ليبيا، يريدها الأعداء في المغرب الكبير مثل سوريا للمشرق الكبير

ه

من العار أن يبقى أهل المغرب الكبير يتفرجون على ثوار ليبيا يصارعون وحدهم أشرار الاقليم وأشرار الاستعمار: الإمارات والسعودية وإسرائيل وفرنسا. فما حفتر إلى ذراع يستعملها هؤلاء المجرمون لإيقاف الموجة الثانية من الربيع. لم يبق لهم حق آخر إلا جعل ليبيا في المغرب مثل سوريا في المشرق.
فالجبان حفتر أسير التشاد وعميل امريكا ليس أقل جنونا من أرنب دمشق الذي هدم سوريا بحلف بينه وبين مليشيات إيران ومافية بوتين وفي الاخير أعطى أفضل ما في سوريا لإسرائيل التي ضمنت له البقاء وتهديم بلاده. وهذا المجرم الثاني ينوي القيام بنفس الشيء حتى يحمي ظهر عميل ناتن ياهو في مصر.
سكوت تونس والجزائر عليه يعني أنهما يريدان أن يصبحا في فوهة المدفع كما يحصل لتركيا الآن. فسيكون تمزيق ليبيا على يده نظير تمزيق سوريا على يد لسان الجرو ومثلما أن تمزيق سوريا هدفه تفتيت تركيا فتهديم ليبيا هدفه تفتيت الجزائر وربما تونس رغم أنها أصغر من الحاجة إلى التفتيت مثل الجزائر.
من لم يفهم ذلك فهو إما أصم وأعمى وأبكم ولا يعقل أو هو بدوره عميل. وكلنا يرى أن أعداء الثورة في تونس وقد يكون مثلهم في الجزائر هم من يسعون إلى وأد الثورة ليس نكاية في الإسلاميين فحسب بل وكذلك لأن الثورة لم توصلهم هم إلى ما كانوا يتمنون هم ومن يستعملهم لتحقيق المرحلة الأخيرة فـي الضم.
لم يعد لفرنسا القدرة على احتلال الجزائر عسكريا. ولما سمعت ما نسب إلى فاجرة اليمين الفرنسي من تهديد للجزائريين بإعادة احتلالها لم أتمالك عن الضحك لأن فرنسا التي احتلها في الثلث الأول من القرن التاسع عشر لم تعد موجودة ومثلها جزائر ذلك العصر: اليوم فرنسا أعجز من أن تقترب من الحدود.
لم يبق لهم إلا الاعتماد على العملاء لتحقيق نفس ما تحققه إيران في سوريا: غزو الأرواح بالسلاح اللطيف. سلاح إيران هو التبشير الشيعي وخرافة العداء لإسرائيل وأمريكا وهو أمر لا يصدقه إلا بو سعدية وغزو فرنسا هو التبشير العلماني وخرافة التحديث التي لا يصدقها إلى “بو سعدية”: فرنسا متخلفة.
لكن علمانيي العرب والأمازيغ ما زالوا يعتقدون في “بو سعدية”. يكفي دليلا أنهم يعتقدون أن الفرنسية اليوم طريق إلى العلم والتقدم في عصر لم يعد حتى الفرنسيون أنفسهم يشاركون في الجماعة العلمية العالمية باللسان الفرنسي. وفرنسا تعلم أن أوان خروجها من افريقيا هو يوم تصبح الإنجليزية بديلا.
وعندما يلتقي تحرر المغرب الكبير من فرنسا بالعربية وتحرر الافارقة الآخرين منها بها أو بالإنجليزية وعندما تتقدم الصين في البديل الدولي الذي يساعدهم فإن فرنسا سترجع لحجمها الطبيعي مجرد تابع لألمانيا بعد أن أصبحت في مرتبة لا تمكنها من غير هذه المنزلة في أوروبا مثل اسبانيا وإيطاليا.
لكن ما لم أجد له تفسيرا حقا هو أن الإمارات والسعودية ومصر فهموا الحاجة إلى الهجوم على المغرب الكبير عن طريق هذا المعتوه وتبقى تونس والجزائر مكتوفتي الأيدي: هل يريد قادتها على الحدود “عش” لنفس الجراد الداعشي الذي صنعوه في الهلال حتى يهدموا معالم حضارته فتغزوه إيران وإسرائيل؟
ذلك أن الإمارات والسعودية أعجز من هزيمة الحوثي فكيف نتصور أنهم سيعزون شيئا في المغرب الكبير لو لم يكونوا هم بدورهم أدوات لمن يخطط للغزو بأموالهم.
