لفهم المنطق المليشياوي عند عملاء العرب الخادمة لإيران وإسرائيل

ه

يصعب أن ينكر أحد أن النخب العربية العميلة الحاكم منها والمعارض إذا ما استثنينا منها الإسلام السياسي الذي أجمعوا على محاربته بالتحالف إما مع إيران أو مع إسرائيل ومع من يسندهما من ورائهما دون تستر بل علنا أي روسيا وأمريكا أنها قد انقسمت بصنفيها إلى ما يشبه العمل المليشياوي الذي فرضته استراتيجية الفوضى الخلاقة في الاقليم مرتين:
• الأولى كانت بمقتضى لعبة المقابلة سوفيات أمريكا.
• الثانية بمقتضى لعبة المقابلة إيران إسرائيل.
انقسمت نخب العرب العميلة سابقا بمقتضى لعبة المقابلة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية اللتين ورثتا الاستعمار الأوروبي بعد أن شرع في الانهيار بسبب الحرب العالمية الأولى واكتمل انهياره في الحرب العالمية الثانية ففقدت أوروبا امبراطورياتها بل وصارت هي بدورها مستعمرة للعملاقين بعدها لكن ثمرتها كانت نكبة للأمة هي ما صار ممكنا من اسقاط الخيط الرفيع الرامز لوحدة الأمة وتقسيم أرضها العربية بخطة سايكس بيكو والشروع في احتلال فلسطين.
وكانت خدمة النخب العربية العميلة لهذا الانقسام الأول هي بدروها قد انهارت بانهيار جدار برلين والاتحاد السوفياتي بعد فشل ما يسمى بالحياد الإيجابي. فأصبح نظام العالم عامة والإقليم خاصة تابعا للولايات المتحدة وذراعيها فيه -إيران وإسرائيل- خلال السعي إلى نظام العالم الجديد الذي تعمل أمريكا على منعه من الحد من سلطانها عليه بعد أن صارت القوة العظمى الوحيدة وهي تستعد للبقاء كذلك من خلال التصدي لعمالقة الشرق الأقصى خاصة.
ومن نتائج الانقسام في المرحلتين أن النخب العربية العميلة حاكمها معارضها ليس لها مشروع بسبب نكوصهم إلى جاهليتهم وتخليهم بسبب حداثة زائفة وسطحية عما يستعمله الأعداء أساسا لاستراتيجيتهم. فقد خاضوا معركتين لا ناقة لهم ولا جمل في أهدافها واستراتيجيتها بل كانوا مجرد أدوات لخطة جهنمية كانت فيها مليشيات القلم ومليشيات السيف من كلا الصفين العربيين تخلط بين الأقوال والأفعال لدى من يوظفهما:

  1. فالاتحاد السوفياتي يستتبع من انحاز إليه بخطاب يعادي الولايات المتحدة فاعتبروا ذلك تأييدا لهم خلطا بين استعمالهم في معركته مع أمريكا وتأييدهم في معركتهم تعميما لخرافة عدو العدو صديق.
  2. ونفس الأمر تعمله الولايات المتحددة تستتبع من انحاز إليها بخطاب يعادي السوفيات فاعتبروا ذلك تأييدا لهم خلطا بين استعمالهم في معركتها مع السوفيات وتأييدهم في معركتهم تعميما لنفس خرافة عدو العدو صديق.
    انقسمت النخب العربية بنوعيها القلمي والسيفي في الحكم والمعارضة هذا الانقسام واعتبرته ضروريا لحسم معركة داخلية مجرد اختلاقها دليل على غياب المشروع – التقدمية والرجعية بين القومية والاسلام والتظاهر بالتنافس على تبني القضية الفلسطينية – وما ترتب على ذلك من بداية الحرب الأهلية وبالذات في اليمن كالحال الآن.
    فكان الحامي خلال هذه المعارك الزائفة يستعملهم ويستهدف احتلال أرضهم خلال المعركة الجيواسراتيجية بين العملاقين فاحتلت أمريكا بعض بلاد العرب واحتلت روسيا بعضها الآخر.
    وقد أدى ذلك إلى بداية تأسيس مليشيات معارضة من توابع العملاقين فصار كل نظام له معارضة مليشياوية تابعة للنظام الخصيم النظام الذي يتبعه وكانت طابورا خامسا شيوعيا قوميا في البلاد التابعة لأمريكا وطابورا رأسماليا إسلاميا في البلاد التابعة لروسيا أو بجوارها: فنشأت دولة “ماركسية” على حدود السعودية ودولة “إسلامية” على حدود مصر فضلا عن حركات شيوعية في البلاد العربية التابعة لأمريكا وحركات إسلامية في البلاد التابعة لروسيا.
    ولم يخرج العرب من الحرب الأهلية بهذا المنطق حتى انتهت كل الأواصر بينهم بما في ذلك آصرة الجامعة العربية التي لا تتجاوز الشكليات بعد غزو صدام حسين للكويت. ومنذئذ بدأ الانتقال المتدرج من الانقسام حول المقابلة سوفيات أمريكان إلى الانقسام حول مقابلة إيران إسرائيل. لذلك فالانقسام الأول يماثله ما يجري حاليا. ولكن بنفس البنية دون الاقتصار على تعويض السوفيات بإيران وأمريكا بإسرائيل أي إن العرب حكما ومعارضة قلميا وسيفيا صاروا مليشيات للذيلين بعد أن كانوا مليشيات للرأسين. لكن لا بد من ملاحظتين مهمتين:
  3. الأولى هي أن الذيلين ليسا مجرد أداتين لأن لهما أهداف ذاتية مهمة وهي المقدمة حاليا لأن الراسين يعتبرانهما قاعدتين لدورهما ويقبلان منهما ما يرضيهما ويحقق أهدافهما الخاصة بهما.
  4. الثانية أن الرأسين والذيلين لهم علاقات شديدة الإلتباس وخاصة بالنسبة إلى علاقة أمريكا بإسرائيل وعلاقة روسيا بإيران فكلاهما يصلح لكليهما بمعنى أن أمريكا لا تعتبر إيران عدوا إلا في الظاهر وروسيا لا تخفي أنها صديق لإسرائيل وتقدمها على إيران.
    وحتى أزيد هذه العلاقة توضيحا فإن ما يجري بين إيران وإسرائيل ليس عداوة أصلية بل تنافس فرعي حول قسمة أرض الضحية وليس على القضاء على أصحابها لأنهما كلاهما يعتبران ما نشأ عن دولة الإسلام حقا لهما متقدما على الإسلام ويريدان استرداده. وفي ذلك يشاركهم الروس والأمريكان.
    فروسيا يحركها خاصة ما بيد تركيا مما تعتبر نفسها وريثة له أعني اسطنبول وما حولها لأنها عاصمة الأرثودكسية ولأن ما حولها كان مستعمرات بيزنطية تشمل الأناضول وسوريا الكبرى. ولذلك فالحلف مع إيران علته نفس الهدف وتجاوز ما كان علة هزيمة أسلافهم المشترك أمام الفتح فيحققان الصلح ولو كان متأخرا للانتقام ممن هزمهم رغم أن الإسلام انحاز إلى الروم في كلامه على الحرب بينهم وبين الفرس.
    وأمريكا بسبب عقيدة مستعمريها في البداية من مطرودي المسيحيين الإصلاحيين يعتبرون استعادة فلسطين وما حولها تحريرا للأرض الموعودة الأولى مثلما هم أسسوا الأرض الموعودة الجديدة في أمريكا. ولذلك فالحلف مع إسرائيل علته تحقيق نفس الغاية: استعادة دولة داود باعتبارها أرضا موعودة.
    ولست غافلا على أن “النخب” العربية لتصورها انه من الحداثة أن يعموا فلا يرون التاريخ ولا يرون أن الأعداء الذين هم أحدث منهم ألف مرة لا يهملون تأسيس فعلهم التاريخي على التأسيس الروحي الذي صاروا هم يهزؤون من أصحابه ويسارعون إلى نعتهم بالإرهاب. والنتيجة التي أختم بها كلامي في التملش العام للأنظمة والمعارضات العربية هي:
  5. أن التطبيع مع احتلال إسرائيل لفلسطين صار أمرا علنيا لتبرير الاحتماء من إيران بها واعتبارها حليفا في التصدي لدورها في الإقليم لحماية الانظمة ونخبها على حساب الشعوب والأوطان.
  6. وأن التطبيع مع احتلال إيران لإضعاف ما تحتله إسرائيل من الارض العربية صار علنيا لتبرير الاحتماء من اسرائيل بها واعتبارها حليفا في التصدي لدورها في الإقليم لحماية الأنظمة ونخبها على حساب الشعوب والأوطان.
    وقد كتبت هذه المحاولة لتوضيح مواقفي الحالية مما يجري في تونس: فقد فضحت الانتخابات الحالية هذه الظاهرة التي كان الكثير يتصورها مقصورة على المشرق لكنها في الحقيقة تختمر في كل بلاد العرب وتعتمد الجمع بين الانقسام القديم حول المقابلة – سوفيات أمريكان لأن القوميين واليساريين من بقاياه – والانقسام الحديث حول المقابلة إيران إسرائيل اللذين كلنا يعلم أنهما يحتميان بروسيا وأمريكا بل هما أداتهما لمنع المسلمين من استرداد دورهم التاريخي الكوني.
    وإذن ففي كل بلاد العرب من الماء إلى الماء نجد نخبا مليشياوية تعمل بالقلم وتعمل بالسيف إما لصالح إيران وروسيا أو لصالح إسرائيل وأمريكا. وفي الحالتين لم يبق لا للأمة ولا للأقطار دور يذكر في المعارك السياسية إلا للتغطية على هذه العمالة العامة التي تمولها الأنظمة العربية العميلة التي لها ثروات بترولية تستعملها للمحافظة على استبدادها وفسادها وتحارب كل إمكانية لاستئناف دور الامة في التاريخ العالمي لتبقيها تابعة في محميات تمول بقاء القواعد الأجنبية فيها.

نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي
آخر تحديث 05-04-2025
نَسْبُ الـمُصنَّف، الترخيص بالمثل 4.0 دولي.
جميع مشتملات الموقع مرخص استخدامها كما هو منصوص عليه هنا، مالم يذكر العكس. ومن ثم فلمستخدمها مطلق الحرية في نشر المحتوى أو تعديله أو الإضافة عليه بشرط إعزائه إلى صاحبه ثم نشره بذات الرخصة.
بني بواسطة هيوغو
التصميم اسمه ستاك ونفذه جيمي