ماكرون، دلالة شهادته حول الاسلام والديمقراطية

لتصفح المقال في كتيب أو لتحميل وثيقة و-ن-م إضغط على الروابط أسفله ماكرون دلالة شهادته حول الاسلام والديمقراطية

لم أعلق على شهادة ماكرون أمام عبيد فرنسا في بلد الثورة وانتظرت ردود الأفعال عليها من النخب السياسية والثقافية في تونس. وكان ما توقعته أو دونه بكثير. لذلك فأسدلي بدلوي في محاولة فهم دلالة هذه الشهادة ليس لي شخصيا بل للنخبة السياسية في تونس وفي كل بلادنا مشرقها ومغربها.

فشهادته تعلقت بما ردت إليه كل قضايا بلادنا مشرقها ومغربها منذ أن صارت مسألة العلاقة بين الإسلام والديموقراطية هي المعركة الاساسية بسبب خوف الثورة المضادة مما تسميه الإسلام السياسي. وهي تجمع كل أطياف الحلف المقدس حكما ومعارضة ضد السعي للتحرر من صدام الحضارات الداخلي.

فالأنظمة العربية بصنفيها القبلي الذي يدعي الأصالة والعسكري الذي يدعي الحداثة والنخب الخادمة لها سواء كانت دينية أو يسارية أو قومية أو ليبرالية والمعارضات التي من جنسها كل هؤلاء هم بإدارة المافيات الداخلية التابعة للمافيات الدولية يمثلون الثورة المضادة في بلادنا مشرقها ومغربها.

وطبعا فليس قصدي من التعليق تتبع تصريحات بعض المعلقين. لا أنوي التعليق على التعليقات بل على الروح العامة التي تنضح بها المواقف إذا انطلقنا من أساسين يعللان ما يوليه

  1. توهم فرنسا انها ذات وزن فيما يجري في اقليمنا

  2. عدم الوعي بشروط الوزن الذاتي ومن ثم التبعية الروحية والمادية للنخبة السياسية العربية حاكمها ومعارضها

ولست بحاجة للكثير من الأدلة والكلام لإثبات هذين الأساسين: يكفي أن تنظر في موقفهما من تركيا ومن فرنسا. ففي المعترك الدولي الحالي وخاصة الجاري في الإقليم وزن تركيا يعادل مئات المرات وزن فرنسا. لكن ما الحيلة مع المستعمرين ذهنيا وغير الواعين بشروط الوزن في الاستراتيجية الدولية؟

فالأوزان يحددها عاملان كلاهما مضاعف وأصلهما في مناط الخلاف الذي تدور حوله المعارك الجارية في لحظات التاريخ المختلفة. فالعامل الجغرافي له دوران هو الثروة المادية والموقع في الحركة المكانية والتاريخ له دوران هو التراث الروحي والموقع في الحركة الزمانية والموحد هو الرؤية مناط الخلاف.

وفي ذلك كله لم يبق لفرنسا أدنى دور في إقليمنا إلا لتوابعها المباشرين علها تحفظ لهم موقع في سياق الاحداث الجارية التي لم يعد لها عليها سلطان بعد أن أصبحت مجال النفوذ الروسي والامريكي وذيليهما أي إيران وإسرائيل. وعاش من عرف قدره حتى لو أوهم ماكرون عبيده بأن له قولا فيما يجري.

بعد هذا الاستطراد الاستراتيجي الدي اعتذر عنه لدى السادة مثقفي “الهوكش” اليساري والقومي والليبرالي والإسلامي التقليدي مستثنيا منهم من لا ينتسب إلى الثورة المضادة (وهم أندر من الكبريت الأحمر) أمر إلى تحديد الدلالات الخمس التي استخرجتها من هذين الأساسين لفهم شهادة ماكرون.

فالنخب السياسية الحاكمة والمعارضة تنقسم إلى صنفين سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية:

  • صنف يمكن تسميته على البراءة الاصلية يجتهدون على حد علمهم.

  • وصنف الخبثاء الذين يتصورون أنفسهم دعاة ويتولون القيادة والمناورة وكل استراتيجيات الكذب النسقي فيما يسمونه سياسة.

فتكون عدة الدلالات بعدتهم أي أربعة: اثنان من الإسلاميين واثنان من غيرهم أي ممن هم في خصام معهم حول ما يسمونه نمط المجتمع خصاما حولوه إلى صدام حضارات داخلي لأنهم يعتبرون الإسلاميين خطرا على نموذج المجتمع الذي صار هو الأصل يقبل أو يرفض ما هو في الحقيقة الاصل في ثقافة المجتمع.