أليست العراق هي التي مولت كل حروب إيران في الهلال؟
أليست الإمارات والسعودية هما اللتان تمولان حروب إسرائيل في فلسطين وبصورة غير مباشرة حروب إيران وإسرائيل وأمريكا في الهلال كله؟
متى يفهم قادة المغرب الكبير أن من ينتظر في هذه المعارك يخسر حتما لأن الحروب التي من هذا الجنس مثل السرطان إذا عمت لمت. ومعنى ذلك أنها قد تصل إلى الميتاستاز فيفسد البدن كله ولا يبق إلا انتظار التعفن والموت البطيء كما يحدث الآن في سوريا والعراق إذ ظلت الثورة عبثا لأمراء الحرب.
وطبعا لست أدعو لتدخل عسكري من الجيشين التونسي والجزائري فالثورة المضادة لم ترسل جيوشها بل هي ساعدت طرفا ليبيا عميلا هو الأجير حفتر. فما المانع من مساعدة ثوار ليبيا بالمال والسلاح والخبرة وإذا لزم الأمر بحضور فعلي لخبراء: ذلك أن الحرب الاهلية العامة آتية إذا لم نئدها في المهد وهي ستشمل الإقليم كله مشرقه ومغربه.
إني أرى سحبها تتجمع في مسارين من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق. وهما سيلتقيان حتما في مصر وفيها ستحسم المعركة: فمصر حوت نائم. وإذا بقي المغرب الكبير متفرجا فقد يجد نفسه في وضع يفرضها عليها رد فعل بدلا من أن يسبق فيكون فاعلا لا منفعلا. فالأعداء جعلوا لها بؤرتين مغربية في ليبيا ومشرقية في سوريا لإعادة الخوف للشعوب. والهدف ليس ليبيا بل الجزائر في المغرب الكبير مثلما أن الهدف ليس سوريا في المشرق الكبير بل تركيا. وهما الهدف لأنهما يمثلان جناحي نهوض الأمة وبداية استئناف دورها الكوني.
لم ينس الغرب أن تركيا والجزائر هما من أفشل حرب الاسترداد بعد سقوط الاندلس: ففي القرنين السادس عشر والسابع عشر كان المتصدي لحرب الاسترداد تركيا في المشرق والجزائر في المغرب. وهي حرب تجاوزت الاندلس وشرعت في محاولة استرداد الضفة الجنوبية من المتوسط وبدأها شارل الخامس باني أوروبا الحديثة بالإصلاح الديني ومحاولة افتكاك المبادرة من تركيا في البلقان.
دور فرنسا في سايكس بيكو لا ينبغي نسيانه ومثله دور روسيا لولا فضحه من ثورة 17 فيها وحتى انجلترا فلها دور بتوسط الإمارات والسعودية وبإدارة أمريكية. المستهدف هو محاولة إتمام ما فشلت فيه سايكس بيكو الأولى بإعادتها في المشرق وفي المغرب الذي لم تمسسه لأنه كان بعد مستعمرة فرنسية.
لكن هيهات: لن ينجح حفتر حتى لو بقي الشعب الليبي وحده في المعركة. فأحفاد المختار لا ينتصر عليهم من هو فار هزمه عميل فرنسا التشادي وتحول مثل السيسي الذي يساعده مجرد مغسول الدماغ في مخابر المخابرات الأمريكية. الشعوب لم تعد غافلة كما كانت في سايكس بيكو. الآن حرب الاستقلال الفعلية.
لن نسمح بأن تكون ليبيا مثل سوريا: هذه لضرب تركيا وتلك لضرب الجزائر باعتبارهما جناحي استئناف دور الأمة. فهم لم ينسوا أن من أفشل حرب الاسترداد في القرنين السادس عشر والسابع عشر هو تركيا في المشرق والجزائر في المغرب.
وهم يعلمون أن من سيفشل سايكس بيكو الثانية التي يسعون إليها لأن الأولى انتهت باستقلال الجزائر وبداية موجة الربيع الأولى فيها منذ تسعينات القرن الماضي واستئنافه فيها هذه الأيام وبتعافي تركيا الذي بدأ تقريبا في نفس الفترة. لذلك فهم يريدون جعل ليبيا مثل سوريا: هذه للحرب على تركيا وتلك للحرب على الجزائر.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي