لامني البعض قائلا: كيف تحتقر أميرا الثورة المضادة؟ ألا ترى كيف أنهما استطاعا بقواد واحد اسمه نادر يشترون حكام امريكا ولوبيات اسرائيل؟ هل ما زال عندك ما تستطيع الرد به على هذين العبقريين اللذين اشتريا سلطة تأثير كبيرة في البيت الابيض؟ ذهلت للسؤال وخاصة لتصديق السائل لهذه الخرافة. فالتأثير ثابت لا جدال فيه. لكن فيم يتمثل؟ من يحلب من؟ ومن يقود من؟ هل يعقل أن يعتبر أن ما اشترياه من اللوبيات تأثيرا في سياسة البيت الأبيض؟ إذا كان ترومب قد حلبهم إلى الحد الذي رأيناه في اللقاء الاخير مع مراهق السعودية فضلا عما نال الوسطاء فهو تأثير لا شك في عظمته. كم أنا مغفل: كنت أتصور أن المؤثر هو المتأثر. فإذا بالحقيقة التي كنت أجهلها لغفلتي هي العكس تماما: أعطيك مالي حتى أجعلك قادرا على حلب المزيد منه بإيهامك أن لك نفوذا عندي هو “القوادة” بأخيك واتهامه بالإرهاب وتهديم النزر القليل من تكامل خليجي فهذا هو التأثير ولا بلاش. وهبنا صدقنا أن ترومب غبي إلى هذه الدرجة بحيث يتلاعب به مراهقان أميان فهل يعقل أن تكون لوبيات الصهيونية هي أيضا غبية أم إن الغبي هو الذي يصدق أن هذين المراهقين لهما حقا نفوذ في البيت الابيض. فلننساهما ولننظر في كل صفقات العرب مع الغرب: أليست كلها من جنس صفقاتهم منذ الحرب الأولى؟ كل يعلم نتائج هذه الصفقات: وعد بلفور سايكس بيكو وخروجهم كلهم من المولد بلا حمص فلا دولة عربية ولا فلسطين وكل ما أخذوه محميات مؤلفة إما من أنظمة قبلية أو أنظمة عسكرية دورها الاول والأخير هو خدمة المستعمر وذراعهم في فلسطين التي أصبحت قبلة الجميع بمن فيهم إيران. لن أنتظر حتى يعترض علي: كيف تضع في نفس السلة إيران؟ نعم أضعها ولعلها سبقتهم إلى ذلك لأنها هي بدورها تتوهم أن الامريكان بحاجة إلى خبرتها في استعمال التشيع لخيانة الأمة فهم يعلمون أن وظيفة التشيع كانت ولا زالت هي وظيفة الباطنية والحشاشية والابنعلقمية. وأكبر خبرائهم في ذلك لويس. والفرق الوحيد هو أن الملالي الخائفين على بقاء النظام احتاجوا لما يسمى العصا والجزرة ولما كانوا لا يستطيعون الوصول إلى الغرب لفرض الاعتراف لهم بدور يتجاوز الدور الذي وصفت ويقبل باسترداد امبراطورية فارس ظنوا أن كذبة المقاومة والعنتريات ضد اسرائيل لضرب عصفورين بحجر واحد. والعصفور الأول سهل لأن مخادعة الشعوب بدعوى معاداة أمريكا وإسرائيل سهلة وذلك ينطلي حتى على مليشيات القلم العربية التي تتوهم أن إيران ستحرر فلسطين وتساعد مقاومة هي عندها مجرد أداة للعصفور الثاني تخويف اللوبيات الصهيونية علها تسمح لهم بدور يتجاوز ضرب السنة. أعود إلى الأميرين الممولين للثورة المضادة ولقوادهم “النادر” فهو من حزب بقايا الصليبية في الاقليم وحلفاء مليشيات إيران في لبنان. وأنا واثق أنه لا ينصحهما بل يضحك منهما. إذا وجد قوما يمولون حرب أعدائهم على أنفسهم توهما أنهما أصبحا فاعلين في السياسة الدولية فكيف لا يستفيد من غبائهما؟ من يمكن أن يصدق أن “القزم” الذي يمثل خارجية الإمارات يؤثر في وزير خارجية أمريكا أو حتى يحسب له حسابا؟ لكن إذا كانت هذه اللعبة مربحة وتحقق ما يسعى إليه النظام الامريكي والإسرائيلي فكيف يمكن أن يرفضوا من يقترح عليهم تمويل حروبهم لتحقيق أهدافهم: منع العرب من النهوض نهائيا؟ والدليل أن أمراء الثورة المضادة حالمون هو أنهم يتصورون أن أمريكا تترك سياستها الخارجية لرغبات غفراء محمياتها. ذلك أن إيهامهم بأن ذلك ممكن لعلمهم بسذاجتهم عملية مبرحة: فمن يأخذ تريليون دولار على الأقل (جمعا بين جزية الاميرين) بالضحك على ذقونهم لا يمكن أن يرفض اللعبة. كلنا يعلم أن أمريكا وإسرائيل خططا لما يجري ويواصلان خطط بريطانيا بل وخطط الاستعمار الغربي كله ضد الإقليم الإسلامي المحيط بالأبيض المتوسط وضد كل المسلمين لئلا يستأنفوا دورهم التاريخي الذي كان سيدا للعالم وشروط امكان الاستئناف موجودة وهي التي يحاولون إفسادها لئلا يحصل كما كان. وكلنا يعلم أن ذلك مكلف ومكلف جدا. فأمريكا خسرت ثلاثة تريليون في حربها على العراق وافغانستان ولم تربحها إلى الآن فكيف ببقية المسلمين وهم خمس سكان العالم. لا بد لهم من خونة يتصورون أنفسهم اغنياء -فكلام ترومب ثروة السعودية سخرية من الأمير لأن دخلها الخام دون كاليفورنيا بكثير. ومعنى كلامه أن شعب السعودية لا يستأهل ما يملك والولايات المتحدة أولى به. وهو سبق أن علل ذلك بأنه مقابل حماية الانظمة التي من دون أمريكا لن تبقى. وهذا كلامه. وإذن فخطة امريكا وإسرائيل كانت ستتواصل من دون ما فرط فيه الغبيان وكان ينبغي أن يستعملوه للتصدي لهذه الخطة لا لتمويلها. ورغم ذلك كله فإني أبشرهم بأنه حتى لو دفعوا آخر فلس من خزائنهم وبالتدقيق من أرزاق شعوبهم فإن ذلك لن ينفعهم ولن ينفع أمريكا. فالأمة شرعت في استئناف دورها ولن يوقفها أحد حتى لو اتحد العالم كله ضد عود الإسلام لدوره التاريخي الكوني: فالله لا يخلف وعده ونحن شهداء على العالمين. آمل أن أكون قد أقنعت من يلومني على عدم تقدير عبقرية أميري الثورة المضادة. عندنا مثل في بادية بنزرت وأنا منها حاليا ومن بادية الجنوب أصيلها حيث قبيلة المرازيق-يتمثل في السخرية من كبار المزارعين وصغار العقول: كلما كانت الزراعة صابة باعها خضراء وتزوج من جديد. كذلك يفعل عملاء أمريكا. عندهم صناديق جمعوها من حرمان شعوبهم وعدم تكوين أساس لنهضة تفيدهم في المستقبل واستعملوها لتوهم الدور في السياسة الدولية -وكلنا يعلم أن ثرواتهم مهما كبرت هي دون شركة كبرى في من يتصورونهم قابلين للشراء لأنهم أوهموهم بذلك. ولذلك فهم بخلاف اميي المزارعين تزوج بهم ولم يتجوزوا. فمن عادات الغرب القديم هو أن المفعول به في الزواج بالفكرة التقليدية هو الذي يدفع المهر. حكام العرب ونخبهم يدفعون المهر منقسما إلى صنفين: من تزوج به بوتين وخامنائي ومن تزوج به ترومب وناتن ياهو. والقواد ليس حفيد الصليبيين وحده بل بلحة حفيد الصهيونيين: Rira bien qui rira le dernier وهذه العبارة الفرنسية مطبقة على علاقة الثورة بالثورة المضادة تعني أن الثورة هي التي ستنتصر فتضحك بملء فيها وليس الثورة المضادة التي ستبكي الدم عندما تخسر مالها بعد خسران شرفها إن كان لهم شرف لأن شعوبهم مثل كل المسلمين هي من أكثر الشعوب شهامة ورجولة لكن ما بيدهم حيلة. إذا لم يقتنع لائمي في الأميرين اللذين سيقضيان على ثرواتهم بلا فائدة ويهينان شعوبهم ورموز حضارتهم الاهم أعني الحرمين في الجزيرة والحرم في القدس بحيث ينفقون أرزاق شعوبهم في الحرب على امتهم وعلى دينهم وعلى شرف شعوبهم وما ورثوه من بناة دولة الإسلام فببدوه رشاوى لأعداء الإسلام.