فتكون النخب السياسية حاكمها ومعارضها كالتالي:

  1. اسلامي على البراءة الاصلية

  2. إسلامي يتصور نفسه داهية و”خبيث” بالتونسي أي “قافز” يلعب لعبة السياسي المحنك الذي يخادع ذاته ويتصور نفسه مخادعا للجميع.

ومثلهما في خصومهما: 3 و4.

والجميع لهم نفس الموقف مما يسمونه الاكراهات السياسية.

وهذا الموقف المشترك بين النخب السياسية العربية الحالية هو أصل الدلالة الخامسة التي اعتبرتها ناتجة عن الاساسين: توهم فرنسا أنها ذات وزن كاف ليكون لها أثر على ما يجري في إقليمنا والغفلة عن شروط وزننا الفعلي لو كنا نسعى إلى تحقيقها لتكون معين قوتنا وثقلنا في تحديد نظام العالم الجديد.

فالإسلامي واللاإسلامي اللذان على البراءة الاصلية كلاهما يجد الدلالة فيما يتصوره علة قوة خصمه: الإسلامي فرح لظنه أن شهادة ماكرون هي له وعلى خصمه. واللاإسلامي يحزن لظنه أن الشهادة هي عليه للإسلامي. وهذا طبيعي فهم توابع “خبثاء حزبهم” الذين يوهمونه بذلك وخاصة في الانتخابات.

والاسلامي “القافز” أو الخبيث ونظيره اللاإسلامي يفهم الدلالة الباطنة لكلام ماكرون لكنه لا يريد أن يظهره حتى يذكي المعركة الحامية بين النوعين الاولين حطب نار الحرب الأهلية الباردة والتي قد تسخن كما حدث في بعض بلاد العرب استعدادا لما يهدد به الحلف المقدس ضد ثورة الشباب.

فالإسلامي القافز يريد أن يبقى اللاإسلامي الذي على البراءة الاصلية متوهما أن فرنسا لا تعارض الإسلام السياسي واللاإسلامي القافز أو الخبيب يريد أن يبقى الإسلامي الذي على البراءة الأصلية متوهما أن فرنسا قد تؤيد الإسلام السياسي ليحفزه على تقوية صفه بتخويفه من تخل فرنسي ممكن عليه.

ذلك أن اللاإسلامي القافز يعلم قصد ماكرون: نقبل بالإسلاميين بشرط أن يكون إسلامهم تابعا للعلمانية الفرنسية أي أن يلغوا كل ما يميزهم: شهادته معناها لا مانع عندي من بقاء الاسم دون المسمى. وهي إذن ليست شهادة للإسلاميين بل لدوره في تحديد إسلامهم الخاضع لليعقوبية الفرنسية.

لذلك فهو لا يريد أن يفصح عن ذلك بل هو يريد أن يتواصل الإسلامي الدي على البراءة الأصلية تصديق من يكذب عليه بالقول إن فرنسا لا تعادي الإسلاميين (ويغفل شرط ذلك من منظورها). والإسلامي القافز يريد كذلك أن يغالط جماعته لظنه أن جماعة اللاإسلامي قد تظن شهادة ماكرون لصالح المصالحة.

وما كانت هذه اللعبة التي وصفت تحصل لو لم يكن الجميع -الاربعة مواقف-أساسها ما ذكرنا: توهم فرنسا ذات وزن فيما يجري ونسيان ما كان يمكن أن يكون دورنا فيه لو كنا مدركين لشروط الوزن والتأثير. فعندما يصبح الثورة مثل الثورة المضادة تنتظر شهادة ماكرون فمعنى ذلك أن ولاءها “مضروب”.

وكون ولائهم “مضروبا” له علتان: تقديم العاجل على الآجل في الاستراتيجية السياسية والظن أن التخلي عن المرجعيات يمكن أن يحقق الاعتراف ناسين أن الخصوم لن يعترفوا بالإسلاميين حتى لو سلخوا جلودهم. فالصلح بين الإسلام الحداثة لا يكون عن طريق من يخلطون بين الحداثة والتبعية لفرنسا.

وأختم هذا التعليق بموقفي الشخصي: الثورة لا تنتظر شيئا من فرنسا لا لشهادة رئيسها ولا لمساعدة رجال أعمالها. نحن نحتاج إلى أن نستكمل الاستقلال السياسي ببعديه الثقافي والاقتصادي. ما تساعد به فرنسا تونس لا يساوي 1 في المائة مما تسرقه منها ومما تفرضه علينا من شروط هي علة تخلفنا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي