ليست نصائح لأحد – تساؤلات حول الأمانة السياسية

ه

خاطبني أحد الأصدقاء بنبرة اللائم أكثر من براءة السائل:
بماذا يمكن أن تفسر أقوالك في الانتخابات الرئاسية؟
هل تطلب الحقيقة أم تسيء الظن فتتهم ما تعتبره غير طبيعي في نتائج الانتخابات التي تدعي أنها غير قابلة للفهم؟
لكأنك تشكك بأمانة شخص لا يخاف إلا الله؟
أليس هو من الحريصين على حماية الثورة منذ بدايتها؟
فكيف تبدو وكأنك تعتقد أنه يريد أن يقوض كل ما حققته سواء كان ذلك بقصد منه أم بغير قصد؟

فأجبته:
أليس من حقي كمواطن أن أشك خاصة ونحن في ظرفية كل شيء يحارب الثورة وخاصة من الذين يدعون الانتساب إليها في الداخل ويحالفون أعداءها في الخارج سواء كان هذا الخارج ممثلا بالثورة المضادة العربية التي وراءها إسرائيل أو العربية التي وراءها إيران؟
أليس من حقي أن انتظر ضمانات للأمانة التي وضعها الناخب في ذمة الرئيس حتى لو كان ما دار في خلدي ليس له أساس؟
فأنا اعتقد أنه لم يصغ عقدا مع الناخبين خلال الحملة الانتخابية قابلا للتحديد. ومن ثم فهو عقد مغشوش لا يمكن أن نحدد شروط احترامه وخاصة إذا سلمنا بما ظهر منه في شذرات صدرت عنه خلال ثماني سنوات صار فيها ثوريا بطفرة لا تفهم إذ قلما يصبح الإنسان ثوريا في الستينيات من عمره.
وإذا صدقنا هذه الشذرات التي تؤيدها تصريحات وبرنامج قديم لفيلسوفه فإن المشروع المستنتج منها اعتبره نكوصا وليس تقدما في تنظيم الحياة الإنسانية وانحطاطا إلى طفولتها السياسية المتوهمة في خرافات انثروبولوجية بناها اثنولوجيون يتكلمون على الشعوب البدائية دون تمييز بين كونها تبدت بعد حضارة أو ما زالت في ما قبل التاريخ.
وقد تكون الفكرة الوحيدة التي يمكن اعتبارها جلية رغم كونها أشبه بالوعد الذي لا ضمانة له مثل الصك الأبيض الذي استعمله منذ أن أصبح ثوريا خلال حضوره شبه الدائم في الإعلام شديد الثورية: صك التخصص في القانون الدستوري.
لكن ما يشككني هو ما أنوي الكلام فيه ليس كلام الناصح بل كلام المتسائل:

  1. ألم يقل إنه يريد دولة القانون ولا شيء غير القانون بل وأكثر من ذلك مجتمع القانون يعني المجتمع الذي يصبح كل أفراده يعتبرون القانون وازعا ذاتيا وليس وازعا أجنبيا بالمصطلح الخلدوني؟
    والسؤال هل هذا يكون بتربية أجيال أم بجرة قلم منه؟
    فإذا كان المعنى الثاني فالمطلوب أن يبدأ بذلك وليحدد لنا أي قانون يريد احترامه هل هو الموجود حاليا والذي وضعته الثورة أم الذي ينوي هو وفيلسوفه استبداله به؟

  2. ألم يقل إنه لم يتمكن من إتمام عمله العلمي ولم يجد فرصة للإنتاج العلمي الذي يمكن أن نستند إليه لمعرفة في أي اتجاه سيكون هذا الاستبدال؟
    واعتقد أنه لو عمل بالقانون الحالي وخاصة الدستور فسيجد الوقت الكافي لإنجاز ما حيل دونه وانجازه حتى نعلم نظريته في الدولة وفي الحكم وشروط الديموقراطية التي يكون فيها المواطن حرا وليس خاضعا لوصية “الولي الفقيه” بالمعنى الثوري من خلال قلب نظام الدولة راسا على عقب.
    واجبات رئيس الدولة في الدستور الحالي يمكن أن توفر له الفرصة لكتابة فلسفته السياسية والدستورية اللهم إلا إذا كان يريد توسيعها حتى لا يبقى له الوقت لهذه الامور التافهة التي تنقل العلم من الراس إلى الكراس.

  3. ألم يقل إنه لا يخاف إلا الله؟
    وهو مبدأ ديني وخلقي محمود لا شك في ذلك.
    وهذه عادة ما يقولها المسؤول عن نفسه فحسب. فالمسؤول على جماعة يخاف الله ويخاف من استأمنوه على مصيرهم لأنهم ينتظرون منه أن يفي بما وعد وليس بشيء يخصه ذاتيا.
    فالإنسان في مسؤوليته عن نفسه من حقه حتى الانتحار كما قال كنط. أما المسؤول عن أسرة ناهيك عن المسؤول عن شعب ودولة لا يكفي الا يخاف إلا الله – علاقة تخصه ذاتيا ولا تخص من استأمنوه – ليس له الحق أن يخلط بين بطولة العنتريات في حياته الخاصة واختلاق مآزق سياسية لوطنه قد تقضي على مصالحه للمحافظة على صورته الشخصية باعتباره شجاعا لا يخاف إلا الله. وهو مفهوم شديد الغموض لأنه من السرائر ولست قادرا على تجاوز الظاهر في الحكم.

  4. هل ما يزعمه لنفسه ولتصوره للثورة التي ينوي تطبيق معانيها من تغيير نظام العالم وما يدعيه طبالوه من أنه أعطى لتونس قوة خلقية لم تكن لها بمعنى أن الذين ضحوا بدمائهم حتى تصبح تونس حرة في عالم تسوده الزعامات الاستبدادية سيعطيها لتونس ثورة الأقوال التي ليس لها ما يقتضيه جعلها أفعالا. ما يجعل هذه القوة الخلقية فاقدة لشرط الاخلاق أعني القدرة على الانتقال من الاقوال إلى الافعال. ونعلم ما يقول الله الذي لا يخاف سواه عمن يقول ما لا يفعل أو من يقول ما لا يستطيع أن يفعل لفقدانه شروط الفعل. فمن يتجاهل حجم بلاده المادي والخلقي في عصر العماليق إن لم يكن مراهقا وغرا فإنه بحق عديم الرشد السياسي وخطر على نفسه وعلى من استأمنوه على مصالح الوطن.

  5. وأخيرا وهذا ليس نصيحة مثل ما تقدم في كلامي وليس جوابا كذلك على سؤال لائمي:
    من صاحب المشروع؟
    هل هو الرئيس الظاهر أم الرئيس الخفي الذي قرأت له تحديدا لرزنامة العمل فعبر عن كون “حكومة الرئيس” لم يحن وقتها وأنها تقتضي الاستغناء عن النخبة السياسية الحالية كلها وتنصيب النظام البديل بلجانه الشعبية وسوفياتاته تصريحا أو تلميحا.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي