ه
التعليقات على مداخلة الدكتور الزبيدي تكاد تدور كلها حول ضعفه في التواصل أو حول تلكؤه في التعبير عما يريد أن يقوله وليس حول مضمونها ولا خاصة حول طبيعة التشخيص الذي يستند إليه تعليله لوجوب ترشحه لئلا يكون “ديزارتور” رغم أن الخطاب على علاته هو ما ينتظره شعب وضع في موقف يجعله بعفوية الحلول السهلة الرضا بهذا التفكير البسيط الذي يعتبر الخروج من التسيب والفوضى لا يكون إلا بما يرجع دكتاتورية العهد السابق حتى لو لم يكن ذلك هو قصد الزبيدي لأن المؤثر ليس ما قصده هو بل ما يفهمه الشعب من مثل هذا الخطاب المباشر والبسيط والذي يوقظ في أذهاب الشعب العادي الآليات البسيطة التي تعيد المسألة الخيار بين النظام والفوضى أو ما وصفه المرشح بالانخرام السياسي ذات مرة.
ولا أنوي أن أطيل الكلام سأكتفي يخمس ملاحظات ولن أنسى أيا منها:
• قد يكون التلكؤ في التعبير فضيلة وليس رذيلة لأنه قد يعني أن صاحبه “يدير” لسانه سبع مرات قبل أن يصبح جاريا وراء فيض الخاطر الذي يغلب على كل “البهبارين” من الساسة وما أكثرهم.
لذلك فليس عندي ما أقوله في الأمر عدى ما بدا لي من أن الرجل يفكر في قلبه بالفرنسية ثم يترجم أفكاره بقدر ما يستطيعه لضعف زاده اللغوي في العربية وليس لعيب في النطق لأنه ليس “وكواكا” وقد يكون “للتراك” امام التصوير دور في ما يبدو عجزا عن التعبير.
لذلك فهذا الوجه الاول من الرجل لا يعيني كثيرا لأني أكره البلاغة التي ليس وراءها فعل.
• كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من المحاصصة.
وهذه أيضا قد تعتبر من المحامد لكثرة التلاوم بين الاحزاب حولها رغم أن الجميع لم يكون حزبا إلا لينال حصة من السلطة ومزاياها.
لكنهم كلهم، وهو مثلهم، يفهمون القضية بتشخيص معكوس يخفي حقيقة الظاهرة بقصد أو بغير قصد. وهو أمر لا أعجب له من غيره لكني أعجب له منه لأنه طبيب يعلم أن العلاج لا يكون بتسكين الأعراض إلا كبداية في انتظار التشخيص لمعرفة علة الداء. وهذا هو الذي يدل على سطحية وجدته يعاني منها مثل البقية ولست أدري هل يفعل ذلك بوعي أو بغير وعي.
فهل الأحزاب التي تلام على المحاصصة هي علتها أم هي معلولها؟
أليست الأحزاب هي بدورها المستوى الأداتي من المحاصصة بين المافيات التي تنشئها لتخفي محاصصتها في الاقطاعيات التي تحكم البلاد؟
لما كانت المافيات في تونس لها “زعيم كبير” كان في تونس حزب واحد يحدد صحة كل مافية صغيرة تأتمر بأوامره وكان في البلاد مافيتان أكبر هي مافية الحاكم وكبيرة وهي مافية الاتحاد.
الآن صارت كل مافية صغيرة صاحبة حزب حتى تحقق نفس ما كانت تحققه ولكن باسم الديموقراطية.
وإذن فعندما يتكلم الدكتور الزبيدي على رفض المحاصصة ينبغي أن يجيب عن سؤال أهم يتعلق بما يدعيه من كونه مرشحا مستقلا:
هل له وراءه أحد؟
ومن يكون؟
وهل السبسي الذي يبدو أنه قد أوصاه “بالوقوف” لتونس لم يكن هو الذي بنى مدة حكمه عليها؟
هل تقليد النظام الفرنسي أي الرئيس الذي تلتحق به الاحزاب ما زالت “تاكل” أي تنطلي على أحد؟
• كلام الدكتور الزبيدي على موقفه من الإرهاب قد يعتبر أيضا من المحامد لكثرة كلام جميع الأحزاب عليه فيكون بذلك حاصلا على الاجماع لكأنه كلام باسم وحدة التوانسة التي صار الجميع يتغنى بها ليخفي ما وراء ذلك من فصام خطير هو فصام الصدام الحضاري الداخلي العاكس للصدام الحضاري العالمي في علاقة بالإسلام: ذلك أن المقصود بالإرهاب هو اتهام الإسلاميين وليس شيئا آخر رغم علم الجميع أنهم أعجز من أن يكون لهم كل هذه القوة التي حار فيها العالم كله.
