– ابن تيمية وابن خلدون؟ –
لتحميل المقال أو قراءته في صيغة و-ن-م pdf إضغط على العنوان أو الرابط أسفل النص
سبق ان تكلمت على علل كراهية النخب العميلة والتي هي مليشيات القلم في خدمة الغرب مباشرة او بتوسط اذرعه الخمسة
وهذه النخب -المليشات الخمسة- هي بقايا الباطنية والصليبية بقيادة صفوية والعلمانية
الليبرالية بقيادة صهيونية
والمظلة هي الطائفية بتقية القومية.
وموطنهم منذ انفراط عقد دولتهم -الفاطمية- هو الشام ثم انتشروا خلال ما يسمى بعصر النهضة العربية منذ قرنين في كل بلاد العرب أداة للاستعمار وورثته أي الانظمة العميلة ونخبها.
وقد مرروا كذبة التحديث غطاء لمواصلة سياسة الاستعمار-مهمة التحضير المستبد- لاجتثاث ثقافة الأمة وتعويضها بقشور الحداثة تأسيسا للتبعية الروحية.
ثم تضاعف خطر هذا التحديث المغشوش برد فعل من جنسه هو التأصيل المغشوش الذي كان برده البدائي قد توهم أن أصحابه يمثلون الحداثة فحاربها بغباء خلطا بين سفاهتهم وبين قيم الحداثة.
فأصبحنا ضحايا كاريكاتورين من الحداثة ومن الأصالة.
وكلتاهما تمثل قشور ما تدعي الكلام باسمه:
فالحداثي والأصالي المزعومان مقلدان لما يقبل التقليد من الحضارة.
الحداثي المزعوم يقلد الميت من الفكر الحديث تقليد الأصالي المزعوم للميت من الفكر الأصيل.
أما الحي منهما فلا يقبل التقليد.
فالإبداع لا يقلد أبدا.
ولم يتبين هذان الداءان إلا لما أصبحا جيشين في حرب أهلية هي ما نعيشه منذ ما يسمى بالاستقلالات الوطنية غطاء على الاستعمار غير المباشر بتوسطهم أدوات ذليلة في خدمة مصالحه ونزواتهم.
وأصبحت الظاهرة بينة للعيان حتى لعامة الناس بعد ثورة الحرية الكرامة التي جعلت الحرب الأهلية صريحة بين الثورة والثورة المضادة كما نراها الآن.
وما أريد أن أتكلم عليه في هذه المحاولة ليس علل كراهية النخب والمليشيات الخمسة ومعهم الأنظمة العميلة كراهيتهم لابن تيمية وهو ما يفهمنا لغزا أفكه الآن لمستغربيه.
فمن يعجب من سياسة إعلام “العربية” ومثيلاتها مثلا ويتصور أن الأنظمة عاجزة عن لجمها يخطئ إذ يحسن الظن بالأنظمة.
فتلك هي سياستها:
فجل الحكام يحالفون المليشيات لنفس العلة.
ما يعمله بشار والسيسي صراحة هم يخفونه تقية.
والعلة هي ما سأتكلم عليه الآن بالعنوان التالي:
لن أبحث في لماذا يكرهون ابن تيمية كما فعلت سابقا
بل سؤالي هو:
لماذا يخافونه؟
وفي هذا يجتمع صاحبا الثورة النقدية في فكرنا.
ومن أسميهما بصاحبي الثورة النقدية في فكرنا هما:
ابن تيمية
وابن خلدون.
والمليشيات الخمسة والأنظمة العملية ونخبها يخشونهما لنفس العلة.
وذلك هو موضوعنا الآن.
مباشرة بعد عودتي من ماليزيا قُدمت لي في دمشق ترجمة درس ألقاه رئيس جمهورية إيران -خاتمي- في الجامعة حول الفلسفة السياسية على طلبة الماجستار لما كان أستاذا في الجامعة.
فكتبت عرضا نقديا للكتاب ركزت فيه على ما قاله عن ابن خلدون اذ اعتبر مقدمته تبريرا للاستبداد أو إن أردنا الإيجاز بتبرير خيار معاوية ضد خيار علي في الحكم.
فتحدد بذلك سلبا ما يشترك فيه ابن تيمية وابن خلدون في الفكر الشيعي:
تهمة تقديم خيار معاوية على خيار علي.
وأول رسالة كتبتها لزمارة الملالي كانت في موقفه من ابن خلدون وابن العربي حول نفس القضية.
فما الذي يخيف المليشيات وزعيمتيهما (إيران وإسرائيل) والأنظمة ونخبها عملاء الغرب؟
وبالتالي ما يخيف الغرب نفسه في فكر ابن تيمية وابن خلدون بخصوص الاستئناف؟
فأسباب كراهية الرجلين مشتركة حتى وإن بدت مقصورة على ابن تيمية.
وهي تعود إلى ثورة النظر دحضا لأساس الباطنية في الميتافيزيقا والكلام والتصوف المتفلسف.
ويبدو من الطبيعي أن يكون التركيز على ابن تيمية لأن ما يشترك فيه معه ابن خلدون في المسألة النظرية شديد الخفاء ولا يدركه قشوريو التحديث
وجلهم دون أنصاف مثقفين.
ما يحير هو العكس:
ما يشترك فيه ابن تيمية مع ابن خلدون في فلسفة العمل هو بدوره خفي ولايدركونه
ومع ذلك فقد تم التركيز على ابن تيمية بدلا من ابن خلدون.
والسر بين لمن يعمق البحث:
فما نبههم للمخيف في فلسفة ابن تيمية العملية المشتركة مع ابن خلدون هو ممارسة الأول لها دون صوغها النظري الذي ينسب إلى الثاني.
ما سأحاوله الآن هو حل هذه الألغاز العميقة في ما يشترك فيه فكر الرجلين وفي ممارستهما السياسية التي جعلت البعض يتصور ابن خلدون انتهازيا وعديم المبدئية وابن تيمية متعصبا وعديم التنوير.
لذلك فابن خلدون لا يخيفهم كما يخيفهم ابن تيمية الذي لا تبدو مواقفه مماثلة لمواقف ابن خلدون
ومن ثم فهم لا يمكن وبالجوهر أن يعتبروه عدوهم اللدود مثل ابن تيمية.
كل ما في الأمر-ما لم يفهمه أدعياء الحداثة لغبائهم وقلة معرفتهم بأعماق فكرهما- هو أن ابن خلدون مارس فكره في الحكم وابن تيمية مارسه في المعارضة.
لكن فكرهما السياسي واحد.
وممارسته في الحكم تقتضي المرونة البراجماتية. (ابن خلدون)
وممارسته في المعارضة تقتضي الصرامة المثالية (ابن تيمية).
وسنحاول بيان المخيف لهم في فكرهما السياسي.
فهذا الفكر السياسي هو الذي لا يمكن أن يقبل به الملالي والحاخامات وتوابعهما من العرب سواء كانوا حكاما أو نخبا لانه ينبع مباشرة من ثورتي الإسلام أعني
الحرية الروحية (ضد الوساطة الكنسية)
والحرية السياسية (ضد الحكم بالحق الإلهي).
فرضيتي التي أريد إثباتها بشرط أن يصبر علي القارئ هي أن الرجلين لا يشتركان في الفلسفة النظرية فحسب (وهذا ما بحثناه في كلامنا على علة كراهيتهما) بل وكذلك في الفلسفة العملية بعمق عجيب (وهذا ما نبحثه في كلامنا على علة خشيتهما).
وهذا المشترك جعل من يخشونهما يتهمونهما بالناصبية تفضيلا لخيار معاوية على خيار علي في بناء الدول وخاصة الدول الامبراطورية ذات الرسالة الكونية بالفعل لا بالقول.
والتهمة كما ذكرت وردت في كتاب خاتمي الذي عرضته نقديا وفي خطبة عاشوراء التي ألقاها زمارة الملالي والتي رددت عليها لاتهامه تلميحا ابن خلدون والقاضي ابن العربي.
نظرية الحكم السنية – علامة الإسلام عبد الرحمان بن خلدون
وألحق (الأشعري) الكلام في الإمامة لما ظهر حينئذ من بدعة الإمامية في قولهم إنها من عقائد الإيمان وإنها يجب على النبي تعيينها والخروج عن العهدة فيها لمن هي له وكذلك على الأمة.
وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجماعية ولا تلحق بالعقائد.
فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعه علم الكلام
إما لما فيه من المناظرة على البدع وهي كلام صرف وليست براجعة إلى عمل
وإما لأن سبب وضعه والخوض فيه هو تنازعهم في إثبات الكلام النفسي.
المقدمة – الباب السادس – الفصل العاشر
سأترك عرضي النقدي حول كتاب خاتمي في الفلسفة السياسية الإسلامية جانبا وسأكتفي بالانطلاق من أهم نقطة في ردي على زمارة الملالي لصلتها الوضع الراهن.
كان ابن خلدون قد كتب في كلامه على ولاية العهد ليزيد أنه قد قام بعملين ثوريين كان الهدف النظري منهما إخراج الأمة نهائيا من ذيول الفتنة الكبرى بطريقة فلسفية مبدعة لا مثيل لها.
والعمل النظري الخلدوني في المجال مضاعف:
أولهما يخص فلسفة التاريخ.
والثاني يهم فلسفة السياسة.
وكلاهما يعتمد على ما وصفته بالمشترك الفلسفي بينه وبين ابن تيمية.
ولشدة عمق هذا المشترك وبعد غوره فمن الطبيعي ألا يدركه سخفاء التحديث القشري جهلهم بالفلسفتين التاريخية والسياسية عندنا وفي الغرب الحديث. كما يجهلهما الرادون عليهم من جنسهم.
فلنبين علة تعليق زمارة الملالي واتهامه ابن خلدون والقاضي ابن العربي خلال خطبته في مناحات عاشوراء ومنادبها: تعليقا على ما قاله الثاني وما علق به عليه الأول.
فابن خلدون علق ملطفا قولة القاضي ابن العربي -ليس ابن عربي المتصوف- القولة التي مفادها أن الحسين قد “قُتل بشرع جده”.
فلطف ابن خلدون ذلك وشرح بعدي السياسة.
فقال قولته الشهيرة:
الحسين كان محقا لو كانت السياسة مقصورة على المنشود السياسي دون شروطه.
كان على حق خلقيا لفساد يزيد
لكنه لم يراع شروط الفعل السياسي الحكيم.
وهذان المقومان -الشرعية والشوكة- يمثلان جوهر النظرية السنية في الحكم
والتي هي المشترك بين ابن خلدون وابن تيمية.
ولا علاقة لها بالخلاف بين معاوية وعلي حتى وإن طابقته تاريخيا.
وبهذه النظرية كانت الفلسفة السياسية السنية متقدمة جدا على الفلسفة السياسية التي ورثها المسلمون على اليونان والتي كانت تفصل بين ما ينسب
إلى السوفسطائية (القوة)
وإلى الافلاطونية والارسطية (العقل).
والنظرية السنية في الحكم هي أن هذين المقومين متلازمان في السياسة:
وبهما يؤدي الحكم وظائفه
إذ لا معنى لعقل واهن
ولا لقوة غير عاقلة.
ومن ثم كانت سخرية ابن خلدون من نظرية المدن الفاضلة.
ففيم يتمثل هذا المشترك بين فيلسوفينا؟
إنه ما كان الغزالي قد أجاب به الباطني في فضائح الباطنية:
فالسياسة تنتسب في آن إلى
القانون الطبيعي (القوة أو الشوكة)
والقانون الخلقي (الشرعية أو قبول الجماعة).
شرط السياسة الاعتماد على الشرعية ذات الشوكة أو الشوكة ذات الشرعية.
وعند تطبيق هذا المبدأ على حالة الحسين وخروجه على الدولة
يكون الخطأ السياسي الذي وقع فيه هو أنه لم يراع أحد المبدأين.
تصور نفسه شرعية
واعتبرها كافية.
لم يراع الشوكة فضلا عن إشكال الشرعية.
لكن الأهم وهذا هو سر التهمة الموجهة إلى ابن العربي ومعه ابن خلدون هو أنهما يعاملان الحسين معاملة أي مسلم خرج على الحاكم من دون الشرطين الضروريين لينطبق مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ما يعني وهذا هو بيت القصيد أن ابن العربي وابن خلدون لايؤمنان بالحق الإلهي في الحكم فضلا عن كفايته في السياسة ومن ثم فما ينسبه ابن خلدون للحسين ليس حقا إلهيا في الحكم حتى وإن برر خلقيا تصرفه بفسق يزيد.
التبرير هو حق المسلم أيا كان في الثورة على الظلم وعدم احترام شروط البيعة الحرة في نظرية ولاية العهد التي أخرجت الحكم من الاختيار إلى الوراثة فضلا عن فسق الوارث.
فمعاوية وصل إلى الحكم بالشرطين:
شوكته في الصراع
وحصوله على بيعة
مثل منافسا على تمثيل الشرعية بحجة معاقبة الانقلابيين الذين اغتالوا عثمان:
شرعية الدفاع عن الشرعية التي اغتيلت باغتيال عثمان.
لكن توريثه الخلافة لابنه ببيعة الكل يعلم أنها لم تكن حرة مع ما يتهم به يزيد من فسوق جعلت حكم ولي العهد من بعده فاقدا للشرعية فضلا عن ولاية العهد ذاتها رغم وجود الشوكة.
ولذلك فما حصل في مقتل الحسين هو بيان أن الشوكة من دون شرعية يمكن أن تغلب الشرعية -تسليما بوجودها -من دون شوكة.
وذلك هو موضوع الفصل الذي كتبه ابن خلدون بعنوان ولاية العهد (في الباب الثالث من المقدمة).
وانطلاقا منه مثالا تاريخيا شرح ابن خلدون شرط الحكم المستقر:
إنه الجمع بين الشرعية والشوكة.
وذلك هو أساس السياسة السنية التي يشاركه فيها ابن تيمية وكل السنة.
والشرعية ذات وجهين:
شرعية الوجود بداية
وشرعية البقاء غاية.
فشرعية البداية وجود الحاكم الشرعي بالاختيار الحر.
وشرعية الغاية بقاؤه لتطبيقه شرطي النساء 58 (الأمانة والعدل).
وقد جمعهما الغزالي في فضائح الباطنية لما رد على النظرية الشيعية القائلة بالحق الإلهي في الحكم.
وضرب مثال شرعية الصديق وجودا بداية وبقاء غاية.
كل ذلك يجهله زمارة الملالي وأغلب المليشيات دونه فهما وذكاء.
لكنهم يشتركون جميعا في الطاعة العمياء لملالي قم ولمافية الحرس المزعوم ثوريا وهو أكثر رجعية وفسادا من جيش السيسي وبشار.
بينا القصد بالشرعية:
فهي سلبا ليست الحق الإلهي في الحكم -كذبة التشيع-
وهي إيجابا اختيار الأمة الحر للحاكم مع شرط الشوكة ليكون قادرا على التصدي لرافضي هذه الشرعية.
وبذلك فغاية فلسفة التاريخ -دورالقوة في النظام طبيعيا كان أو تاريخيا- تضع مشكل الشرعية من خلال دور الحرية في أفعال العباد.
فتكون بداية لفلسفة السياسة السنية.
وفلسفتا التاريخ والسياسة السنتيتان مكنتا ابن خلدون من الحل الثوري في فلسفة السياسة لينهي أذيال الفتنة الكبرى عقلا ونقلا
وهو ما كان مفقودا في الفكر السياسي السني:
وهو مشترك ثان مع ابن تيمية.
كيف ذلك؟
هنا يبرز الإبداع الخلدوني الذي سبقه إليه دون نظرية مكتملة الغزالي وابن تيمية من منطلق الفلسفة النقدية للصوغ الباطني للميتافيزيقا والكلام والتصوف.
نظرية العلوم – شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية
فالعلوم الأولية البديهية العقلية المحضة ليست إلا في المقدرات الذهنية كالعدد والمقدار لا في الأمور الخارجية الموجودة
فإذا كانت مواد القياس البرهاني لا يدرك بعامتها إلا أمور معينة ليست كلية وهي (ما يدركه) الحس الباطن والظاهر والتواتر والتجربة والحدس.
