نعم الحكومة ليست سفينة نوح.
لكن تونس بحاجة إلى سفينة نوح.
والحكومة ليست سفينة نوح بذاتها وبما يقتضيه وضع تونس بل هي كذلك لأن من كان ينبغي ان يؤدي دور نوح وجوده كعدمه لأن الله لم يعلمه صنع السفن.
واستعارة سفينة نوح استعملتها لان كل سياسة تخرج شعبا من “انفجار مصرانه الأعور” يمكن اعتبارها سفينة نوح.
وقد اعتبرت ما حصل للمحافظة على الاستثناء التونسي بين كل بلاد الربيع استثنائها من المآل المصري شبيها بسفينة نوح لأن ما حل باهل الربيع أخطر حتى من الطوفان.
وما كان ذلك ليحصل لو طبق الراي القائل في بداية الثورة إن تونس لن ينجيها إلا الصلح بين بورقيبة والثعالبي لأنها من دون ذلك آيلة حتما إلى انفجار مصرانها الأعور.
وهو ما حدث وخاصة بسبب حل التجمع وتهميش البورقيبيين بعد ذلك.
كانت تونس بحاجة إلى سفينة نوح بعديا.
وكنت قد نصحت بها قبليا لعلمي أن كل الجراثيم ستتوالد.
لن اواصل الكلام باستعارة سفينة نوح الدينية.
فمن عليه القيام بدور نوح أحمق.
ومن عليه القيام بدور السفينة أخرق.
كلاهما يجهل أن التشخيص الأقل تشاؤما لوضع تونس يعلم أنها وضعية أخطر مما قد ينتج عن الطوفان.
وفي كل شعوب العالم كان الحل السياسي للخروج من مثل هذه الأوضاع ولا يزال – وهي اخطر من اوضاع الحروب – اللجوء إلى الوحدة الوطنية المقدسة لفترة تطول أو تقصر حتى يعالج الداء الذي يأتي على الكيان في غالب الأحيان.
أما أن يصبح العلاج معتمدا على أفسد ما يوجد بدعوى استبعاد الفساد فذلك هو عين الحمق والخرق لأنه لا يوجد عاقل يمكن أن يعتبر الفساد العلني والصريح والقابل للعلاج أولى بالعلاج قبل الفساد الداخل في “خناخش” الدولة والذي يخربها يوميا وهو ما سأصف هنا وصفا لا يمكن أن يشكك فيه أحد ذو مصداقية.
ولهذه العلة فإني اعتبر ما يجري هدفه الإتيان على الكيان تماما كما حصل في العراق وفي سوريا وقبلهما في لبنان.
وقد بدأ الأمر بحربها الأهلية التي لم يكن أهليا فيها إلا الأيدي المنفذة لأن الإرادات المدبرة ليست لبنانية تماما كحالنا الآن في تونس.
لذلك فما أخشاه هو أن تونس يراد لها نفس المآل وبنفس الطريقة.
ونحن نرى ليبيا قد وصلت إلى هذا الوضع.
ولهذه العلة كذلك سأوصل الكلام باستعارة طبية واتخلى عن الاستعارة الدينية.
فما حدث في تونس منذ وضع قانون الانتخابات هو تفجير “مصران تونس الاعور” بالمصري والمصرانة الزائدة بالتونسي والزائدة الدودية بالعربية.
كانت العملية التي قامت بها لجنة “حماية الثورة” الشهيرة هادفة إلى تفجيره وليس إلى نزعه قبل أن ينفجر.
فلما طردت الثورة -أو من استفاد منها ليتخلص من ابن علي ويحافظ على أدواته التي ستعمل بعده علنيا دون غطاء دولته فجروا “الزائدة الدودية” لتسيطر على أدوار الدولة كلها فتغرق تونس في ما لم تخرج منه من ذلك الحين إلى الآن:
1- الدور السياسي: هوامش القوى السياسية التي عمل بها ابن علي صارت أحزابا.
2-الدور الاقتصادي: مافيات الاقتصاد الموازي صارت صاحبة السلطة الفعلية في الدولة.
3-الدور الثقافي: أخلاق الزبراطة صارت هي التي تحدد معايير سياسة الدولة في التربية.
4-الدور الاعلامي: اخلاق مرتزقة الصوت والصورة -لم يعد لهم أقلام- صارت هي التي تحدد معايير الاخلاق العامة والعلاقة بالحقيقة.
5-دور التواصل الجمهوري: ثم عم الطوفان بسبب انفجار “المصران الاعور العالمي” أي ما يسمى بالتواصل الاجتماعي.
فإذا لم يكن هذا الوضع كافيا لصنع سفينة نوح واخراج البلاد مما يعتبر الطوفان أمامه رحمة فإن الكلام لم يعد متعلقا بنوح وسفينته لأن الأحمق ليس نوحا والأخرق ليس سفينة بل الامر أخطر وأدهى.
الاستعارة الأكثر ملاءمة هي مسيلمة الكذاب وحمقى قبيلته الذي كانوا يقولون: نعلم أن مسيلمة كذاب وأن محمدا صادق لكن كذب زعيم قبيلتنا أفضل من صدق زعيم قبيلة محمد: وهنا تسمع “لا يشبهوننا” أو “دم أحمر” فيصبح الفاشي من الأسرة الديموقراطية (الشعب) ويصبح الثيوقراطي (الباطنية) والعلماني (أصحاب البسكلات ومن يعرف نفسه بخاله) حلفاء من الاسرة التنويرية وتغرق تونس مرة أخرى.
وما كل مرة تسلم الجرة خاصة وهذان الأسرتان المقدستان -الديموقراطية والتنويرية والقومية والعلمانية والحداثية بو زوز سوردي- تنتظران بفارغ الصبر انتصار حفتر بمساعدة فرنسا والإمارات ومصر أعني فضائل الاستعمار الفرنسي وفرعي الثروة العربية المضادة وأعني ذيول إيران وذيول إسرائيل -وكلها لها ممثلون لأن التمويل-يغدق عليهم بلا حساب.
تونس حبلى “توعصت” في مخاضها الاول وتجاوزنا “التعوص” لأن الله جباها باللطف فتم تدارك الخطأ الأول الذي نتج عن فخي الحمق السياسي عند من اختارهم الشعب فلم يتخلصوا من الماضي كما فعل سيد الخلق بمنطق اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وتلاه الخبث السياسي الذي نصب الأفخاخ في قانون الانتخابات وفي وضع دستور لا مثيل له في العالم بما فيه من حمق وغباء حتى وصلنا إلى الوضعية الراهنة التي هي “التوعص” الثاني في ما كنا نأمل أن يكون بداية “خلاص الوحل” بلغة الشعب كناية عن المخاض الناجح.
نعم الحكومة ليست سفينة نوح لأن من كان عليه أن يؤدي دور نوح أحمق ومن كان عليه أن يكون السفينة أخرق.
وإذا واصلا هذه الحماقة والخرق فإن ما كل مرة تسلم الجرة فيتحقق ما تنتظره فرنسا وإيران من جعلها لبنان الثانية والجميع سيبقى فاغرا فاه ككل الحمقى في التاريخ الذين قضوا على دولتهم بسبب ما وصفت من انفجار “المصران الاعور” التونسي.