصار ممثلوا الانحطاط الذاتي قبائل كل منها له دويلة يحميها حراميها خدمة للمستعمر ولخططه التي هي في الحقيقة من جنس ما يجند له الصف الأول: ذلك أن العدو بذكائه الاستراتيجي يستعمل كل الوسائل المتاحة للقضاء على شروط الاستئناف.

وهذه الخطط كلها ليست جديدة. فكل استعمار ينافس على غزو جماعة وافتكاك ما لديها لا بد أن يخربها من الداخل لتسهيل ابتلاعها أو على الأقل استعمارها لاستعمال ما لديها لصالح قوته وبقائه. ودار الإسلام بثرواتها وموقعها صارت شرط بقاء قوة عظمى لآخر قوى الغرب الاستعمارية: أمريكا.

لكن الثورة مرت إلى السرعة الثانية التي ستجرف الثورة المضادة التي تسعى لحماية الاستبداد والفساد بالاعتماد على الاستعمار الذي يحمي الاستضعاف والاستتباع. ومن ثم فالثورة ليست محلية بل هي عالمية: ثورة على الاستبداد والفساد في الداخل بوصفه امتدادا لنظيره في الخارج بتوسط الاستضعاف والاستتباع للأنظمة والنخب العميلة.

التغريدات

1-بقي من المسائل إثنتان– الانحطاط والنخب – بعد درسنا الثلاث الأخريات – الاستئناف والعقمان والمؤسسات – وقد اطلنا في المؤسسات لأنها بؤرة كل المسائل إذ هي علة ما تلاها (حال الاستئناف والعقم) ومعلول كل ما تقدم عليها (الانحطاط والنخب).

2-مسألة الانحطاطين اللذين تعاني منهما الأمة: الموروث عن ماضينا الذاتي والموروث عن الحقبة الاستعمارية. والأول علة كاريكاتور التاصيل والثاني علة كاريكاتور التحديث.

3-إذن كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث وأثر الأول في الثاني أي الحرب على التأصيل وأثر الثاني في الأول أي الحرب على التحديث: وتلك أربعة أدواء لا بد لها من دواء.

4-وحصيلتها هو الداء العلة والمعلول في آن: الحرب الأهلية التي كانت صامتة بسبب تغييب الشعب فأصبحت بعد الثورة ناطقة لأن الشعب لم يعد صامتا بل صار هو بطل التاريخ ونحى العملاء أو هو ساع لتنحيتهم.

5-كاريكاتور التحديث سعى في مرحلتي الاستعمار المباشر وغير المباشر إلى تحقيق غايتين: قتل ثقافة الشعب وتعويضها بنسخة منحطة من ثقافة المستعمر فحاول نزع حصانة الأمة.

6-كاريكاتور التأصيل سعى من موقف رد الفعل خلال المرحلتين إلى تحقيق غايتين: رفض التحديث السوي والاكتفاء بنسخة منحطة من ماضينا عاجزة عن الصمود إذ هو ينزع كل أسلحة الأمة.

7-فكاريكاتور التـأصيل صدق أن كاريكاتور التحديث يمثل الحداثة حقا فحارب الحداثة بكاريكاتور الأصالة مثلما يصدق هذا أن ذاك يمثل الأصالة حقا فحارب الأصالة بكاريكاتور الحداثة. وفي الحالتين الحرب على الحقيقة بالكاريكاتور.

8-ذلك ما سنحاول وصفه وبيان علل كونه يجري بهذه الصورة التي تمثل الثورة محاولة التحرر منها وتحاول الثورة المضادة استعادتها ولن تنجح بدليل فشل تعثيرها بسبب صمود الشعب الأسطوري في سوريا وليبيا ومصر واليمن وتونس.

9-أربعة صفوف تتصارع في حرب أهلية دامت قرنين. والثورة هي بداية الخروج منها لانها المرحلة الحارة منها بعد أن قام الشعب بنفسه ليكون سيد مصيره وتحرره من استبداد النخب العميلة وفسادها.