و(إذا كان) الذي يدرك الكليات البديهية الأولية إنما يدرك أمورا مقدرة ذهنية لم يكن في مبادئ البرهان ومقدماته المذكورة ما يعلم به قضية كلية عامة للأمور الموجودة في الخارج.
و(إذا كان) القياس لا يفيد العلم إلا بواسطة قضية كلية إمتنع حينئذ أن يكون في ما ذكروه من صورة القياس ومادته حصول علم يقيني.
وهذا بين لمن تأمله.
وبتحريره وجودة تصوره تنفتح علوم عظيمة ومعارف…
فتدبر هذا فإنه من أسرار عظائم العلوم
نظرية العلوم – كتاب المنطق
مامعنى الصوغ الباطني للميتافيزيقا والكلام والتصوف؟
لن يفهم ذلك من لم يتدبر الفلسفة النقدية في فضائح الباطنية وسياسة ابن تيمية وابن خلدون.
وعندما يفعل سيفهم علة خوف مليشيات إيران وإسرائيل مليشياتهما العربية والأنظمة والنخب العميلة خوفهم من الغزالي ومن ابن تيمية صراحة ومن ابن خلدون ضمنا.
أما مشكلهم معي فهو مجرد نتيجة لما أحاول بيانه في كلامي على الفلسفة النقدية
وخاصة بعد بياني التوازي العجيب بينها وبين الفكر النقدي الألماني.
ولم يكن بياني ذلك مبنيا على حدوس مجردة بل اقتضى نقل كتاب المثالية الألمانية إلى العربية وهو كتاب ألفه اثنا عشر مختصا غربيا -ألمان وانجليز خاصة -لتحديد مضامين المثالية الألمانية ومنهاجها.
والكتاب شبه موسوعة كبرى أشرف عليها وحررها صديقي الأستاذ زند كولهر المختص في فلسفة القانون وفي شلينج وهيجل وماركس.
وقد نشرت معه ضميمة تقارن الفلسفتين النقديتين الألمانية والعربية.
ومثلما عجزوا في التصدي لفكر هؤلاء الكبار -الغزالي وابن تيمية وابن خلدون- حتى قبل بيان ترابط أدوارهم
ترابطها الذي كان لي شرف القيام به
فإنهم سيكونون أعجز في التصدي لهذا البيان.
فالفكر الفلسفي ليس تعبيرا عن مواقف وأحوال نفس صاحبه
بل هو تعليل موضوعي بقدر الإمكان المعرفي
تعليل لوضعيات بالعلوم التي تعالجها بمقتضى طبائعها ككل علاج علمي يستمد شرعيته من منهجه وحججه.
صحيح أن ذلك يعسر قبوله في حضارة ما يزال الشفوي هو الغالب عليها
لأن نخبها سواء ادعت التأصيل أو التحديث لا يتجاوز فكرها الدعوة الوعظية الفجة
حتى عندما يصوغونها كتابيا لاحقا كجل كتابات التقريب الجمهوري.
فالفكر كتابي بمعنى التأملات التي تنضج بالمراجعات المتوالية وبالبناء النسقي
ولايمكن أن يكون شفويا.
فهو من جنس لعبة الشطرنح (ومثال الشطرنج خلدوني)
وهي تعتمد على سلسلة حركات اللاعب
وتوقع لحركات ملاعبه
وهي في الفكر الاعتراضات الممكنة في تجريب عقلي شديد التعقيد والتجريد.
ذلك هو ما حسم به ابن خلدون بنظريته السياسية
لعلاج مشكل المحاكمات السخيفة للصحابة
والتي تواصل نكأ جروح الفتنة الكبرى بدعوى الدفاع عن شرعية الحق الإلهي الزائفة.
وابن خلدون لا ينسب إلى نفسه نظرية الحكم التي حررت المسلمين من وهم الحكم
فالحق الإلهي الموروث مما تقدم على الإسلام: الكسروية القيصرية.
ما يمكن أن ننسبه إليه هو تحديد طبيعة الحكم على الفعل السياسي
وقد سمى هذا المبدأ بـــــــ ـ”عدم التأثيم”.
