من لم يفهم أن بعض نتائج حملة ادلب بدأت تظهر لا يفهم في ما يجري.
فغياب إيران في لقاء اليوم ليس أمرا يمكن اغفاله. فليس النظام السوري وحده هو الغائب كالعادة بل غاب معه من له أكثر منه مصلحة في ما يجري لأن الحرب الحالية تعويض إيراني لما خسرته بثورتي العراق ولبنان.
خروجها من سوريا ضربة قاضية لها. وهي ضربة لروسيا لأنها بذلك تفقد جيش البر.
ورغم أن في ذلك ربما مصلحة لإسرائيل إلا أن المستفيد الاول هو الشعب السوري أولا يليه روسيا مؤقتا وتركيا في المدى البعيد.
ذلك أن تحرير الهلال من خبث الملالي هو بداية نهاية سايكس بيكو الثانية.
ستسلم سوريا وتركيا من مزيد التفتيت وسيلتحم الشعب السوري بالشعب التركي. وروسيا حينها لن تخيف. فحضورها في سوريا ليس جديدا.
وإذن فما سيتم الاتفاق عليه سيكون بين أربعة أطراف:
• تركيا
• والثورة المتنامية من جديد
• وروسيا
• والنظام المتهاوي بسرعة أكيدة بعد الضربة الحالية.
وطبعا فمن لم يفهم أن الثورة صارت مقبولة كطرف من العالم كله بعد هذه الحملة لا يمكن أن يفهم ما أعنيه بأن ثمرات الحملة بدأت تحصل حتى لو توقفت عند تثبيت الاتفاقيات السابقة حول ادلب ورغم خسران بعض الارض.
والمغنم الأساسي بعد المغنم الدبلوماسي هو إطلاق يد الثورة في مواصلة حرب المطاولة والاستعداد للجولة القادمة لان الروس لا يؤتمنون وقد يكون هدفهم ربح الوقت والخوف من افتضاح تغير توزن القوى على الأرض إذا طالت الحرب.
لكن ذلك لا يمكن أن ينطلي على الأتراك الذين خبروهم قرونا وليس من اليوم.
وروسيا حاولت الاستفزاز بذلك بما أرسلته من سفن للترهيب.
ونسي الروس أن تركيا الحالية غير تركية التي حاربوها لما كانت الرجل المريض في أوروبا. هي اليوم أرتهم بعض ما تستطيع والآتي سيكون أشد وأمر.
لكن أهم سلاح سيبدأ العمل الآن هو عودة الثورة بعد أن ثار شعب العراق وشعب لبنان.
فيكون ما توقعته قد حصل: توسيع مسرح المعركة هو الذي يعني بداية عودة الأمة لدورها والمسرح اليوم سيكون من بغداد إلى بيروت. فلا شيء يحول دون الثوار وضرب الضاحية ما دامت تضربهم.
والضرب لا يقتضي انتظار بلوغ الجبهة إلى هناك بل تسلل السرايا كاف.
من يعجب مما استنتجه في تحليلاتي ينسى أني أطبق نوعي التاريخ بالمفهوم الخلدوني: التاريخ القصير والتاريخ المديد.
• فالأول يتعلق بما حدث منذ الثورة وعمره عقد.
• لكن الثاني يمتد إلى ما حدث منذ فتح القسطنطينية.
أوروبا كلها تحالفت ضد الخلافة.
لكن الخلافة هزمتهم وتمكنت من ربح حرب الاسترداد رغم حلف الأعداء مع الدولة الصفوية كما نراهم الآن.
هزمت الخلافة الاسبان في الأبيض المتوسط وحررت تونس والجزائر وليبيا منهم. وهزمت البرتغاليين في البحر الأحمر وبحر العرب وفي الخليج رغم حلفهم مع الدولة الصفوية.
والمعلوم أن الباطنية كانت ولا تزال منذ أن فتحت فارس حليفة كل أعداء الامة أي الصليبيين والمغول وحروب الاسترداد والاستعمار وحروب أمريكا وروسيا.
ومن يحارب الشعب السوري اليوم هم بقايا دولة الباطنية في مصر (العلويين) وبقايا الصليبية (بعض المسيحيين) وباطنية إيران ومصادر ميليشياتها.
لا يمكن أن نفهم التاريخ القصير من دون ما يستمد من معان تعود إلى التاريخ المديد.
وهذا بفضل نظرية ابن خلدون في وصل الاحداث السريعة بما تتضمنه من أحداث بطيئة قانونها هو قانون التراكم البطيء.
كانوا يتصورون أنه يمكن اخراج تركيا من حاضنتها الاسلامية ودام ذلك ثلاثة ارباع القرن.
وفي النهاية مجد تاريخ الاتراك الإسلامي هو الذي انتصر. لكن الانتصار ما يزال هشا.
ولما كان هذا المجد سره دورهم في حضارة الإسلام مثلهم مثل العرب والأكراد والأمازيغ ومسلمي افريقيا وراء الصحراء فإن هؤلاء الشعوب يدينون للإسلام بحريتهم وكرامتهم ودورهم في التاريخ الكوني.
ويدين لهم الإسلام بحماية بيضته واشعاعه وهو سيسترد مكانته في نظام العالم الجديد بفضلهم بعد الله. وذلك هو ما يخشاه الجامعون لمحاربة تركيا اليوم.
ولا أخفي أن سر اطمئناني وتفاؤلي هو معرفة ما كان يقوله مفكرو الغرب عن الخلافة العثمانية وما يكنونه لها من حقد وكراهية. ولعل الإسلاموفوبيا الحالية تعتبر رحيمة بالمسلمين إذا قسناها بخطاب الكنيسة الذي لم يتوقف لأنه غير أسلوبه بالنفاق المعهود.
فحتى هيجل كان يتمنى من القوى الغربية أن تقضي على بقاء تركيا في القسم الأوروبي من جغرافيتها بعد اخراجها من البلقان ومن أرض اليونان.
كان لوثر يشجع محاربي الخلافة جبهات القتال حول فيينا خطيبا في جيوش أوروبا ضد جيش الفتح وكان يسعى لإصلاح المسيحية حتى تصبح مثل الإسلام متحررة من سلطة الكهنوت والحكم بالحق الإلهي من أجل تحقيق نهضة روحية وفكرية لعلهم بذلك ينتصرون على الخلافة. وكان ذلك بقيادة ولي العهد الذي صار قيصر أوروبا المسيحية واعتبره هيجل باني أوروبا الحديثة أعني شارل الخامس.
فقد صار قيصر أوروبا المسيحية. وقاد حرب الاسترداد التي احتلت تونس الجزائر وليبيا ولم يهزم جيوش المسيحيين إلا اسطول الخلافة بقيادة اسطولها بابا عروج ثم سنان باشا الذي حرر تونس بعد 70 سنة من الاحتلال الاسباني الذي عاش فسادا في تونس حتى جعلوا جامعة الزيتونة ومسجدها اصطبلا لخيولهم مع استباحة الأعراض.
لذلك فإذا سمعت كلبا عربيا-وكم صاروا كثرا لأنهم ذباب صاحب المنشار ومرشده الغدار-يعتبر الأتراك أعداء العرب أفهم أنه إما من بقايا الصليبية أو من بقايا الباطنية أو من بقايا الاعراب المخلفين الذين كان القرآن يعتبرهم أعدى أعداء الإسلام والحضارة. العداوة بين العرب والأتراك فيروس رميت به الأمة لتكون الفتنة بين مؤسسي دولة الإسلام وحماتها.
واليوم إذا كان للثورة السورية فضل اعادة اللحمة بين العرب والأتراك فذلك وحده يعتبر فضلا لا يقدر على الأمة. فبذلك تنتهي سايكس بيكو الأولى ونشرع في افشال الثانية التي هي ما يخفيه اسم الفوضى الخلاقة التي شاركت فيها إيران بميليشياتها وبمساندة امريكا وروسيا. اليوم اخرجت من اللعبة راغمة.
والمعلوم أن تونس ومثلها الكثير من العرب والأكراد والأمازيغ والأفارقة قاموا بالواجب مع الخلافة لما كانت جيوشهم جيوش الامة وليست في خدمة عملاء نصبهم الاستعمار سواء في معركة التحرير بعد الحرب الأولى أو في حرب القرم حيث قدمت تونس أكثر من عشرين ألف مجاهد لم يعد منهم إلا القليل فبعضهم دفن في تركيا وبعضهم ما يزال خلفه حيا في تركيا.
من ليس له علم بفن الدبلوماسية وعلاقته بفن الحرب سيتصور أن تركيا لم تحقق شيئا في هذا اللقاء بين أردوغان وترومب. ولكن فلنحسب:
• تغييب إيران
• لم يعد وجود تركيا في ادلب موضوع نقاش بل هو باق حتى الوصول إلى حل في سوريا
• أصبحت عودة اللاجئين واجبة
• وصول المساعدات لأهل ادلب دون انقطاع
• والأخيرة وهي الأهم تساوى الحضورين الروسي والتركي.