10-ممثلو الانحطاط الذاتي ومنهم ممثلو كاريكاتور التأصيل وممثلوا الانحطاط المستورد ومنهم ممثلو كاريكاتور التحديث والاصل العبودية والتبعية.

11-فالعبودية للاستبداد والفساد مشتركة بين الصفوف الأربعة والتبعية للاستضعاف والاستتباع مشتركة بينها: أفق النهوض ظل ما فرضه الاستعمار من معارك دونكيخوتية بينهم ليلهي الأمة عن معركتها الجوهرية: تحقيق شروط الاستئناف.

12-وتحديده له مر بمرحلتين استعماريتين متحدتي الهدف: مباشرة لما كان حاضرا بذاته وغير مباشرة لما نوب عملاءه ليحققوا ما عجز عنه لأن حضوره المادي يمنع نفاذه الرمزي.

13-ولما كانت الحروب لا تربح ما ظل الرمزي صادما لكونه هو سر الحصانة أي ما بقيت الأمة محافظة على حصانتها الروحية فإن الخطة تقتضي اعتماد العملاء لتحقيق المهمة في غفلة من الشعب لظنه أنهم منه.

14-ولأضرب مثالين: فما عجز عنه الاستعمار في حربه على اللغة العربية مثلا طيلة قرن ونصف في الجزائر وقرن إلا ربع في تونس حققه العملاء في ربع قرن بل وذهبوا إلى أكثر مما كان يتمنى بأن أحيوا النزعات العرقية والثقافية المعادية لها.

15-وما لم يجرؤ عليه الاستعمار من قيم الإسلام ومؤسساته دنسه المستبدون بدعوى إصلاح الخطاب والتعليم الديني ومؤسسات الأوقاف بجرة قلم وعنف.

16-لكن الأخطر والأبعد غورا هو التهديم المادي والفكري. فأما المادي فيخص الأحياز (المكان وثمرته المادية والزمان وثمرته الثقافية) وأما الفكري فيخص ما يستعمل بتغييرها في اغتيال الأمة (وحدة اللغة والعقائد والتراث إلخ..).

17-ما القصد بالأحياز وكيف تتحول إلى عائق للقيام المستقل: تفتيت المكان بفرض جغرافيا استعمارية تمنع شروط التنمية المادية تشتيت الزمان بفرض تاريخ استعماري يمنع التنمية الرمزية.

18-وما القصد بأدوات اغتيال الأمة؟ جعل كل جزء من الأمة أمة بتأسيس دولة توصف بالقومية وهي في الحقيقة ذيل تابع لمستعمرها ومتفص من الأمة أعني من شرط شروط السيادة في عصر العمالقة.

19-ويقتضي القطع مع الأمة وتفتيتها إلى أمم قطع الرابطين المادي والرمزي في مستوى تفتيت المكان (فرض جغرافيا استعمارية) والزمان (فرض تاريخ استعماري) وكذلك في ثمرتيهما: منع الوحدة الاقتصادية والثقافية

20-وهذا يفرض الا يكون الحاكم والنخب التي تحيط به باختيار الشعب بل ينبغي أن يكون نائبا عن المستعمر ليحقق هذه السياسة بأبهة استقلال كاذب : وهو ما حدث بعد جلاء الاستعمار نصبوا من اختاروه ليحكم باسمهم.

21-وقد صادف أن ترجمت كتاب وودي هلتون “الأمريكيون الجوامح Unruly Americans” (مؤسسة كلمة) حول سياسة أمريكا في بلع أرض الهنود الحمر:دفع قبائلهم للاقتتال.

22-ما يعني أن السياسة الاستعمارية واحدة ومثالها ما تفعل إيران وإسرائيل الآن في بلاد العرب ذراعين للغرب بفضل عملائهم ومليشياتهم العربية وهم لا يحصون عددا وعدة واختراقا للأنظمة والمجتمعات العربية.

23-ففضلا عن العملاء من الحكام ونخبهم نجد المليشيات الخمسة التي يعمل الشرطي (إسرائيل) ونائبه (إيران) بها : الباطنية والصليبية (مليشيات إيران) العلمانية والليبرالية (مليشيات إسرائيل) والقومية الفاشية (مليشيات مشتركة بينهما غطاء للنوعين السابقين) في البلاد العربية.

24-وبهذا نفهم لم كان العالم كله مع الثورة المضادة لأن المعركة تغيرت طبيعتها: لم تعد في بلاط الحكم وأجهزته بصورة تيسر عليه السيطرة عليها وتوجيهها كما يريد بل صارت ثورة شعب ومن ثم فلا بد من وأدها.

25-وبذلك أفحم من يدعي أن الثورة مؤامرة غربية. فالمؤامرة هي بالأحرى أصل الثورة المضادة لا الثورة. فتأييد الغرب لبشار والسيسي وصالح وحفتر لا يدل على غير ذلك. ثم لم يلجأ الغرب للتآمر على أنظمة تخدمه أكثر مما يطلب؟

26-دارحوار بين طارق رمضان وبيني بالفرنسية في سويسرا: يقيس ثورة شعب على انقلابات العسكر في خمسينات القرن 20. خلط بين وجود الدور الأجنبي الذي لا ينكره إلا غبي ونسبة الفعل إليه الذي لا يدعيه إلا شقي.

27-فللاستعمار تدخل لتغيير مجرى الاحداث. لكن الأحداث ليست من صنعه هذه المرة. ولما فشل في توجيه الاحداث شجع الانقلاب: وتلك هي المؤامرة.

28-ذلك هو التحول النوعي في حركة الشعب العربي: الثورة لم تعد قطرية لأن الشباب فهم أن الاستبداد والفساد علته الاستضعاف والاستتباع العام لأن المستفيدين من هذين يسندان المستفيدين من ذينك : حلف الاستعمار والعملاء.

29-والثورة المضادة فهمت الخطر فتوحدت لتمويل الانقلابات ماديا وإعلاميا بحلف واضح مع الغرب وذراعية (إسرائيل وإيران) ومليشياتهما المعلومة.

30-لكن مكر الله الخير يغلب كل مكر: تعجلت إيران اغتنام الفرصة فهددت الخليج مباشرة في اليمن ومن الله على السعودية بملك صالح وقيادة شابة.

31-فانفرط عقد الثورة المضادة وهزمت إيران مرتين: اكتشفت أن السنة إذا أرادت فعلت وضيعت سيادتها بالاتفاقية وستبدأ قريبا سياسة الاستعطاف. لكن إيران تملك الحل “ب” باللجوء للسلاح الثاني أي الغزو بالسلاح اللطيف والخفي بطريق التبشير وتقية الاندساس.

32-بل هي بدأت بعد: ستحاول التظاهر بحسن الجوار وبتقديم مبادرات حسن النية والمساعدة لحل مشاكل الإقليم. لكن حذار: على العرب الا يقبلوا هذا النفاق فالانهيار بدأ إذا لم يساعد انخداع العرب على نجاح الاستراتيجية البديلة لإيران: الحرب بالسلاح اللطيف بدل العنيف الذي فشل.

33-فالديموقراطية ستأتي على نظام الملالي بعد أن انقطع حبل الكذب بدعوى القوة العظمى وفراغ صبر الشباب. والأنظمة العربية التي تريد حقا أن تتجنب الانهيار عليها أن تتوقاه بالإصلاح الطوعي: ولها أسبابه وشروطه.

34-فهي ثرية ماديا على الأقل حاليا وبثراء سائل وإذن فبوسعها تحقيق الرفاه لشعبها لئلا يقدح في شرعيتها إن هي احترمت الحقوق الأساسية وحققت ما تطلبه الثورة الإسلامية السلمية التي ليس لها نية الغزو لأن ما فيها يلهيها.