ووهم الحق الإلهي في الحكم لم يقل به معاوية ولا حزبه
بل القائلون به هم الحزب المنافس:
وعلماء السنة يميزون بين
الأمر الواقع (شوكة الشوكة)
والأمر الواجب (شرعية الحكم) في الحكم.
ما ينسب إلى معاوية هو تقديم الشوكة على الشرعية.
إنه حكم بمنطق الطبيعة(القوة)
وليس بمنطق الشريعة(الشرعية).
إنه إذن أمر واقع وليس أمرا واجبا.
أما القول بالحق الإلهي في الحكم فيتصوره أصحابه أمرا واجبا.
لذلك فابن خلدون لا يعتبر الحكم مسألة تابعة لعلم العقائد
وبين أن علة وضع الأشعري للإمامة في مباحث علم الكلام مجرد رد فعل على بدعة الإمامية القائلة بالحق الإلهي وبكون الإمامة جزءا من العقيدة.
والرد السني عامة والخلدوني خاصة هو أن الحكم ليس حقا إلهيا لأي كان
بل هو “رعاية المصالح العامة باجتهاد الأمة واختيارها”.
وهذا المبدأ هو أساس ثورته فلنشر إليها بإيجاز برقي في هذا الفصل الأول.
سأكتفي إذن بالإشارة إلى طبيعة الحل بنسبته إلى فلسفة السياسة
من منظور فلسفي وديني خالصين
واسمه مبدأ “عدم التأثيم” في الاجتهاد السياسي مطبقا على مثال الخلاف بين الصحابة.
وقريبا إن شاء الله سأعود إليه في فصل ثان
لأن الفصل الاول طال كثيرا
والثاني قد يكون بطوله
حتى لو أحجم عن التعرض للكلام في الظرفيات التي أحاطت بعلاجه
كما فعلنا في هذا الفصل الأول.
وختما فقد عدنا في هذه المحاولة إلى ما وراء الاحداث من فكر فلسفي وديني
يُضفي المعنى عليها
ويفهمنا ما ينبغي أن يدركه شبابنا ليجهز للفعل الراشد
إذا كنا حقا نسعى لجعل ثورة الحرية والكرامة فاتحة الاستئناف.
وحتى نفهم علة هذا البحث بمقتضى العلاقة بالاحداث
فلأذكر علامتين على فشل موظفي أحداث الفتنة الكبرى ممن يحاولون تشويه عترة النبي والإسلام.
فمن قضوا 14 قرنا ونصف القرن من اجل الانتقام من العرب لأنهم حرروهم من عبادة العباد ليعبدوا رب العباد
لن يفلحوا أبدا:
فالسنة قوة لا تقهر.
وهم ليسوا كذلك بالعدد والعدة والعتاد فحسب
بل وكذلك لأنهم على حق
فضلا عن كونهم هم أكثر الناس حبا لعترة النبي
واحتراما لأهل بيته: نسائه.
وهم لا يميزون بين صحابته
لأنه لو كان الرسول لا يحسن اختبارهم لكان ذلك دليلا على أنه ليس رسولا يمكن أن يدرك
ما يدعي الحاقدون فيهم من خيانة
وما كنت لأبحث في المسألة من هذا الوجه
لو شككت لحظة واحدة في أنه يوجد من هو أصدق علما بالإسلام
وأطهر سرا من الغزالي وابن تيمية وابن خلدون
فهم أعلم من دجالي الملالي وعبيدهم من المليشيات العربية
التي بأخلاقها وسلوكها كلنا يعلم
أنهم مرتزقة
ليس فيهم من يؤمن بغير الإخلاد إلى الأرض.
– ابن تيمية وابن خلدون؟ –
يرجى تثبيت الخطوط
عمر HSN Omar والجماح ياقوت AL-Gemah-Yaqwt أندلس Andalus و أحد SC_OUHOUD
ومتقن الرافدين فن Motken AL-Rafidain Art وأميري Amiri
ونوال MO_Nawel ودبي SC_DUBAI
واليرموك SC_ALYERMOOK وشرجح SC_SHARJAH
وصقال مجلة Sakkal Majalla وعربي تقليدي Traditional Arabic بالإمكان التوجه إلى موقع تحميل الخطوط العربية
http://www.arfonts.net/