ما ثمرة تفكيك عقد السنة النقدي لعلاجها؟ – الجزء الثاني

1-ختمنا الجزء الأول بإحصاء الـمسائل المترتبة على ثمرة تفكيك عقد السنة فكانت كالتالي:1-النخب 2-الانحطاطان 3-المؤسسات 4-العقمان 5-الاستئناف.وترتيب العلاج كما بينا من الأخيرة إلى الأولى.

2-ولنبدأ بالأخيرة: فما القصد بالاستئناف؟مشكل الاستئناف سواء تعلق بالشخص الطبيعي (الإنسان الفرد) أوبالجماعة (الشخص المعنوي) تفترض العناصر الأربعة السابقة

3-بل هو في الحقيقة يضيف إليها وعيا بها أولا وبكونها لا تليق به وبقدرته على تجاوزها ومن ثم فالطلب لاستئناف يعني بقاء جذوة الحيوية الروحية

4-والجذوة الحيوية الروحية هي التي لا يمكن لأمة أن تهزم ما ظلت حية فيها لذلك اعتبر كلاوسفيتز في نظرية الحرب أن النصر مشروط بالقضاء عليها. وكل أعداء الأمة يبذلون قصارى جهدهم في الحرب النفسية والمادية سدى: فنحن أمة لا تقهر لإيمانها بوعد الله لها بالشهادة على العالمين,

5-ولولا هذه الجذوة الروحية الحية لكانت الأمة قد انقرضت كما توهم هيجل في فلسفة التاريخ الذي لم يفهم أن ما يفسر بها ضعفها في رأيه هو سر قوتها. والمواقف السلبية لدى المليشيات الخمس سببها ظنهم أنها قابلة للانقراض.

6-وقد بينا أن ما يعتبره هيجل أسباب ضعف يرجع إلى الآية الأولى من سورة النساء والآية الثالثة عشرة من سورة الحجرات أي مبدأي الأخوة البشرية وحصر التفاضل في التقوى.

7-فموقف هيجل من قيمتي الإسلام مفهوم في عصره وقد يكون معذورا في عدم فهم ما يبدو شديد المثالية: لكنهما بعد ما بينت العولمة آثار نقيضيهما المدمرة بات شباب العالم وفضلاؤه مؤمنين بضرورتهما

8-فما الاستئناف بالنسبة إلينا نحن السنة الممثلة للإسلام البريء من التحريفات كما حددته آيات القرآن وأحاديث الرسول؟ إنه بكلمة: السعي لتحقيق شروط دور الأمة باستراتيجية هي هم كل محاولاتي,

9-ففي عصر العولمة لا يمكن لأمة ذات رسالة أن تقوم برسالتها إذا حصل لها ما يحول دون هذه الشروط أعني تفتيت أحيازها لمنع الجمع بين القوتين: حيز المكان شرط القوة المادية وحيز الزمان شرط القوة الروحية وبهما تتحقق هوية الأمة وذاتيتها.

10-فبقاء الجذوة الروحية حية هو القوة الروحية التي تجعل الأمة ذات حصانة تمكنها من الصمود وذات طموح يجعلها تريد الاستئناف صمودا أولا ثم كفاحا من أجل تحقيق القوة المادية الممكنة منه.

11-والحائل دون القوة المادية هو الجغرافيا المفتتة والتاريخ المشتت من قبل القوى الاستعمارية وعملائها للحيلولة دون شروط التنميتين المادية والعلمية بفرض كيانات فاقدة للسيادة.

12-وفقدان السيادة له علامتان لا تكذبان: فقدان القدرة على الرعاية الذاتية تكوينا للإنسان وتموينا (وظيفة المجتمع المدني خاصة). وفقدان القدرة على الحماية الذاتية في الداخل والخارج (وظيفة المجتمع السياسي خاصة). والجمع بينهما هو مفهوم الدولة بمعناها الإسلامي.

13-والعلامتان المضاعفتان منعدمتان في كل الأقطار التي رسمها الاستعمار لفتيت جغرافية الأمة بفرض شرعية تاريخية مشروطة بإلغاء وحدتها الروحية.

14-وبذلك يتبين أن المعركة الحالية حقيتها هي بين وحدة الجغرافيا والتاريخ للأمة وتمزيق الجغرافيا والتاريخ المفروض من الاستعمار وعملائه.

15-وهذا التفتيت الجغرافي والتمزيق التاريخي لا يمكن أن يبقيا فاعلين من دون ما يعتبره كلاوسفيتز شرط النصر في الحرب أعني حصانة الأمة الروحية: سر الحرب هي على السنة.

16-ولأن الإسلام هو السنة وكل البقية فرق منحرفة عنها وكونها تشوه الإسلام بل وتسعى لتهديمه فإن العدو المدرك لهذه الحقيقة يجيشهم ليكونوا معاوله. وهم بهذا الدور سعداء إلى أن يرميهم ككل العملاء.