فالجميع لا يتكلم على الإرهاب إلا بالمعنى البدائي الذي يستعمله المستبدون العرب من عملاء الاستعمار الذي يحميهم اقليميا (إيران واسرائيل والثورة العربية المضادة) ودوليا (روسيا وأمريكا وفرنسا خاصة) وينسون أن الإرهاب فضلا عن كونه من أدوات هذه القوى في هذا الصدام الحضاري الداخلي (في مفهوم نمط المجتمع وصراع الهويات) العاكس للخارجي (في مفهوم الحضارة الغربية من يعاديها) وهو أيضا من أدوات تلك المافيات التي تعيش على الاقتصاد الموازي والتهريب وخاصة تجارة الجنس والمخدرات وتبييض الاموال.
فهل الدكتور الزبيدي يعني بالإرهاب هذا المعنى الحقيقي؟
أم هو ومثله كل الذين تبنوا التعريف الذي يخفي هذين التوظيفين يعتبرون دفاع الشعوب على حريتها وثقافتها إرهابا فيكونوا من جنس الاستعمار الذي يعتبرنا “انديجان” يريد تحضيرنا رغما عن أنوفنا بالحرب على ثقافتنا وباصطناع دواعش يبرر بهم وجوده في أرضنا واستباحة حرياتنا وثقافتنا التي يعتبرها معادية لثقافته؟
• كلام الدكتور الزبيدي على الأمن أيضا من المحامد لو كان بمعناه الذي ينبغي أن يكون عليه.
لكنه كما يتبين مما قاله حول جمع أدواته بين يدي الرئيس ينحصر في الوظيفة الأولية التي تتعلق إما بجرائم الحق العام أو بالنقطة السابقة-الإرهاب بالمعنى الاستعماري- بكل ما فيها من اخفاء لحقيقة الإرهاب الذي ينخر كيان البلاد في كل وظائفها وخاصة في شروط عيشها. فهل فكر مثلا في الأمن الغذائي ولا أعني حماية الزراعة بل خاصة حماية الغذاء من السموم التي يستعملها تجار الغذاء في كل المنتجات التي نأكلها وفي كل الأدوية التي نتعالج بها وفي كل المخدرات التي تباع جهارا نهارا في مدارسنا؟
أم هو يكرر ما تحتج به كل الأحزاب التي تصف نفسها بالحداثية والتقدمية والتنويرية أي الأمن ضد الإرهاب بمفهوم واحد هو الذي وصفت في الباب السابق؟
• وأصل إلى النقطة الخامسة: هل يوجد عاقل يمكن أن يحلم بإمكانية إرجاع “الجني بعد أن خرج من القارورة” كما في مصباح صلاح الدين؟
الجني الذي خرج من القارورة مضاعف:
- إفساد الديموقراطية بفوضى خلاقة لجعل الشعب يكفر بها، وهذه الخطة نجحت إلى حد كبير بسبب غباء الإسلاميين الذين تصوروا أن النصوص الدستورية يمكن أن تحمي ضد العادات التاريخية وبسبب ذكاء المافيات التي تستعمل “وداوني بالتي هي الداء” يحبون الديموقراطية إذن فلنعطهم 220 حزبا و”لنسيب الماء على البطيخ”.
- تقديم ما يوهم بأنه الحل الشافي إذ حينها سيدعونا الشعب لإنقاذه منهم ومنها وحتى من كلمة الديموقراطية بحيث لا نحتاج لحكام قادرين حتى على النطق فالحاكم الفعلي أو من سماه المرحوم السبسي بالمسؤول الكبير لا يحتاج للأقوال هو يكتفي بالأفعال وتحريك الدمى.
كذلك يقع إنضاج الوضع لما يسمونه البيان رقم 1.