وهذه النتائج ليست إلا منصة لما سيليها. إذ إن أي عدوان من النظام أو حتى من روسيا سيجعل الشوط الثاني لصالح تركيا لعلتين:
- فالنظام فقد جل قوته والمليشيات لم يعد لها ما كان لها من استسهال الأمر لأن حماية الطيران الروسي لم تعد كافية لاعتبار الحرب نزهة.
- العالم الغربي كله سيطالب بمنطقة آمنة قريبا حتى يتجنب مشكل اللاجئين إلى أوروبا.
طبعا لن يكون ذلك احتراما لحقوق الإنسان أو حبا في السلم بل لأن مشكل اللاجئين أصبح مشكلا يقض مضجع أوروبا.
وتركيا لن تتوقف عن المطالبة بعودة اللاجئين الموجودين عندها إلى ديارهم أو إن لم يساعدها العالم على ذلك المطالبة بمقاسمتها حملهم.
وأخيرا فالتذكير بنصوص جوناف تعني التخلي عما أريد تعويضها به في محاولات روسيا وإيران خلق مسار بديل.
وكما اسلفت فإن الجمع بين حرب المطاولة وحرب المناجزة هو السر في تغلب الأضعف على الاقوى.
وليست روسيا هي الأقوى وتركيا هي الاضعف.
فلو كانت روسيا وحدها في الحرب على تركيا لما اعتبرت الأقوى.
روسيا تحارب ومعها كل أعداء الأمة عامة وأعداء تركيا خاصة.
ويكفي أن يعلم القارئ كيف اتحدوا ضد الاتفاقية التي حصلت مؤخرا بين تركيا وليبيا حول سيادتهما على ثرواتهما في المتوسط.
وكان أول المتحالفين عرب الثورة المضادة.
حرب المطاولة هي الحرب التي تعمل بالقضم المتدرج وهي تشبه حرب الكر والفر.
والكر له دور القتال.
والفر دور الجدال أو الدبلوماسية.
وبينهما دائما ربح الوقت والاستعداد للجولة الموالية. كانت روسيا تسيطر على الأرض بالمليشيات وبالطيران. اليوم لم يعد لها هذان الأداتان كما كانتا بل احجمتا حتى وإن حصل تراجع في اليومين الأخيرين بسبب نقص الخبرة القتالية عند المقاومة.
ولو كانت روسيا وحدها هي التي تحارب لسهل الأمر.
ولو كانت الحرب قتالا فحسب لكان الأمر أيسر.
لكن الحرب ذات كلفة.
والعرب هم من يدفعها نيابة عن روسيا. والحرب ذات اعلام دولي وإسرائيل هي التي تتكفل بشيطنة اردوغان. والحرب ذات جبهة داخلية والكثير في تركيا يخلط بين التنافس الحزبي وضرب اردوغان.
والحرب اقتصادية بضرب العملة التركية.
والحرب الاقتصادية قد تستهدف مع العملة التركية السياحة والأسواق التي تتعامل معها تركيا.
أما إذا رأوها مع كل ذلك قادرة على هزيمة روسيا في ما تظن به متقدمة على الأتراك وفي الميدان تقنيا وحربيا فإنهم قد يقررون العودة إلى الحرب الشاملة التي يراد بها تركيع تركيا.
كل هذه الاعتبارات يأخذها القادة الحكماء في الحسبان.
ومن هنا ضرورة المطاولة التي وضع ابن خلدون نظريتها.
ومزية المطاولة أنها بالقضم المتدرج تنتقل من ربح الحرب بالضربة القاضية جعل الضربات القاضية معارك منفصلة ومتعددة بتقسيم الحرب إلى معارك وجعل كل ضربة مرحلة استنزافية تهيأ للتي بعدها في خطة تصاعدية تجعل العدو يجنح إلى السلم ليحافظ على ماء وجهه دون أن تمكنه من تحريض شعبه والغرب كله ليمر مباشرة للمناجزة في حرب شاملة.
والعالم الذي ضدك ليس الغرب وحده بل كل عملائه في الإقليم وخاصة علمانيو الأكراد والأتراك والعرب وثيوقراطيو الاقليم وخاصة الملالي والحاخامات والكثير من ورثة داعش.
ومعنى ذلك أن تجنيد العملاء في الإقليم أخطر على تركيا من روسيا واوروبا مجتمعين لأن هؤلاء أكثر الناس حرصا على “حياة”.
طبعا لست مطلعا على خطة قيادات تركيا. لكني اعتقد أنهم على بينة ممن يعاديهم وحتما يقرؤون بتمعن الأنفال 60 وقد برهنوا أنهم أعدوا لهم ما يرهبهم كما رأينا في الأسبوع الذي سبق اللقاء. وقد نرى أكثر قبل وقف القتال أو في الرد على أي تحرش بقوتهم في ما سلم لها به واستثناء إيران من الاتفاق.
وما كانت روسيا تتنازل إلى هذا الحد الظاهر ناهيك عن المسكوت عنه في الضميمة للاتفاقات السابقة لو لم تكن قد فهمت -رغم كل من يساعدها- أنها لم تعد قادرة على أكثر مما تعمل الآن من الدفاع بالطيران لأن السيطرة على الأرض ستكون قريبا للثوار الذين سلحتهم تركيا وكل تقدم لما بقي من جيش النظام والمليشيات سيكون مكلفا جدا في الأرواح والعتاد والمعنويات.
وحتى الطيران الروسي فلن تبقى لها الحرية السابقة في سماء ادلب.
سيلجأ إلى الضرب من علو شاهق وعن بعد وهو ما لا تأثير كبير له.
وكل نزول أو ا قتراب إلى مستوى المضادات سيصطاده الثوار.
ولن يستطيع السيطرة على الأرض.
وإذا أرادت روسيا أن تدخل الحرب فالعالم كله سيكون ضدها.
طول أزمة ادلب لصالح تركيا والثورة وخاصة إذا ضربت ضربة حاسمة في ليبيا لأن ذلك سيفقد روسيا التمويل الآتي من الثورة العربية المضادة.
وأهم تنازل حصلت عليه تركيا هو أن بوتين لم يكرر ضرورة استعادة كل ادلب واخراج تركيا منها ونزع سلاح الثوار.
والكلام على الإرهاب خف وصار مجرد إشارة عابرة لأنه بات يعلم أنها حجة لن يصدقها أحد وقد تستفيد منها تركيا أكثر لأنه يمكنها من محاربة العلمانيين الاكراد الذين تحميهم أمريكا وروسيا.
وقد استعملت في تحليلي نظامين مفهوميين من تاريخنا الجهادي وتاريخنا الفكري.
فحروب الفتح جمعت بين حرب الصف وحرب الكر والفر.
ونظرية ابن خلدون جمعت بين حرب المطاولة وحرب المناجزة.
لكني لم أكتف بهما بل جمعت بين كلاوسفيتز وسن تسو فقلبت نظرية وأضفت ما في نظرية الثاني.
وبوسع تركيا استعمال هذه العناصر الأربعة فتنقل الحرب الى روسيا إن هي تمادت.
فجل الجمهوريات الاسلامية التي كانت تابعة للسوفيات تركية أو قريبة من التركمان.
وحتى روسيا نفسها فإن المسلمين يمثلون نسبة مهمة من سكانها. ولا يمكن لبوتين أن يفتح على نفسه ما نمسيه في تونس “غار نمالة” لأن هؤلاء لن يبقوا محايدين في حالة حصول حرب فعلية بين البلدين.
وهي مستبعدة لأن تركيا ما تزال عضوا في الحلف الأطلسي رغم ميل ماكرون إلى طردها والتقارب مع روسيا. لكن أمريكا عارضت رؤيته.
تركت آخر نقطة لنهاية المحاولة: طبيعة إيقاع القرار السياسي في النظامين الديموقراطي الإنساني التركي والاستبدادي الفاشي الروسي.
فالقرار السياسي عند بوتين يمكن أن يؤخذ ويطبق بسرعة لأنه قرار لا حسيب عليه ولا رقيب بخلاف القرار السياسي عند أردوغان.
فهو لا يمكن أن يكون سريعا لا أخذا ولا تطبيقا لأنه يخضع للحسيب والرقيب الشعبيين: وهو فرق عميق الأثر وبعيده.
لكن هذه المقابلة في الإيقاع من حيث سرعة الاخذ والتحقيق بخلاف ما يبدو في الظاهر هي مقابلة لصالح أردوغان وضد بوتين.
فالأمر في نوع القرار عند أردوغان يجعله قرارا مترويا وذا تأييد شعبي.
ورغم بطئه فإنه إذا حصل يكون معبرا فعلا عن إرادة جماعية وليس أداة في يد مافية قد تكون مؤتمرة بقوة خارجية مثل روسيا وإيران: هما أداة لغيرهما.
فمن يصدق أن قيادات إسرائيل وأمريكا وحتى أوروبا يقبلون بتغول روسيا في المتوسط وإيران في الإقليم لو لم يكن ذلك موظفا من أجل درء الخطر الذي يخشونه أكثر حتى من الشيوعية-يعني عودة الإسلام إلى دوره في التاريخ العالمي- كما يقول جميع استراتيجيوهم منذ بداية الفتح وخاصة بعد سقوط جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي؟ هل يطلقون أيديهم هكذا لوجه الله؟
وعلى وجه الدقة هل حرك النظام وروسيا جبهة ادلب دون أن يكون لذلك علاقة بالاتفاق بين تركيا وليبيا على حقيهما في ثروات الأبيض المتوسط ومعارضة اليونان وإسرائيل وعميلها في مصر وبقية عرب الثورة المضادة بهدف محاصرة تركيا وتمكين العميل حفتر بمساعدة فرنسا ومصر والإمارات من احتلال ليبيا؟
بذلك ندرك الفرق بين الإيقاعين في القرار وتنفيذه. ولهذه العلة كذلك تكلمت على نوعي الحرب ونوعي الا إستراتيجيا وضرورة العمل بها جميعا.
فلا بد لتركيا من المطاولة والمناجزة بالتداول والتصاحب. ولا بد لها من حرب الكر والفر وحرب الصف المتصاحبتين. ولما كانت الأولى للجيش الحر والثانية لتركيا فإن القرار صار اخذه وتنفذيه أعسر.
والعسر الثاني ليس من الديموقراطية في تركيا بل من عدم النظام في المقاومة السورية.
فما حدث من تراجع في الأسبوع الماضي علته المقاومة على الأرض.
فهي ما زالت تعاني من مرضين:
- عدم الوحدة بين فصائلها
- وتوهم المقاومة تكون بالصف وليس بالكر والفر الذي يقتضي الانتشار والضرب حيث لا يتوقع العدو مع تشطير الجبهة بفتح منافذ والاستدارة على الجبهة من خلفها.
فإذا أضفت أنهم عديمو الحرفية حتى في حرب الصفوف ناهيك عن حرب الكر والفر فهمت لماذا اضاعوا ما حصلوه في بداية الحملة. فما حازوه تركوه بلا حماية وبدلا من الجمع بين الصف للحماية والكر والفر لتشتيت جهد العدو ظلوا بحمق لم أر له مثيلا في صراع جبهة ضد جبهة مع علمهم باستحالة تدخل تركيا لأن مراصدها توجد وراء خطوط التماس وهي بنحو ما محاصرة.
لم يكن بوسع تركيا التدخل المباشر على الأرض دون جعل مراصدها في hدلب التي حوصرت رهائن تعسر حمايتهم من دون تضحيات في الأرواح كثيرة.
وقد بعثت روسيا رسالة في ذلك لما ضربت أحدها فقتلت ما يربو على الثلاثين جنديا.
واعتقد أن الاستراتيجيا تقتضي ترحيلهم لإخراجهم من وضع الرهائن المحتملين بسبب ما هو آت الآن قبل فوات الأوان: لأني واثق أن الشوط الثاني من الحرب لن يتأخر كثيرا.
وعندي أن ما حدث أمس كان هدنة تحتاجها تركيا أكثر من روسيا التي تحتاجها أيضا لكنها تسعى للحسم بالمناجزة لأن كل مطاولة خطر عليها.
فتركيا بحاجة لحل هذه المعضلة لتنظيم دور المقاومة بتوحيدها وتدريبها على الحرب الجدية بالأسلوبين.
والمعضلة الثانية وهي من أسرار اجتماع البرلمان هي ما يتعلق بما حصل من قرار له الأغلبية المتينة حول الحرب أو عدمها.
فالنظام الديموقراطي له هذه خاصيته.
يكفي أن نرى مداولات البرلمانات في الغرب.
وأخيرا فإن تركيا التي تبدو وحدها في هذه المعركة كما كان الامر في معركة بداية القرن الماضي لا يمكنها أن تغامر بصورة غير محسوبة فتضرب قبل أن يصلب عودها بصورة لا رجعة فيها.
لذلك فالمناورة والجمع بين نوعي الحرب ونوعي الاستراتيجيا سيجعلها تستفيد من ثورة الشعوب التي هي بطيئة لكنها ثمرتها حاسمة حتما.
وهذا التلاحم بين ثورة الشعوب وتعافي تركيا هو العامل المحدد لمستقبل الإقليم.