17-وتلك هي العلة في أن الحرب هي في آن حرب خارجية من أعداء الاستئناف وداخلية أو أهلية لأن الأعداء يستعملون هؤلاء معاول للتهديم الداخلي. وكون الحرب أهلية وعالمية يجعلنا بؤرة التأزم العالمي.

18-ويضيف الأعداء طابورين خامسين آخرين لا يمثلان الانحطاط الذاتي للأمة بل الانحطاط المستورد أعني ليس العلمانية والليبرالية بل تحريفهما.

19-إذن المعركة الخارجية بقيادة المسيحية الصهيونية في أمريكا وبتوسط المليشيات الداخلية أي تحريف الإسلام وتحريف المسيحية وتحريف العلمانية وتحريف الليبرالية.

21-لذلك فالاستئناف فيه تفكيك ونقد للصيهونية المسيحية ونقد للباطنية ونقد للصليبية ونقد للعلمانية ونقد لليبرالية ما يعني أن ما نرفضه ليس هي بل تحريفها لأن الإسلام يعتبر التعدد سنة كونية وآية إلهية.

22-وهذا هو جوهر الموقف القرآني: لا ينفي حق الوجود لدينين منزلين (المسيحية واليهودية) ودينين طبيعيين (الصابئية والمجوسية) ويرجئ حتى بالمشركين (الحج 17). وحتى إذا خالف التاريخ المبدأ فهذا كما يخالف القانون الظرفي القانون البنيوي.

23-بل هو يعتبر التعدد في الشرعات والمنهاجات شرط التسابق في الخيرات ومن ثم فكل من يتهم الإسلام بأنه اقصائي واستئصالي يكذبه النص والتاريخ (المائدة 48).

24-فأما النص فهو تحت ناظر الجميع : القرآن والسنة في متناول أي قارئ. وأما التاريخ فدليله مفحم لأنه من المفاخر التي نتميز بها بين الأمم كلها: فكل الأديان والمذاهب سواء ادعت الانتساب إلى الإسلام أو عادته لم يكد يبقى منها أثر حقيقي إلا في دولة الإسلام

25-وطبعا فإن من تعييهم الحجة من المليشيات الخمسة سيلجأون لحل المنافقين وإلى الدعاية التي تحالف مغول الغرب لعله يضرب السنة مثل مغول الشرق. لكن السنة اليوم هي ثاني جماعة حضارية في العالم ولعلها قريبا الأولى عدة (بالقوة) وعديدا(بالفعل).

26-لكنهم نسوا أمرا لو أدركوه لاختاروا الجنوح إلى السلم: فلا أحد في التاريخ الوسيط والحديث نازل السنة وهزمها. ولعل انتشارها بعد توقع هيجل كان التكذيب القاطع لكل أوهام من يتصور الإسلام خرج من التاريخ.

27-وإذا كان مغول الشرق قد غرر بهم فهدموا بغداد وغزو الشام ثم هزموا عسكريا وروحيا فأسلموا في النهاية فإن مغول الغرب قد لا يسلمون لكنهم إن تمادوا فسينهزمون وقد بدأت هزيمتهم في كل معاركهم معنا وربما لن ينقذهم إلا الحلف مع المسلمين لعلة بينة.

28-فالمسلمون لا يهددون الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة بل يمكن أن يكون الحلف معهم شرطا في قدرة الغرب على الثبات أمام العمالقة الجدد. وقد آن للغرب أن يتحرر من التخدير الصهيوني والفارسي الذي يصور له أنه يمكن إلغاء العرب من معادلة الشرق الأوسط.

29-فإذا كان الغرب قد فقد الامتياز الوحيد –العلم والتكنولوجيا اللذين صارا في متناول كل الأمم وخاصة العمالقة منها– فإنه سيحتاج إلى الحلف مع أقرب حضارة له على الأقل في أهم القيم الروحية والفلسفية.

30-فرغم التاريخ الدموي بينا وبين الغرب فإن المصادر الروحية والعقلية واحدة: الوحدانية الدينية والعقلانية الفلسفية مشتركة فضلا عن المصالح وكلاهما يدعوني للكلام في الأمر بموضوعية وكأني لست منتسبا إلى أحد الصفين.

31-كان يمكن للغرب أن يستغني عن السنة عامة والعرب منهم خاصة لما كان بوسعه أن يأخذ منهم ما يحتاج إليه دون كلفة. وهذا بات مستحيلا. فإن لم ننج معا سيبتلعنا خطر مشترك يحيط بالعرب إحاطة السوار بالمعصم.