35-على الأنظمة العربية التي تدعي الحكم بقيم القرآن أن تفهم أن الخطر لن يأتيها من الثورة الإسلامية السنية التي هي أفضل حرز للإسلام والسنة في آن بل من الانقلابيين الذين مـولوهم رغم أنهم خدم التبشيرين وأعداء الأسلام.

36-أقصد بالتبشيرين التبشير المسيحي (في مصر وليس في إفريقيا وحدها) والتبشير الشيعي (في كل العالم) اللذين لايهددان الأنظمة فحسب بل يهددان أساس وجود السنة كذلك: ولعل أخطر ما في الظاهرة أن مصر تغزى الآن بالتبشيرين وبتشجيع من النظام الانقلابي.

37-لذلك فكل مسالمة لإيران الآن وكل اطمئنان للسيسي فيهما خطر قاتل للسنة وأنظمتها السياسية والخلقية. فلم يبق لإيران إلا سلاح القوة الناعمة وهو سلاح فعال لأن الأرضية جاهزة إذا واصلت الأنظمة التي تتصور نفسها غنية ضيم شعوبها وبقية العرب.

38-ولما كنت أعلم أن الأنظمة السنية ذات نفس قصير وأغلب المسؤولين فيها “حبلهم طويل“ب عبارة تونسية (أي لا يتحركون إلا ببطء) فإني أخشى من العودة بعد اليمن إلى النوم “في السمن” بالتونسي أيضا أي الاطمئنان الغفل. لذلك فحتى لو قدرت الآن تحجيم إيران بالقوة المادية فإيران بالقوة اللطيفة قد تكسب الحرب.

39-فغزو مصر يعني ربع الأمة العربية –حزب الله في لبنان الذي لا يمثل شيئا بالمقارنة مع مصر– فيه درس لمن يريد أن يتعض. ثم إن التبشير عام والتقية تخفيه وما لم ينتبه أهل الدار يكون قد حصل مفعول الفار خاصة ولهم وسائط أهمها التخريف الصوفي والتدجيل بدعوى حب آل البيت.

40-فإن ظل السنة في غفلة مطمئنين إلى الانطواء المؤقت لإيران فإن الأيام حبلى بمفاجآت إذ قد نجد في كل أقطار العرب مندسين من مليشياتهم في مواقع القرار العربية ما يشبه ظاهرة اليهود في الغرب.

41-وأكاد أجزم أن ذلك حاصل بعد في دول الخليج في شكل خلايا نائمة. لكن بوادره بدأت تظهر في المغرب العربي وخاصة في المغرب الأقصى والجزائر وتونس وحتى موريتانيا وليبيا.

42-فأما الفتنة الأولى فهي الفتنة الكبرى وتتعلق بالتحريف الشيعي للإسلام لجعله مجرد إيديولوجيا سياسية وأداة فارسية للانتقام من العرب مهدمي عروشهم وهي جامعة بين الباطنية والخوارج: بدأت منذ اغتيال الفاروق وإليها يعود اغتيال عثمان بالانقلاب القادم من باطنية مصر واغتيال علي بالغدر الخارجي الذي هو رفض لسعيه للصلح الذي يحافظ على وحدة الأمة. وتواصلت بإرهاب القرامطة والحشاشين ومليشياتها الحالية.

43-وأما الفتنة الصغرى فهي تتعلق بالتحريف اليعقوبي الذي اعتبر الحكم مشروط بالحرب على الدين لتأسيس الحكم النافي للدين وليس الحكم المحايد. ومن يعرف الكاثوليكية يفهم أن ما يعارضها سيكون مثلها ولكن في الطرف المقابل بإطلاق (راجع دروس هيجل في فلسفة الدين).

44-ومعنى ذلك أن الفتنتين تمثلان وجهي نفس العملة أي تنكر المافيا إما باسم النقل (التشيع) أو باسم العقل (التعملن): فهي أولا تعتبر الدين مجرد إيديولوجيا حكم –بالمعنى الفولتيري– وهذا هو معنى الإسلام عند الصفوية. ولا يختلف عنه الاعتبار العلماني.

45-فعند العلماني ليس الدين إلا مجرد حالة نفسية للفرد ويمكن تعويضه بدين وضعي هو إيديولوجيا الإخلاد إلى الأرض. ويفترض هذا التعويض قيما طبيعية لا تستقيم إلا بتأليه المادة التي تجعل الإنسان كالكلب يهلث حملت عليه أو لم تحمل.

46-والفرق الوحيد في الموقف من الدين هو صراحة العلماني وتقية الصفوي: كلاهما مكذب بما يتعالى على الإخلاد إلى الأرض والفرق هو كالفرق بين موقفي فولتار من الدين (بالنسبة إلى العامة وإلى الخاصة).

47-ففولتار يعتبر الدين شرطي العامة أي جوهر عقيدة التشيع الصفوي. واليعقوبي يفرض رأي فولتار ولا يحتاج إلى تقية لان استعباده للعامة بالشرطي الفعلي يغنيه عن المعنى الفولتيري الأول من الدين.

48-لذلك فالدولة العلمانية سواء في الغرب أو في الشرق هي بالجوهر دولة بوليسية في أرقى الديموقراطيات الغربية وأنظمتنا نسخة منحطة منها. وكذبة تحرر الغرب من الاستبداد والفساد لا يصدقها إلا من يكتفي بالأقوال ويعمى عن الأعمال.

49-النخب العربية الحداثية والسلفية التي كحزب النور وما بقي في الأزهر من دجالين لا يمكن إلا أن تتحالف مع الاستبداد والفساد في الداخل والاستضعاف والاستتباع في الخارج لأنهم عبيد الاخلاد إلى الأرض.

50-وقد صادف أن كنت في القاهرة أسبوع واحد قبل 30 يونيو فسمعت الكثير من الناقمين على الإخوان والثورة. لست من الإخوان لكني أعتقد أنهم مهما أخطأوا فهم أصدق ممثلين للشعب المصري العميق ومن ثم لكل الأمة واكثرهم إيمانا بالاستئناف.

51-معركة الكاريكاتورين من الأصالة والحداثة هي معركة صدام الحضارات وقد نقلت إلى الداخل من صفين قبل أن يصبحا أداتين لمن يريد تركيع الأمة بصدام حضارات من الخارج سيخسره العدو حتما لأنه بلغ أرذل العمر على الأقل عضويا.

52-يكثر الحديث عن اختراف المخابرات لمن يتهمون بالإرهاب والتكفير ويسكت الجميع على نفس الظاهرة عند متهميه. ويكفي أن تعلم من تمول المخابرات ومن تستضيف لتعليمهم فن التخريب باسم التحديث.

53-فليس محض صدفة أن يمول الغرب ما يسميه بالمجتمع المدني الذي يراد جعله بديلا من المجتمع الأهلي الغني عن تمويلهم لأن أصله ثابت وفرعه سامق. ومن غبائهم أنهم صادموا الإسلام مباشرة: فذلك مقتلهم حتما.

54-وكانوا يتصورون الربيع العربي فرصة ليركب هذا المجتمع المدني الممول من قبل المخابرات. اختيار الشعب اضطرهم لتوظيفه ليشرع للانقلابـات في مصر وتونس واليمن مواطئ قدم لمنع ذهاب الثورة إلى غايتها.

55-وهذا التوظيف للنخب العميلة والانقلابات وتمويلها من قبل الخائفين من الثورة كل ذلك لن ينجح في إيقاف الثورة لأنها ثورة شعب يمثل حضارة عظيمة لديها في قيم القرآن ما سينقذ الإنسانية من العبودية الكونية التي تسمى عولمة عبادة العجل.


ما ثمرة تفكيك عقد السنة النقدي لعلاجها؟ – الجزء السادس – أبو يعرب المرزوقي

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي