ه
قد يسأل سائل: لماذا التعميم على يسار الإقليم كله وعدم الاقتصار على العربي وحده لأنه هو الذي يؤدي حاليا الدور الاكبر في محاربة أفكار الثورة التي يتهمها بكونها ربيعا عبريا وليست ثورة عربية؟
والجواب هو وحدة توجهات اليسار في الاقليم سواء كان عربيا أو أمازيغيا في المغرب أو عربيا وكرديا وتركيا في المشرق.
يتألف اليسار في الإقليم الذي ننتسب إليه من بقايا الأحزاب الاشتراكية -الشيوعية-والقومية التي تزعم الانتقال مما تسميه الديموقراطية الشعبية إلى الديموقراطية التي كانت تسميها برجوازية.
لكن هذا لا يساعد على فهم طبيعة فكرها إن صح أن لها فكرا يتجاوز التبعية العمياء لأنظمة الاستبداد والفساد العسكرية في بلاد العرب والأمازيغ والأكراد والأتراك من الماء إلى الماء. ذلك أن الجمع بين ما كانوا وما أصبحوا لا يمكن فهمه للتنافي المطلق بين الأمرين. ويمكن أن نعتبر الوصل الذي وجدوه لا يتجاوز منطق الشعبوية التي فيها شيء من الاول وشيء من الثاني.
فمن الأول نجد كلمة الشعب ومحاولات التقرب منه بالإخلاد إلى الارض.
ومن الثاني نجد الوسائل الأدنى للحصول على الاصوات بإثارة النعرات البدائية.
ومع ذلك فالطريقة الوحيدة التي يمكن أن تفهمنا حقيقة ما يحركهم هو ظاهرة عجيبة وعامة في كل أنواع اليسار والقومية في الإقليم وهي أن اليسار والقوميين العرب والأمازيغ والاكراد والاتراك كلهم بلا استثناء نسخة مطابقة لأصل صار ذائع الصيت في الغرب عامة وفي أوروبا خاصة وأعني اليمين الأوروبي الذي هو صديقهم الوحيد في الغرب بعد أن فقدوا مصداقيتهم بسبب حربهم على الحريات والحقوق بالأفعال والاقتصار عليها شعارات في الاقوال. فلهم معه أمران مشتركان:
- الشعبوية البدائية والبحث عن أصول عرقية يؤسسون عليها ما يسمونه بالدولة الوطنية مثل القومية ا لعربية أو الكردية أو الأمازيغية ومن ثم الحلف مع أحد ذراعي الغرب في اقطارنا أعني إما إيران أو إسرائيل.
- لكن الأمر الأول لا يكون مفهوما إلا بما فيه من العامل الثاني: كراهية الإسلام والحضارة الإسلامية لأنها تتضمن ما ينفي العامل الأول أعني القطرية والعرقية والطائفية. ولا تعجب من أن اليمين الاوروبي هو بدوره رغم كونه قد كان ضد السامية أصبح حليفا لها في أوروبا لأنه بات يعتبر الإسلام أخطر عليه من اليهودية.
فإذا طبقنا هذا التحديد البين والمعتمد على ما يبدو تناقضا-إذ كيف يعرف اليساري والقومي عندنا بالمقارنة مع اليميني والقومي في الغرب-تبين لنا كل ما يبدو غير مفهوم في سلوكهم. وهم بدأوا يشعرون بخسران ما كانوا يعتمدون عليه في اليسار الأوروبي. فما كان يجمعهم باليسار الأوروبي لم يكن مضادا للصهيونية لكنه كان مضادا لليمين الغربي. اقترابهم منه جعلهم منبوذين من اليسار الاوروبي. وهذه أزمتهم الاساسية. ذلك أن اليسار الأوروبي مهما صادق الصهيونية فهو أقرب إلى أخلاق العدل ورفض الظلم منهم ومن ثم فهم يرفضون تأييد الأنظمة الفاسدة والمستبدة العربية والصفوية ولا يمكن أن تجد يساريا غربيا يؤيد بشار أو السيسي أو حفتر بخلاف أدعياء اليسار في الإقليم سواء كان عربيا أو أمازيغيا أو كرديا أو تركيا.
ولذلك لا تجد أحدا منهم يفكر حقا. فكل خطابهم تعبير عن أحوال النفس وهو ردود فعلية بدائية تشعر أن صاحبها ينفجر غضبا ولا تفهم علة غضبه. فلما أسمعهم يتكلمون سواء في مجلس النواب أو في البلاتوهات الاعلامية لا أرى بينهم شخصا واحدا يمكن اعتباره ذا عقل وفكر بل هم عامة بل وزوافرية يخرج من أفواههم ما لا يمكن أن يكون قد خضع لتدبر او لفكر له استراتيجيا واضحة. فلكأن الواحد منهم خرج من حانة وبدأ فلا يصدر عنه إلا القيء الحاقد على كل ما يمثل ثقافة الشعب الذي يدعي الكلام باسمه. ولهم كلهم أهم علامات العجز التبليغي: اللغة السوقية.