32-الغرب فقد ما يتميز به من علم وتقنية ومن ثم فهو بحاجة لتعاون يعوضه عن هذا الفقدان. ومعادلة العالم الجديد تفرض عليه التعاون معنا لأن الحاجة إلى ما عندنا لم تعد قابلة للأخذ عنوة ولأن غيره يمكن أن ينازعه فيها بل وقد يسحبها منه طوعا أو كرها.

33-والغرب يعلم أنه من دون ما عندنا وخاصة من دون موقعنا في العالم ومن دون مسالمتنا سيكون لقمة سائغة لعمالقة مقبلين الواحد منهم ضعف الغرب كله مع فقدانه لما كان يعوض العوامل الجديدة.

34-وليس الدافع ديموغرافيا فحسب بل أهم عنصر في الـمعادلة الجديدة: فالتعادل في شروط القوة العلمية التقنية يجعل التنافس على الثروات بحاجة إلى توازن من نوع آخر. ونحن لم نعد عاجزين عن منع أخذها عنوة لأننا لم نعد منفعلين بل اشتد عود مقاومتنا.

35-وهذا يعني أن الغرب إذا لم يحالفنا وأننا إذا لم نحالفه فإن الغير–العمالقة الجدد– يمكن أن يستبد بالعالم فنكون نحن والغرب ضحايا مواصلة العداء السخيف في حين أن التكامل بيننا يحمي الجميع بتوازن عالمي جديد.

36-وبذلك فقد حددنا القصد بالاستئناف وبينا خاصة أن أهم حائل دونه هو محاولة البعض منع الوعي الاستراتيجي الذي يحررنا من المعارك القاتلة لأنها بدل تقريبنا من التحرر تبعدنا عنه (لذلك فثورات العسكر المزعومة أخرتنا خلاف العقود الستة الأخيرة بدل تقديمنا لدخولها معارك خاسرة).

37-من شروط الاستئناف تنبيه الأمة إلى المعارك الخاسرة التي قد تقضي عليها وعلى شروط الجمع بين القوتين الروحية الحاصلة من دون الغرب والمادية التي تقتضي التتلمذ عليه: الغرب ليس عدوا بل الأعداء فيه وفينا.

38-منطق القرون الوسطى الذي يواصل العرب والغرب التعامل بمقتضاه قد يجعل من هم أعدى للغرب منا وأعدى منه لنا يصبحون سادة العالم وهم أحوج لما عندنا من الغرب وأقدر على استعمارنا.

39-وهذا الخطر نبهت إليه منذ أكثر من ثلاثة عقود. ذلك أن الخليج مثلا قد يصبح مستعمرة هندية فارسية (الخليج الفارسي المزعوم). والمغرب العربي قد يصبح مستعمرة أوروبية التي تتصور نفسها روما تستعيد الابيض المتوسط (مارا نوسترا المزعومة).

40-وفي خلال ذلك نبقى نحن نحارب النواعير كدونكخوت. ولسنا وحدنا فالغرب نفسه ما يزال يتعامل معنا بمنطق القرون الوسطى: خدعة إسرائيلة لتوطيد الاحتلال وإيرانية لتسهيل التمدد.

41-كلاهما يستفيد من العداء بين السنة والغرب: يوجهان عدوانية الغرب للحرب على الإسلام والمسلمين بالاستفادة من اختراق المقاومات السنية وتشويه الإسلام ومقومات الاستئناف وشروطه خاصة.

42-معركتنا ليست مع الغرب كحضارة ولا مع الشيعة كمذهب ولا مع المسيحية كدين ولا مع العلمانية كمذهب سياسي ولا مع الليبرالية كمذهب قيمي إذا كانت هذه المذاهب صادقة مع نفسها وغير محرفة.

43-معركتنا مع الاستعمار الغربي ومع “تفريس” آل البيت للثأر منا وتوظيف المسيحية لاستتباع الشرق وتوظيف العلمانية واللبرالية لتهديم قيمنا التي تمثل حيوية حضارتنا وروحانيتها.

44-لكن هذه المعارك لا ينبغي أن تلهينا عن المعرك الحقيقية: فتحقيق شروط الاستئناف أي بناء الإنسان وتوحيد الجغرافيا والتاريخ شرطي القوة بحق تلك هي المعركة الاساسية.

45-تلك هي المهمة التي اعتبرها غاية عملي الفكري المختص في فلسفة الغرب قديمها وحديثها لأنها بهما جزء من حضارتنا التي أثرتها بأفضل ما فيها أخذا وعطاء. وهي بالجوهر منافية لكل من يجعل المقابلة بين الإسلام والحداثة مقابلة تناف بمعيار الأخلاق الدالة على الفهم الرديء لهما كليهما.


ما ثمرة تفكيك عقد السنة النقدي لعلاجها؟ – الجزء الثاني – أبو يعرب المرزوقي

يقوم على الموقع عاصم أشرف خضر مع مجموعة من طلاب الأستاذ ومتابعيه.
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي