**** ما بال العرب؟ ما الذي أعمى بصيرتهم وطمس نهاهم؟
لست أدري ما الذي حل بالعرب. لا يكفي أنهم نكصوا إلى الجاهلية فصاروا في حرب أهلية دائمة وصار كل فريق منهم يحالف أعدى أعداء أمته لينتقم من أخيه قبل عدوه. إنهم صاروا أيضا لا يستطيعون تصور من يحاول أن يتعالى على خلافاتهم ليدعوهم إلى السماع إلى بعضهم البعض: سرعان ما يصنفوه ويعتبروه فيعتبروه منحازا إلى هذا الصف أو ذاك.
لم يعد أحد منهم يفهم معنى شهادة العدل. لا أحد يجل شيئا لا الأشخاص ولا القيم ولا خاصة المعالم الحضارية المقدسة ولا الأشهر الحرم ولا الأعراض ولا أي شيء. وكلما ازدادت برعنة بعضهم على البعض ازداد تذللهم لمن يهينهم ليس في الغرف المغلقة فحسب بل أمام العالم كله.ولا يستثنى أحد منهم من هذه المعاملة.
ومع ذلك تسمع بعضهم يعاير بعضهم بأنه رهن إشارة حام خارجي. وليست الحامي الخارجي كان الأصل بل صار الذراع. فمنهم من يحتمي بإيران ومن ورائها روسيا ومنهم من يحتمي بإسرائيل ومن ورائها أمريكا ومنهم من يحتمي بفرنسا أو انجلترا رغم كون هذين هما بدروهما محميتين أمريكيتين.
ومهما قل ذكاء القيادات العربية وغابت الفطنة كلهم يعلمون أن العرب لو ميزوا بين العداوات البينية وحطوا من سلطانها على مواقفهم وسلوكهم ليركزوا على العداوات الخارجية في ذاتها وفي دروها بإيغار صدور بعضهم على بعضهم لكانوا بما من الله به عليهم أقوى قوة في الاقليم يحسب لها ألف حساب.
وكان رد لفعل العارم للتعليق مثار عجبي إيجابا وسلبا. فإيجابا يبدو أن الأخوة الذين روا في كلامي ما يعتبرونه تأييدا لموقفهم يشعرون بشيء من الحاجة إلى الفهم والتعاطف إذ لعلهم هم بدورهم يعيشون مأزقا لما يحصل لهم من عزلة في الأمة وسلبا نكرانهم عليها. فلا شك أنها تعبر عن غضب مشروع.
ثلبها والتعريض بعرضها والمس بكرامتها ليس من شيم الرجال. ومن ليس له القدرة على النظر في أفعاله ومراجعة نفسه لا يفيد وطنه لأن الأمر لا يتعلق بحمية الجاهلية بل بالشهادة حتى على النفس إذا كانوا حقا يؤمنون بقيم الإسلام ولم ينكصوا إلى الجاهلية. لذلك فرجائي ألا “يوسخوا” حسابي.
ولست أشك في أن كل الشعوب العربية فيها من الراشدين والأفاضل ما لا يحصى ولا يعد. لكن الخوف من الاستبداد والاضطهاء يسكتهم. والمناسبة التي عبرت فيها السيدة عن غضبها تتعلق بأمر جلل: فهل يعقل أن يقتل رجل لمجرد كونه قال لا وبأدب كبير لما يحدث في بلده حبا فيه وليس نقمة في أحد؟
فأنا شخصيا لا أعرف الأستاذ خاشقجي. لكن ما قرأته منه على الأقل بعد أن هاجر-لأنه سابقا كان في خدمة النظام بصورة صريحة ومن المقربين-رأيت فيه رجلا إصلاحيا وليس ثوريا ولا معاديا للنظام الحالي بل هو اراد أن ينصح ولي العهد والنظام قبل فوات الاوان. فالاخطار تحدق بالحرمين بسرة رهيبة.
ولو كانت السلطة السياسية في السعودية لها نزر من الرشد لوجدت فيه الناصح الأمين ولكان ربما من مسددي خطى ولي العهد الذي تنقصه التجربة والخبرة ويحيط به من ليس له مؤهلات توضيح الرؤية أو المساعدة بالنصح الرشيد. فتسارع الاحداث قد يعرض الأوطان إلى التفتت والذوبان.
وعندي أن بلد الحرمين كان ينبغي أن يكون عصيا على الاخضاع والابتزاز لو فهمت نخبه وقياداته التي تتصور الحداثة لا تكون إلا بالحرب على الأصالة فقدرت ما لديها من شروط القوة المادية وخاصة الروحية. فالبلد الذي فيه العاصمة الروحية لخمس البشرية من المفروض أن يكون أقوى بلد في العام خاصة وألله جعله غنيا عن مد اليد ويمكن أن يحمي نفسه ماديا.